المذيعة والمحاورة سوسن صفا لـ”الحصاد”:
المواجهة مع العدو الإسرائيلي تجاوزت الميدان الحربي وسلكت دروب المواجهة الإنسانية، الإعلامية، الاقتصادية والاجتماعية والسياحية التي تُعدّ أشمل وأبرز، ولاقت ثمارها في إضعاف إمكانيات العدو الإسرائيلي في السيطرة على الرأي العام الدولي من جهة وتقلّص دوره في عملية التأثير والتأثر من جهة ثانية.
على مرّ العصور لعب العدو دور الضحية، وانتهك وهجّر وقتل باسم الظلم، إلى أن حشد العالم أجمع إلى جانبه، من خلال تفعيل عمليات البروباغندا مزوّرة تدعم موقفه الكاذب بشتى الوسائل المتاحة أمامه، لكنه اليوم، يعيش مهزلة مؤامراته وأفلامه.
هذه المواجهة يقف في مقدّمتها كلّ إنسان يعي معنى الإنسانيّة، والتصدّي، يقودها اليوم الإعلاميّون والإعلاميّات، الكتّاب والشعراء، المثقفون والفنانون. ومن بين هؤلاء وضمن سلسلة إعلاميات وإعلاميين مناضلين ومناصرين للقضية الفلسطينية، التي أطلقتها “الحصاد” مؤخراً، كان لنا لقاء مع الإعلامية والمحاورة السياسية سوسن صفا، التي ومنذ بداية الحرب على قطاع غزة، لم تكلّ عن إظهار الوجه الحقيقي للعدو عبر صفحاتها على السوشيل ميديا أو من خلال برنامجها الحواري 90 دقيقة على قناة NBN، الذي تستضيف به وجوهاً سياسية محلية وإقليمية لمناقشة وتحليل أحداث الساعة.
كفاءتها العالية ميّزتها في إتمام دورها الإعلامي الذي يندرج من عدة مهام أساسيّة في المجال، كموضوعيّتها وحنكتها، وفي الوقت عينه مصداقيتها. تخصّصت في مجال علم الاجتماع إلى أن شقّت طريقها في الإعلام برويّة وسلاسة حتى أصبحت ما هي عليه اليوم، مهنتها الشاقّة لم تمنعها من ممارسة دورها كأمّ لطفلين، فقد اعتنت بهما وتابعت مشوارها المهني بالتوازي.
ماذا قالت عن الأوضاع الحسّاسة في المنطقة، وماذا تتوقّع للبنان وغزة؟ لمعرفة كلّ ذلك يمكن متابعة هذه المقابلة التي أجابت فيها الإعلاميّة عن العناوين العريضة التي تشغل الرأي العام العالميّ اليوم!
- “الحصاد”: رحلتك مع مهنة الإعلام طويلة. كيف كانت البدايات؟
- بدأت مسيرتي الإعلامية بالتزامن مع الاجتياح الأميركي للعراق عام ٢٠٠٣، ما يعني أنني دخلت مباشرة في قلب واقع مشتعل وضغط عمل كبير ساعد في إعطائي فرصة لاكتساب الخبرة في التغطية الإعلاميّة المباشرة، وساهم في سرعة حجز مقعد لي خلف الشاشة الصغيرة. البداية امتزجت بالأحاسيس المتناقضة، بين الطموح والإصرار، والتحدّي والنجاح وبين الفشل والخطأ. لم تكن البداية سهلة، لكنني أشبّه ما أقوم به كمن يحفر في جبل الصخر حتى يصل إلى وجهته الأمثل.
- “الحصاد”: كم هي محفوفة بالصعوبات والمخاطر مهنة الإعلام؟
- مهنة الإعلام لا تشبه أي مهنة أخرى. هي ليست وظيفة بالمفهوم المتعارف عليه. هي مهنة المتاعب والبحث الشاق عن المعلومة والخبر الصحيحين، لكنها بالأكثر مهنة ورسالة، بما تحتويه من أسس أخلاقيّة وأهداف سامية ونبيلة من أجل خدمة الإنسان والمجتمع في ظلّ التحدّيات الكبرى التي تعيشها دولنا ومنطقتنا التي تدور فيها كل أنواع الصراعات والأزمات. جراء هذه الأزمات تترتّب علينا كإعلاميين مسؤولية مضاعفة لناحية فهم الواقع بشكل دقيق ومعرفة كيفية التعاطي معه وفق الأسس والمبادئ التي يفرضها علينا الواجب المهني والابتعاد عن كل ما يفرّق ويساهم في التجزئة والتباعد والانقسام.
- “الحصاد”: قناة Nbn بمثابة منزلك الثاني. ماذا تقولين اليوم عن هذه التجربة؟
- تجربتي في قناة الـNBN هي مسيرة حياة طويلة، تحمل الكثير من المحطّات الصعبة والقاسية والجميلة في آن واحد. عشرون عاماً من العمل، هي محطة أساسية في تكوين هويتي الإعلامية وصناعة المهنة والتجربة والخبرة في شتى الميادين. لا شكّ في أنها بمثابة البيت في المهنة، تجمعني مع الـNBN ذكريات وأحداث وتغطيات مهمة ومباشرة. أشعر في هذا البيت بالانتماء والأمان وأحمل له الكثير من الوفاء والامتنان، كما قدّمت فيه الكثير من الجهد والتعب والتضحيات والحب والشغف في كلّ ما قمت به.
- “الحصاد”: تتصل مهام الإعلامي ببعضها البعض. من الإعداد إلى التقديم، والإذاعة والتحرير. كيف توفقين بينها؟
- كما ذكرتُ آنفاً، مهنة الإعلام هي رسالة، والرسالة لا يمكن أن تتوقف بل تتطلّب الكثير من العناصر المترابطة بعضها ببعض. إذ تسيطر على الجزء الأكبر من تفاصيل حياتنا اليوميّة وتفرض إيقاعها علينا وترسم لنا الإطار بحيث نصبح أسرى لها وليس العكس، مع ما يفرضه علينا هذا الواقع من صعوبات في خلق التوازن المطلوب بين حياتنا العائليّة الخاصة وحياتنا كإعلاميّين متابعين ومسؤولين. وعليه فإن لعبة التوازن القائمة منهكة ومتعبة إلى أبعد حدود تسلب منّا الكثير من التفاصيل اليومية العادية وتسرق منّا اللحظات العائلية والمناسبات الاجتماعية. وتفرض علينا ضعطاً كبيراً لا يمكن لمن لا يمتلك شغف المهنة أن يتحمّله.
- “الحصاد”: برنامجك ٩٠ دقيقة استقطب قاعدة جماهيريّة واسعة من خلال العرض السياسيّ الذي يقدّمه. كيف يحافظ أي برنامج على جمهوره ومستويات المشاهدة؟
- نجاح أي برنامج هو تحدٍّ، يشكّل الهاجس الأكبر لمن يقدّمه. فالإعداد الناجح هو العمود الفقري للبرنامج اللامع مهما بلغت التحديات ذروتها، فيما يخصّ الإنتاج والمحتوى. وتقع علينا مسؤولية احترام المشاهد بالدرجة الأولى، تليه مصداقيّة المضمون. هذه العناصر الأساسيّة لنجاح أي عمل واستمراريّته التي تخلق علاقة ثقة مع المشاهد الذي يصبح متابعاً وفيّاً وحكماً عادلاً.
- “الحصاد”: يصف البعض الإعلام المحلي أحياناً يكون عبارة عن “هرطقة”. هل توافقين؟
- الإعلام الصحيح لا يمكن أن يكون هرطقة أو أي توصيف سلبي آخر. الإعلام يعرّف عن نفسه ويفرض ثقته. اذ يحتاج للمصداقية والأخلاق والاحترام والحقيقة الأمر الذي يدحض أي اتهام. ثمة فئة تعمد إلى تشويه الرسالة الإعلامية لكنها أقلية لا تأثير لها على الرأي العام.
وكما يقول الصحافي الراحل ادمون صعب في كتابه “العهر الإعلامي” بأن الإعلام أشرف مهنة باتت مهددة بقواعدها. وهذا ما يفرض علينا مسؤولية الحفاظ عليها بأشفار العيون لأنها مرآة المجتمع الذي نطمح لبنائه وإعادة المعايير الأخلاقية والوطنية إلى مصطلحاتنا اليومية والعمل على الوحدة والتماسك وكشف الحقائق ولو كلّفنا ذلك الكثير في ظلّ الحروب المفروضة علينا بأشكالها المختلفة.
*السابع أكتوبر تاريخ فاصل في عصرنا
- “الحصاد”: بالانتقال إلى المشهد في فلسطين، كيف تصفين ما يحصل منذ ٧ أكتوبر الماضي؟
- السابع من أكتوبر هو تاريخ فاصل في عصرنا الحديث، هو المحطة الساطعة لانتصار الحق على الباطل وهو تاريخ الانتصار قبل خوض الحرب.
٧ أكتوبر ليس تاريخاً منفصلاً بل نتيجة حتميّة لـ٧٥ عاماً من الظلم والقهر والاحتلال والسلب والاغتصاب لشعب وأرض. هو رد فعل، من المظلوم على هذه الأرض ولكل صاحب حق ولكل مؤمن بأرضه وترابه.
هذا التاريخ عرّى البشرية جمعاء ووضعها أمام معادلة واحدة؛ إما أن تكون إنساناً وإما لا، لأن القضية الفلسطينية هي قضية إنسانيّة بحتة.
لا يمكننا كبشر أن نتابع حياتنا بشكل طبيعي في ظلّ المجازر والمحارق المرتكبة بحق أطفال غزة ونسائها ورجالها دون الشعور بأن إنسانيتنا تمسّ، بتنا نرى ازدواجية المعايير في العالم، لذا، علينا جميعاً أن نُعيد النظر بكلّ الشعارات الدولية والمواثيق التي يبدو أنها لا تنطبق إلا على أناس معيّنين فصّلت على مقاسهم فقط.
- “الحصاد”: كأم، ما رسالتك لأهالي فلسطين والجنوب اللبناني؟
- كأي أم اختبرت معنى الأمومة وتعرف ماهية هذا الشعور والذي هو سرّ من أسرار الخالق عشقت طفلها قبل أن تراه وربّته بكل عطف وخوف وعلّمته كيف يصنع الحلم وكيف يترجمه وانتظرته لكي يكبر وأهدته الحب والحياة وزرعت فيه حب الأرض والانتماء وعلّمته معنى الرجولة والبسالة والدفاع عن الوطن. أنحني أمام أهالي غزة والجنوب، فقد أعطونا دروساً في العطاء والتضحية وحب الوطن. أقبّل رؤوسهم الشامخة وأطلب منهم أن يسامحونا على صمتنا وجبننا وتخاذلنا. وأقول لهم أنتم الأحياء وأنتم الحقيقيون وأنتم أبناء الأرض الذين يكتبون تاريخنا الذي سنفتخر به اليوم وغداً ودائماً، فلسطين قضيتي والجنوب هو الروح.
- “الحصاد”: أداة القتل الإسرائيليّة لم تستثنِ الجهاز الإعلاميين والمراسلين. هل من طريقة للتصدّي لذلك؟
– العدو الإسرائيلي كيان جبان يخاف من الكلمة ويخشى الصورة التي تنقل حقيقة إجرامه البشع، من هنا شهدنا كل هذا الحقد بحق الإعلاميين الذين كانوا يقومون بواجبهم الإعلاميّ في نقل حقيقة المشهد الذي أرعب الإسرائيلي وقرّر إسكاتهم ظنّاً منه أنه قادر على إخفاء جرائمه وإبادته الدائرة على الهواء مباشرة، وأنه يستطيع إسكات الشهود ويمارس جرائمه بصمت بعيداً عن أنظار العالم. الأمر الذي يوجب علينا أن نسعى لإدراج جرائم الحرب المرتكبة بحق الصحافيّين في ملفات التحقيق لدى المحكمة الجنائيّة الدوليّة كي لا يفلت من العقاب إلى جانب ضرورة أن تؤدّي المؤسسات المعنيّة بحماية الصحافيين دورها ولا سيّما الاتحاد الدوليّ للصحافيين ومنظمة مراسلون بلا حدود.
- “الحصاد”: للبنان والجنوب، بما تتوجّهين؟
- استطاع لبنان أن يعيش لعنة الجغرافيا ودفع ثمن اغتصاب إسرائيل لفلسطين منذ العام ١٩٤٨، وهو لم يسلّم بتاتاً من المطامع الإسرائيليّة في أرضه ومائه وتنوّعه، وإلى جانب احتلال الأرض سعت “إسرائيل” إلى تخريب النسيج الاجتماعي اللبناني واللعب على التناقضات الداخليّة، بما يمثل النموذج اللبنانيّ المتنوّع والمنفتح من نقيض ليهودية “إسرائيل”.
لقد كان لبنان وسيبقى في عين المطامع الإسرائيليّة، وهذا ما يفرض علينا كلبنانيّين أن نعي خطورة المشروع الصهيوني وأن نتّحد لمواجهة هذا العدو الذي لا حدود لإجرامه ومطامعه.
الجنوب هو سياج الوطن الذي دفع ويدفع ثمناً باهظاً من أجل تحرير الأرض والدفاع عنها. هذه البقعة المضيئة في تاريخ لبنان والتي تنشر نورها في كلّ الاتجاهات. هذه الأرض كريمة في طبيعتها لم تبخل يوماً بعطائها لكل الوطن، جميلة في زيتونها وشتلة تبغها الراسخة في نفوس أهلها الصامدين الطيبين، ساحرة في تركيبتها الرافضة لكل أشكال الظلم، صلبة في دفاعها عن حقّها في الحياة ونشر ثقافة مقاومة المحتل.