السلاح الفلسطيني في لبنان: حسابات بيروت وأجندة رام الله

عباس يرفع الغطاء وبيروت تستعد لبسط سيادة الدولة على المخيمات

انتظر لبنان زيارة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، لتحقيق خطوة حاسمة بشأن حصرية السلاح بيد الدولة، بما في ذلك سلاح الفصائل والمخيمات الفلسطينية. كان خطاب القسم الذي حمله الرئيس اللبناني، جوزيف عون، إلى مجلس النواب يوم تنصيبه كما البيان الوزاري لحكومة نواف سلام قد شددا على الوعد بالعمل على إنهاء ظاهرة السلاح خارج إطار الدولة، بما في ذلك السلاح الفلسطيني. وكان للرئيس الفلسطيني مواقف قديمة سابقة تؤكد على مسألة سيادة الدولة اللبنانية على المخيمات الفلسطينية والاستعداد لتسليم السلاح الفلسطيني والخضوع للقوانين اللبنانية. تكمن أهمية زيارة عباس في ملاقاتها لجدل لبناني داخلي بشأن مصير السلاح  الذي يطال خصوصا سلاح حزب الله

. غادر عباس بيروت وافتتح لبنان ورشة من سجال وعمل من أجل التعامل مع ظاهرة السلاح الفلسطيني التي بدأت منذ عام 1969. زار “أبو مازن” بيروت تحادث مع قادة البلد،  أطلق مجموعة من المواقف والتصريحات تعتبر زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى لبنان،

السيادة اللبنانية

لاحظت الأوساط اللبنانية والفلسطينية أن الرئيس الفلسطيني الذي زار لبنان في 21-22 أيار (مايو) 2025، وهي الزيارة الأولى له منذ عام 2017، مفصلية داخل جدل لبناني مستعرّ بشأن السلاح غير الشرعي الذي لا يخضع لسلطة الدولة. دخل عباس في “صلب الموضوع” مباشرة منذ اللحظات الأولى لجولته في لبنان على رئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام. وقالت تلك الأوساط أن قرار سياسيا قد اتخذ يعتمد على ثلاث ثوابت:

1- تسليم السلاح الفلسطيني للدولة اللبنانية وخضوع الوجود الفلسطيني للقوانين اللبنانية.

2-تحسين حقوق الفلسطينيين الاجتماعية في لبنان.

3-رفض توطين الفلسطينيين في لبنان اتساقا مع الدستور اللبناني وفق ما قررته وثيقة اتفاق الطائف عان 1989.

وتكررت خلال اللقاءات وما صدر عنها من تصريحات وبيانات ومواقف المبادئ التالية:

1-البحث في الجهود المستمرة لتعزيز الاستقرار والأمن في لبنان، وضمان احترام سيادة الدولة اللبنانية على جميع أراضيها، بما فيها مخيمات اللاجئين الفلسطينيين.

2-اعتبار الفلسطينيين في لبنان ضيوفاً، ويلتزمون بقرارات الدولة اللبنانية، مع التأكيد على رفض التوطين والتمسك

السلاح المخيمات قد يتحول لسلاح فتنة

بحق العودة.

3-تمسك الدولة اللبنانية بفرض سيادتها على جميع أراضيها، بما في ذلك المخيمات الفلسطينية.

4-إنهاء كل المظاهر المسلّحة خارج إطار الدولة اللبنانية، وإقفال ملف السلاح الفلسطيني خارج أو داخل المخيمات بشكل كامل، لتحقيق حصر السلاح بيد الدولة.

5-الاتفاق على تشكيل لجنة تنفيذية مشتركة لمتابعة تطبيق التفاهمات.

6-التشديد على أهمية العمل المشترك على معالجة القضايا الحقوقية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين، بما يضمن تحسين أوضاعهم الإنسانية من دون المساس بسيادة الدولة.

وكان عباس أعلن مجموعة من المواقف منها :

1-لن يكون للفلسطينيين أي نشاط خارج إطار القانون اللبناني.

2-هم ضيوف مؤقتون، وليس لديهم لا رغبة ولا رأي ولا موقف ينادي بحمل السلاح فيه.

3-هم في ظل الحكومة اللبنانية، ولن يكون لديهم أي نشاط خارج إطار القانون اللبناني والشرعية اللبنانية.

4-هم مع لبنان في تنفيذ التزاماته الدولية، ومخيمات اللاجئين هي تحت سيادة الدولة اللبنانية والجيش اللبناني.

5-وجود سلاح المخيمات خارج اطار الدولة هو إضعاف للبنان وللقضية الفلسطينية

تفاهمات التنفيذ

قالت مصادر مطلعة أنه تم تشكيل اللجنة اللبنانية الفلسطينية المشتركة لمتابعة ملف تنفيذ السلاح لوضع آلية تطبيقية لجمع السلاح الفلسطيني داخل المخيمات.

تضمًّ اللجنة عن الجانب اللبناني رئيس لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني السفير رامز دمشقية، والمدير العام لأمن العام اللواء حسن شقير، ومدير المخابرات في الجيش اللبناني العميد الركن طوني قهوجي.

أما عن الجانب الفلسطيني فتضم أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عزام الأحمد، السفير

ماذا ستكون عليه الحقوق المدنية للفلسطينيين؟

الفلسطيني في لبنان أشرف دبور، وأمين سر حركة “فتح” وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، فتحي أبو العردات. لكن خريطة أعضاء الممثلين الفلسطينيين تغيرت بعد ذلك.

وكان لافتا إعلان رئيس الحكومة نواف سلام عن الاتفاق على أن تعقد اللجنة اللبنانية – الفلسطينية المشتركة اجتماعاتها بشكل فوري، على أن تكون أولى الجلسات في 23 أيار (مايو) 2025. وستكون مهمة اللجنة وضع جدول أعمال واضح لتنفيذ آلية حصر السلاح بيد الدولة، بما فيه السلاح داخل المخيمات، ومناقشة ملف الحقوق المدنية للفلسطينيين في لبنان.

وقد اعتبر سلام أن “هذا السلاح لم يعد سلاحاً يساهم في تحقيق حقوق الشعب الفلسطيني، بل الخطر أنه قد يتحول لسلاح فتنة (فلسطينية – فلسطينية)، وسلاح فتنة فلسطينية – لبنانية”.

وتابع: “قوة القضية الفلسطينية اليوم ليس في السلاح الموجود في المخيمات الفلسطينية في لبنان، بل في تزايد أعداد الدول التي تعترف بدولة فلسطين، وفي مئات آلاف المتظاهرين في مختلف أنحاء العالم نصرة لفلسطين وغزة، كما هو في مقررات الشرعية الدولية، وأحكام المحاكم الدولية التي تدين إسرائيل وممارساتها”.

العلامات السياسية

على هامش البرنامج الرسمي لزيارة الرئيس الفلسطيني إلى لبنان بالإمكان رصد المفاصل السياسية التالية:

1-اعتبرت بعض المراجع السياسية اللبنانية أن لقاء عباس-عون كان “يوماً تاريخياً”، بالنظر إلى انتظار لبنان طرح بند الوجود الفلسطيني وسلاحه، ورأت بعض هذه المراجع أن الأمر خطوة جديدة لإنتهاء مرحلة “الدولة ضمن الدولة”، وأن ما ينطبق بالقانون على اللبنانيين والمواطنين العرب ينطبق على الفلسطينيين داخل المخيمات وخارجها.

2-لاحظت مصادر لبنانية مراقبة أن بيروت تريد تسجيل تقدم في ملف السلاح الفلسطيني من خلال تعاون رسمي كامل مع قيادة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية على نحو يسهّل وضع خطة متدرجة لنزع السلاح الفلسطيني بالتوافق والحوار بين “دولتين”.

3-أضافت المصادر أن هناك إجماعا داخليا من قبل كافة المشارب السياسية اللبنانية على طيّ صفحة الوضع الشاذ للوجود العسكري المسلح للمخيمات الفلسطينية من ضمن خطّة إصلاحات تضغط باتجاهها الدول الإقليمية والدولية المعنيّة بالشأن اللبناني.

4-أوضحت مصادر مطلعة على قضية السلاح الفلسطيني أن هذه المسألة هي جزء من مسألة السلاح غير الخاضع للدولة اللبنانية، وباتت مرتبطة عضويا بالنقاش الدائر حاليا بشأن سلاح حزب الله، بمعنى أن أحد عوامل التقدم في ملف سلاح حزب الله بات يتطلّب فتح ملف السلاح الفلسطيني.

5-رأت مراجع فلسطينية متابعة أن مواقف الرئيس الفلسطيني من مسألة السلاح الفلسطيني في لبنان مرتبطة بالسياسات التي دافع عنها بشأن مفهوم السلاح الفلسطيني عامة ومعارضته الدائمة لعسكرة المقاومة. وتربط هذه المراجع بين موقفه في لبنان بمواقف أطلقها قديما وحديثا ضد العمل المسلح الذي انتهجته خصوصا حركتي حماس والجهاد.

6-أضافت هذه المراجع أن مواقف عباس في لبنان تدخل أيضا في سياق ما تفرضه العواصم العربية والإقليمية من إصلاحات يجب تنفيذها لإعادة تنظيم الهياكل القيادية لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية. وتلمّح بأن ما هو مطلوب من السلطة في رام الله مطلوب أيضا في تعاون القيادة الفلسطينية لإزالة السلاح الفلسطيني في لبنان.

7-رغم عدم الإعلان عن الكيفية التي ستعالج بها قضية السلاح الفلسطيني، غير أن تشكيل لجنة مشتركة بهذا الخصوص نقل المسألة من مستوى المواقف النظرية إلى مستوى عملي تنفيذي تنخرط فيه رسميا رام الله وبيروت من أجل إخراج خطّة وأجندة طريق تفرض أمرا واقعا يُصار إلى رعايته إقليميا ودوليا.

8-قالت مصادر لبنانية وفلسطينية إن اتفاق الطرفين على مبدأ نزع سلاح المخيمات بعد أن تمّ الانتهاء من ظاهرة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، يفتح الباب أمام ورشة لن تبدأ من الصفر. فقد عملت الأجهزة السياسية والأمنية اللبنانية في السنوات الأخيرة على التواصل مع الجهات الفلسطينية المحلية لبلورة سيناريوهات وأفكار بشأن مستقبل الوجود الفلسطيني في لبنان.

9-أكدت مصادر متابعة أن سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا قد أزال عثرة كبرى من أمام انسياب اتفاق لبناني فلسطيني ينظّم العلاقات بين الطرفين، والانتهاء إلى خلاصة تلتقي تماما مع مطالب لبنان وخطاب السلطة الفلسطينية بشأن السلاح. وتقول المصادر إن الفضاءات الفلسطينية في لبنان كانت ميدان أنشطة نفوذ لدمشق وتحرّك داخل المخيمات أجندات مرتبطة بأجندات النظام السابق.

10-تعتقد بعض الأوساط المنخرطة في هذا الملف أن الاتفاق السعودي الإيراني المبرم برعاية الصين في بكين، في آذار (مارس) 2023، أسهم، ولو بشكل غير مباشر، في تخفيف تورّط إيران في تعطيل المحادثات التي عقدت خلال السنوات الأخيرة في لبنان والتي تتناول مسألة الوجود الفلسطيني ومستقبل وجوده. تضيف هذه الأوساط أن انشغال حزب الله بشؤونه بعض الضربات البنيوية التي تلقاها من قبل إسرائيل أضعف سطوة الحزب على الملف الفلسطيني وسحبت منه ورقة السلاح الفلسطينية واستخدامها خدمه لمصالحه ومصالح إيران.

11-تلفت هذه الأوساط إلى أن المخيمات الفلسطينية التي كانت تمثل رمزا للقضية الفلسطينية التي يحمل لواءها حزب الله، تحوّلت وفق روايات حزب الله، في ما سرّب من الحوار الجاري بينه ودوائر رئاسة الجمهورية اللبنانية، إلى خطر أمني على الحزب والشيعة في لبنان لتبرير استمرار إبقاء سلاحه ورفض تسليمه للدولة اللبنانية.

12-وفق تغير علاقة الحزب بالوجود الفلسطيني المسلح، فإن متابعين لهذا الملف يعتبرون أن إزالة السلاح الفلسطيني تأتي أيضا استجابة لما يشبه شروطا وضعها الحزب تتطلب إزالة السلاح الفلسطيني كخطر على الشيعة وخطوط تنقلهم بين العاصمة والجنوب اللبناني قبل الشروع بأي دينامية لنزع “سلاح الشيعة” في البلد.

13-يأتي الحدث بعد مواقف حازمة كانت الحكومة اللبنانية قد اتخذتها ضد حركة حماس في لبنان ما قد يضعف عوامل مقاومة لاتفاق بيروت مع السلطة الفلسطينية.

هل المخيمات مستعدة؟

في 22 أيار (مايو) 2024، قال الرئيس الفلسطيني إن “وجود سلاح المخيمات خارج إطار الدولة، هو إضعاف للبنان، ويتسبب بالضرر للقضية الفلسطينية أيضا، وأننا مع لبنان في تنفيذ التزاماته الدولية والحفاظ على أمنه واستقراره وسيادته، على كل حدوده وفوق أراضيه”. وقد جاء هذا التصريح مكمّلا لسلسلة مواقف أكد فيها استعداد الفلسطينيين لتسليم سلاحهم إلى الدولة اللبنانية، كما خضوع المخيمات للسيادة اللبنانية، وخضوع الفلسطينيين للقوانين اللبنانية.

واعتبرت مراجع دبلوماسية أن عباس الذي يرفد الدولة اللبنانية بموقف يزيل الغطاء الشرعي الرسمي عن سلاح الفصائل الفلسطينية في لبنان، يأتي أيضا استجابة لضغوط تمارس عربيا ودوليا على رام الله، وجزءا مما تطالب به من إجراءات إصلاح تطال قيادة السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية. غير أن أوساطا لبنانية فلسطينية استغربت اكتفاء إصدار الرئيس الفلسطيني مواقف وعناوين سياسية مهمة بحجم تسليم السلاح الفلسطيني في لبنان للدولة اللبنانية، وهو أمر يعتبر تاريخيا في مسار الوجود السياسي الفلسطيني في لبنان، لا سيما بعد أحداث أيلول (سبتمبر) 1970، من دون أي تحضير سياسي مع مخيمات لبنان والفصائل المعنيّة بقرار من هذا النوع.

وقالت مصادر متابعة أن هذا الاستغراب يشمل أيضا هياكل حركة فتح في لبنان المعنيّة بالشأن الفلسطيني السياسي والعسكري والمدني في لبنان، وصاحبة الخبرة في التعامل مع السلطات السياسية الأمنية اللبنانية، كما مع كافة التيارات السياسية اللبنانية. بالمقابل عبّرت بعض المنابر اللبنانية شبه الرسمية عن استياءها من عدم وجود كادرات عليا من “فلسطينيي لبنان” داخل اللجنة اللبنانية الفلسطينية المشتركة التي شكلت بعد اجتماع الرئيس الفلسطيني مع قادة لبنان، خصوصا أن أنباء تحدثت عم مغادرة أعضاء اللجنة من الجانب الفلسطيني لبنان بعد اجتماعها الأول.

وقد تساءلت مصادر مراقبة عن أسباب عدم عضوية السفير الفلسطيني في بيروت أشرف دبور وأمين سرّ حركة فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية فتحي أبو العردات مثلا في اللجنة المذكورة، كما غيابهما عن كواليس التحضير لزيارة الرئيس الفلسطيني إلى لبنان والتي تولى تنسيقها ياسر عباس نجل الرئيس ومستشاره. وقد مثّل الجانب الفلسطيني في الاجتماع الأول للجنة المشتركة كل من ياسر عباس، مستشار الرئيس الفلسطيني، وعزام الأحمد، أمين سرّ اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأحمد مجدلاني، عضو لجنتها التنفيذية، ووائل لافي، مستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون القانونية.

من جهة أخرى استغربت بعض المصادر سرعة الإعلان عن خطة لتسلم سلاح مخيمات وبيروت والبقاع والشمال متسائلة عما إذا كانت الفصائل المعنيّة داخل هذه المخيمات موافقة على التقيّد بالاتفاقات بين الدولة اللبنانية والممثلين عن السلطة الفلسطينية. صحيح أنه لم تصدر أي بيانات علنية عن الفصائل الفلسطينية ترفض مبدأ تسليم السلاح وسيادة الدولة اللبنانية على المخيمات الفلسطينية، لكن الفصائل، بما في ذلك حركتي حماس والجهاد، اشتكت من غياب التشاور معها وفرض الأمر الواقع من غير تنسيق مسبق مع الأطراف الميدانية والسياسية المعنيّة. وقد صدرت ومواقف لبعض الفصائل، لاسيما حماس، تؤيد مبدأ الخضوع للسيادة اللبنانية ضمن شروط يشتم منها رفض لتسليم السلاح.

بمواكبة البيانات والمواقف المعلنة، صدرت تصريحات وبيانات بعضها مجهول وبعضها معروف المصدر، مقرّب من حزب الله، شنّ حملة ضد الرئيس الفلسطيني، واعتبر أن سلاح المخيمات “خط أحمر”، ملمّحا بالدفاع عن السلاح واعتباره مسّا بمناعة المقاومة. وتخوفت بعض الأوساط من أن يحرّك المستاؤون وأجندات خارجية أعمال عنف ضد هذه المسار، خصوصا أن المخيمات تحتوي هلى عناصر مدانة تعتبر إرهابية تلاحقها أجهزة الدولة.

وقد استغربت منابر قريبة من حزب الله بدء عملية تسليم السلاح التي بدأ تداولها من مخيمات بيروت والشمال والبقاع وليس من مخيمات الجنوب. واعتبرت أنه من غير المنطق أن يسري قرار 1701 على الحزب في جنوب لبنان ويُعمل على نزع سلاحه فيما لا يسري الأمر حتى الآن على المخيمات الفلسطينية المسلحة جنوب لبنان.

وكان لافتا أن مراجع فلسطينية في لبنان رأت أن إسرائيل تعمّدت عدم قصف سلاح المخيمات الفلسطينية إبان حربها على حزب الله لحاجة إسرائيل لاستخدام المخيمات الفلسطينية لإشعال الفتن في لبنان لاحقا وتحريك مجموعات داخل المخيمات في مواقيت وظروف مواتية. ورغم الطابع المؤامرتي لهذه النظرية، غير أن تقارير تتحدث عن مكامن أخطار أمنية حقيقية قد تتحرك في بعض المخيمات.

وقد أثارت بعض المصادر القريبة من حزب الله مسألة خطورة تجريد الفلسطينيين من أسلحتهم الفردية مذكرة بمجزرة صبرا وشاتيلا في 16 أيلول (سبتمبر) 1982، من زاوية أن سلاحا فرديا كان بإمكانه منع الجريمة. بالمقابل فإن مصدر فلسطيني يسخر من تلك الحجج ويجزم أن الجريمة كانت وقعت بمبررات السلاح نفسه.

وقد لفتت بعض التحليلات إلى أن سيناريوهات معاندة لهذا المسار قد تجد جمهورا واسعا داخل المخيمات ولدى فلسطينيي لبنان القلقين على مستقبل وجودهم المدني والإنساني في لبنان. وتدعو هذه التحليلات إلى إيضاح خطة الحكومة لمنح الفلسطينيين في لبنان حقوقا مدنية في مجال العمل والتملك والضمانات الاجتماعية وربما السياسية لاحقا.

هل تنفذ المخيمات وصايا عباس؟

كثير من الغموض شاب الخطّة التي ستعتمد لتسليم السلاح الفلسطيني إلى الدولة اللبنانية. قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس كلاما واضحا حاسما حازما لا لبس فيه بشأن سيادة الدولة اللبنانية على المخيمات الفلسطينية في لبنان وسلاحها. أطلق عناوين تحتاجها بيروت لاكتساب شرعية فلسطينية رسمية ممثلة للشعب الفلسطيني للشروع في ورشة معقّدة لتنفيذ حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية، وفق خطاب القسم والبيان الوزاري، بالشق المتعلّق بالجانب الفلسطيني من ذلك السلاح. قال “أبو مازن” قولته ومشى. تحدث قبل ذلك عن تشكيل لجنة فلسطينية لبنانية تشرف على ورشة تسليم السلاح، وبشّر بأن اجتماعاتها فورية وهذا ما حصل. استغرب مراقبون أن تخلو اللجنة المذكورة من “فلسطينيي لبنان”. سألت مصادر مراقبة لماذا لم يحضر السفير الفلسطيني في بيروت أشرف دبور وأمين سرّ حركة فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية فتحي أبو العردات. مثّل الجانب الفلسطيني في الاجتماع الأول كل من ياسر عباس، مستشار الرئيس الفلسطيني، وعزام الأحمد، أمين سرّ اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأحمد مجدلاني، عضو لجنتها التنفيذية، ووائل لافي، مستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون القانونية.

قد تكثر الهمهمات بشأن داخل أروقة القرار الرئاسي الفلسطيني بشأن حضور هذا وغياب ذاك. لكن ما هو مقلق هو التشكيك بقدرة السلطة الفلسطينية ورئيسها على فرض “إعلان النوايا” على مخيمات لبنان وعلى كافة الفصائل، سواء كانت منضوية داخل منظمة التحرير أم لا. لسان حال تلك الفصائل، وخصوصا حركتي حماس والجهاد يقول: “على الأقل تشاوروا معنا”. بالمقابل بدا الجانب اللبناني مكتفيا بما صدر عن الرئيس الفلسطيني.

كما بدا الرئيس الفلسطيني مكتفيا بما سلّف به الدولة اللبنانية من موقف يمكّنها من تسويقه لدى المجتمع الدولي. ذهب “أبو مازن” بعيدا في خطابه في ونحو بيروت. قال إن “وجود سلاح المخيمات خارج إطار الدولة، هو إضعاف للبنان، ويتسبب بالضرر للقضية الفلسطينية أيضا، وأننا مع لبنان في تنفيذ التزاماته الدولية والحفاظ على أمنه واستقراره وسيادته، على كل حدوده وفوق أراضيه”.

غادر عباس لبنان تاركا أسئلة كثيرة. بعده غادر الممثلين عن الجانب الفلسطيني في اللجنة المعنيّة أيضا تاركين فلسطينيي لبنان في حيرة وقلق. يخبرني مصدر فلسطيني منكبّ على هذا الملف أن “سكان المخيمات في خوف من فكرة تجريدهم حتى من سلاحهم الفردي: من يحمينا؟”.

يدفع الجانب اللبناني بالأمور بإيقاع يريده سريعا. تمّ الترويج لمعلومات عن بدء تسليم أسلحة مخيمات بيروت (برج البراجنة، شاتيلا ومار الياس) في مرحلة أولى في حزيران (يونيو)، لتشمل في تموز (يوليو) مخيمات البقاع والشمال (الجليل والبداوي)، على أن تستكمل المرحلة الثالثة في المخيمات الأخرى في الجنوب. تسأل المعنيين الفلسطينيين عن الأمر فيشككون ويستغربون. تخرج منابر ليست بعيدة عن الحزب. أحدهم يطلق حفلة شتم ضد عباس “الذي لا يمون”، وكثيرون يجتهدون في تفكيك كل المسار الجاري. يستغربون أن تباشر بيروت فتح ملف مخيمات العاصمة والبقاع والشمال و “الهروب” من استحقاقات مخيمات الجنوب المفترض أنها مشمولة بالقرار 1701. يشكون أن يُنزع سلاح الحزب في ذلك الجنوب ولا يمسّ سلاح المخيمات. تخال في ذلك النقاش تلطي خلف عناوين ومعادلات تهدف بالنهاية إلى عرقلة هذا المسار أو تأخيره، لعلّ في التحوّلات الدولية أو أي اتفاق عتيد بين طهران وواشنطن ما بإمكانه إبعاد الكأس المرّ عن “سلاح المقاومة”.

معاندة إعلان الرئيس الفلسطيني ليست احتمالا. خرجت مواقف وبيانات واضحة التوقيع تعلن أنها غير معنيّة، على الأقل حتى الآن. الأخطر البيانات ذات التوقيع الملتبس التي توحي بأن أجندات داخلية وخارجية تلوّح بالصدام الكبير. وبعيدا عن حسابات سياسية قد تتدخل العواصم الراعية لتهذيبها وتخفيف شططها، فإن تلك المعاندة ستجد لها جمهورا واسعا داخل المخيمات ولدى فلسطينيي لبنان عامة الذين يتساءلون عن مستقبل وجودهم المدني والإنساني في لبنان.

لا شيء واضح بشأن ما قد تفرج عنه بيروت من حقوق مدنية للفلسطينيين في لبنان. كثيرهم ولد في لبنان ولا يعرف إلا لبنان بلدا. خضعوا لحصار فرضته حكومات البلد عليهم “غيرة” على قضيتهم. حرمتهم من العمل في مهن كثيرة ومن التملك ومن رسم مستقبل لعيشهم وطبعا من أي آفاق للتوطين. دستور البلاد يمنع ذلك. يحقّ للفلسطيني أن يكون فرنسيا أو بريطانيا أو أميركيا من دون الخوف على قضيته. في لبنان الأمر مختلف. ولا يحق لمن ولد في بلدنا وترعرع في ربوعه وساهم في نمائه وتطوّره وحتى حكايته أن يصبح لبنانيا. فهو إما زائد ديني أو زائد مذهبي ما زال مقلقا حتى حين تدهور حجم الكتلة الديمغرافية للفلسطينيين وأصبحت هامشا لن يغير شيئا في موازين قوى الطوائف واستقرار بقائها.

الأمر يحتاح إلى شجاعة وجرأة ربما قد تصدران عمن كانوا أعداء للفلسطيني في لبنان. في الهمس أن لبنان بطوائفه قد يذهب بعيدا في تقديم “الحقوق”. في البلد إجماع نادر لم يعد يرى في الفلسطينيين خطرا. وإذا ما بات التطبيع موضوعا قابلا للجدل يدق باب دمشق قبل بيروت، فإن “المحرمات” بشأن فلسطينيي لبنان وجب أن ترقى إلى مستوى الجدل في لبنان في عهد الرئيس جوزيف عون وحكومة نواف سلام.  وفيما تطمح بيروت إلى تحقيق “إنجاز” فلسطيني تقدمه للمجتمع الدولي، فإن مصادر عاقلة فلسطينية ولبنانية تحذّر من التعجّل غير المدروس الذي لا يأخذ الانقسام الفلسطيني المتمدد من ذلك بين غزّة ورام الله بعين الاعتبار، وتنصح بالمرور بمراحل متأنية يتعوّد فيها الفلسطينيون واللبنانيون على زمن آخر من الوجود المشترك من دون سلاح.

قال عباس إن “وجود سلاح المخيمات خارج إطار الدولة، هو إضعاف للبنان، ويتسبب بالضرر للقضية الفلسطينية أيضا، وأننا مع لبنان في تنفيذ التزاماته الدولية والحفاظ على أمنه واستقراره وسيادته، على كل حدوده وفوق أراضيه”. جاء هذا التصريح مكمّلا لسلسلة مواقف أكد فيها استعداد الفلسطينيين لتسليم سلاحهم إلى الدولة اللبنانية وخضوعهم للقوانين اللبنانية.

يرفد عباس الدولة اللبنانية بموقف يزيل الغطاء الشرعي الرسمي عن السلاح الفلسطيني في لبنان، ويأتي أيضا استجابة لضغوط تمارس عربيا ودوليا على رام الله، وجزءا مما تطالب به من إجراءات إصلاح تطال قيادة السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية. غير أن أوساطا استغربت اكتفاء إصداره مواقف وعناوين سياسية مهمة بحجم تسليم السلاح الفلسطيني في لبنان للدولة اللبنانية من دون أي تحضير سياسي مع مخيمات لبنان والفصائل المعنيّة بقرار من هذا النوع.

لا شيء واضح بشأن ما قد تفرج عنه بيروت من حقوق مدنية للفلسطينيين في لبنان. كثيرهم ولد في لبنان ولا يعرف إلا لبنان بلدا. خضعوا لحصار فرضته حكومات البلد عليهم “غيرة” على قضيتهم. حرمتهم من العمل في مهن كثيرة ومن التملك ومن رسم مستقبل لعيشهم وطبعا من أي آفاق للتوطين.