لماذ تشتعل تلك الحوارات حول تسريبات عبدالناصرورفضه للشعارات الصارخه
ان المتابعين لحركة ثورة 23 يوليو، وللخطاب الناصري في مناسباته المختلفة،لايرون جديدا في تصريحاته مع العقيد معمر القذافي يوم الثالث من اغسطس عام 1970،وتأخذ الدهشة مداها ،حين يزعم البعض انها صادمة، كما لو ان الرجل قد تغيرت نظرته الى العدو الصهيوني أو انه تراجع عن الفكر القومي،وأصبح يتساوى مع الرئيس اللاحق (أنور السادات) الذي قال ان العلاقة بين العرب واسرائيل ليست سوى(عقده نفسية) كان عبدالناصر في زياراته لبعض الدول خصوصا،الأفريقيه والآسيوية منها،حريص ان يتصدر البيان المشترك في نهاية الزياره ان يتضمن العبارة الشهيرة له (أن اسرائيل رأس جسرللأستعمار العالمي) كما يتضمن البيان الحديث عن ( حقوق شعب فلسطين) . كما كانت له رؤية

قضية الارض وسرعة تحريرها
قبل تهويدها هي شاغله
محدده للصراع مع اسرائيل مضمونها ( ان اسرائيل ربيبة للأستعمار العالمي ،وكان يرمز لذلك في خطاباته بالقول – اسرائيل ومن هم وراء اسرائيل – وانهم يحمونها عسكريا عن طريق اغراقها بالسلاح المتطور ،وايضا سياسيا في قرارات مجلس الأمن بالأستخدام المستمر لحق الفيتو المكفول لهم في التصويت في مجلس الأمن لصالح اسرائيل على الدوام . وقد يثور سؤال هنا حول اصرار عبدالناصر على وجود جيش مصري قوى ،مادامت اسرائيل تقع تحت الحماية الغربيه عموما والأمريكيه خصوصا.كان عبدالناصر حريص على توفير السلاح اللازم للجيش المصري ،وحين اشترط عليه الغرب ان يدخل ( حلف بغداد ) ان كان يريد سلاحا ،رفض،واتجه للأتحاد السوفييتى للحصول على السلاح ،لا لكي يدمر اسرائيل ( الغرب والشرق لا يوافقان على تدمير اسرائيل) ولكنه كان يدرك الحاجة اليه لكي يرد عدوان اسرائيل ،ونتذكر الهجوم الأسرائيلي على قرية( الصابحه) عام 1955 للضغط على عبدالناصر للدخول في( حلف بغداد)، ولكي يدرك ان امانه يكمن في التحالف مع الغرب،والدخول في احلافه . كان هاجس عبدالناصر منذ ان قامت ثورة 23 يوليو عام 1952 هو اولا : تحرير مصر من الاستعمار البريطاني،وثانيا : بناء مصر.عبر عبدالناصرعن ذلك لنائب بريطاني قام بزيارة مصر عقب ثورة يوليو واراد ان يلعب دورا في ايجاد نوع من التواصل بين مصر واسرائيل في العهد الجديد، يقوم على سلام مصري – اسرائيلي وقال له عبدالناصر عن هدفه الرئيسي،وانه يتمحور حول هذان الهدافان. تحريرمصر وبناء مصر .نقل النائب البريطاني ما سمعه الى بن جوريون رئيس وزراء اسرائيل في ذلك الزمان.وكان رد بن جوريون (ان تصفية الاحتلال

كان أيمانه مطلقا بالولايات المتحده
البريطاني يعنى حرية القرار المصري واستقلاله دون املاء الاحتلال،وبناء مصر،يعني فناء اسرائيل . لذلك قال لن نعطه الفرصة لبناء مصر) .
مبادرة (روجرز) ولماذا صدرت ؟
صدرت مبادرة وزير الخارجيه الامريكي (روجرز)الأولى في ديسمبر 1969،ورفضتها الأطراف الثلاثه مصر والاردن واسرائيل،وكان الرفض المصري يرجع الى رفض التفاوض المباشرمع اسرائيل،من جانب ،وايضا لأنها كانت صفقة منفصلة مع إسرائيل حتى لو استعادت مصر كامل سيناء.
ورفضت إسرائيل الخطة في 10 ديسمبر 1969, وعرفتها بأنها “محاولة لاسترضاء [العرب] على حساب إسرائيل. وقد اعتبرها السوفييت انها (أحادية الجانب)و(مؤيدة لاسرائيل). وفي محاولة لاستدعاء تدخل الأمم المتحدة بعد وقف إطلاق النار، الذي أنهى حرب الأيام الستة،أطلق المصريون جولة جديدة من قذائف المدفعية على القوات الإسرائيلية. وبينما واصل الوزير (روجرز) خطته للسلام، قام جمال عبد الناصر، بتصعيد سريع لحرب الاستنزاف ضد القوات الإسرائيلية في قناة السويس في محاولة لإلحاق أكبر قدر من الخسائر بالقوات الإسرائيلية،ثم حدث في 31 يناير 1970 ان وجه رئيس الوزراء السوفييتي كوسيجين رسالة الى الرئيس الامريكي، يحذره فيها من استمرار القصف الاسرائيلي،على الداخل المصري،وان ذلك من شأنه ان يقوم الاتحاد السوفييتي من التأكد من أن مصر لديها وسائل تحت تصرفها قادره على حماية العمق المصري. قام نيكسون بتاريخ 4 فبراير1970 بارسال خطاب الى بريجنيف رئيس الاتحاد السوفييتي يقول فيها ان امريكا مستعدة لمواصلة جهود السلام بين العرب واسرائيل (وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 242 ) . وفي 19 يونيو عام 1970 جاءت (مبادرة روجرز) الثانيه. والتي ستبدأ لمدة ثلاثة شهور بايقاف اطلاق النار ابتداء من 7اغسطس 1970 الى 6 نوفمبر 1970 ،حال الموافقه عليها من الأطراف الثلاث وهم مصر والاردن واسرائيل ،ولم يشمل الأمر سوريا باعتبارها لم توافق اساسا على القرار 242 ،والذي بنيت عليه المبادره. كان الوجود السوفييتي في مصر،وقد تعاظم

حاول ان يطرح مفهوم قومية المعركه
دوره في توريد السلاح الى مصر ،ووجود قوات سوفييتيه من اجل التدريب على السلاح ،وكذلك حماية السماء المصريه من غارات اسرائيل على العمق المصري، وكان هذا الأمر يقلق الولايات المتحده ،ووضعت ذلك بعين الأعتبار،اضافة الى العمليات العسكريه التي تقوم بها القوات المصريه اثناء حرب الأستنزاف، ونجاحها في الاغاره على ميناء ايلات ،وسبق ان تم اغراق المدمرة ايلات الاسرائيليه،وجرت نشاطات جادة ،في اعادة بناء القوات المسلحة المصريه على قواعد جديده وبأسلحة اكثر تطورا وأعمق تأثيرا ،ونتذكر خطاب الرئيس عبدالناصر في عيد العمال اول مايو عام 1079 ،الذي هدد فيه بضرب المدنيين مادامت اسرائيل تضرب مدنيين ،وقال نصا (الآن اصبح صوتنا عاليا) مما ينذر بضراوة المعركه وتداعياتها.
لذلك نشطت الولايات المتحده في تقديم مبادره جديده.
شعار المرحله المعلن
كان شعار المرحله المعلن هو (ازالة اّثار العدوان) وبالتأكيد ان المقصود كان ازالة عدوان عام 1967 ولم يكن على الاطلاق(تحرير فلسطين من البحر الى النهر)فذلك شعار بصرف النظرعن عدم القدرة عليه ازاء وجود اسرائيل عضوا في الأمم المتحده،ولا يوجد قانون دولي يعطيك هذا الحق،الا انه من جانب اّخر لايمكنك بقواك الذاتيه تحقيق هذا الخيار،وقد كان عبدالناصر بصفته رجلا عسكريا في الاساس يدرك هذا،ولذلك كان طرحه الدائم هو العمل على قبول اسرائيل تنفيذ قرارات التقسيم التي اصدرتها الأمم المتحده ،وحل مشكلة اللاجئين بالعودة الى وطنهم او التعويض .وكان يعلم ايضا ان اسرائيل تحت الحماية الامريكيه ،وكانت شريكا في العدوان على مصر مع دولتين هما بريطانيا صاحبة وعد بلفور في نشأة اسرائيل ،وفرنسا التي كانت تعتبر الجزائر امتدادا لأرضها ،ودفعت الجزائر ثمنا غاليا ، لكي تحصل على استقلالها

الفريق عبدالمنعم رياض استشهد في الميدان
قال له عبدالناصر ان ماحصلت عليه اسرائيل لايمكن استرداده الا بالحرب
وهو التضحيه باكثر من مليون شهيد . نتيجة لتلك الرؤي كان يدرك ان المعركة مع اسرائيل ليست معركة عسكريه وانما هي معركة سياسية حضاريه، وكان أكثرمايقلقه في الأوضاع التي ترتبت على نكسة عام 1967 هو ان يتم تهويد الأرض التي احتلتها اسرائيل. كان ذلك هو شاغله،وهو أزمته،وشدة ألمه ،ومن اجل ذلك كان الحاحه على الملك حسين،ان يضغط من جانبه على الولايات المتحده لكي تسانده في عودة الضفة والقدس بأي ثمن . فالأرض ثم الأرض ثم الأرض. فاليهود لا يطمعون في سيناء قدر طمعهم في الأرض الفلسطينيه ،وتلك كانت مشكلة عبدالناصر،وتكراره لعبارة الضفة قبل سيناء والقدس قبل سيناء،وغزة قبل سيناء والجولان قبل سيناء.
قضايا عبدالناصر الواضحه
حدثت النكسه ،واعلن عبدالناصر مسؤوليته الكامله عما جري،بغض النظر عن المواقف التي بنى عليها موقفه كما ذكر،وقام بالتنحي كأي مسؤول شريف .كانت جموع الشعب الغفيرة،التي كشفت عن مدى استنارتها، فقامت وتخطت سفسطة بعض النخب من المثقفين،من ولعهم بالجدل عشقا للجدل،لا بحثا عن رؤية الحقائق على الأرض،ونزلت الى الشارع رافضة ذلك التنحى،تحت احساسها الغريزي المدرك لمعالم الموقف وابعاده،في مواجهة ذلك الخطب الجلل،وحاصرت عبدالناصروألزمته بالرجوع عن التنحي،واستجاب عبدالناصر للطلب قائلا(ان الشعب وحده هو اّمري)،وبدأ في الأستعداد لأشرس معاركه، وخاض بشجاعة وتدبير وجهد بالغ حرب الأستنزاف،تحت شعار(ازالة اّثار العدوان). ثم جرت الأحداث حتى قبوله (مبادرة روجرز) التي تعتمد اساسا على تطبيق قرارمجلس الأمن رقم 242 الذي سبق وان وافق عليه،بالأضافة الى عملية يجرى التخطيط لها و( غير معلنه)، وهي خطته التي اطلق عليها (الضفدع) وهي بناء حائط الصواريخ الذي انجزه في الساعات الأخيره قبل وقف اطلاق النار ،بناء على مبادرة ( روجرز)وهذا الحائط يكفل له الحماية من القصف الجوي الأسرائيلي لمسافة تبلغ تقريبا ( 12 ) كيلو،ثم يأتي بعد (10) كيلو تقريبا ويبني حائط صواريخ جديد يكفل له حماية (12) كيلو جديده. وخلاصة الموضوع ان عبدالناصر كان يستعد على جبهتين من خلال قبوله مبادرة ( روجرز) احداهما سياسية وأخرى عسكريه، وكما ذكر في الحوار المسرب ان نسبة نجاح مبادرة (روجرز) لا تتعدى نصف في المائه ،وأن فشلها يمثل بالنسبة له 99،5% ،وكما ذكر للراحل الشهيد الفريق عبدالمنعم رياض ان ما حصلت عليه اسرائيل في حرب عام 67 ،يجعلها لا تتنازل الا من خلال معركة عسكريه ،ولن يتوفر الضغط الأمريكي الا باستعدادنا اولا وثانيا بموقف دولي ضاغط ، وكان احد معالمه القلق الأمريكي من تزايد الوجود السوفييتي في مصر . وقرار مجلس الأمن يشمل التسويه فيما تم احتلاله عام 67. اي ان عبدالناصر في الأول وفي الآخر كان معنيا بالأرض العربيه ،وليس فقط بأرض سيناء، وذكر في خطابه في 23 يوليو 1970 ،ان سيناء ليست مشكله ،ويمكن الجلاء عنها غدا ببعض التنازلات،ولكن المشكله هي (أن نكون أو لا نكون) بمعنى ان يتفتت الموقف العربي ،وتصبح الحلول فرديه ،وهنا يمكن ان يلحق الضرر بالأرض العربيه،في حال خروج مصر من المعركه. ان الفلسطينيين هاجموا عبدالناصر من خلال اذاعاتهم التي خصصها لهم في القاهرة،وقال لهم من حقكم ان تختلفوا ،ولكن ليس بذلك الاسلوب ،وحين مضوا في ذلك الطريق اغلق لهم تلك الاذاعات ،ولكنهم استمروا في الحملات مع اّخرين في دول أخرى.
في النهاية
ماهو الجديد الذي حملته تلك التسجيلات، حتى تثار تلك الزوابع، لقد رحل عبدالناصر وتكشفت كل الحقائق على الأرض،خاض حرب الأستنزاف،وقام ببناء الجيش،واعد الخطط (جرانيت1 ) و (جرانيت2)، ومع ذلك تردد بعض الأقلام ،ومعها بعض الألسنه ،ان السادات في سياساته كان امتدادا له ،مع ان الفروق واضحه ،والتباين كاشفا ، ان السادات كان مؤمنا بالولايات المتحده الأمريكيه الى حد ان اعطي نصف في المائة للأرادة الوطنيه ،ومع بقية العوامل الأخرى, في حين ان عبدالناصر كان دارسا للواقع ويخطط على اساسه ،ازالة اّثار العدوان هو هدفه بالمعنى الشامل ،وليس صلحا منفردا يتخطى اّثار العدوان التي مازالت اّثاره على الأرض واضحه وجليه في بقية الأراضي العربيه ،وترتب عليها استشراء الخطر الأسرائيلي في فلسطين وفي سوريا ولبنان، وتهديده للأمن المصري بوسائل أخرى تبلغ حدا التحرش المتواصل. تلك عواقب الأنفصال التام في الأهداف، ثم في النهاية يمكن القول ان تلك الزوابع ليس لها من هدف سوى الترويج لسياسات ومناهج ،تحاول انت تتخذ من عبدالناصر مسطره يتم عليها القياس،حتى تبررما حدث أو تمهد لما يمكن ان يحدث. لكنه على الدوام منذ ان رحل بأكثر من نصف قرن ،سيظل شفافا كالجوهرة الثمينة ،ومنارة مضيئة براقه وكاشفة لكل ما نصادفه من مثال.