لأول مرة حكومة لبنان تناقش “حصرية السلاح بيد الدولة”
في تطوّر مفصلي أدرجت الحكومة اللبنانية في 5 و 7 آب (أغسطس) 2025 بند “حصرية السلاح” بيد الدولة اللبنانية داخل جدول أعمال الجلستين في خطوة هي الأولى وغير المسبوقة التي ترفع من مستوى الجدل بشأن تسليم سلاح حزب الله إلى الدولة إلى مقام تنفيذي، بعدما اقتصر تناول الأمر في إطار الحوار وتبادل الأفكار، ومن خلال السجال الإعلامي والسياسي الداخلي. فما الذي تعنيه هذه الخطوة وكيف ستتعامل أطراف الداخل والخارج مع هذا الاستحقاق؟
دينامية حصرية السلاح بيد الدولة:
يعتمد التحوّل باتجاه الحسم في مسألة السلاح الذي تمتلكه المجموعات غير الدولاتية في لبنان على التطوّر الدراماتيكي الذي أحدثته الحرب المدمرة التي شنّتها إسرائيل بشكل مكثّف، في أيلول (سبتمبر) 2024، والتي أدت إلى القضاء على

قيادات الصف الأول للحزب، من بينهم الأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله. وقد فرض اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2024 شروطا جديدة أُضيفت إلى قرار الأمم المتحدة رقم 1701 الذي أنهى حرب عام 2006. وتقضي الشروط الجديدة بسحب كل سلاح لا ينتمي إلى مؤسسات الدولة اللبنانية من كافة الأراضي اللبنانية “ابتداء” من جنوب نهر الليطاني.
غير ان هذا التحوّل الذي يستمد دينامياته من ضغوط خارجية، ينهل مشروعيته أيضا من مطالب سياسية داخلية خلال العقود الأخيرة بتسليم حزب الله لسلاحه وانتقاد حركته ومهماته من خارج إمرة الدولة. وقد أدرج رئيس الجمهورية جوزيف عون هذا المطلب داخل لائحة المسائل التي وعد بتنفيذها والتي تضمنها “خطاب القسم” الذي ألقاه أمام مجلس النواب اللبناني في جلسة انتخابه في 9 كانون الثاني (يناير) 2025.
كما ظهر التحوّل في البيان الوزاري لحكومة نواف سلام الذي ألقاه سلام أمام المجلس ونال على أساسه ثقة البرلمان في 26 شباط (فبراير) 2025. ولم يذكر البيان لأول مرة منذ عقود صيغة ثلاثية “الشعب-الجيش-المقاومة” التي كانت تمنح سلاح حزب الله شرعية حكومية، وأدرج بشكل جليّ هدف حصرية السلاح بيد الدولة كهدف من أهداف الحكومة التي يشارك بها حزب الله.
غير أن مسألة حصرية السلاح بيد الدولة ليست فقط وليدة ضغوط مندرجات القرار 1701 وضغوط المجتمع الدولي، لا سيما الولايات المتحدة، وما أدرجه “خطاب القسم” و “البيان الوزاري”، بل أن المسألة مُدرجة داخل الاتفاق الذي أُبرم في مدينة الطائف السعودية عام 1989، والذي على أساسه أنهى الحرب الأهلية (1975-1990) وبات جزءا من الدستور اللبناني المعدّل. وينص الاتفاق على حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية وتفكيك جميع الميليشيات المسلحة، كجزء من تعزيز السيادة الوطنية وإنهاء الحرب الأهلية.
مناورة حزب الله:
رغم فقدانه لنسبة كبيرة من مخزونه من السلاح الثقيل، وفق بعض التقارير، فإن حزب الله ما زال يردد على لسان مسؤوليه، لا سيما أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، رفض تسليم السلاح. وتتراوح المواقف بين التمسك بالسلاح حتى لو

انسحبت إسرائيل من 5 مواقع تحتلها في جنوب لبنان، أو اشتراط ذلك الانسحاب وإعادة إعمار المدن والقرى التي دمّرتها الحرب الأخيرة، لا سيما في جنوب لبنان، لمناقشة مسألة تسليم السلاح، أو التعبير عن الاستعداد لتسليم السلاح وفق صيّغ مختلفة.
ويعتبر خبراء أن سلاح الحزب لا يخضع لقرار قيادة الحزب في لبنان بل للقيادة العليا للجمهورية الإسلامية في إيران. وكان الأمين العام السابق السيّد حسن نصر الله قد أعلن جهارا عام 2016 أن سلاح الحزب وماله ورواتبه تأتي من إيران وبأنه “جندي لدى الوليّ الفقيه”. وقد أسس هذا الإعلان لواقع أن سلاح الحزب وحراكه العسكري يخضع لأجندات طهران، ما قد يُعقّد الجدل الراهن بشأن قدرة الحزب على الاستجابة للضغوط الداخلية والخارجية بشأن تسليم السلاح، بما في ذلك على طاولة مجلس الوزراء.
وقد فقد الحزب منذ سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا في 8 كانون الأول (ديسمبر) 2024، منظومة دعم إقليمية أساسية لبقائه كقوة عسكرية وازنة، خصوصا أن التطوّر السوري، إضافة إلى الضربات التي تلقتها إيران مباشرة من ضمن تداعيات اندلاع حرب “طوفان الأقصى” في غزة في تشرين الأول (اكتوبر) 2008، قد قطع ما كان يطلق عليه بـ “هلال” إيران، وهو ممر أستراتيجي يربط طهران ببيروت مرورا بالعراق وسوريا وكان يؤمّن الامدادات العسكرية (وغيرها) إلى الحزب مباشرة في لبنان. كما أن بيروت ، وبناء على ضغوط خارجية، قد أوقفت الخطّ الجوي بين طهران وبيروت.
وما بين اعتبار هذا السلاح قوة لـ “المقاومة”، أو اعتباره “سلاح الشيعة”، أو المناداة به “قوة للبنان”، فإن الحزب يسعى لشراء الوقت معوّلا على تغيّر ما في موازين القوى، سواء في لبنان أو المنطقة (سوريا خصوصا) أو في ما ستنتهي إليه مآلات المواجهة بين إيران والدول الغربية بشأن ملفات عديدة، منها البرنامج النووي، وتداعيات ذلك على مستقبل موقع إيران الجيوستراتيجي في الشرق الأوسط.
غير أن حزب الله يستند في مواقفه على غياب ضمانات دولية، لا سيما أميركية، بشأن انسحاب إسرائيل من المواقع التي ما زالت تحتلها في جنوب لبنان، ووقف الحرب ضد لبنان ووقف سياسة الاغتيالات ضد قيادات الحزب وعناصره.

أدوات الدولة ومحدداتها:
يعتبر نقل ملف حصرية السلاح بيد الدولة إلى مجلس الوزراء اللبناني من علامات جدية في تناول السلطة التنفيذية لهذا الملف. ويأتي الأمر بعد مرحلة تولى فيها رئيس الجمهورية، بشكل مباشر أو غير مباشر، عملية حوار مع حزب الله بشأن مسألة تسليم السلاح. وقد ظهر تباين في الشكل بين أسلوب الرئيس بانتهاج المرونة والحوار لمقاربة هذا الملف وأسلوب عالي النبرة عبّر عنه رئيس الحكومة نواف سلام سبّب توتّرا نسبيا في علاقته مع الحزب. غير أن الرئيس عون، ذهب في خطاب ألقاه بمناسبة عيد الجيش في 31 يوليو 2025، إلى استخدام لهجة حازمة واضحة بضرورة تنفيذ حصرية السلاح، متوجها إلى بيئة الحزب بالانضمام إلى خيار الدولة.
مقاربة الدولة واستراتيجية الحكومة:
تقوم مقاربة الدولة اللبنانية على العوامل التالية:
1-تمتع رئيسي الجمهورية والحكومة بدعم عربي إقليمي دولي، خصوصا أن ضغوطا علنية من هذا “الخارج” أدت إلى توليهما منصبيهما.
2-تمتع رئاسة الجمهورية والحكومة بشرعية سياسية داخلية من خلال انتخاب مجلس النواب لرئيس الجمهورية بأغلبية مريحة لأصوات النواب (بما في ذلك نواب حزب الله). وتمتع رئيس الحكومة في مشاورات تكليفه بأغلبية مريحة من أصوات النواب (من دون كتلة حزب الله).
3-استناد السلطة التنفيذية على ما يشبه الإجماع بشأن حصرية السلاح بعد ظهور مواقف لقيادات سياسية غير شيعية كانت متحالفة مع الحزب تطالبه بتسليم السلاح للدولة.
4-اعتبار السلطة التنفيذية أن الأمر لا يخضع لضغوط داخلية وخارجية ظرفية، بل هو تنفيذ لبنود دستورية أقرها اتفاق الطائف في عام 1989.
5-تمتع لبنان ببيئة دولية حاضنة تمارس ضغوطا عبر المؤسسات المالية والدول المانحة التي تطالب لبنان بإصلاحات،

بينها حصرية السلاح بيد الدولة، كشرط للإفراج عن أي دعم أو مساعدة أو ضخّ الاستثمارات إلى لبنان، كما تطالب هذه الأطراف بهذه “الحصرية” كشرط لإعادة الأعمار في البلد.
دواعي التحفّظ والحذر:
على الرغم من الضغوط الأميركية التي جاءت على شكل مطالب حملها الموفد الأميركي توم بارّاك وقبله الموفدة مورغان أورتاغوس، ووفود أميركية أخرى (وفد الكونغرس) فإن الباحثون يرون أن التمهل والحذر اللبناني يقوم على عوامل عدة منها:
1-تجنّب الصدام المسلح مع حزب الله من شأنه تعقيد الأمور ويدخل البلد في احتمالات اختلال الأمن الداخلي ودخول البلد بأزمة كبرى.
2-الخشية من أن الصدام قد يحفّز عوامل الانقسام الأهلي على أسس طائفية أو مذهبية أو سياسية، ما يدخل البلد من احتراب داخلي.
3-تجنّب إدخال الجيش اللبناني في صدام مسلّح قد يأخذ أبعادا واسعة، لا سيما أن قدرات الجيش العسكرية قد لا تكون بالقوة الكافية لحسم الموقف عسكريا.
4-تجنّب زجّ الجيش اللبناني وبقية المؤسسات الأمنية التي تعتمد قواها العسكرية على نسبج مجتمعي لبناني متعدد الطوائف ما من شأنه إحداث انقسام وانشقاقات على منوال ما عرفته هذه المؤسسات خلال الحرب الأهلية.
5-تجنّب دفع الجيش في لبنان إلى الدخول في معركة قد تُعتبر مكمّلة للهجمات العسكرية الإسرائيلية المستمرة على أهداف للحزب، ما من شأنه إفقاد الدولة وجيشها الدعم الشعبي الداخلي لسعيها لإنفاذ قراراتها.
مراحل التنفيذ المحتملة:
وفق الأوراق المتبادلة بين لبنان والولايات المتحدة فإن أي خطة من قبل الدولة اللبنانية يفترض ان تلحظ المراحل التالية:
1-قرارات حكومية تشمل تنفيذ حصرية السلاح بيد الدولة وفق ما ينص عليه اتفاق الطائف. وتشكيل لجنة لصياغة آلية

التنفيذ، ومباشرة حوار وطني بشأن “الاستراتيجية الدفاعية” التي يطالب بها الحزب.
2-نشر الجيش اللبناني في المناطق الواقعة جنوب نهر الليطاني، بالتنسيق مع قوات اليونيفيل، لتأمين المنطقة ومنع أي تصعيد عسكري. وبدء جمع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة في المناطق الجنوبية، مع تقديم ضمانات لحزب الله بأن الجيش سيتولى حماية الحدود.
3-توسيع عملية جمع السلاح إلى المناطق شمال نهر الليطاني، مع التركيز على بناء قدرات الجيش اللبناني من خلال دعم دولي (تدريب، تسليح، تمويل). وإشراك المجتمع الدولي، بما في ذلك فرنسا والأمم المتحدة، لتقديم ضمانات بوقف الخروقات الإسرائيلية. إطلاق مفاوضات تقنية لترسيم الحدود البرية مع إسرائيل، كجزء من تسوية شاملة لإنهاء الصراع.
4-استكمال جمع السلاح في بيروت والبقاع، مع دمج عناصر حزب الله في الجيش اللبناني أو مؤسسات الدولة الأخرى (برامج إعادة تأهيل). وإقرار “استراتيجية دفاعية وطنية” في إطار حوار وطني شامل. وتوقيع اتفاق دولي يضمن وقف الخروقات الإسرائيلية ودعم إعادة إعمار لبنان.
مستقبل سلاح حزب الله وتأثيراته
أثار إقرار الحكومة اللبنانية بشكل غير مسبوق منذ اتفاق الطائف عام 1989، بند حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية غضب حزب الله وطهران وسط انقسام لبناني داخلي. غير أن المسألة، التي تراقبها المراجع الدولية والعربية المعنيّة، تطرح أسئلة بشأن تعامل الحزب مع هذا الاستحقاق، وسط تخبط بشأن لزومية هذا السلاح بعدما تمّ نزعه جنوبا بناء على اتفاق وقف، كما تأثير هذا السلاح على الداخل اللبناني والجوار الإقليمي.
ويستدرج النقاش المفاصل والنقاط التالية:
1-تعرّض سلاح حزب الله إلى ضربات كاسحة في الحرب التي شنّتها إسرائيل ضد البنى التحتية العسكرية والسياسية للحزب، وأدت إلى تدمير جزء كبير من ترسانته الاستراتيجية، إضافة إلى القضاء على هياكله القيادية العسكرية العليا، بما فيها اغتيال أمينه العام.
2-التقدير أن قرار إسرائيليا-أميركيا تدعمه أوروبا اتّخذ للتخلّص من الحالة المسلّحة التي يمثلها حزب الله داخل الدولة اللبنانية، وهي حالة تعايشت معها إدارات الأبيض السابقة. وتقاطعت هذه الإرادة الدولية العربية المتمثلة في اللجنة الخماسية (واشنطن، باريس، الرياض، الدوحة، القاهرة) مع ضغوط أدت إلى تغير في منظومة الحكم في لبنان عبر انتخاب جوزيف عون رئيسا للجمهورية، وتشكيل حكومة اختصاصيين ذات مرجعيات سياسية يرأسها نواف سلام.
3-تعامل الاتفاق الذي أوقف إطلاق النار في لبنان في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2024، (الذي وافق عليه حزب الله من خلال حليفة رئيس مجلس النواب اللبناني زعيم حركة أمل، نبيه بري) مع سلاح الحزب من خلال بروتوكولات إضافية للقرار الأمم رقم 1701 الصادر عام 2006، تقضي بإخلاء لبنان من سلاح الحزب “بدءا” من جنوب لبنان، وحصر هذا السلاح بيد مؤسسات عسكرية وأمنية تمت تسميتها داخل الاتفاق، على أن يشرف على التنفيذ لجنة يرأسها جنرال أميركي بعضوية أممية وفرنسية ولبنانية وإسرائيلية.
4-تدخلت الولايات المتحدة، بصفتها راعية اتفاق وقف إطلاق النار، لممارسة ضغوط على الدولة اللبنانية بعد استنتاج تملّص الحزب من مسألة تسليم السلاح. فلم يقرّ الحزب بأن اتفاق وقف إطلاق النار الذي تحدث عن إخلاء السلاح جنوب نهر الليطاني يشمل أيضا شماله.
-تقدّمت الولايات المتحدة بخطة إصلاحات تشمل تلك حصرية السلاح والقطاعات المالية والاقتصادية وإعادة الأعمار، على أن تتم مناقشتها داخل مجلس الوزراء لتأخذ طابعا دستوريا رسميا، بعد أن كانت المداولات تقتصر على اجتماعات مع رؤوساء البلد.
تعامل الحزب مع الموقف:
تعامل حزب الله مع القرارات والتوجهات الحكومية بشكل يتراوح ما بين الدعوة للحوار وربط مستقبل السلاح بالانسحاب الإسرائيلي وذهب إلى التحذير من اندلاع حرب أهلية. ويمكن تسجيل العوامل التالية:
1-في 5 آب (أغسطس) 2025، وفي سابقة منذ نشأة حزب الله عام 1983، أدرجت الحكومة اللبنانية بند حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية، وأقرت الجزء الأول من الخطة الأميركية والتي تقتصر على الأهداف، بعد انسحاب الوزراء الشيعة من الجلسة (4 وزراء للثنائي الشيعي ووزير مستقل). وأكد الوزراء المنسحبون أن ذلك لا يعني استقالتهم من الحكومة وأنهم سيحضرون الجلسات المقبلة.
2-في نفس التاريخ أيضا، وأثناء جلسة الحكومة، قال أمين عام الحزب، الشيخ نعيم قاسم، إن الحزب يرفض تسليم سلاحه. معتبرا الأمر خضوعا للإرادة الأميركية-الإسرائيلية. لاحقا أجرت قناة المنار التابعة للحزب مقابلة لرئيس كتلة الحزب البرلمانية، محمد رعد، قال فيها أن لا تسليم للسلاح، متوعدا الحكومة، مهددا بردّ لم يحدده في حال تحرّك الجيش لتسلّم السلاح. واكب هذه المواقف، تحركات ميدانية لأنصار الحزب، عبر مسيرات بالدراجات النارية، داخل منطقة الضاحية وبعض المناطق اللبنانية تعامل معها الجيش اللبناني باحتواء تقني موضعي.
3-تلقى الحزب دعما رسميا من قبل إيران من خلال سلسلة مواقف من مسؤولين سياسيين وعسكريين، شملت المرشد، السيد علي خامنئي، تؤيد موقف الحزب برفض تسليم السلاح، وتطلق وعيدا بعدم السماح بذلك. وقد ألحقت طهران هذه المواقف بزيارة قام بها أمين عام مجلس الأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، إلى لبنان في 13 آب (أغسطس). وقد قوبل الموقف الإيراني كما زيارة لاريجاني بمواقف رسمية لبنانية صدرت عن رئيسي الجمهورية والحكومة ووزارة الخارجية، تندد بما صدر عن طهران، وترفض أي تدخل في قرارات الحكومة اللبنانية.
4-أمهلت الحكومة الجيش اللبناني حتى نهاية أغسطس لتقديم خطة لتسلّم السلاح غير الشرعي (بما في ذلك سلاح الحزب)، فيما نشطت اتصالات داخلية لإيجاد السبل المناسبة لتسلّم السلاح تنفيذا لقرار الحكومة اللبنانية، وسط غموض بشأن تعامل وزراء الثنائي الشيعي مع مسألة إقرار الخطة (الأميركية وتلك للجيش اللبناني) بعد تأكيد الوزير الشيعي المستقل أنه لن يغادر أي جلسات لاحقة للحكومة.
وظيفة سلاح الحزب:
يستخدم المحللون مقارنات موضوعية ومقاربات علمية لاستشراف مستقبل سلاح حزب الله ووظيفته في المستقبل استنادا إلى رصد للتحوّلات التي شهدهتها المنطقة والعالم. ويرصد الباحثون الاستنتاجات التالية:
1-التقدير أن سلاح حزب الله لم يعد يشكل تهديدا استراتيجيا لإسرائيل بعد أن تمّ تدمير الجزء الأكبر من مخازن الصواريخ الاستراتيجية لا سيما الذكية، خصوصا أن إسرائيل مستمرة باستهداف البنى العسكرية والقيادية للحزب بشكل منهجي شبه يومي، وفق ورقة ضمانات أميركية لإسرائيل ملحقة باتفاق وقف إطلاق النار، تسمح لإسرائيل بضرب أي هدف في لبنات تجده مهددا لأمنها. كما أن إسرائيل أظهرت تحقيقها اختراقا خطيرا لهياكل الحزب جعل من سلاح الحزب مكشوفا، وبات من الصعب تحريكه للاستخدام. وكان لافتا في هذا الصدد عجز الحزب عن الردّ على الهجمات الإسرائيلية المستمرة منذ وقف إطلاق النار.
2-كان لافتا أن الحزب تعاون، مرغما، وتحت مراقبة التفوّق الجوي والمخابراتي الإسرائيلي، لتسليم بناه العسكرية التحتية ومخازنه للجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني، فيما قصفت إسرائيل البنى التحتية التي لم يكشف عنها الحزب. بالمقابل يتشدد الحزب إلى حدّ الرفض في التعامل مع أي احتمال لتسليم سلاحه شمال نهر الليطاني. والتقدير أن ذلك مؤشر أن لسلاحه شمال الليطاني مهمات داخلية أو إقليمية، ترفد موقع الحزب داخل النظام اللبناني وتدعم ضغوطا ممكن استخدامها ضد التحوّلات في سوريا.
3-شكّل سلاح الحزب أداة للهيمنة على النظام السياسي اللبناني منذ انسحاب القوات السورية الذي تلا اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري عام 2005 وحتى عام 2025. وقد استخدم هذا السلاح التابع للإمرة الأيرانية، وفق ما صرح به أمينه العام الراحل حسن نصر الله، في سوريا والعراق واليمن والخليج، ووفّر في لبنان أرضية إعداد وتسليح وتدريب لجماعة الحوثي اليمنية ولجماعات شيعية مسلحة معارضة في الخليج. كما استخدم هذا السلاح في عمليات في بلدان عديدة في العالم في مراحل مختلفة. وتولى هذا السلاح بمسميات مختلفة تفجير مقر المارينز والقوات الفرنسية والسفارة الأميركية في لبنان عام 1983، إضافة إلى تنفيذه موجات خطف للرعايا والدبلوماسيين والصحافيين الأجانب في لبنان لصالح طهران ودمشق في الثمانينات عهد حافظ الأسد.
4-التقدير أن سلاح الحزب، ومنذ اتفاق بكين في 10 آذار (مارس) 2023 بين السعودية وإيران جمّد أنشطته في منطقة الخليج. كما أن سقوط نظام الأسد وجه ضربة قاصمة واستراتيجية ضد الحزب لجهة فقدانه طرق الوصل البري مع إيران عبر العراق. كما أن توقف مطار بيروت، بناء لضغوط دولية، عن استقبال الطائرات المدنية الإيرانية، أفقد الحزب أدوات الوصل المالي النقدي مع طهران.
5-بالنظر إلى مواقف طهران، فإن للسلاح وظيفة ما زالت إيران تحتاجها في مداولاتها ومقايضاتها والتلويح بها ورقة من أوراق تملكها داخل ملف تهتم له الولايات المتحدة. ويظهر هنا أن سلاح الحزب في لبنان بات مادة خلافية بين طهران وواشنطن يمكن حلّها من ضمن ملفات الخلاف بين إيران والولايات المتحدة.
6-يُظهر تمسك الحزب بسلاحه شمال نهر الليطاني الحاجة إلى رمزية السلاح (موجودة على علم الحزب) كمبرر وجود بقاء واستمرار يمتاز به وبنى على أساسة وجوده داخل الطائفة الشيعية في لبنان وداخل منظومة الحكم بتياراته السياسية والمالية والاقتصادية. كما أن التمسّك بالسلاح هدفه أجندة داخلية قد تشمل الدفع بتغييرات دستورية داخل نظام تقاسم الحكم في البلاد.
الاحتمالات والاستنتاجات:
بعد أن قدم الجيش اللبناني في جسلة الحكومة اللبناني في 5 أيلول (سبتمبر) 2025 خطته لتسلّم السلاح غير الشرعي، ارتأت الاتصالات الداخلية إلى تعامل الحكومة بشكل مرن ومعتدل ومقاربة الأمر بشكل غير استفزازي. فقد أعلنت الحكومة أنها “رحبت” (وليس أقرت) بالخطة، ولم تعلن جدولا زمنية لتنفيذها وأبقت على بنود الخطة سرية وشأن عسكريا تقرره قيادة الجيش. وقد خففت تلك المقاربة من التشنج الداخلي وهو أمر رحب به بري وأشاد به حزب الله. غير أن المراقبين توقفوا عند الاستنتاجات التالية:
-من المحتمل أن يكون التهويل من طهران ومواقف الحزب الرافضة لتسليم السلاح ضغوطا تهدف إلى إيجاد تسويات تضمن لطهران وحزبها في لبنان تموضعا جديدا في لبنان وداخل منظومته السياسية.
1-من المحتمل، ووفق تجارب سابقة، أن يعمد الحزب إلى مواجهة قرارات الحكومة بتسليم السلاح، عبر وسائل متدرجة منها تحريك الشارع وصولا إلى المواجهة المسلّحة ذات الأوجه المختلفة.
2-من المحتمل أن يؤدي اتفاق أميركي أيراني بشأن البرنامج النووي وملفات أخرى إلى التوصل إلى تفاهمات تجعل من مسألة تسليم السلاح تخضع لتفاهمات دولية، لكن غياب الاتفاق قد يعزز فرضية تحريك طهران لحزبها لمقاطعة الخطط الحكومية والتصدي لها.
3-من غير المستبعد أن يؤدي الانسداد إلى اللجوء إلى موجة من أعمال العنف والاغتيالات على منوال ما حصل بعد إصدار الأمم المتحدة القرار رقم 1559 عام 2004 والداعي إلى انسحاب القوات الأجنبية (سوريا) وتسليم سلاح الميليشيات (الحزب).
-فقد الحزب دعم حلفائه السابقين من غير الشيعة بإعلانهم دعم قرارت الحكومة، كما ان بيئة الحزب، رغم تمسكها بسلاح الحزب، تخشى حربا جديدة وغياب أية خطط لإعادة الإعمار، ما يصعّب على الحزب تسويق دفاعه عن السلاح.
-فقد سلاح الحزب مفاعيله كخطر يتهدد إسرائيل، وفقد مبرره كمقاومة تدافع عن البلد بعد تمكّن إسرائيل من الفتك بالحزب والسلاح وتدمير القرى والمدن المفترض أن يدافع السلاح عنها.
4-لتمسك الحزب بالسلاح شمال الليطاني بعد أن ارتضى تسليمه جنوبا، أهداف ومرامي داخلية توفّر له رمزية بقاء واستمرار وعامل قوة لتحسين موقعه داخل المشهد السياسي الداخلي.
5-يعتقد أن سلاح حزب الله ما زال حاجة لإيران كورقة يمكن أن يستخدمها على طاولة أية مفاوضات مع الولايات المتحدة المهتمة بخطة حصرية السلاح في لبنان.
-يعتقد أن إيران والحزب يحتاجان لبقاء السلاح للضغط من خلاله على النظام الجديد في سوريا، سواء لتقويضه أو لاستعادة طهران لدور داخل سوريا بعد تمكّن روسيا من استعادة دورها.
6-التقدير أن الجيش اللبناني قد يكون قادرا على مواجهة الحزب في حال تمّ تعزيز قواه العسكرية وفق وعود عربية وإقليمية ودولية، كما تعزيز الوحدة السياسية الداخلية التي باتت مجمعة (عدا الحزب)، حتى من قبل حلفاء الحزب السابقين على حصرية السلاح بيد الدولة.