سحر سلامة
أحدثت قضية مقتل الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي، توترا في العلاقات بين واشنطن والرياض، حيث استنكرت الولايات المتحدة الأمريكية مقتل خاشقجي ووجهت الاتهام المباشر للسلطات السعودية. الاان هذا المستوى من التصعيد يبقى ضمن النطاق السياسي الدبلوماسي الذي يمكن ترميمه عبر العلاقات الاقتصادية المتينة بين البلدين، والتي تعود جذورها الى عقود من الزمن.
لم يقف تأثير قضية خاشقجي على العلاقة السعودية الامريكية فقط، اذ نددت العديد من الدول بتورط النظام السعودي في عملية اغتيال خاشقجي، فيما هددت بعض الشركات العالمية بتجميد استثماراتها في الرياض، مما انعكس سلبا على الوضع الاقتصادي في السعودية. في الواقع، فإن قضية خاشقجي أثارت تساؤلات حول انتهاك حقوق الإنسان من قبل السعودية.
ويذكر أن قضية خاشقجي اندلعت قبل أسابيع من مبادرة الاستثمار المستقبلي السنوية الثانية في المملكة العربية السعودية ، وهي قمة تعرض فرص الاستثمار في المملكة. حيث كان من المتوقع الإعلان عن عدد من الشراكات في هذا الحدث. تباعا، خرج عشرات من رجال الأعمال والشركات الإعلامية والأفراد البارزين من قمة الاستثمار، بينما قامت شركات أخرى بإعادة النظر في صفقات مربحة مع صندوق الثروة السيادية في السعودية.
فالسعودية، تعتمد على الشراكات الاستراتيجية مع الشركات الأجنبية من أجل التكنولوجيا والخبرة اللازمة لإصلاح اقتصادها. ومما يبدو جليا انه بدون هذه الشراكات ، ستكون السعودية عاجزة عن تحقيق رؤية 2030، المتمحورة حول إعادة تشكيل اقتصاد البلاد.
العلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة تحد من الأزمة
اذا، ساءت سمعة المملكة العربية السعودية على الساحة الدولية، ولا تزال ردود الأفعال تتصاعد حول مقتل خاشقجي. ولكن، يختلف الأمر في تعاطي الولايات المتحدة الأمريكية مع المملكة العربية السعودية. فواشنطن لا يمكن ان تكون في هذا المستوى من الحدية مع النظام السعودي الذي يعتبر حليفها الأول في منطقة الشرق الأوسط، ولا يمكن لها ان تترك هذا الحليف دون غطاء في الساحة الدولية.
وفي حقيقة الأمر، لن تكون قضية الخاشقجي استثناء في العلاقات السعودية الامريكية، بسبب الروابط العميقة التي تربط اقتصادات كل من واشنطن والرياض. ولكن ما هي الروابط الاقتصادية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية؟
أولا، يعود الامر الى الدور المؤثر والحيوي للسعودية الغنية بالنفط في الاقتصاد العالمي. حيث تمتلك السعودية القدرة على التأثير السريع في أسعار النفط العالمية وهذا ما جعل منها حليفا استراتيجيا للولايات المتحدة. ورغم مضاعفة الولايات المتحدة لإنتاجها خلال العقد الماضي ومع انها تعتبر أكبر منتج للنفط في العالم، لكنها لا تزال تعتمد على السعودية في حوالي 10٪ من وارداتها البترولية. اللافت في الامر أن السوق النفطي شديد الحساسية تجاه الأحداث الدولية، لذلك وبالمقابل، لا يمكن للسعودية المخاطرة به بسبب اعتماد اقتصادها الكلي على صادرات النفط.
كما تتمتع السعودية بالقدرة على تحويل التدفق صعودا وهبوطا مما يؤثر على أسعار الغاز والتضخم والنمو العالمي. من هذا المنطلق أقام السعوديون علاقات وثيقة مع الشركات الأمريكية خاصة في مجال التكنولوجيا والتمويل. اذا فإن الغاية من سياسة السعودية المناصرة للولايات المتحدة الأمريكية جعل المملكة العربية السعودية مركزا استثماريا رئيسيا ، من أجل تنويع الاقتصاد الى جانب النفط. فعلى سبيل المثال، ووفقا لصحيفة وول ستريت استثمرت السعودية بشكل مباشر 3.5 مليار دولار في شركة Uber. ازاء هذا الاستثمار منح السعوديون مقعدا في مجلس إدارة الشركة.
وعند الحديث عن الاقتصاد المشترك بين البلدين، لا يمكن اغفال الصفقات العسكرية وتسليح الجيش السعودي ومعاهدات الدفاع. فعلى مدى عقود، عملت الولايات المتحدة على بيع الاسلحة والمعدات العسكرية للسعودية بمبالغ طائلة. وقد اشترت هذه الأخيرة أسلحة متطورة وأنظمة دفاع بعشرات المليارات من الدولارات. علما أنه في عام 2017، أعلن الطرفان عن صفقة مسلحة بقيمة 110 مليارات دولار أميركي.
لعبة الاقتصاد تخرج السعودية من المأزق
ازاء ضغوط الولايات المتحدة الامريكية للاسراع في التحقيقات في مقتل خاشقجي، أعلنت الرياض أن مقتل خاشقجي في قنصلية المملكة العربية السعودية في تركيا، حدث بسبب »شجار« مع مسؤولين سعوديين. وقد اتخذت المملكة العربية السعودية اجراءات لانهاء القضية حيث قام الملك سلمان بن عبد العزيز بعزل عدد من المسؤولين الأمنيين بينهم رئيس الاستخبارات. هذا الاجراء قد يسهل على السعودية استعادة سمعتها الحسنة أمام المجتمع الدولي، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية. وهذا ما ظهر جليا في تصريحات ترامب الأخيرة حيث رفض وقف بيع الأسلحة للسعودية، معتبرا أنه هناك »العديد من الإجراءات العقابية الأخرى«. ومن المتوقع ان يحافظ ترامب على ارث العلاقات الامريكية السعودية في حل القضايا الشائكة عبر الصفقات والاعمال الاقتصادية والتبادلات التجارية.
بناء على ما جرى عرضه، فإن العلاقة الاقتصادية والمصالح المشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، قد دعمت موقف المملكة العربية السعودية في التعاطي مع مقتل خاشقجي. لذلك، فإن الولايات المتحدة لن تقدم على أي خطوة قد يكون لها انعكاسا على العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وباعتبار أن رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب، هو رجل أعمال، فانه يولي اهتماما كبيرا للناحية الاقتصادية في العلاقة بين الطرفين. فمنذ بداية عهده أقدم على العديد من الصفقات مع السعوديين، التي عادت بالأرباح الهائلة على الخزينة الأمريكية. وبالتالي، فإن أي حديث عن فرض عقوبات على المملكة العربية السعودية على غرار مقتل خاشقجي، ما هو الا مزاعم بعيدة عن اسلوب تعامل الولايات المتحدة مع حليفها السعودي، القائم على المصالح الاقتصادية المشتركة.
العدد 87 – تشرين الثاني 2018