سؤال جيد يطرح دوما…بحثا عن اجابة تقنع وتشفي
أكن تقديرا كبيرا للأستاذ الباحث ( محمد المشنوق) رغم انني لم أتشرف بمعرفته شخصيا، ولم اتحاور معه حتى وان كان على البعد أو حتى عن طريق المهاتفه أو المراسله، ولكنى قرأت له اجابة على سؤال في حوار صحفي طويل أجري معه في احدى الصحف،وقد جعلتني هذه الأجابه أحنى رأسي حتى وانا اقرأها احتراما للرجل ولمجموعة قيمه التي لخصها في تلك الأجابه. والرد في تقديري على هذا السؤال يسبر أغوار الرجل ودخائله ،وكيف يفكر، ويعتقد ويؤمن بقضايانا ،في عالمنا العربي الذي تختلط فيه الآن الكثير من القيم،ومايترتب عليها من العديد من المواقف.في العدد الماضي كتب الأستاذ الكبير موضوعا عن سؤال ،تتردد أصداءه في الكثير من المحافل صحفية، كانت أو اعلاميه، عبر شاشات التلفزيون وما أكثرها،وفي البرامج الحواريه سواء كان منها الثمين أومتواضع القيمه.كتب الرجل تحت عنوان (الدور المصري في الساحة الأقليميه عرضه للتحديات المتزايده ..مصر هل تراجع دورها المحوري؟)انطلق الرجل شارحا بقدر من التفصيل مجموعة التحديات التي تواجهها مصر على الساحة الأقليميه المتزايده، خصوصا وأن المنطقة العربيه تعيش في حالة تغير دائم،خاصة بعد الربيع العربي ، ويشير الى ان مصر كان لها دور بارز في تعزيز الأمن والأستقرار، وأن مصر تحاول تأهيل وتعزيز مكانتها كدولة مركزيه ،وأشار الى قضايا متعددة وفي مقدمتها (ازمة المياه وسد النهضة ) ثم القضايا الأخرى ،فيما يتعلق باليمن وسوريا والميلشيات المسلحه و المنظمات الارهابيه،والجيش المصري الموجود عبر الحدود،ولم يتدخل لوقف المجازر،ثم الموقف من القضية الفلسطينيه ومستقبلها،وما يستدعيه من تنسيق أكبر بين القوى الأقليمية والدولية مما يجعل موقف مصركوسيط أكثر أهمية،كما ان عليها تعزيز علاقاتها مع دول الخليج والولايات المتحدة للضغط على اسرائيل ،كذلك التوسع في التعاون مع الدول الكبري والمنظمات الدوليه.أما بالنسبة لمصر تحديدا، فهي ضرورة التنمية المستدامة ومراعاة المصالح المائيه.
مصر ودورها المحوري
كان لمصر دورا تاريخيا محوريا على عدة اشكال،وقد لعبته بجدارة واستحقاق على مدى عقود طويله من السنوات في عصرنا الحديث على الأقل، وكانت البدايه في عصور التأهيل للمنطقة بأسرها،لعبته مصر على نحو ( تنويري حضاري)،أو ما يعرف ب( القوي الناعمة ) من عناصر شتى العلوم والفنون والآداب) . كانت مصر هي ( هوليوود الشرق) قبل ان تلعبه على نحو سياسي. ودون الدخول في تفاصيله الا ان الدور جرى تطويره بقيام ثورة 23 يوليو عام 1952، لم تكن اسرائيل هي الشاغل الأول لعبدالناصر حين قامت الثورة المصريه،وانما كان شاغله الأول كما قاله لعضو مجلس العموم البريطاني الذي جاء يفاتحه في امر اسرائيل قال له( ان شاغلي الأول هو خروج الاحتلال البريطاني من مصر،وشاغلي الثاني هو بناء مصر) وحين نقل هذا الحوار الى ( بن جوريون) كان رده ( هذا أسوأ خبر اسمعه فتحرير مصر يعنى حرية قرارها،وبناء مصر يعنى فناء اسرائيل ،وعلى ذلك لن نعطه الفرصة لبناء مصر) . وترتيبا على ذلك كان عدوان ( الصابحه) في منطقة (غزة) في محاوله للضغط على مصر لتنضم الى حلف بغداد والمعسكر الغربي بصفة عامه ،ورفض الغرب امداد عبدالناصر بالسلاح ومن ثم كان الاتجاه الى الاتحاد السوفييتي أثر مقابلة عبدالناصرمع شواين لاي في مؤتمر باندونج عام 1955.وكان ذلك فصلا جديدا في اتجاه الثورة المصريه ،خصوصا بعد تأميم (قناة السويس) أرسلت مصر قواتها الى الحدود السوريه التركيه أثر تهديدات (عدنان مندريس) رئيس الوزراء التركي 1957 ،واعلنت مصر مساندتها للعراق في ثورة 1958 وان اي عدوان على العراق ستقف مصر ضد العدوان بقواتها العسكريه،وكان ذلك وقت الوحده مع سوريا،والحدود مشتركه، وارسلت مصر قواتها الى الحرب في اليمن اثر ثورتها لحماية الثورة من عودة بيت اّل حميدالدين, وساندت ثورة اليمن الجنوبي حتى تم جلاء القوات البريطانيه ،وقبل كل ذلك ساندت الثورة الجزائريه منذ عام 1954. ثم كانت حرب عام 1967 ،ومازالت اسرار تلك الحرب ممنوعة من النشر حتى يومنا هذا في الوثائق الأمريكيه والغربيه بصفة عامه، وماذا قدمت وشاركت في التخطيط في احداث 1967 للخلاص من ( الديك الرومي) وهو الأسم الحركى الذي أطلقته دوائر الأمن الأمريكي على عبدالناصر) . وقبل عبدالناصر مبادرة روجرز عام 1970 لأسباب سياسية وعسكريه،فقد كان مهموما ببناء حائط الصواريخ على جبهة القتال في مواجهة اسرائيل،فيما عرف بعد ذلك بخطة ( الضفدعه) .اعلن عبدالناصر المرة تلو المرة ان اي مفاوضات للسلام لابد ان ترتكز على قرار 242 ،ويعنى ذلك جلاء اسرائيل عن كافة الاراضى المحتله عام 1967 وهي الجولان والضفة الغربيه بما فيها القدس وسيناء.كما قال ان نسبة نجاح مبادرة روجرز ضئيله جدا ،وأن الحرب واقعة لا محالة لأن ماحصلت عليه اسرائيل في عدوان 1967 لا يمكن ان تفرط فيه الا بالحرب ،وان ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة . بمعنى اّخر ازالة اّثار العدوان عام 1967، ولكن بعض القادة في ذلك الزمان، دخلوا الى حلبة المزايده، وهي تحقيق حرية فلسطين من البحر الى النهر ،وفي التسجيلات الأخيره التي اذيعت يشكو عبدالناصر الى القذافي تلك المزايدات التي تطالبه بذلك ،دون ان يطلق احد طلقة رصاص واحده،ويقول عبدالناصر من يريد ان يحارب لماذا لا يتحرك ،ويناضل،مادمنا نحن الانهزاميين التصفويين المتخاذلين. ورحل عبدالناصر يا سيدي .هنا أذكرك بردك على الصحفي حين سألك عن اسوأ خبر سمعته فقلت ( انه خبر هزنى على المستوى الشخصي وعلى المستوى القومى،و كان هذا الخبر هو رحيل جمال عبدالناصر).
انور السادات والدور المصري
حقق الجيش المصري انجازا عظيما سواء في حرب الاستنزاف او في حرب 1973،ولكن وفق تعريف معروف(خزلت السياسة السلاح) تولى السادات مهمة التفاوض باعتبارانه رجل(استراتيجي ) يعلو مقامه اساتذة السياسه،واقدم على توقيع اتفاقيات(كامب ديفيد)1979 التي عزلت مصر عن عالمها العربي،واطلقت يد اسرائيل نتيجة خروجها من المعركة في بناء المستوطنات في الضفة الغربيه ،وبقيت الجولان تحت السيطره الاسرائيليه.هنا غاب الدور المصري في تحريك الأحداث بعد ان كان قائدا طوال الفترة الناصريه.لاسيما ان سوريا والعراق لم يتفقا في انشاء الجبهة الشرقيه،ونشأ بينهما خلاف امتد اثره الى حرب العراق مع ايران.وهنا تقودنا الأحداث الى السؤال التالي لماذا لم تتحرك مصر عسكريا في الحرب على (غزة) ؟ ماهي معوقات الدور في ان تعود مصر الى عجلتها العسكريه في حماية الأرض العربيه مثل ماحدث من قبل ؟ سؤال يستحق الاجتهاد في الاجابة عليه باعتبارها في المقام الأول ،اجابه تستند الى حقلئق على الأرض، وليس تقصيرا في الأمر .
لماذا لا تدخل مصر المعركه عسكريا ؟
اولى الأسباب التي لا ينبغي ان تغيب على احد ،هو وجود اتفاقية سلام معروفه للجميع اسمها معاهدة (كامب ديفيد) 1979 تقسم سيناء بموجبها الى مناطق تحدد، فيها كميات السلاح واحجامها وانواعها
واذا كانت مصر قد تجاوزت احكام هذه المعاهده الآن، بدخول قواتها المسلحه التي تفوق في حجمها بنود المعاهده،بواحكامها فذلك تحسبا لاي مفاجاّت عدوانيه عليها،أووضعها أمام سياسة أمر واقع من خلال دفع الفلسطينيين الى حالة من التدفق الى ارض سيناء هربا من قصف الطائرات الأسرائيليه، تمهيدا للأستيلاء على غزة بالقوة. اما لماذا لا تتقدم القوات المسلحة باقتحام (غزة)والأشتباك مع اسرائيل،نظرا لان الأراضي الفلسطينيه ليست ارضا مصريه حتى تقتحمها،وهو أمر يعنى في خلاصته الغاء (اتفاقية كامب ديفيد) من جانب واحد ،وعلى مصر ان تتحمل مسؤوليته، وسوف يعرض الأمر على مجلس الأمن، وقرارات مجلس الأمن وفلسفتها لا تغيب عن ذهن اي عامل او مشتغل بالسياسة ،ونتذكر هنا في اعقاب احداث السابع من اكتوبرالذي اقدمت عليه(حماس)ان حضر قادة المعسكر الغربي بأشخاصهم لمساندة اسرائيل ودعمها معنويا، وماديا بحضور الأسطول الأمريكي،ووقف بايدن موجها رسالته الى (ايران) قائلا لرئيسها ( لاتفعل) اي لا تتدخل في معركة (غزة) أو بعد ذلك لمساندة حزب الله ،وعاد ليكررها في صورة انذار (لا تفعل) وانهمرت المساعدات على اسرائيل عسكريا وسياسيا بل ان ( ترامب) صرح قبل ان يتولى الحكم ( ان اسرائيل صغيره ولابد ان تتوسع) اي ان فكرة التهجير الفلسطينيه كانت في راسه، بناء على تصريح لزوج ابنته ان( منطقة غزة جميله لكي تكون منتجع سياحي). المهم ان اي حركة تقدم عليها مصرعسكريا الآن وقبل ذلك مرصودة، ان لم تكن

حسني مبارك
خاصم افريقيا بعد محاولة اغتياله في اثيوبيا
منتظره ،والرد سيكون جاهزا،وفورا ،ونضع في الاعتبار الوضع العربي الحالي وتهرأه ،وماذا حدث للجيوش العربيه من سوريا الى لبنان الى اليمن الى العراق الى ليبيا . ان حالة التمزق العربي والواضحة في ابرام (صفقات ابراهام) من دول لا علاقة لها مباشره مع اسرائيل ،تربطها بحركة الصراع ،ومع ذلك اقدمت ،ولم يراجعها احد ،فهل يطلب من مصر فقط ان تكون حمام الدم الجاهز تحت الطلب مع كل ما لديها من مشاكل متراكمه ،بعد سياسة الانفتاح التي قادها الرئيس الراحل انور السادات،وبعد ان تم بيع المصانع وخاصة العملاقة منها والحديد والصلب مثالا لمن نسي او تناسي . جانب اّخر لايقل اهمية وهو أنه مع (كل التقدير للتضحيات التي قدمتها حماس) ،هل ما قامت به كان نتيجة لأتفاق او تشاور،لمن يطلب منهم التدخل الآن لأيقاف العدوان . ان هناك بالطبع اتفاقيات تضامن ودفاع مشترك ، ولكن تلك اتفاقات مع دول أو كيانات لها ثقل الدول كمنظمة التحرير الفلسطينيه، وحماس فصيل من الفصائل الفلسطينيه المتعددة ،فهل من حق اي فصيل ان يجر الدول الأساسية في النظام العربي الى معارك لا تكون مستعده لخوضها . (ان حركات المقاومه مع كل الاحترام والتقدير لنضالها) ،لكنها ليست مخولة ان تمسك بيديها القرار،وتحتكر قضايا الحرب والسلام . ان التصرف الفردي لا بد ان يكون قضاء وعدلا مسؤولية من قام به ،وان كان الضحية هم الذين (يدفعون الثمن غاليا وغاليا وغاليا). لذلك يمكن القول ان القضيىه الاهم في الصراع مع اسرائيل ليس الموقف الأمريكى وعنجهيته وغروره بل وجبروته ،وليس التخاذل العربي ان كان هناك من يريحه هذا التعبير ولكن الموقف الاساسي والحاسم في مستقبل القضية الفلسطينيه هو (وحدة القرار الفلسطيني) في الحرب وفي السلام .
واخيرا … هل تراجع الدور المحوري المصري ؟
لا لم يتراجع يا سيدى – الفاضل والمحترم – الدور المحوري المصري،ولكنه اختلف في القيام بواجبه، كما اختلف في فترة الحكم الناصري. كان الدور المحوري المصري قائما في العهد الملكي في اطار (القوة الناعمه ) التي تقدم الوانا من الثقافة والتعليم وكانت الجامعة المصريه هي الأسبق في العالم العربي، وكانت مصر ترسل المدرسين على نفقتها الى بعض الدول العربيه ،حتى قبل استقلالها، وذلك قبل ان تنتشر الجامعات في العالم العربي وكان الفنانون العرب يعتبرون مصر هي ( هوليوود الشرق) قبل ان تنتشر ايضا المعاهد الفنية ،ودور السينما والمسارح في العالم

وحدة القرار الفلسطيني
العربي،وتطور الدور في العهد الناصري الى السلاح والدعم ليس في العالم العربي فقط ولكن في افريقيا ايضا ،والى الحد الذي تردد فيه شعار ان واشنطن عاصمة الغرب وموسكو عاصمة الشرق والقاهره هي عاصمة العالم الثالث. كنا في عصر التحرر الوطنى ،وكانت مصر هي احدى قياداته) ويمكن لنا ان نراجع صورة عبدالناصر وهو يلقي خطابه في الأمم المتحده عام 1960 ،وكيف استقبل . الآن مصر تقوم بدور مختلف عماده (الدبلوماسية والعمل السياسي) ،ومصر هي الى رفضت زيارة واشنطن ان كان جدول الاعمال يتضمن تهجير الفلسطينيين ،ورفضت طلب الولايات المتحده ان تعفي من دفع الرسوم للمرور في قناة السويس أوالمشاركه بذلك في دفع نفقات ضرب اليمن .ومصر ايضا هي من تقوم بدورها في ايجاد صيغة لوقف اطلاق النار ،ومصر هي التي تضبط حركتها في الصراع الداخلي في ليبيا وفي السودان ،وتلعب دورها في اقريقيا من جديد بعد ان قام السادات ومبارك بمقاطعة افريقيا . والوجود المثمر في افريقيا يذلل صعاب التفاوض مع اثيوبيا ، والسعي وراء ذلك يجنب القارة الأفريقيه النزاعات المحلية، ويحيلها الى نهضة وسلام لصالح كل الشعوب الأفريقيه،كما ان التعاون مع روسيا والأنفتاح على الصين يعزز فرص السلام والتعاون ويفتح اّفاقا جديده في عالم اصبح يستأسد على الضعفاء ويلقي بشعاراته عن حرية الانسان ومفاهيم العدل والمساواة، وراء ظهره، مما يستوجب سياسات ترويض الوحش الاستعماري دون ان تصطدم به.اننا ياسيدى – الكريم والعزيز- ندفع ثمن سياسة (99% من حل قضايانا في يد الولايات المتحده) وشعارات ( بطل الحرب والسلام). سامحهم الله وسامحنا جميعا ،ان الله دائما غفور رحيم .