المطلوب منه اكبر واخطر من خطوات عسكرية إجرائية
هل انتهت الحرب الاقليمية الاكبر بين ايران من جهة وبين الولايات المتحدة الاميركية واسرائيل من جهة ثانية، ام انها معركة عسكرية وانتهت على قرار بوقف اطلاق النار فقط من دون اي اتفاق اوتسوية، ولا زال الوضع مفتوحاً على معارك اخرى قد تشعل المنطقة هذه المرة، مالم يتم تداركها بتوافق ايراني – اميركي بشكل خاص يُمهّد لإستئناف مفاوضات الملف النووي الايراني ويؤدي الى تهدئة اقليمية جديدة. بينما تسير على خطٍ موازٍ مساعٍ اميركية حثيثة لتطبيع العلاقات العربية – الاسرائيلية بدءً من سوريا ولاحقا لبنان حسب الاجندة الاميركية، التي يبدو انها مستعجلة جداً ولا تأخذ الوقائع والظروف الحقيقية على ارض لبنان وسوريا بعين الاعتبار والتي لا زالت تحول دون التطبيع.

برأي بعض الخبراء اللبنانيين في الشأن الايراني، أن ماجرى بعد وقف الجولة الاولى من الحرب هو دخول الاطراف الثلاثة مرحلة اللا حرب واللا سلم، الى حين تلبية بعض مطالب ايران من المجتمع الدولي بمحاسبة المعتدي الباديء بالعدوان وهي اسرائيل، وتعويض ايران عن الاضرار المادية التي سببها العدوان ومن ثم سببتها ثم الغارات الاميركية العنيفة على ثلاثة مواقع نووية ايرانية اخرجتها مؤقتاً من الخدمة، وهذه المرحلة من اللاحرب واللا سلم ستكون مرحلة تحضيرات –اميركية بشكل خاص- لتبريد جبهات اخرى لا زالت مفتوحة واهمها جبهتا غزة وجنوب لبنان، حيث بدء المسعى الفعلي مجدداً لترتيبات وقف اطلاق نار في غزة، وتنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار اللبناني- الاسرائيلي المعقود منذ تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي ولم تلتزم به اسرائيل منذ اللحظة الاولى.
ثمة من يرى ان لبنان دخل مدار واجواء التفاوض الاقليمي الهادف الى تهدئة التصعيد العسكري، تمهيداً للوصول لاحقاً الى تسويات معقولة ومقبولة اذا امكن ذلك، بعدما امتد التصعيد الخطير من غزة الى لبنان وسوريا واليمن وايران طيلة اكثرمن سنتين، بحيث اُنهِكَت الدول المعنية، حتى الكيان الاسرائيلي تعب من الحروب بعدما تعرض للمرة الاولى في تاريخه لدمار غير مسبوق نتيجة القصف الصاروخي الايراني حسبما افاد الاعلام العبري، ما دفع الرئيس الاميركي دونالد ترامب الى التدخل العسكري المباشر ضد اليمن اولاً ثم ضد ايران لتخفيف الاعباء عن الكيان الاسرائيلي، ولتحقيق هدفين مباشرين: الاول الضغط العسكري على ايران لجرها الى استئناف التفاوض حول الملف النووي وفق شروطه واولوياته. والثاني، تخفيف اندفاعة رئيس حكومة كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو نحو مواصلة الحرب في غزة وعلى ايران، وجرّه الى الانضواء تحت رعايته السياسية للتوصل الى الحلول والتسويات الاميركية المطلوبة.
وقد ايقن نتنياهو انه بلا دعم ترامب وتدخله المباشر ماكان ليحقق اي انجاز، لا عسكري ولا سياسي، لذا يُنتظر ان “ينضبط” وفق ما يطلبه ترامب منه، وبدأت تباشير الانضباط بالكلام عن قرب التوصل الى صفقة جديدة يريدها ترامب لوقف الحرب على غزة، بالتوازي مع المسعى الاميركي لمعالجة وضع لبنان عبر ايفاد الموفد الرئاسي الى سوريا توماس برّاك الى بيروت في زيارتين طرح فيهما رؤية ترامب للحل في لبنان، بالتوازي مع الاتصالات واللقاءات الجارية في اروقة الامم المتحدة في نيويورك للتجديد لقوات الطوارىء الدولية- يونيفيل في جنوب لبنان مدة عام جديد، مع ما يرافقها من مساعٍ اسرائيلية واميركية لتعديل وتوسيع مهامها بمافيها قواعد الاشتباك.
وقد بات معروفاً معظم ما طرحه برّاك على الرؤساء جوزاف عون ونبيه بري ونواف سلام من اقتراحات وآلية تنفيذ لوقف اطلاق النار، تبدأ بتحقيق حصرية السلاح بيد الدولة، وهنا المقصود طبعاً سلاح حزب الله، مقابل الانسحاب

الاسرائيلي من النقاط المحتلة ووقف الاعتداءات اليومية واطلاق سراح الاسرى، بالتوازي مع استمرار مسار الاصلاحات الاقتصادية والمالية، ومع مسار ترتيب العلاقات بين لبنان وسوريا لا سيما تحديد وتثبيت الحدود البرية من الشمال الى الجنوب وصولا الى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلة، كونها تشكل احد اسباب استمرار المقاومة للإحتلال الاسرائيلي في لبنان، ولا بد من نزع هذه الحجة من يد لبنان. على ان تبدأ بعد نزع سلاح الحزب مرحلة اعادة إعمار ماهدمته الحرب الاسرائيلة في لبنان.
وبينما انهمك لبنان الرسمي بإعداد الرد على مقترحات برّاك، خرج حزب الله ليعلن رفضه البحث بمصير السلاح قبل إلزام اسرائيل بكل مندرجات اتفاق وقف اطلاق النار، وتقديم ضمانات اميركية حقيقية بوقف الاعتداءات، بالتوازي مع اطلاق مسار اعادة الاعمار بدل تأجيله للمرحلة الاخيرة، على ان يبدأ في المرحلة الاخيرة ما وصفه حزب الله “البحث في آليات حماية وطنية للبنان عبر استراتيجية دفاعية وطنية متكاملة”.
وعاد براك في شهر تموز الماضي الى بيروت لتلقي الرد اللبناني على المقترحات الاميركية، وخلافاً لكل اجواء التهويل والتوتير والتحذير وتحديد المهل ومخاطر التفجير الامني، انتهت جولة براك على المسؤولين في بيروت، “برضى اميركي نبدئي عن الرد اللبناني ، والذي كان حسب وصف براك مدروساً ومتزناً ، وبإمتنان وتفهم اميركي لظروف لبنان”، ومواقف دبلوماسية هادئة تاركاً للبنان تحديد خياراته لبسط سلطة الدولة ومعالجة مسألة سلاح حزب الله، لكن مع تلويح “بإغتنام الفرص المتاحة في مختلف انحاء العالم وبأن صبر الرئيس الاميركي ترامب ليس طويلا وبأنه اذا لم يلتحق لبنان بركب المنطقة سيفوته القطار”.ليخلص براك الى القول: أنا متفائل ومتفائل جداً جداً.
وحسب معلومات “الحصاد” من مصادر رسمية تابعت لقاءات براك، فإن نافذة جديدة فتحت في الحوار بين لبنان والادارة الاميركية في اجواء مريحة بعيداعن الضغوط واجواء التصعيد والتهويل التي سادت قبل زيارة براك. وسينقل براك اجواء لقاءاته والرد اللبناني الى الرئيس ترامب ووزير الخارجية لتقرر الادارة كيفية التعامل مع الرد اللبناني. ولعل وحدة الموقف اللبناني الرسمي واخذه بملاحظات حزب الله ضمن الرد اسهما في تغيير المقاربة الاميركية التي اصبحت اكثر دبلوماسية وليونة وتفهماً، لا سيما وان تنفيذ ما تطلبه الادارة الاميركية من لبنان لا يمكن ان يتم تحت النار الاسرائيلية والضغوط السياسية والعسكرية.
نأي بالنفس وتفاوض
لبنان الرسمي والشعبي والحزبي نأى بنفسه جديا هذه المرة عن دخول الحرب الى جانب ايران. وبرأي المتابعين حسنا فعل بذلك لأنه في وضع لا يحتمل مزيداً من تبعات الحروب الكبيرة. ولذلك استقبل الموفد الاميركي براك للتفاوض حول افاق التسوية المرتقبة، وهنا طرح بعض النواب المقربين من حزب الله عبر “الحصاد” اسئلة حول ما هي الضمانات التي ستجعل إسرائيل تلتزم بتلك البنود طالما انه برغم الضمانات الأميركية والفرنسية والأمميّة لم يستطع أحد إجبار إسرائيل على الإلتزام بأي بند من بنود إتفاق وقف النار، وحيث ولم تنسحب ضمن مهلة ال٦٠ يوماً، ولم تسمح بإنتشار الجيش بما يمكّنه من القيام بمهمة تسلم السلاح وبسط سلطة الدولة في الجنوب؟ ولذلك، وقبل التشاطر واللعب على الكلمات في اي إتفاق قادم، يبقى السؤال إلأهمّ عمّن يستطيع أن يعطي للبنان الضمانات الفعلية والفعّالة والدائمة ويجبر اسرائيل على الإلتزام الفوري والدائم بها! وهنا بيت القصيد.
ويتابع النواب: حتى الآن ثبت العكس، وإسرائيل تبدو فوق كل الضمانات وأصحاب الضمانات، ولذلك، تسليم سلاح حزب الله للدولة ليس اليوم هو المشكلة، بل المشكلة الفعلية ستكون ماذا بعد تسليم السلاح؟! وما هي الضمانات؟! ومن يضمن من؟! وما هي العقوبة على المعتدي بعد تجريد المعتدى عليه؟!
المطلوب اكبر
لكن بعد فحص المطالب الاميركية وهي في خلفيتها اسرائيلية، تبيّن ان المطلوب من لبنان ليس اتخاذ مجرد قرارات وإجراءات تقنية وخطوات امنية وعسكرية لجمع السلاح والانتشار في كامل مناطق الجنوب، كأنها عملية انتشار للجيش اللبناني لمعالجة اشتباك محلي حزبي او عشائري في احد زواريب لبنان، بل هي ورقة عمل تتطلب قرارات استراتيجية خطيرة سياسية – عسكرية- امنية، واجتماعية – حياتية ايضاً، لأنها مرتبطة بإعادة إعمار ما هدمه العدوان الاسرائيلي، وبمسار الاصلاحات البنيوية للإقتصاد والادارة، وبترتيب العلاقات مع السلطة السورية الجديدة، ما يعني ارتباط كل هذه المسائل بمستقبل لبنان السياسي وتركيبته السياسية.
لذلك يبدو التعامل بخفّة واستعجال وربما بخضوع كلّي مع مضامين هذه الورقة الاميركية، وردّ لبنان الرسمي وردّ حزب الله المطلوب عليها، امراً غير واقعي، لذلك إستلزم الرد قراءات متأنية وعميقة سياسية وعسكرية واقتصادية لخلفيات واهداف الورقة الاميركية والنتائج التي يمكن ان تسفر عنها، والتي تؤثر على مستقبل لبنان بعد نزع احد عناصر القوة من يده بوجه الاحتلال الاسرائيلي، نتيجة التلازم بين ما يتم تسريبه من متطلبات لإنهاء الاعمال العدائية في الجنوب وانتشار الجيش اللبناني وحصرية السلاح بيد الدولة، وبين ما يتم تسريبه بالتوازي عن غياب الضمانات وعن توجهات اميركية واقليمية لتحقيق اتفاقات سلام مع الكيان الاسرائيلي، وعن بدء تفاوض سوري- اسرائيلي مباشر في هذا الاطار، يفترض ان يلتحق به لبنان لاحقا اسوة بسوريا، وان يبدأ ترسيم وتثبيت الحدود معها وفق الرؤية الاميركية – الاسرائيلية، التي تعتبر ان مزارع شبعا وتلال كفر شوبا المحلتة ليست لبنانية بل سورية محتلة بعد حرب العام 1967. وهو امر مستغرب ومستهجن وينسف كل التأكيدات القانونية والشرعية بالوثائق على لبنانية قسم كبيرمن المزارع، لكن يبدو ان استخدام عدم الاعتراف بلبنانيتها الآن وتبني بعض القوى السياسية اللبنانية لهذه المقولة هومن باب الضغط السياسي على لبنان.
وبغض النظر عن تفاصيل ما تضمّنه رد لبنان والحزب على ورقة الموفد برّاك، فإن لبنان الرسمي والشعبي لا يمكن ان يتهاون في مسائل خطيرة وكبيرة كالتي يطرحها الاميركي والاسرائيلي، وطالما ان الضغوط السياسية والعسكرية مستمرة على لبنان، والحصار قائم على الدعم المالي والكهربائي والخدماتي والإعماري، فإن موقف الحزب المتشدد لن يغير في واقع الامر السيء شيئاً، سوى ربما مزيداً من التصعيد السياسي والعسكري، الذي لن يؤدي الى نتيجة فعلية سوى تأخير الحلول للمشكلة بدل تسهيلها. فهل هذا ما يريده الاميركي؟ وهل يستطيع فعلاً المضي في حلوله للمنطقة من دون حل مشكلة لبنان مع الاحتلال الاسرائيلي؟
بإنتظار الاجوبة مع الرد الاميركي على الرد اللبناني.