كانت السينما واحده من اهم وجوه الترفيه في حياتنا،كان فيها الغناء والطرب لعشاقه،وفيها الضحك و البهجه للباحثين عنها،كما فيها القصة أو الحدوته لمتعة المتابعين ،والمتلهفين في انتظار الخاتمه،التي ينتصر فيها الحق،وتعود العدالة لنصرة المظلوم. كانت السينما كذلك في نظر الكثيرين أداة تثقيف وتنوير،وتشكيل للعقل وللوجدان على نحو متساو ،فهي تطوف بنا في بانوراما كبيره بمراحل متعددة لعهود من التاريخ، وتطرح من خلال الصورة،كيف كانت احوال ذلك الزمان ،وعلى سبيل المثال ما هي تلك المعارك الشهيره ،التي دارت رحاها ،لنشر أوحماية القيم أو الدفاع عن الأرض،

ابن الباشا تزوج ابنة العربجي
ومقاومة عمليات الغزو، واستبداد الحكام .يعود للذاكره فيلم (لا شين) 1939 ضد الغزو للوطن واستبداد الحاكم بطولة حسين رياض،وهو الفيلم الذي صودر،واعتقل بعض ممثليه ،وفر احدهم وهو (الفنان احمد البيه) الى المانيا ،الى ان تم تغيير نهاية الفيلم ،بانتصار الحاكم على المتاّمرين. الفيلم اخراج المخرج الألماني ( فريتز كرامب) وفيلم (مصطفي كامل) والدور الوطنى الذي قام به،وكان الفيلم من بطولة انوراحمد عام 1951، (الفيلم الوحيد الذي قام بتمثيله)،وفيلم (يسقط الأستعمار) عام 1951 بعد الغاء معاهدة 1936 ،وتشكيل جماعات المقاومه بطولة حسين صدقي ، وقد صودر الفيلم ،ولم يتم عرضه الا بعد (ثورة 23 يوليو) وفيلم ( ظهور الأسلام) 1951 عن رواية (الوعد الحق) للدكتور طه حسين وبدايات الدعوة والجهاد لنشر الاسلام بطولة كمال ياسين واحمد مظهر، وقد نجح الفيلم وحقق ايرادات عاليه ،ولكن المخرج (ابراهيم عز الدين) اعتزل العمل الفنى عموما، وفيلم (دنانير)1940 بطولة ام كلثوم وعصر هارون الرشيد و ماجرى للبرامكه.وعن السينما الأمريكيه في الأربعينات من القرن الماضي ،فيلم (ذهب مع الريح )بطولة كلارك جيبل وفيفيان لي ويدور حول الحرب الاهليه في امريكا، والتحولات الاجتماعيه التي ترتبت عليها ،وفيلم ( المواطن كين) ،وقد حاز هذا الفيلم على درجة عالية من التقدير،وكان بداية بزوغ نجم (اورسون ويلز) كواحد من رموز صناعة السينما،وكان الفيلم محاولة للأطلالة على شخصية الأمريكي الذي يريد ان يعشقه الناس ولكن وفق شروطه التي يضعها ،يضاف الى ذلك الأفلام الأستعراضية لمجموعة كبيره من فرسان الغناء والاستعراض (فرد استير وجين كيلي واستر وليامز) ثم افلام (الكاوبوى) و انتصارات الرجل الأبيض (الحضاريه)وحكمته الحاسمه ضد (تخلف)الهنود الحمر!!.سينما عامره بالألوان المتعدده لروح العصر،وتشكيل وعي الجماهير (كما تعكسه السينما) المتعطشة للرؤي التاريخيه و الثقافيه و الأجتماعيه التي يعيش في كنفها المواطن او الانسان . مرحلة من الزمن ،اختلطت فيها الكثير من القضايا ،،وان كان ذلك قد حدث، قبل ان يكتشف المشاهد ،والغارق في الوان المثاليه البريئة في التفكير،وألأطمئنان لصناع الفن الجميل. ان القضايا ليست واحده ، بل هي تتباين في الأصول والفروع،وان سحر السينما ،ليس بالضروره تعبير عن سحر الفكر أو صدقه . بل ان االفكر ذاته ،اصبح ايضا صناعه،وان كان كل مايلمع على الشاشة، ليس بالقطع فكرا ، ،قبل ان يكون فنا،وتجاره تبحث عن الربح،وليست مجرد فن يفتش عن القيمه،وأنها تبعا لذلك اصبحت،ميدانا يمكن ان تتجه اليه المصالح،ومن ثم لابد من ان يستخدم الاعلام بكل اشكاله، ليروج كاعلان لكل طلبات (السوق)،سواء استخدم المهارات الذهنية للصالح العام ،أو اصبحت مجرد سلم تصعد من خلاله المصالح الى مستوى اعتصار العقل، وتدجين الفكر .
بروز مدرسة جديده
بعد الحرب العالمية الثانيه
في الحروب يحدث ذلك التلازم من الوان العنف،الذي يكتسح بأسلحة لا تعرف الشفقة او الرحمه صلابة الحجر مع هشاشة اجساد البشر،كما يغرق أيضا، في الوقت نفسه ،مشاعر الانسان ونبل سجاياه في انهار الدم التي تجري طوفانا ينزف ويعتصر ،كل ماهو جميل في خبايا النفس وفي عمق احساسها ، ويطبع عليها بصماته ،بألوان شنى من الخطوب والدنوب ،تظهر جلية في اعمال الكثير من المبدعين روائيين كانوا أو شعراء،فنانين سواء كانوا ممثلين أو مخرجين، أوكل مدرسة في عالم الحرف أو فن التعبير،واتساقا مع ذلك ظهرت بعد الحرب العالمية الثانيه سينما بلون جديد في ايطاليا، نتج عما صادفته من مشاكل اقتصادية واجتماعيه،وكان عليها ان تواجهه. وقد عرف هذا اللون من الفن السينمائي باسم (الواقعيه الجديده )،وكان من سماتها النزول الى الشارع،وعدم التقيد بالتصوير داخل (الأستديو) ،وكان الهدف هو التعبير المنصف لذلك (الواقع الأصيل المرئي والملموس في الشارع الأيطالي) بعد الحرب.وكانت ثمرة هذه المدرسة الحديثه في زمانها فيلم ( روما مدينه مفتوحه) ،وهو عمل يعد قفزة للمخرج (روبرتو روسيليني) نحو الواقعيه على الشاشة السينمائيه،في عام 1945 ،ونقطة تحول في تاريخ السينما بشكل عام.كانت تلك المدرسة كفيلة بكشف ذلك الفن الذي يعتمد التجميل لما في حقيقته قبيح ،ويزين الباطل لكي يحظى بشبهة الحق .
السينما في مصر
سلاح استخدم كذلك في معارك السياسة
في العصر الملكي،أو كما يطلق عليه (العصر الليبرالي) كانت الكثير من الأفلام السينمائيه تتجاهل الفوارق الطبقيه الشاسعه ،بين غالبية الشعب المصري من الفلاحين (الحفاة) ،حتى وان كل رئيس وزراء جديد ،حين يطلق خطابه في البرلمان ،يتضمنه ذلك الوعد ( وسوف تعمل حكومتى على مكافحة الحفاء)، والعمال (الأرقاء) وبين طبقة الباشوات من الأقطاعيين أساسا، في قصص مفبركة تماما كما نري في افلام مثل ( احب البلدي) 1945 بطولة( أنور وجدي وتحية كاريوكا) حين يتزوج ابن الباشا من ابنة العربجي)،وفيلم (اكسبريس الحب) 1946 بطولة صباح وفؤاد جعفر وتتزوج ابنة الباشا من عامل ،فالحب لايعرف الطبقات،وانما يتخطاه تحت تأثير الهوى،ودقات القلوب.وشاهدنا ذلك
ايضا في فيلمين لأنور وجدي وليلي مراد،وكانت افلامهما تتصدر اعلى الايرادات وهما ليلي بنت الفقراء،وبنت الأكابر،وكانا يلعبان على نفس الوتر،انكار التفاوت الطبقي العالي النبرة بالكامل امام
فوران العواطف والتهاب المشاعر. على جانب اّخر ظهرت افلام لها قيمتها في معالجة الظلم الأجتماعي منها (أولاد الفقراء) بطولة يوسف وهبي وامينه رزق وفيلم ( السوق السوداء) عن جشع التجار في زمن الحرب، وافلام حسين صدقي مثل فيلم (العامل) عام 1943، و(نحو المجد) 1948 ولكنها افلام كانت خارج السرب، ولا تروي ظمأ .وبعد قيام ثورة يوليو، لعبت السياسة دورا مختلفا،واتجهت بصناعة السينما الى دور اّخر تماما،اعتمد على تطبيق مناهجها السياسية والثقافيه وكذلك الأقتصاديه والأجتماعيه،.قدمت فيلم (ألأرض) 1969،وهو احد أهم مائة فيلم في تاريخ السينما المصريه،والفيلم يستعرض نضال الفلاحين ضد الاقطاع في مصر خلال فترة الثلاثينات، وفيلم (باب الحديد) 1963ويقدم الفيلم عرضا لحركة المجتمع المصري،من خلال ما يدور في محطة مصر،وكان اسمها القديم (باب الحديد) كما قدم افلاما مثل (الحرام) عام 1965ويستعرض مأساة عمال (التراحيل) فيما قبل ثورة يوليو عن رواية يوسف ادريس،وفيلم (دعاء الكروان) للدكتورطه حسين 1963 ،ويقدم صوره لأستلاب القادرين لشرف الضعفاء،وفيلم (الباب المفتوح) للدكتوره لطيفه الزيات 1966وهو يتعرض لقضية حقوق المرأة. لقد شهدت المرحله افلاما على مستوى جيد من حيث الفكرة ،والمعالجه، واستندت في اعمالها لانتاج ،كبار الكتاب والروائيين مثل نجيب محفوظ ،واحمد رشدي صالح وتوفيق الحكيم وااحسان عبدالقدوس وفتحى غانم وامين يوسف غراب ،وغيرهم .كانت السينما هنا أداة للثقافة والتنوير بالأضافة للمتعه والترفيه،ولذلك كانت هذه الفترة بالنسية للأعمال الفنيه الغنائيه والموسيقيه و(فرق الفنون الشعبيه ) والسينما والمسرح ،وكذلك فرق الثقافة الجماهيريه التي تجول الريف بقراه المتعددة ، كانت فتره تميزت بالوهج التنويري والأزدهار الثقافي والاجتماعي ،مما تردد صداه الجماهيري،وساهم في تعميق الوحده الوطنيه،والترابط الشعبي. كانت السينما احد الأدوات وأهمها . تكونت في تلك الفترة ثلاث شركات رئيسيه ( شركة فيلمنتاج) ويرأسها المخرج المعروف ( صلاح ابو سيف) وشركة القاهره ويرأسها (جمال الليثي ) وشركه افلام العالميه ويرأسها (فتحي ابراهيم) لكي تباشر انتاجا فنيا متكاملا ،وكانت تجربة الأنتاج المشترك تفتح افاقا جديدا للفنانين المصريين، ولذلك كانت تلك الشركه( كوبرو فيلم) وقدمت افلاما محدوده ،ولم يقدر لها الانطلاق لأسباب متعددة، منها قصور الرؤي لبعض من تسلموا رسالتها،بألاضافة الى تركيز الهدف في ازالة اّثار عدوان 1967.ولذلك كانت التجربة محكومة بالمناخ العام .انتجت عدة افلام محدودة الأنتاج و الرؤى.في النهاية لم يتعد الانتاج ستة افلام ،ونشير اليها فيما يلي في 1964 تم تصوير نسخة مصرية
من الفيلم الإيطالي – الفرنسي (كريم ابن الشيخ)، ولعب بطولته في النسخة المصرية فريد شوقي ومريم فخر الدين، والإيطالي جوردون سكوت، وكتب لها القصة والسيناريو المؤلف الإيطالي نينو ستريسا، فيما كتب الحوار الفنان عبد الوارث عسر،فيما خاض الفنانون سميره احمد وشكري سرحان
ويحيى شاهين تجربة العمل في الفيلم المصري – انتاج ايطالي (ابن كليوباترا) إنتاج 1965 أمام الممثل الإيطالي مارك رامون وقام بإخراجه فرديناندو بالدي، ودارت أحداث الفيلم خلال فترة هيمنة الرومان على مصر،وفيلم (ابتسامة أبو الهول)وهوإنتاج مصري – إيطالي – أميركي مشترك عام 1966، ومن إخراج دوتشيو تساري، وتأليف جودو فرورلي ، ولعب بطولته الفنان صلاح ذو الفقار أمام توني راسل، ودارت قصته عن محاولات الأجانب لسرقة الآثار المصرية، ولكن الشرطة المصرية تصدت لهم وانتصرت في النهاية.وجاء فيلم (كيف. تسرق القنبلة الذرية) وهو إنتاج مصري – إيطالي مشترك 1968 وشارك في بطولته من مصر يوسف وهبي، وعبد المنعم إبراهيم، وعادل أدهم، ومن إيطاليا جولي مينارد، وفرانكو فرنشي، وإدمون تويما، ويعد من الأفلام النادرة التي لم تعرض من قبل، ولا يوجد أي نسخ منها ودارت أحداثه حول صياد إيطالي يشهد تحطم طائرة أميركية تحمل قنبلة ذرية في البحر المتوسط، على الحدود المصرية.
استخدام السينما
في الترويج للسياسة المتغيره
حققت حرب اكتوبرعام 1973 نجاحا عظيما،وكانت خطة العبورمحل تقدير واكبار،تخطى العالم العربي
ولكن وكما شاهدنا وعايشنا، ان الأنفتاح اِلأقتصادى الذي وصفه بحق،في مقاله الشهيرالراحل الكبير احمد بهاء الدين ( ليس الأنفتاح … سداح مداح) ،والذي جاء مواكبا لفك الاشتباك الثاني بين الجيش المصري والقوات الاسرائيليه، وكان يمثل كارثه حقيقيه،للأقتصاد المصري ،فقد انقض غيلان الأنفتاح وسماسرة الأستيراد التصدير لكي يحصدوا ثمار المعارك

،ونشأت تبعا لذلك طبقه طفيليه تضخمت ثرواتها وتوحشت قدراتها، ومنها اسماء معروفه ومتداوله كزعيم الدواجن الفاسد ،وعامل الجمارك الذي اصبح قطبا كبيرا بين اثرياء الاسكندريه،وغير ذلك من الظواهر،التي نهشت لحم الأنسان البسيط وواكب ذلك ظهور مجموعه من الأفلام السينمائيه تدين العصر الناصري بوصفه عصر الانغلاق والحكم المطلق ، وظهور الشعارات التي روج لها نظام الرئيس السادات ( 99%)من حل القضايا في يد امريكا) و( التصدي لأسرائيل ومحاربتها ..عقده نفسيه) و ( الديموقراطيه لها انياب) وانعكس ذلك على السينما ،وكانت الباكوره فيلم ( الكرنك) ثم فيلم (احنا بتوع الأتوبيس) الذي وصفته جريدة الوطن الكويتيه (أنه منشور سينمائي ضد عبد الناصر) .كم ظهرت افلام اخرى تمجد حرب اكتوبر باعتبارها ، نصرا للديموقراطيه التي جاء بها السادات مثل فيلم (الرصاصة لاتزال في جيبي) اخراج حسام الدين مصطفي ،وفيلم ( بدور) اخراج نادر جلال ،وغير ذلك من خلال تلك الزاويه .في المقابل .جاءت موجة اخرى من الافلام، لتنتقد طبيعة الأنفتاح الأقتصادي، من حيث انحلال القيم والتغيرات غير المعروفه عن السلوك المصري وطبيعته،دون ان تشير الى فلسفة النظام الذي سمح بذلك،وأهم تلك الأفلام(على
مَن نطلق الرصاص) لكمال الشيخ/و(المذنبون) لسعيد مرزوق. وفي تلك الفترة تراجعت قضية الصراع الطبقي، لتحل محلها قضايا الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولم تصور السينما قضايا الانفتاح باعتبارها قضايا سياسية، ولكنها قضايا انحرافات في الأغلب الأعم.
واخيرا
السينما فن من الفنون وهي عن جدارة واستحقاق أداة من أدوات الثقافة والتنوير،وهي فصيل خطر من فصائل الأعلام، ترقب حركة المجتمع ،وتفسر وتعالج ظواهر الأنحراف ،وتكشفه وتفضحه وتعريه
وهنا مكمن الخطوره،فهي ان تلونت بتأثير الدوافع ،وتغليب المصالح، فسوف نشاهد بالقطع ،ما رأيناه في احد افلام الثمانينات من القرن الماضي ،أغنية تجاهر بفلسفة العهد تقول الكلمات في مذهب الأغنية (أخطف واجري)،وفي حوار

اّخر في احد مشاهد فيلم ثان (الانسان نقطه فوق ونقطه تحت وهي التي تحدد مفهوم (الغنى والغبى). وفي المحصلة ان السياسة يمكن ان تصنع الاعلام بتصنيفاته المنشورة والمرئيه ،من صحف واذاعه وفن سينما ومسرح وتلفزيون تكون في خدمة المجتمع ،تناقش وتحلل قضاياه ومشاكله ،باعتبار ان السياسة يمكن ان تحمل رساله ، لكن كل هذه التصنيفات مع تعددها ،لا يمكنها – على وجه الأكلاق – ان تصنع سياسة ، تكون قادرة على صلاح المجتمع، وصناعة مستقبل .ان الأعلام بكل تصنيفاته وألوانه ،وأشكاله ،بلا سياسة رشيده وحاكمه لا ينتج سوى مجتمع مترهل، لا يخرج من كبوة الا ويصادف أخرى، ولا ينشر سوى الفساد ،ومن ثم الأضطراب والترهل ،والصراع الطبقي الذي ينتهي على الدوام بالأنفجار،ولذلك كانت الحفاوة البالغه والنجاح الكبير الذي استقبل به فيلم (سواق الأتوبيس).