أرقام مقلقة تكشف عن أطفال من جنسيات إفريقية من 27 دولة
يواجه المغرب منذ سنوات معضلة كبيرة تتجلى في ظاهرة أطفال الشوارع، الذين يتزايد عددهم سنة تلو أخرى، وذلك على الرغم من المجهودات التي تقوم بها المملكة المغربية بمؤسساتها الرسمية وغير الرسمية بما فيها جمعيات المجتمع المدني ومراكز الطفولة، وعلى رأسها مؤسسة “بيتي” التي تعمل في مختلف المدن المغربية، وبنظام

الدوريات الليلية والنهارية، حيث كشف أحدث تقرير لـ “منظمة الهجرة الدولية” بالمغرب عن إحصائيات خطيرة حول أطفال قاصرين غير مرافقين مرشحين للهجرة، أغلبهم من جنسيات إفريقية وليست مغربية، يتخذون من المغرب محطة للعبور إلى أوروبا، خاصة مع إقدام المغرب في السنوات الأخيرة بتنسيق مع الاتحاد الأوروبي على سن سياسة إدماج المهاجرين الأفارقة وتوفير الحماية القانونية والاجتماعية والاقتصادية للمهاجرين، مع التركيز على صون حقوقهم وكرامتهم.
ولكن مع مرور الوقت، تحول المغرب من بلد للعبور إلى بلد للهجرة، حسب أحدث تقرير لمنظمة اليونيسف، الذي وقف هو الآخر على تزايد عدد الأطفال المتنقلين (اللاجئون وطالبو اللجوء والمهاجرون بدون وثائق)، الذين يظلون في الواقع غير مرئيين ومحرومين من الحقوق الأساسية، ويتعرضون لخطر الاستغلال والعنف، على الرغم من أن سياسة الحكومة تنص على تطوير نموذج ديناميكي لإدارة الهجرة مزود بآليات لمنع الاتجار بالضحايا وحمايتهم، وعلى رأسهم الأطفال، الذين تستفيد نسبة ضئيلة منهم من أنظمة حماية الطفولة.
وقد صنفت المنظمة الدولية للهجرة (OIM) المغرب في المرتبة 18 عالميا وثاني بلد مصدر للهجرة على مستوى القارة الإفريقية، وذلك في تقريرها لسنة 2024 حول أوضاع الهجرة الدولية، وقالت إنه رغم الجهود المبذولة في مجال تنظيم وتدبير تدفقات الهجرة، لا يزال المغرب يشكل نقطة انطلاق رئيسية للعديد من المهاجرين، بفضل موقعه الجغرافي الاستراتيجي عند تقاطع المسارات الإفريقية والأوروبية.
أطفال أفارقة بشوارع المغرب
وبخصوص وضعية أطفال الشوارع، فقد كشف تقرير جديد صادر عن “منظمة الهجرة الدولية” بالمغرب، التابعة للأمم المتحدة، عن معطيات مقلقة بشأن وضع الأطفال غير المرافقين بالمغرب، سواء من حاملي الجنسية المغربية أو من جنسيات أجنبية مختلفة، وأبرز أن المغرب بات يستقبل أطفالا قاصرين ينتمون إلى 27 دولة، في وضعية هشاشة

ومهددين بخطر الاتجار بالبشر أو الاستغلال، حيث بلغ عدد الأطفال غير المرافقين الذين تم رصدهم خلال عمليات التتبع 1024 طفلا، 704 منهم ذكور و320 إناث، من بينهم 375 مغربيا، والبقية ينحدرون من دول إفريقية أبرزها غينيا كوناكري، السنغال، وكوت ديفوار.
وأكد هذا التقرير الأممي المعد بشراكة مع مؤسسات جمعوية تهتم بأطفال الشوارع بمدن الدار البيضاء والناظور ومراكش، أنه رغم الجهود الحثيثة التي يقوم بها المغرب من أجل حماية الأطفال القاصرين غير المرافقين، فإنه سجل إلى جانب الجمعيات المدنية التي اشتغل معها، أن نسبة 93 % من هؤلاء الأطفال تتراوح أعمارهم بين 13 و17 سنة، مما يعني أن 7 % منهم أعمارهم لا تتعدى 13 سنة.
وحول المساعدة على العودة الإرادية إلى البلد الأصل أو إعادة الإدماج، كشفت الأرقام مساعدة المنظمة مع شركائها بالمغرب على العودة الإرادية لـ 2196 مهاجرا من 32 دولة، موردة أن أكبر وجهة للعودة الإرادية كانت هي دولة كوت ديفوار بـ 523 عائدا، النسبة الأكبر منهم نساء، يأتي بعدهم الرجال ثم الأطفال والطفلات، تليها السنغال بـ 453 عائدا، زاد عدد رجال هذا البلد بأضعاف عن النساء، فيما سجل 410 عائدين من مالي، وغامبيا، ونيجيريا، وجمهورية الكونغو، والكونغو الديمقراطية، وتشاد، والكاميرون، والفيليبين، وغينيا بيساو، وبوركينا فاصو، وغانا، وسريلانكا، والطوغو، والغابون، والجزائر، والهند، وسيراليون، ومدغشقر، والنيجر، والأرجنتين، وفرد من تونس، وآخر من تركيا، وفرد من الإمارات، ثم فرد من بنغلادش، وآخر من مصر، وواحد من الدومينيكان.
ارتفاع عدد المستفيدين من الدعم
كما سجل التقرير طلب 2550 مغربيا من أجل العودة الطوعية إلى بلدهم، أغلبهم كانوا في تركيا، فضلا عن تقدم 32 مغربيا بطلبات مشابهة من هولندا وألمانيا واليونان وبلجيكا وصربيا ومصر وعمان ودول أخرى، فضلا عن عودة فرد واحد من فلندا وإيسلندا وإندونيسيا وإيران، وسويسرا.
وأشار هذا التقرير إلى أن “منظمة الهجرة الدولية” بالمغرب ساهمت في توطين 176 لاجئا في الولايات المتحدة و205 في كندا، من جنسيات متعددة من: الكاميرون، كوت ديفوار، السنغال، سوريا، مالي، باكستان، اليمن، الجزائر، تونس، موريتانيا، إثيوبيا، أفغانستان، والسودان.
وفي مجال الحماية الإنسانية، استفاد أزيد من عشرة آلاف شخص في المغرب من مساعدات غذائية وغير غذائية، من بينهم أطفال غير مرافقين، إلى جانب تقديم المساعدة القانونية لـ 436 شخصا، والدعم الصحي لما يفوق 86 ألف مستفيد، حيث شملت الرعاية النفسية والاندماج الاجتماعي والتعليم غير النظامي، خاصة للأطفال المنفصلين عن أسرهم.
وسجلت المنظمة ارتفاعا في عدد المستفيدين من برامج الدعم بنسبة 21 % مقارنة بسنة 2023، وارتفاعا يفوق 60 % في الاستفادة من الخدمات الصحية. كما عملت على دعم ضحايا الاتجار بالبشر، حيث رافقت 40 حالة، من بينهم مغاربة وأجانب، قدمت لهم مساعدات طبية ونفسية عاجلة.
التفكك الأسري وارتفاع معدلات الفقر
وعلى الرغم من هذه المجهودات التي تقوم بها المنظمات الدولية والمؤسسات المغربية الرسمية والمدنية، فإن أعداد أطفال الشوارع من المغاربة ومن جنسيات مختلفة من القارة الإفريقية في تزايد مستمر، وهذا ما أكده الفاعل المدني مصطفى أسمار، المسؤول عن برنامج الأطفال في وضعية الشارع بمؤسسة “بيتي” بالدار البيضاء، الذي قال في تصريح لمجلة “الحصاد” إن هذه الظاهرة في تفاقم كبير، تنتج ظواهر أخرى تتمثل في طفلات الشوارع وأسر بكاملها في الشارع، وذلك يعود إلى التحولات المجتمعية الكبيرة وإلى التفكك الأسري والطلاق.
وأوضح أسمار أن الوضعية المتدهورة للأسر ومعدلات الفقر المرتفعة والهدر المدرسي والعنف داخل الأسرة، هي أسباب مباشرة لتنامي ظاهرة أطفال الشوارع، كما أن سياسة المغرب في تدبير الهجرة وانفتاحه على البلدان الإفريقية، بقدر ما له إيجابيات له سلبيات خطيرة أدت إلى توافد أعداد كبيرة من الأطفال الأفارقة، الذين يصلون بعاهات مستديمة وحالات مرضية خطيرة، والذين يتخذون من شوارع المدن المغربية ملجأ لهم، حيث لم يعد المغرب بلدا للعبور، بل بلدا للاستقرار.
إن هذا الوضع كما أكد هذا الإطار بمؤسسة “بيتي”، التي تشتغل في الميدان مع أطفال الشوارع منذ عام 1995 بفضل مجهودات مؤسستها طبيبة الأطفال نجاة مجيد التي تشغل حاليا منصب الممثلة الخاصة للأمين العام المعنية بالعنف ضد الأطفال، أفرز “ظواهر خطيرة، وأعطى لنا أصنافا من أطفال الشوارع: أطفال دائمين في الشارع، يقضون 2′ ساعة في الشارع، وأطفال يقضون نها رهم في الشارع بهدف التسول وفي الليل يعودون إلى بيوتهم، وهؤلاء في الغالب يكونون مستغلين من طرف راشدين. ثم أطفال لديهم هدف الهجرة عبر سبتة أو مليلية إلى الضفة الأوروبية، وهؤلاء يستقرون في مدن طنجة والناظور والقصر الصغير، أو في منطقة الصخور السوداء القريبة من ميناء الدارالبيضاء، لتحين فرص التسلل في إحدى الحافلات أو البواخر من أجل الهجرة أو “الحريك” كما نقول في المغرب”.
أسر في الشوارع وليس أطفال فقط
وحول الإجراءات والتدابير التي تقوم بها المنظمات الدولية والمؤسسات والجمعيات المغربية للحد من ظاهرة أطفال الشوارع وإدماجهم في المجتمع، ذكر مصطفى أسمار أنها كبيرة جدا ومتواصلة، ولكن حجم الأطفال المتواجدين في الشوارع المغربية، والذي لا يمكن تقديم رقم حقيقي بخصوصه، كبير جدا يشكل فيه الأفارقة نسبة مهمة، وهو ما يظهر من خلال الجولات النهارية والليلية التي تقوم بها مؤسسة “بيتي” وغيرها من المؤسسات، حيث أكد أنه في الغالب يكون من الصعب التواصل مع هؤلاء الأطفال من أجل تقديم الدعم اللازم لهم، وذلك لأنهم يكونون محميين من أشخاص راشدين يستغلونهم ويكون بالتالي تابعين لهم، كما أنهم يغيرون أماكنهم باستمرار وينتقلون من مدينة إلى أخرى من أجل الهجرة.
وأشار أسمار إلى أن التواصل مع هؤلاء الأطفال الأفارقة يحتاج إلى الصبر وإلى الاستمرار في التواصل معهم من أجل كسب ثقتهم، وإلى خلق علاقات مع المجموعات الإفريقية، كما هو الحال مع المجموعة الكاميرونية، التي فتحنا حوارا معها في الفترة الأخيرة، واستفادت من خدمات الشارع التي تقدمها مؤسسة “بيتي” والمتمثلة في تقديم الأكل والدواء والعلاج، وتوزيع الأغطية، إضافة إلى الخدمات التي تقدم في المؤسسة، من ضمنها الاستحمام والملبس والأكل طيلة النهار، هذا ناهيك عن خدمات إعادة الإدماج كتوفير السكن والعمل في “مزرعة مدرسة بيتي” بسيدي علال التازي حتى من دون أوراق ثبوتية، وتمكين مجموعة من الحالات من جنوب الصحراء من بطاقات الإقامة ودمجهم في سوق الشغل في برنامج “فرصة ثانية” أو في مزرعة المؤسسة، وذلك بهدف انتشالهم من الشارع الذي يشكل خطرا كبيرا عليهم، كما يشكلون هم أنفسهم فيه خطرا على المواطنين المغاربة، وذلك حينما يتحولون إلى عصابات، وخير دليل على ذلك ما تشهده بين الفينة والأخرى مدن الدارالبيضاء وطنجة من أحداث صدامية عنيفة بين المهاجرين الأفارقة والمواطنين المغاربة، كما أن المهاجرين الأفارقة بالمغرب يتكتلون في تجمعات سكنية أو في شوارع بعينها ويشكلون “غيتوهات” خطيرة.
برامج ومراكز لحماية الأطفال
وحول “البرنامج التنفيذي للسياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة 2023 – 2026” الذي أقرته وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة بالمغرب بدعم من اليونسيف، أكد مصطفى أسمار أن هذا البرنامج لا يمكن أن يطبق مائة في المائة ولا أن يؤتي أكله في غياب تعبئة شاملة واهتمام بالأسرة، لأنها هي السبب الرئيسي في هذه المعضلة الكبيرة، وذلك من أجل حماية الطفل قبل أن يخرج إلى الشارع. ولتحقيق هذه الغاية أشار هذا الإطار بمؤسسة “بيتي”، إلى أنهم يشتغلون مع فئات عريضة من الأطفال والأسر، حتى يتم تحصين الأطفال وتوقيف هذا النزيف قبل أن يخرج هؤلاء الأطفال إلى الشارع.
وإلى جانب هذا البرنامج وبرامج أخرى انخرط فيها المغرب مع هيئات دولية، أقدمت وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة على تعميم مراكز المواكبة لحماية الطفولة، والتي يبلغ عددها حاليا 83 مركزا في مختلف الأقاليم، كما تم انتقاء 41 مشروعا مقدما من قبل جمعيات معنية بقضايا الطفولة لإحداث وحدات حماية الطفولة، ليصل بذلك العدد الإجمالي لهذه الوحدات إلى 54، مع العمل على إمكانية تعميمها على مستوى جميع الأقاليم ومواكبة الجمعيات التي تشتغل في هذا الإطار.
وفي شهر يونيو/حزيران الماضي، صادقت الحكومة المغربية على مشروع القانون رقم “29.24” المتعلق بإحداث الوكالة الوطنية لحماية الطفولة وبمراكز حماية الطفولة التابعة لها وبمؤسسات الرعاية الاجتماعية الخاصة بالأطفال، الذي قدمه وزير العدل عبد اللطيف وهبي، بهدف خلق مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي، تناط بها مهمة تنفيذ سياسة الدولة في مجال حماية الطفولة والنهوض بها.
ويتوخى هذا المشروع مواصلة مختلف الإصلاحات التشريعية والمؤسساتية المهمة في مجال حماية الطفولة، وذلك من خلال الإجابة عن مجموعة من الإشكاليات القانونية والعملية التي تواجه الحماية المؤسساتية للطفولة، ولاسيما ما يتعلق منها بالفراغات التشريعية المتعلقة بمراكز حماية الطفولة، والإكراهات المرتبطة بتعدد المتدخلين والصعوبات الواقعية ذات الصلة بعدم مراعاة خصوصية كل فئة من فئات الأطفال، فضلا عن التحديات المتصلة بغياب التنسيق المؤسساتي.