يوافق يوم 28 من هذا الشهر سيبتمبر مرور خمسة وخمسون عاما على رحيل عبدالناصر.ومن يتأمل حركة الحوارات والمناقشات بل والمعارك الصحفيه والاغلاميه على الساحة المصريه هذه الأيام،يجد ان عبدالناصر هو احد ابطالها بامتياز ،رغم ان الأوضاع السياسية في المنطقة والعالم تشتعل بالكثير من النيران، وهي لاشك ضاغطه وملتهبه وتنذر بالكثير من التطورات ومعها العديد من المخاطر،بل وانها تثير الكثير من الأوجاع والآلآم.لكنه ايضا عبدالناصر الذي مازال يعيش بيننا سيرة وتاريخا تماما كما كانت مرحلته سلسلة من المعارك والأشتباكات،وتملأ العالم ضجيجا، بعد ان وضح تماما ان ثورته، كان علمها الذي يرفرف هو الحرية والأستقلال والوقوف سدا منيعا امام الأطماع الخارجيه بمشاريعها الأستعماريه ،في المنطقة العربيه، وانتشار اشعاعها في افريقيا واّسيا وامريكا اللاتينيه ثم بروز دوره العالمي كأحد قادة دول عدم الانحياز ،ثم على المستوى الداخلي انحيازه المطلق للفقراء والمعدمين ،وشعاراته المدوية (ارفع رأسك ياأخي فقد مضى عهد الأستعباد) و ( لن يكون الفقر ارثا ولن يكون الغنى ارثا،ولابد ان تتوافر امام الجميع الفرص المتكافئة في التعليم وفي الثروة الوطنيه ) لذلك احبته جموع الشعب بعنف يدفئ المشاعر ويملأ الوجدان ،كما رفضه مجتمع الخاصة واصحاب المصالح بنفس العنف في الكراهيهبل والعداء .ورغم توالي العقود من السنين،فلم تزل المشاعر ملتهبه تجاه عبدالناصر وسياساته ،وهل كان الرجل في سياساته وتطلعاته في ازابة الفوارق بين الطبقات، واستخدامه سلطة الدولة في سبيل تحقيق انجازاته كان (ديكتاتورا) أم أنه كان من جانب اّخر (المستبد العادل)،وهل كان في مواجهة خصومه الكبار من الدول الاستعماريه، التي حاولت تصفيته في العديد من المعارك والمؤمرات، يتميز بالحرص والحذر عبر مؤسساته الأمنيه مع التسليم ببعض تجاوزاتها أم انه كان مجرد حاكم متسلط، ويستخدم قوة الدوله في القمع والتسلط .. ؟ اسئلة يمكن الأجابة عليها، ولكن وفق الزاوية المطلوبه للنظر، حيث تتلون الصورة بفعل الحب المفرط أو العداء الحاكم

رحل منذ خمسة وخمسون عاما
ولازال حتى الأن يملأ الصحف جدلا
والمستحكم .وبعيدا عن الحب والكره، نتذكر كتابا للراحل الكبير(الدكتورعصمت سيف الدوله) وعنوان الكتاب (هل كان عبدالناصر ديكتاتورا؟) ومضمون الكتاب يتحدث عن الأنجازات التي قدمها عبدالناصر للغالبيه العظمى من الشعب،وفي الطليعة منه الفلاحين والعمال،وهم الأكثرية الغلبه. ،ويقول في النهاية اليست الديموقراطيه هي الباحثة عن حقوق الشعب وتطلعاته والعمل على تحقيقها،وهكذا فعل عبدالناصر،من خلال اجهزته بما فيها قوة الأعلام وسطوته ،حينما يمارس دوره في خدمة الشعب .أما عن الشيوعيين والأخوان المسلمين ،والسجون التي ضمتهم، ،فأقول لو انهم تملكوا الحكم لأودعوا عبدالناصر ورفاقه في السجون كذلك في اطار حركة الصراع على السلطه. ثم بعد ذلك ما الذي ساقنى اليوم الى الكتابة في هذا الموضوع ،مع ان الحوار في مصر لم يقصر في تناول هذا الأمر ،واقول ان ما ساقنى هو تصريح لعضو مجلس العموم البريطاني السابق، والوجه السياسي البارز في السماء البريطانيه، وتعليقاته في الكثير من الاحيان ،حين تدلهم الأمور،وتتكاثر الخطوب عموما في العالم العربي،فنسمع صوته الجهوري،وكلماته القاطعه، وكم شارك في المظاهرات وحملات التنديد ازاء الهجوم على العراق ،او في الممارسات الاسرائيليه في الضفة الغربيه أو قطاع غزة ،أو القضية الفلسطينية عموما ،عبر سنوات طويله، وقد أدلي بتصريح مؤخرا حول مايجري على الساحة العربيه. انه (جورج جالوى) في لندن، كذلك التصريحات التي صدرت عن وزير خارجية مصر والأمين العام للجامعه العربيه الأسبق (عمرو موسي) في القاهره،وكان الموضوع عن (جمال عبدالناصر) !
عمرو موسي .. تغيرت الأحوال .. فتبدل الدور
ارتفعت اسهم (عمروموسي) وبدأ نجمه في السطوع ،مع تقلده منصب وزير الخارجيه عام 1991 في عهد الرئيس الأسبق (حسني مبارك)، من خلال سياسات دعم العلاقات المصريه –العربيه ،والتي وضع اساسها الرئيس حسني مبارك،فقد عادت العلاقات المصريه العربيه من بداية عهده،بعد التوتر الذي سادها في عهد الرئيس الأسبق (أنور السادات) وترتب عليه خروج مصر من الجامعه العربيه أثر زيارة القدس ،وتوقيعه (معاهدة الصلح المصرية الاسرائيلية) . اي ان الرئيس

في الازمات تجد صوته يحمل نغم الحرية
حسنى مبارك هو واضع السياسة التي نفذها بمهارة (عمرو موسي) الى حد ان المطرب الراحل (شعبان عبدالرحيم) غنى له (انا باكره اسرائيل واحب عمروموسي) ، وظل السيد عمرو موسي وزيرا لخارجية مصر حتى عام 2001 حين اتفق الزعماءالعرب على تعيينه (أمينا للجامعه العربيه). احرز عمرو موسي قدرا من الشعبيه في صفوف المهتمين بالقضايا السياسيه من المثقفين ورجال الأعلام ،ولكنها لم تصل الى حد الشعبيه الجارفه ،فاهتمام القواعد الشعبيه بالسياسة الخارجيه عموما لا يمثل نسبه عاليه،اللهم الا في عهود الزعامات ،أو الأنتفاضات مثل ماحدث في عهد عبدالناصر ومعاركه من اجل الحرية والأستقلال ،وخطبه الناريه، ولم يكن السيد عمرو موسي زعيما ولا خطيبا ،وانما غاية مايصدر عنه تصريحات ،فضلا على انه لم يكن محل اجماع سواء من النخبه أورجال السياسة والأحزاب،بل ان بعضهم كان يصفه بأنه مجرد( ظاهرة صوتيه) ولا اكثر من ذلك. تنحى الرئيس حسني مبارك عن الحكم في ليلة 11 فبراير 2011، وذلك في أعقاب ثورة 25 يناير 2011، ليُعهد بعدها بإدارة شؤون البلاد إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وقد اقدم المجلس الأعلى على اجراء انتخابات للرئاسة يوم 23 مايو 2012، وتقدم عمرو موسي للترشيح لرئاسة الجمهوريه مع اّخرين استنادا لما دخل في قناعاته من شعبيته الطاغيه الى حد ان كانت هناك (أغنية انا بكره اسرائيل وباحب عمرو موسي) وفي اثناء فترة الترشيح والحملات الاعلاميه ادلى السيد عمرو موسي بحديث الى احدى القنوات الفضائيه واجراه معه الصحفي (سليمان جوده) وقال في ذلك الحديث (ان مصر دولة كبيره وعظيمه ولقد اكتشف دورها (محمد علي وجمال عبدالناصر ولذلك صعدوا بها الى مكانة مرموقه وقائده وعلينا ان نفعل ذلك)اي ان سياسات عبدالناصر كانت لائقه بدور مصر ومكانتها وحين اعلنت نتيجة الأنتخابات ،لم يكن لأسم عمرو موسي اي مكانة، بل كان صاحب المركز الثالث شاب في مقتبل العمر لم يكن وزيرا ولا قائدا وهو (حمدين صباحي) وقد اكتسب هذه النتيجة من تصنيفه السياسي (ناصري).ولم يدخل السيد عمرو موسي بعد ذلك اي انتخابات،فقد ادرك حجمه الشعبي،وحفظ الدرس ، ولكنه التفت الى كتابة (مذكراته) والقاء بعض الأحاديث الصحفيه ،التي يهاجم فيها عبدالناصر،ويقول انني بعد حرب ( 1967) لم اعد احضر اي اجتماع ( للتنظيم الطليعي) وهو تنظيم داخل ( الأتحاد الأشتراكي) وانه فقد ثقته في النظام ولم يعد من مؤيديه ، وعاد هذه الأيام لتكرار الهجوم على عبدالناصر وتجربته من خلال هزيمة او نكسة عام 67. أستحضر هنا برقية الرئيس الفرنسي العظيم ( ديجول) التي ارسلها الى

مرحلة من الزمن تتعلق بها المثالب
عبدالناصر اثر اعلان تنحيه (إن النصر والهزيمة فى المعارك عوارض عابرة فى تاريخ الأمم.. وما يهم هو الإرادة.. وفرنسا فى وقت من الأوقات كما تتذكر كان نصفها تحت الاحتلال المباشر للنازى, ونصفها الآخر خاضع لحكومة عميلة.. ولكن فرنسا لم تفقد إرادتها وظلت طوال الوقت تسير واثقة وراء قيادتها المعبرة عن إرادتها.. إن الشجاعة الحقيقية هى مواجهة المحن.. أما الأوقات السعيدة فهى لا تستدعى هذه الشجاعة.. إن سلام العالم العربى يقتضى جهودك, وأنا أول من يتفق معك على أن الأمر الواقع الذى قام عندكم الآن.. لا يعطى أساسا صحيحا لمثل هذا السلام). ارسل يوثانت سكرتير عام الأمم المتحده برقيه يقول فيها (أخشى أن تكونوا قد اتخذتم قراركم بدافع الكبرياء وحده،وأريدك أن تتذكر حكمة بوذية تقول أن العظمة الحقيقية هى المقدرة على احتمال المكاره.. وأرجوكم أن تعيدوا النظر, وإلا فإنكم بذلك تكونون قد لعبتم دون قصد لعبة الآخرين) عدا برقيات كثيرة من مختلف الدول العربيه والأفريقيه والأجنبيه . نعم كانت هناك هزيمة عام 1967،وكانت هناك خرب اسستنزاف وتم بناء الجيش بفضل عبدالناصر وكان هناك انتصار 1973 ،فلماذا لم يكن لهذا الأنتصار امتداداته الباهره،ولماذا تسوء الأحوال بعد ذلك واين مسؤولية الرئيس الذي تم اغتياله، والرئيس الذي تم اسقاطه بثوره 2011، اين حسابهم يا سيد عمرو موسي ؟ولماذا تطل علينا بألحانك الجنائزيه في ادانة عصر واحد ، تعددت انجازاته التاريخية،حتى وان سلمنا – كما سلم هو بمسؤوليته عن الهزيمه ،وتغفل تماما ،عمليات الانحدار المتواصله ،التي اطلت ،حتى بعد انتصار الجيش في حرب اكتوبر المجيده ،وتنسي أو تتغافل عن تقصيرك الشخصي في مؤتمر( ديفوس الأقتصادي) عام 2009 حين لم تقف وتساند الرئيس التركي ( أردوغان) حين انسحب من المؤتمر بعد مشادة شهيرة مع رئيس دولة الاحتلال في ذلك الوقت شيمون بيريز، بسبب عدوان الاحتلال وجرائمه بفلسطين. ولماذا هذا الانبهار الذي دونته في مذكراتك ( الجزء الثاني)عن قائد الانفصال الحقيقي لجنوب السودان (جون قرنق) وهو الزعيم المؤسس لتلك الحركة الأنفصاليه،وتقول عنه نصا صفحة 349 ( انني اعتقد انه لو طال به العمرفربما لم يكن السودان قد تعرض للتقسيم فقد كتن هناك حلولا اخري يدفع بها هذا الزعيم التاريخي للحركة الشعبيه مثل الفيدراليه او الكونفيدراليه ). ثم تاييدك للطلب من مجلس الامن تحمل مسؤولياته بفرض منطقة حظر جوي على حركة الطيران العسكري الليبي فوريا لحماية الشعب الليبي،وقد قامت قوات الطيران الأجنبيه بضرب الشعب الليبي،مما اسفر عن قتل الاّلآف من الليبيين.تري هل تملك شجاعة الأعتراف بخطاياك،أم انك مشغول فقط برصد مثالب الأخرين.وعلى
الجانب الأخري نرصد مواقف النائب البريطاني السابق، وهي تقطر قبل النبل الأحساس بالمسؤوليه .
جورج جالوي .. ونغم الحرية وكرامة الانسان
هو شخصية معروفه وشهيره،وتميزت له مواقف كثيره بجوار القضايا العربيه. وقف مع العراق ضد العدوان الذي شن عليه في بدية التسعينات،وشهدت شوارع لندن وميادينها صولات وجولات في مؤازرة تلك القضية، وهو خطيب مفوه ،كلماته تنطق بقناعاته بسهولةويسر،وشجاعته في ابداء رأيه وقناعاته لا يحدها اي اعتبار،فهو يجاهر برأيه،ويناظر بقناعاته، ودائما كلماته تصيب اهدافها من فرط ما ينطق بها من صدق وعفويه. اذكر في تلك الفتره انه عرج الى المصير المنتظر لكل الطغاة ،حين ضرب المثل بالعدوان على مصر عام 1956 ،ووصف عبدالناصر من اعلام العدوانيين بأنه ( كلب مسعور) وتستءل اين انتوني ايدن الأن ،وأين جمال عبدالناصر.ان ايدن في مزبلة التاريخ اما جمال عبدالناصر فهو في مكانة القادة التاريخيين.واليوم خرج علينا (جورج جالوي) من جديد عبر شريط فيديو يقول فيه ( حين انظر اليوم الى العالم العربي وقضاياه المتشابكه،اقول لابد ان عبدالناصر يتقلب في قبره،واتساءل عن الخطه العربيه ،لمواجهة هذا الواقع الأن. ليست هناك خطه عربيه أتذكر ذلك (الأسد) جمال عبدالناصر،ماذا كان سيفعل،وماذا كان سيقول ،وكيف كان سيقود ،من المحيط الى الخليح . لقد كان قلعه منيعه .انه جورج جالوي .. نغم الحرية وكرامة الانسان