لبنان المُعلّق على صخرة هل يقع؟ 

ترقّب لإنعكاس وقف الحرب على غزة 

   كلما نام لبنان على مشكلة يصحو على ازمة، وكلها داخلية مفتعلة بالغالب من هذا الطرف او ذاك لإشغال البلد بأمور ليست بهذه الخطورة، بينما الاقليم يغلي والعالم العربي ينتظر استكمال الحل الاميركي في قطاع غزة بعد توقيع اتفاق وقف اطلاق النار، وانعكاساته على لبنان والمنطقة، ولذلك ربما راهن بعض اركان الحكم والقوى السياسية المعارضة للمقاومة في لبنان “على متغيرات كبيرة في المنطقة تطال بمفاعيلها بشكل خاص محور الممانعة  لا سيما ايران واليمن وفصائل المقاومة في غزة بعد الهجمات الاسرائيلية عليهم، وبعد  سقوط النظام السوري” حسبما سرّب أحد كبار المسؤولين في الدولة، عدا ما يتعرض له حزب الله يوميا من اغتيالات وضربات اسرائيلية في جنوب لبنان ومناطق البقاع.  

   لكن يبدو انه خلافاً للرهان على المتغيرات التي يمكن أن يستفيد منها لبنان، فإن ايران واليمن والمقاومة الفلسطينية وحزب الله ما زالوا متمسكين بمواقفهم بمواجهة الكيان الاسرائيلي، أوعلى الاقل عدم الخضوع المطلق وكيف ما كان لشروطه وشروط الادارة الاميركية لمعالجة الازمات القائمة، ومن هنا جاءت مواقف حزب الله برفض تسليم سلاحه، وقيادة الحوثيين في اليمن برفض وقف اطلاق الصواريخ والمُسيّرات على الكيان الاسرائيلي. وطلب حركة حماس وحركة الجهاد الاسلامي بتعديل مبادرة الرئيس الاميركي دونالد ترامب لوقف الحرب على غزة، لا سيما لجهة توفير الضمانات بوقف العدوان الصهيوني المتمادي على المدنيين، ومراجعة موضوع السلاح، وهو الامر ذاته الذي يطلبه حزب الله . 

 وهذا الرهان يترافق مع حملات اعلامية وسياسية وتسريبات عبر مواقع التواصل الاجتماعي اغلبها غير صحيح او غير دقيق، وهوما رأى فيه مصدر دبلوماسي غربي لـ “الحصاد” ما يصب الزيت على النار “لتحقيق مزيد من التوتر والانقسام  وخلق بلبلة لدى الرأي العام في لبنان، ولتحقيق اهداف سياسية او امنية أوشخصية انتخابية في اطار حملة التحضير للإنتخابات النيابية في شهر ايار- مايو من العام المقبل”. 

   وتوقف المصدرالدبلوماسي عند الازمة التي نشأت حول فعالية اضاءة صخرة الروشة التي اقامها حزب الله لمناسبة الذكرى السنوية الاولى لإستشهاد امينيه العامين الشهيدين السيدين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، معتبرا انها لا تستأهل هذا الاستنفار السياسي والطائفي والمذهبي والامني، وهي من الأمور الإجرائية التي يمكن حلها ضمن المؤسسات ومن دون افتعال ضجيج واستنفار عصبيات وشعبويات وتسجيل مواقف، خاصة أن هناك اموراً أهم بكثير من هذه القضايا يجب الالتفات لها ومعالجتها، واولها انجازالاصلاحات التي يطلبها المجتمع الدولي لدعم نهوض لبنان، اضافة الى الخلافات والانقسام  حول موضوع حصرية السلاح. والخلاف المستجد حول تعديل قانون الانتخابات النيابية بما يتيح انتخاب المغتربين اللبنانيين لمجموع عدد النواب 128 وليس لستة نواب حسب عدد القارات. عدا تنامي الازمة المعيشية نتيجة زيادة الضرائب والرسوم في موازنتي العامين 2025 و2026 لسد عجز الخزينة وتمويل بعض الاستحقاقات المالية كتحسين رواتب موظفي الدولة والعسكريين. 

 وعلى هذا بقي لبنان معلقاً على ازمة الصخرة اكثرمن شهر وكاد يسقط في خلافات هددت بفرط حكومة الرئيس نواف سلام، وبقيت مفاعيل مخالفة حزب الله للتعاميم الرسمية حول اضاءة الصخرة قائمة وسط تشنجات سياسية، الى ان جرى اعتماد تعليق المشكلة بتعليق “العلم والخبر” او الترخيص لجمعية “رسالات” الثقافية التي طلبت الاذن بإقامة فعالية احياء ذكرى الشهيدين الى حين انتهاء التحقيقات الادارية والقضائية، فبقي لبنان معلقا على ازمة الصخرة.   

 هذا الواقع أدركه الحكم والحكومة في لبنان، لذلك حرص رئيس الجمهورية جوزاف عون على معالجة الامور بهدؤ وحكمة بعيداً عن الانفعال، حيث فضّل اللجؤ الى الحوار بين كل الاطياف ليس لمعالجة هذه المسألة فقط بل كل المسائل المهمة الاخرى العالقة. وهوتماماً ما فعلته قيادة الجيش في تعاطيها مع الامور الشائكة والتي تفترض حكمة وتعقلاً  لا اضافة مزيد من التوتر والانقسام في البلد كي لايقع لبنان من فوق الصخرة. 

 خطة الجيش لجمع السلاح 

 وعلى هذه الاساس تمارس الضغوط الدولية والعربية – الاميركية بشكل خاص- على الحكم والحكومة والجيش للإسراع في موضوع جمع السلاح من حزب الله في كل لبنان وليس في الجنوب فقط، ويتم ربط المساعدات للجيش وعقد المؤتمر الدولي  لدعمه بموضوعي جمع السلاح وإنجازالاصلاحات الاقتصادية والمالية. ومع ذلك تؤكد المصادر الدبلوماسية الغربية “أن التحضيرات لعقد مؤتمر دعم الجيش في الرياض قائمة لكن “على الورق”، اما الأطر التنفيذية فتنتظر تحقيق مسألتي جمع السلاح والاصلاحات”، وهو شرط بات معروفاً ويتم تسريبه يومياً في اكثرمن وسيلة اعلامية. 

 وتؤكد المصادر إيجابية تعاطي السعودية وفرنسا مع موضوع دعم الجيش، مشيرة الى مواقف الموفدَين جان ايف لودريان والامير يزيد بن فرحان بهذا الصدد التي تعتبر دعم الجيش اولوية فرنسية وسعودية، وتنسيقهما في الاتصالات واللقاءات حول كل تفاصيل انعقاد المؤتمر. لكن كان لابد من انتظار الإطلاع على تقرير قيادة الجيش في جلسة مجلس الوزراء حول جميع إجراءاته خلال الفترة الماضية لا سيما لجهة جمع السلاح جنوبي نهر الليطاني والانتشار في المنطقة الحدودية من الجنوب، وقد باتت جميع  دول العالم والامم المتحدة وقيادة القوات الدولية – اليونيفيل تعلم وتعلن صراحة، ان الاحتلال الاسرائيلي هومن يعيق استكمال الانتشار، اضافة الى حاجة الجيش الى مزيد من العديد والعتاد  لمواصلة مهمته.  

  وقد لاقت المرحلة الاولى من خطة الجيش لسحب السلاح من جنوبي نهر الليطاني وازالة كل المظاهر المسلحة التي عرضها قائده العماد رودولف هيكل على مجلس الوزراء، ترحيبا سياسياً داخلياً ودولياً، لأنها لبّت المطلوب من لبنان ضمن “اتفاق وقف الاعمال العدائية” الموقع في تشرين الثاني – نوفمبر من العام الماضي، على ان تستكمل المرحلة الثانية خلال شهري تشرين الثاني وكانون الاول-ديسيمبر، ليتم الانتقال الى مناطق الجنوب الاخرى شمالي نهر الليطاني والبقاع، وهي لا تتعلق بالسلاح الثقيل والدقيق لدى حزب الله، بل اقفال المراكز العسكرية العلنية ومنع الظهور والتجول المسلح الى جانب اجراءات اخرى.   

  وعلى هذا يطالب لبنان الرسمي ليستكمل الجيش مهمته، الضغط الدولي لإنسحاب الاحتلال من المناطق الجنوبية المحتلة، وتزويد الجيش بما يحتاجه من سلاح وعتاد، وبصورة سريعة اذا كانت دول العالم مهتمة فعلاً بتنفيذ الجيش لمهامه بناء لإتفاق وقف الاعمال العدائية الذي تنتهكه اسرائيل منذ لحظة توقيعه، فيما يعمل الجيش على زيادة عديده بدورات تطويع ضباط وعناصر ليصل عدد الجنود في الجنوب الى عشرة الاف، بما يكفي لسد الفراغ الذي سيُحدثه لاحقاً سحب قوات اليونيفيل نهائيا خلال سنة. 

وماذا عن سوريا؟ 

ويبدو ان الضغط الذي مورس على لبنان لتطبيق المطلوب منه في اتفاق وقف الاعمال العدائية، مورس على سوريا، كون الاتفاق يتضمن في شقٍّ منه ترتيب العلاقات مع سوريا امنيا وسياسيا واقتصاديا وتنفيذ سوريا إجراءات لضبط الحدود وترسيمها وتثبيتها رسمياً، فكانت زيارة الوفد السوري الرفيع المستوى الى بيروت برئاسة وزير الخارجية اسعد الشيباني، وعضوية وزير العدل مظهر الويس ورئيس جهاز الاستخبارات السورية ومساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية، ولقاءاته مع رئيسي الجمهورية والحكومة ووزير الخارجية، لتشكل تحوّلاً بالعلاقات وطي صفحة الماضي وبدء صفحة جديدة، حدَّد مسارها الوزير الشيباني نفسه بالتأكيد “ان الحكم الحالي في سوريا يريد أن ينقل العلاقة مع لبنان من العلاقة الأمنية التي كانت سائدة في الماضي الى علاقة استراتيجية من دولة لدولة سياسية واقتصادية متطورة”. 

  وكان موضوع ترسيم وتثبيت الحدود ومعالجة الملفات الامنية العالقة من ابرزالبنود التي ناقشها الوفد السوري، ولذلك تم الاتفاق على تشكيل لجان متابعة مختصة تضع الحلول لهذه الملفات. اضافة الى الاتفاقيات المعقودة بين البلدين والتي تحتاج حتماً إلى إعادة ودرس وتقييم وربما تعديل اوإلغاء بعضها، وتعيين سفير لسوريا في بيروت كماطلب الرئيس عون من الشيباني.      

بين لبنان وغزة 

بالتوازي مع كل هذه الوقائع، تم توقيع اتفاق وقف اطلاق لنار في قطاع غزة وبدأ تنفيذ المرحلة الاولى منه، فيما بدأ في الاوساط الرسمية والسياسية اللبنانية الكلام عن ترقب انعكاس الاتفاق على لبنان، لجهة تطبيق اتفاق وقف اطلاق النار والاعمال العدائية بالكامل من جانب قوات الاحتلال الاسرائيلي واطلاق سراح المعتقلين وتبيان مصير المفقودين، والمراحل التي تلي تطبيقه من ترتيبات تموضع الجيش في المناطق التي تنسحب منها اسرائيل، وعودة كل المهجرين الجنوبيين الى قراهم لترميم مساكنهم والبدء بإعادة إعمار ما تهدّم. 

ولكن برزت خشية من ان يمارس كيان الاحتلال بعد ان ارتاح عسكريا في غزة، مزيداً من الضغط العسكري على لبنان وتصعيداً اوسع مما يقوم به بالغارات على الجنوب والبقاع ومنع المواطنين الجنوبيين من ترميم منازلهم واصلاح البنى التحتية وقصف الجرافات والاليات التي ترفع الانقاض، لفرض شروطه بتجريد حزب الله من سلاحه نهائيا وإضعاف تأثيره العسكري والسياسي في لبنان، وصولا الى تحقيق مطلبه بمنطقة عازلة آمنة منزوعة السلاح في القرى الحدودية الجنوبية، حتى من سلاح الجيش اللبناني ومن ثم فرض شروطه في تثبيت الحدود البرية الدولية بين لبنان وفلسطين المحتلة. 

ويبقى السؤال هل يمكن تعميم ماجرى في غزة على لبنان؟ فإما أن يدخل لبنان في تسوية شاملة بعد دخول أطراف جديدة على خط الوساطة لإيقاف العدوان الإسرائيلي نهائيا وتثبيت الاستقرار، واما أن يدخل مجدّدا في المجهول إذا ما فشلت لغة الدبلوماسية في استباق التصعيد الذي تلوِّح به اسرائيل وجهات دولية اخرى.؟ 

على هذا ثمة نوع من السباق العدواني لدى كيان الاحتلال. اين تكون الخطوة المقبلة بعد غزة؟ في الضفة الغربية ام في لبنان، وماحجم العدوان وكيف سيمر. هل بصمت دولي وعربي كالمعتاد ام بجو خارجي ضاغط لمنعه او تخفيفه؟ وقد لايتوانى كيان الاحتلال عن القيام بعدوان مزدوج على لبنان والضفة حسب التوقيت الذي يراه مناسبا بعد الانتهاء من ازمته في قطاع غزة، حيث ما زال كيان الاحتلال يبني حركته على القوة العسكرية في كل الخطوات المقبلة المتعلقة بمصير قطاع غزة اذا تحقق وقف اطلاق النار بشكل كامل وصحيح بلا خروقات معادية، والخطوات المتعلقة بما يضمره للضفة الغربية في فلسطين وللبنان لاحقاً. 

وكشفت مصادر رسمية لـ”الحصاد”، ان لبنان سيشهد خلال الأسابيع المقبلة حركة زيارات وموفدين عرب وأجانب في محاولة للاتفاق مع الدولة اللبنانية على آلية جديدة لتثبيت اتفاق وقف اطلاق النار، وربما تعديل القرار ١٧٠١، بما يضمن التزام لبنان والعدو الإسرائيلي بضمانات متبادلة لمنع أي تصعيد، في نوع من التمهيد لإجراء مفاوضات غير مباشرة بينهما مع تطور مسار التسويات السلمية في المنطقة.