القاص والأديب والمسرحي محمد ربيع الغامدي لـ”الحصاد”: ذكرى حكايات الأجداد دعتني للتدوين ونقل التراث الشعبي للأجيال
لطالما انجذب القاص والكاتب السعودي د. محمد ربيع الغامدي إلى عالم المفردات والدلالات اللغوية في لغتنا العربية، وأعطى اهتماماً خاصاً للمصطلحات الواردة في المعاجم والكتب القديمة والأساطير، ما زاده شعوراً بالمسؤولية تجاه تراث اللغة وحكايات الأجداد من جهة وتجاه الحفاظ على موروثات الثقافة والأدب للأجيال القادمة، باعتبار ذلك من

واجبات القاص والأديب الملتزم برسالته الثقافية التي اتخذها على عاتقه منذ دخوله في معترك القصص والسرد والكتب.
في مجموعاته القصصية الاثنتي عشر، طرح قضايا مدينته الباحة حكاياتها وموروثاتها، التي لطالما شجّعته على الكتابة، وكانت أول مجموعة قصصية له عام 1986.
من سمات اللغة العربية أنها تربط الحاضر بالماضي والمستقبل، رغم الإشكاليات التي طرأت بفعل التكنولوجيا وعوامل التطور، إلا أن المدرك الحقيقي أن قوة هذه اللغة يكمن أولاً بقدرتها على الثبات وقد أثبت التاريخ ذلك، وثانياً، إصرار الكتّاب والأدباء على الحفاظ عليها من خلال الوثائق والكتب، الأمر الذي قام به الغامدي طيلة مسيرته الثقافية.
اهتمامه بالمسرح، لا ينفصل عنه، فيعتبره أنه أبو الفنون لذلك أشرف على الفنون المسرحية في المسرح المدرسي في منطقة الباحة ولاحقاً بعد انتقاله إلى جدة. فهو الذي سحره المسرح، وقاده إلى أن يكون كاتباً مسرحياً حياّ على مواقف متربّصاً للإبداع من منافذ الترفيه.
اهتمامات القاص محمد الغامدي لم تقف عن هذا الحدّ، فقد كان مهتماً بالتاريخ المحلي للباحة وجغرافيتها، والموروثات الشعبية وآلياتها. اذ يفصل بين كتابة القصة والكتابة المسرحية، على أنهما يحتاجان فهماً عميقاً للسرد، فالقصة هي أن

تروي الفعل بينما الكتابة المسرحية تقوم على المشاهد والحوار، وكلاهما يحتاجان إلى العناية، والابتكار.
- “الحصاد”: تحمل فترة البدايات الكثير من الذكريات والتجارب. كيف تصف فترة البداية مع عالم الثقافة والكتابة؟
- البداية كانت مع القراءة، ودهشة المدوّن في الأوراق. ولقد كنت أستمع إلى أبي وهو يقرأ من المصحف أو يقرأ في سيرة عنترة ثم، اذا خرج-،أتناول المصحف وأقلّبه بين يدي لأعرف سرّ العلاقة بينه وبين أبي. وعندما دخلت المدرسة تعلّمت القراءة بصورة أسرع حتى أتقنتها من السنة الأولى واعتمد علي أهل قريتي في قراءة رسائلهم ثم كتابتها عند الرد. هذه الحالة علّمتني كم تحمّل الأوراق المكتوبة من أسرار وكم يستطيع القلم أن يودع فيها من الأسرار.
لقد قرأت في طفولتي كثيراً من القصص وفي مقدّمتها قصص المرحوم كامل كيلاني. ثم كبرت فشدّت انتباهي قصص المغامرات والقصص البوليسية والقصص المصوّرة ثم السير الشعبية وكنا نتناوب قراءتها، أبي وأنا. وأتذكر أننا أمضينا قرابة العام حتى أتممنا سيرة الأميرة ذات الهمة بمجلداتها الثمانية. أما الكتابة الجادة فقد تأخرت في تجربتها حتى نهاية المرحلة الثانوية وخلال مرحلة الجامعة. غير أن النشر قد تأخر حتى عام 1983 وطبعت أول مجموعة قصصية في عام 1986. كانت تلك مجموعة “المفازة” وقد كرهتها فأقدمت على إحراقها لما في ترتيبها وإخراجها من عيوب. وها أنا الآن أعيد طباعتها بعد أن وجدت نسخاً منها متلافياً ما كان فيها من عيوب طباعية.
- “الحصاد”: لطالما حملت على عاتقك رسالة في الحفاظ على الإرث ونقله. هل شكّل ذلك مسؤولية وثقة في آن عليك، كونك قاص وأديب؟
- الكتابة مسؤولية كبيرة، والتدوين مسؤولية كبيرة، والتوثيق أبو المسؤوليات جميعاً. والحفاظ على الإرث فيه كتابة وفيه تدوين وفيه توثيق. فالإرث جزء من تاريخ الناس وشريحة من حياتهم ومن الضروري جداً نقله للأجيال، فكيف ل ايكون التعامل معه مسؤولية كبيرة؟
- “الحصاد”: ما هي المسؤولية التي تترتّب على الكتّاب والأدباء في زماننا الحالي؟
- سواء كتبوا للفن، أم كتبوا للحياة فهم أصحاب رسالة صادقة، في تلك الرسالة من ضروري تحمّل المسؤولية. سواء
ذاكرة الفواجع المنسية كتبوا للفنّ أم للحياة فهم معنيون بترقية الفنّ والحياة إلى مدارج أعلى، وهم معنيون بالسلم الثقافي والمجتمعي فالتخريب تنصل من المسؤولية. الأدباء والكتّاب وعموم المشتغلين بالثقافة هم الصفوة والقدوة والمثال فيما هو أبعد وأعمق مما تدركه الأبصار.
- “الحصاد”: ماذا تعني لك بلدتك، الباحة. وهل كان لها دوراً في اتجاهك الفني والثقافي وشغفك بالعلم؟
- هي مسقط الرأس وملاعب الصبا وإن كنت قد راوحت بينها وبين الطائف المجاورة لها ولعلّ تلك المراوحة قد أفادتني كثيراً، القرية كانت تلقائية وكريمة معي بطبيعتها وأهلها، والطائف وضعتني في قلب تباين مختلف جداً.
- “الحصاد”: جذبتك أساطير الباحة وحكاياتها الشعبية وظهر ذلك من خلال كتاب ذاكرة الفواجع المنسية. لمن توجّهت بها؟ وهل برأيك تتشابه تلك الحكايات مع واقعنا؟
- تلك الحكايات سمعتها في صغري فكان خطابها لي، وعندما اشتد ساعدي نازعتني نفسي إليها فدعتني ذكراها إلى تدوينها وقد هالني إقبال الجيل عليها رغم عدم ارتباطها بذكرياتهم الشخصية. قد تتشابه أحياناً مع واقعنا وقد تختلف وعموماً فهي تشكّل واقعاً موازياً تتقبّله المخيّلة وتجد فيه ما يرضي وما يعلم وما يظهر، وهي تعطي صورة عامة مشابهة للمستقبل، لأنها انبثقت من حكايات، أبطالها الناس والأهالي والمنازل.
- “الحصاد”: في الأسلوب القصصي، تعتمد على البساطة مع الفهم العميق للفكرة باستخدام البعد الإنساني والاجتماعي والنفسي لأي مكوّن في قصتك. برأيك، ما الذي يجعل القصة قريبة من ذاتية القارئ؟
- لو كنت أعلم ذلك لكتبت أعظم القصص، ولكني أعتقد أن ملامسة الهم الإنساني والحفر عميقاً في تجارب الحياة يقترب بالنصوص كثيراً من وعي القارئ فالنصوص الجيدة يعنيها كثيراً وعي القارئ وفهمه ومدى إدراكه.
- “الحصاد”: شغفك بالفنون والثقافة، جعل من حضورك جميلاً تنشر الجمال أينما حللت، أهذه صفة برأيك على المثقفين أن يتمتعوا بها؟
- نعم، تلك صفة مثلى وطموح مستحب لعموم المشتغلين على الثقافة ولكني لا أعتقد أن الشغف وحده لا يقود لتلك الحالة ما لم يتفيأ ظلال النوايا البيضاء. أقول قولي هذا وأتمنى أن أحظى بذلك القبول الذي تحدثتِ عنه.
عاشق للمسرح واللغة والحكايات الشعبية - “الحصاد”: بالانتقال للمسرح، ما الذي يشغل بالك كمسرحي اليوم؟
- أن يبقى شاباً رغم أنه من المعمّرين، ويدخل كل حي وكل قرية، وأن يكون جزءا من روتين الحياة اليومي.
- “الحصاد”: إن أردت منك عنواناً لمسرحية تلخّص واقعنا الحالي ماذا تختار؟
- “دُنْيا دَبُنْقَا” وهذه مفردة من دفتر المفردات السودانية. دبنقا هي وعاء شبه كروي يصنع من ثمرة الدباء (القرع) ويستخدم لنقل ماء الشرب ولحفظ البذور أحياناً. والمعنى أنه عالم عجيب يشبه ثمرة الدباء (القرع)!
- “الحصاد”: كيف ترى أفق المسرح في المملكة؟
- أفق يحمل كل البشارات الطيبة للمسرح، لقد كان المسرح موزّعاً بين أكثر من جهة فكان الاهتمام به آنيا فقط، الآن أصبح له هيئة تخطط له علمياً والهيئة تتبع وزارة وقد رأينا ثمار ذلك في مهرجانين للمسرح، وفي حزمة كبيرة من التدابير والفعاليات التي تشعرنا بالغبطة والرضا.
- “الحصاد”: ما الغرض الذي لا تستغنِ عنه في مكتبتك؟
- المجلات ودوائر المعارف. فالمجلات تأتي بالجديد الذي لا تأتي به الكتب، ودوائر المعارف تأتي بالمعلومة وتضعها على راحة يد.
- “الحصاد”: بما تصف عمل الفنون والثقافة اليوم في المملكة بشكل عام؟
- وزارة الثقافة (وهي معنية من خلال هيئات الثقافة والفنون التي تتبعها) تقوم بالتكريس للمفهوم الشامل للثقافة من عوالم الأدب والنشر إلى ملاعب الفنّ إلى جماليات العمارة إلى إبداعات المطبخ.
عمل الفنون والثقافة في المملكة اليوم عبارة عن ورشة كبرى سُخّرت لها كل الإمكانيات من جوائز وميزانيات ومعتزلات ومسرعات .
- “الحصاد”: هل من شيء قد يدفعك للتوقف عن الكتابة؟
- نعم، الموت وحده من يسلب من القلب نبضه ومن الكائنات حركتها.
- “الحصاد”: هل من أعمال مستقبلية؟
- أنا عالق الآن في نص مسرحي من مسرح المونو دراما عنوانه “الهارب” وآمل الخروج منه قريباً. وقبل ذلك وبعده آمل أن استكمل مشروع الطبعات المحدثة لكلّ كتبي.
القاص والمسرحي محمد ربيع الغامدي في أسطر
- ولد د. محمد ربيع الغامدي عام 1955.
- فاز بالمركز الأول في مجال القصة في جائزة راشد بن حميد للثقافة والعلوم بعجمان في دورتها السادسة والثلاثين لعام 2018.
- تعلّم في مدارس مدينتي الباحة والطائف ومدارس دار التوحيد بالطائف، تخرج في كلية التربية بمكة المكرمة عام 1976 متخصصاً في الجغرافيا، عمل معلماً فمشرفاً تربوياً ثم تفرغ لمكتب الاستشارات التربوية المرخّص رسمياً، يكتب القصة والمسرحية والتمثيلية الإذاعية وله العديد من لمقالات العامة والمحاضرات التي تناولت التربية
مجموعته القصصية ألف ثيمة وثيمة والتعليم والمسرح المدرسي والموروث الشعبي والسير الشعبية العربية، وشارك بأوراق عمل في ملتقيات محلية وعربية، وأخيراً كتب سيناريو وحوار وقصة البرنامج التمثيلي مواقف لصالح الإذاعة السعودية.
- من مجموعاته القصصية: “مفردات الموروث الشعبي في منطقة الباحة”، “ذاكرة الفواجع المنسية”، “البرطأونات”، “الثوب الحنبصي”، “النملة والسكر”.
- من المسرحيات منها: “بائعة الورد”، “الريشة والسهم”، “مراثي الخلود”، “اليوم الأبيض”، “راقص مفازة” و”الشجرة والأرض” وغيرها من المسرحيات.