كأس العالم يفجر غضب الشباب المغربي ضد الملياردير “أخنوش”…. وكلمة السر “زد 212 “! 

وفاة ثمانية نساء في عمليات قيصرية يشعل الأوضاع في المغرب 

“المستشفيات قبل الملاعب…علاش جينا واحتجينا، على السبيطار اللي مالقينا.. بغينا سبيطار زوين للشبان والمسنين، بغينا مدرسة زوينة تقرينا وتوعينا”.. تلك هي الشعارات التي رفعها المتظاهرون الشباب المغاربة ويطالبون فيها بمستشفى جيد ومدرسة جيدة، خلال الاحتجاجات التي شهدتها البلاد منذ شهر سبتمبر الماضي، والتي تتزعمها حركة تدعى “جيل زد 212 “.  

الشعارات المرفوعة في التظاهرات التي بدأت في بعض المدن المغربية وانتشرت في أنحاء المغرب بعد ذلك، تعبر عن حالة الغضب والسخط من سوء الأحوال الاقتصاية والاجتماعية، وتطالب بمواجهة “الفساد ومحاسبة الفاسدين” بحسب تقارير إعلامية متلفزة. وقد شهدت الاحتجاجات تطورا في سقف المطالب تدريجيا منذ بدأت في يومها الأول خلال النصف الثاني من شهر سبتمبر وصولا لمراحلها التالية. 

وفاة 8 نساء في عمليات قصرية أشعل الغضب 

بداية الغضب ترجع إلى حدوث ثمانية حالات وفاة لنساء مغربيات أثناء الوضع بعمليات قيصرية، في مستشفى الحسن بالجنوب بمدينة أغادير، وذلك خلال أقل من شهر، مما أثار ردود فعل غاضبة ضد ما أسموه “مستشفى الموت”، ثم انطلقت بعدها الاحتجاجات على تردي الأوضاع الصحية عامة للمطالبة بتحسين ورفع مستوى الرعاية الصحية بالمسشتفيات. 

وظهر ما يسمى بحركة تدعى زد 212 في المشهد الغاضب، عندما دعت إلى تجمع احتجاجي أغلقت على إثره المحلات التجارية، بينما كان رجال الأمن في انتظارهم  حتى تمت المواجهة وتحول الحديث الهامس بين أعضاء الحركة إلى مظاهرات صاخبة مرفوع فيها شعارات غاضبة يرددها المتظاهرون في مشهد لم يخل من انفلاتات شبابية وصدامات مع الشرطة قوبلت بتعامل من الأجهزة الأمنية. ووقعت اشتباكات بين الشباب المتظاهرين ورجال الشرطة خاصة بعد قيامهم بإغلاق طريق سريع، أعقبه خروج المئات من الشباب المغاربة في عدة مدن مغربية رافعين شعارات منتقدة للحكومة ومنددة بما وصفوه ب “الأولويات الحكومية الخاطئة” في إشارة إلى اهتمام المغرب بالمنشأت الخاصة بكأس العالم الذي تشارك في استضافته مع إسبانيا والبرتغال عام 2030 من إنشاء لملاعب جديدة وتجديد وتوسيع لستة أخرى، بينما توجد أزمة في نقص المستشفيات ما دفع الشباب لرفع شعار :” المستشفيات قبل الملاعب”. 

لم يتوقف الأمر عند هذا الأمر، بل تحولت حادثة وفاة النساء الثمانية إلى شرارة أولى أدت لاشتعال الأوضاع في تصعيد كبير كما وكيفا وصولا لسقوط جرحى وقتلى.  

خلال أسبوع تطورت الأحداث بشكل خطير  بعد امتداد الاحتجاجات إلى 14 مدينة في شتى أنحاء المغرب كالنار في الهشيم وشهدت اعمال عنف، وتأزمت الأوضاع بعد وفاة طالب خلال الأحداث في قرية القليعة قرب أغادير التي انطلقت منها الأحداث، بالإضافة إلى وقوع عدد آخر من الضحايا بين جريح وقتيل في صفوف شباب المتظاهرين في بلدات آيت عميرة والقليعة وسيدي بيبي، وهي مناطق صغيرة بجوار مدينة أغادير والتي تعد من المناطق المنسية حتى صارت في دائرة الضوء في ظل هذه التطورات الأخيرة. 

من هم جيل زد؟! 

“جيل زد 212” .. هي حركة تلقائية تكونت عبر “ديسكورد” تلك المنصة الرقمية التي يلتقي فيها الشباب الصغير مع مشاهير الألعاب الإلكترونية، ومنها، من داخل هذه الساحة الافتراضية انتقل الغضب إلى أرض الواقع، إلى ساحة التظاهرات في شوارع وميادين المغرب. أما بالنسبة للتسمية فلها شقان؛ جيل زد فهو مصطلح يشير إلى مواليد منتصف تسعينيات القرن الماضي وأوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وهي الفترة المرتبطة بنشأة وانتشار التواصل الرقمي في الحياة اليومية، ومن ثم فهي تضم أعضاءًا في أعمار صغيرة بين الصبا والشباب. أما الرقم 212 فهو يرمز لمفتاح الاتصال الهاتفي الدولي الخاص بالمملكة المغربية. 

وقد اعتمدت حركة زد 212 على استخدام منصات وسائل التواصل الاجتماعي وعلى رأسها “ديسكورد” لحشد الجماهير من الشباب أمثالهم وتنسيق مواعيد وأماكن الدعوات الاحتجاجية التي يدعون إليها في المغرب، كما ساعدتهم هذه الوسائل على زيادة عدد أعضاء مجموعتهم من3 آلاف إلى 130 ألف عضو خلال أقل من أسبوع على بدء التظاهرات. وامتدت الاحتجاجات من أغادير وما حولها من مدن صغيرة في الجنوب، إلى العاصمة المغربية ومدنها المجاورة في الغرب، وفاس ومكناس شمال الغرب، والدار البيضاء والمحمدية غرب الوسط، ومدن بني ملال وخريبكة والفقيه بن صالح في الوسط، ومراكش وآسفي جنوب الوسط، وطنجة وتطوان في الشمال، ووجدة وتازة والعيون الشرقية في الشرق، والرشيدية جنوب الشرق. 

ونظرا لانخفاض سن المتظاهرين وبعضهم من الأطفال والقصر، تطورت الأحداث لأعمال عنف خطيرة سقط خلالها ضحايا من الطلاب إلى جانب الإصابات نتيجة المواجهات العنيفة مع رجال الشرطة. كما وقعت خسائر مادية كبيرة نتيجة لاندساس المخربين وسط المتظاهرين السلميين وقيامهم بحرق ممتلكات عامة وخاصة ونهب بعضها، بحسب تصريحات إعلامية لوزارة الداخلية بالمغرب. 

تصعيد أكبر بالمطالبة بعزل أخنوش 

في خضم الأحداث ارتفعت موجات الغضب لأعلى مستوى وارتفع معها سقف المطالب، فبعد أن كانت المطالب الأولى تقتصر على مستشفيات ومدارس جيدة، تحركت لمستوى أعلى نحو المطالبة بإقالة الحكومة المغربية رقم 17 والتي يرأسها الملياردير عزيز أخنوش. 

تولى أخنوش، 64 سنة، ذو الأصول الأمازيجية، رئاسة الحكومة المغربية عام 2021 بعد فوزه في الانتخابات التشريعية، وتصدّر حزبه النتائج بحصوله على 102 مقعداً في البرلمان، متفوقاً على قوى سياسية  كانت تسيطر على المشهد السياسي لسنوات. 

لم ترتبط شهرته بخوض غمار السياسة، بل اشتهر أخنوش قبلها في عالم الأعمال كرجل اقتصاد بارز خاصة في مجال المحروقات حتى أطلقوا عليه امبراطور المحروقات، بحكم سيطرة مؤسسته “أكوا” على 40% من سوق المحروقات في المغرب، و45 في المئة من سوق غاز البوتان، و62 في المئة من سوق الغاز النفطي المسال. وبهذا اللقب دخل أخنوش بكل ثقله إلى عالم السياسة ودائرة صناع القرار، وكانت أولى خطواته السياسية بعضويته في عدة مؤسسات حكومية، قبل تعيينه وزيرا للفلاحة والصيد البحري، وهو المنصب الذي استمر فيه رغم تغير الحكومات، حتى تقلد منصب رئيس الوزراء. وخلال هذه الفترة وتحديدا عام 2016 تولى رئاسة حزب التجمع الوطني للأحرار، حيث أطلق حملة لتطوير الحزب ليكون أقرب للمواطنين، بإطلاقه برنامج “100 مدينة، 100 يوم”. في عام 2025 وضعته مجلة فوربس في المركز 27 بين الأثرياء العرب بثروة تقدر بمليار ونصف المليار دولار. 

وقد أعلن أخنوش عن التزامه بمبادئ النموذج التنموي الجديد، الذي يرسم خارطة طريق طموحة لمستقبل المغرب في أفق سنة 2035. وهو ما تزامن مع تبني حكومته لبرامج تعميم التغطية الصحية، وإطلاق سياسة جديدة لتشجيع الاستثمار، وتحسين مناخ الأعمال، إلى جانب الاهتمام بمشروعات في قطاعات التعليم والصحة. وعلى الرغم من ذلك توجد حالة من عدم الرضا خاصة في أوساط الشباب المغربي من أداء حكومة أخنوش، والتي عبرو ا عنها في الاحتجاجات التي اجتاحت أنحاء المغرب، بالمطالبة بإقالته لسخطهم من تدهور الخدمات الأساسية وخاصة الصحة والتعليم، ويضاف إليهما مشكلة البطالة التي يعانيها منها عدد كبير من الشباب في المغرب 

إنفاق ضخم على مشروعات كأس العالم 

تأتي هذه الاحتجاجات في الوقت الذي تستعد الملكة المغربية فيه لتدشين مشروعات استثمارية رياضية كبرى ذات تكلفة عالية، خاصة بمتطلبات استضافتها لكأس العالم عام 2030 بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال، وهو الأمر الذي أغضب المتظاهرين الشباب ممن يرون أن الأولوية يجب أن تكون للخدمات التي تعاني من التدهور، وترتبط مباشرة باحتياجات السكان. وتقدر الاستثمارات المتوقعة حتى عام 2030 بما يزيد عن 170 مليار دولار، وفقا لوحدة الأبحاث “التجاري غلوبال ريسرش”، التابعة لمصرف “التجاري وفا”، أكبر مُقرض في المملكة. 

وتشمل المشاريع بناء وتأهيل الملاعب وتوسعة الموانئ وتمديد السكك الحديدية ورفع الطاقة الاستيعابية لشركة “الخطوط الملكية المغربية الحكومية”، إضافة إلى محطات تحلية مياه البحر لمواجهة الإجهاد المائي المتنامي. 

رغم الاحتجاجات على تردي الأوضاع الصحية والتعليمية وارتفاع مستوى البطالة، كشفت وكالة “إس آند بي” إن عجز الميزانية في المغرب قد يتقلص إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2026، بدعم من ارتفاع الإيرادات الحكومية، مما يُؤدي إلى انخفاض بطيء في نسبة الدين العام للحكومة إلى الناتج المحلي الإجمالي. كما أشادت الوكالة ب”صمود اقتصاد المغرب في وجه الصدمات الاقتصادية المتتالية، والتي كان آخرها عدم استقرار التجارة العالمية نتيجةً للرسوم الجمركية الأمريكية”. 

وأشارت الأرقام أن الناتج المحلي للمملكة العام الماضي حقق نمواً بنسبة 3.8% ويُتوقع أن يرتفع إل 4.6% هذا العام. مع التفاؤل بأن “آفاق النمو الاقتصادي تبدو قوية، إذ يُتوقع أن يبلغ متوسط ​​نمو الناتج المحلي 4% خلال الفترة 2025-2028″، فيما عدا ما يتعلق بالإنتاج الزراعي نتيجة الآثار السلبية لتغير المناخ على الإنتاج الزراعي. وأفادت بيانات المندوبية السامية للتخطيط أن الاقتصاد المغربي حقق نموا بنسبة 5.5% خلال الربع الثاني من عام 2025 وهو أعلى معدل نمو فصلي منذ 14 رُبعا، في الوقت الذي كانت معدلات النمو تتراوح بين 3-5% خلال العامين الماضيين. 

وأعربت وكالة فيتش للتصنيف عن تفاؤلها وثقتها في قدرة الاقتصاد المغربي على تحقيق نمو في الناتج المحلي بنسبة 28% خلال أربع سنوات. وفي نظرة مستقبلية توقعت أن يرتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى أكثر من 5700 دولار في عام 2028 مقارنةً ب ـ4700 دولار هذا العام. 

أزمة البطالة 

ورغم ذلك تظل المشكلة الأكبر متمثلة في البطالة التي تشهد ارتفاعا عند أعلى معدلاتها، حيث سجلت 12.8% نهاية الربع الثاني هذا العام. وفي تحليل تفصيلي كشفت الأرقام عن ارتفاع البطالة بين الشباب في الفترة العمرية من 15 إلى 24 سنة حيث بلغت 35.8% في الربع الثاني من العام، وسط تقلبات حادة صاحبها ارتفاع من 22.9% في الربع الرابع 2019 إلى مستويات قياسية بلغت 39.5% في الربع الثالث لعام 2024. 

هناك مجموعة من العوامل تكمن وراء ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب يأتي في مقدمتها الجفاف المستمر ما انعكس سلبيا على قطاع الزراعة الذي يستحوذ على النسبة الأكبر من الأيدي العاملة والمقدرة بحوالي 40% من السكان، حيث يعاني المغرب منذ سنوات من تراجع هطول الأمطار بشكل كبير انعكس سلبيا على أداء القطاع الزراعي الذي يسهم بنسبة 14% في الناتج المحلي، وهو ما نتج عنه فقدان 159 ألف وظيفة منذ مارس 2023 كان أغلبها في القطاع الزراعي. 

 كما ترتبط البطالة أيضا بزيادة حجم ما يعرف ب”اقتصاد الظل” والذي يشمل الأنشطة الاقتصادية غير المسجلة رسميا، ويقدر حجمه التقريبي ب30% من الناتج المحلي الإجمالي البالغ 143 مليار دولار بحسب تقارير إعلامية. 

من العالم الافتراضي إلى الشوارع والميادين 

بالنظر إلى احتجاجات جيل زد 212 نجد أنها تشكل ناقوس إنذار من خطورة تجاهل الشباب والاستماع إلى أفكارهم ومتطلباتهم ومناقشتهم لأن هذا التجاهل يدفعهم إلى البحث عن بدائل أخرى للتعبير فيها عن مطالبهم حتى وإن كانت بدائل في عالم افتراضي على الشبكة العنكبوتية، حيث يجتمع ويلتقي الشباب باختلاف توجهاتهم وخلفياتهم وينتهي بهم الأمر للالتفاف حول مجموعة يشعرون أنها تعبر عنهم. وهو ما حدث مع حركة جيل زد 212 التي بدأت بشكل تلقائي خلال تجمعات شبابية على منصة تواصل اجتماعي تسمى “ديسكورد” وهي ملتقى “للجيمرز واليوتيوبرز” أو مرتادي الألعاب الإلكترونية، وتعد ساحة حيوية للأحاديث الشبابية، ومنها انطلقت فكرة التجمع خارج إطار الشبكة العنكبوتية والخروج من دائرة العالم الافتراضي إلى الميادين والشوارع للتجمع والتظاهر والتعبير عن مواقفهم مما يجري في بلادهم في ظل قناعة ذاتية لديهم أنهم يمارسون حقهم الطبيعي في التعبير عن أنفسهم وعن جيلهم. لكن تبقى المشكلة الخطيرة في احتمالات انفلات الأمر وخروجه عن السيطرة بشكل يهدد أمن الوطن لولم يتم استيعاب هؤلاء الشباب واحتواء مطالبهم. 

لقد أحسنوا التصرف حينما قرروا وقف الاحتجاجات انتظارا واحتراما لخطاب العاهل المغربي في افتتاح الدورة التشريعية، وجاءت كلمات الملك هادئة حكيمة تطالب الحكومة والبرلمان بمزيد من العدالة الاجتماعية، وهي أحد المطالب الرئيسية لجيل زد 212، لكنهم مع ذلك أعربوا عن حالة من الإحباط وخيبة الأمل التي أصابتهم جراء الإبقاء على حكومة أخنوش بما فسروه أنه تجاهل لمطالبهم واصطفاف ملكي بجانب الحكومة المغربية التي يطالبون بإقالتها. ولكن أصواتا مغربية أخرى من الخبراء والمحللين السياسيين ومنهم الدكتور مصطفى تاج أستاذ علم الاجتماع السياسي، كان لهم رأي آخر مفاده أن الخطاب الملكي لم يتجاهل مطالب الشباب بل بالعكس تضمنها من خلال الرسائل التي وجهها للبرلمان والأحزاب السياسية التي يعبر عنها، بالمطالبة بضرورة تعجيل تحقيق العدالة الاجتماعية، مشيرا إلى أنه لا يمكن إقالة حكومة منتخبة تحظى بشرعية انتخابية من مئات الآلاف من الأصوات المغربية التي صوتت على الأحزاب التي شكلت الحكومة، من أجل تنفيذ مطالب عشرات الآلاف من الشباب المتظاهرين. 

كلمة أخيرة: 

من المهم جدا النظر  إلى التجارب المشابهة في المنطقة وإلى ما آلت إليه من نتائج لم تكن كلها محمودة العواقب، بل في كثير من أحيان أدت الاحتجاجات غير العاقلة إلى أوضاع أكثر سوءًا، وتسببت في تدمير البلاد، وضياعها بعد انفلات الأمر  بشكل أتاح الفرصة لأطراف خارجية للتدخل والعبث بأمنها القومي، وهو ما نحذر منه شباب زد في المغرب حتى لا نصل إلى مرحلة لا يفيد فيها الندم. وهو نفس التحذير الموجه للحكومة المغربية بضرورة الإسراع في العمل على احتواء هؤلاء الشباب وإشراكهم في صناعة القرار ووضع المعلومات أمامهم بشفافية حتى يتفهموا موقف الحكومة مع الإسراع في حل المشكلات المزمنة التي تنغص على المواطن المغربي حياته اليومية.