تتكسّر اللوحة ويبقى الجدار 

نحن الديكتاتور 

مرة كل خمسين عاماً، نغادر خيمة الديكتاتور. 

ليس بعيداً، ولوقت محدود، ثم نعود، 

يتبدل الديكتاتور ولا نتبدل، 

لأننا نحن الديكتاتور. 

والمخدة واحدة على سريرنا، حيث تتزاحم الأحلام مثل ورق خريف، لا تكنسه الريح. 

لكن الديكتاتور صورته على الشرفة 

يحيينا، لا يرانا، 

يرى نفسه في كتب التاريخ. 

فماذا عنه في غرفة الطعام، في غرف النوم؟ 

كيف يحب امرأة واحدة، امرأتين أو أكثر، وما ملكت أيمانه؟ 

كيف يتزوج رجل تؤلهه الجموع؟ يبني المساجد والكنائس ويؤلّهونه. محوّلين المعابد الى متاحف. 

مرة كل خمسين عاماً، ننصب خيمة للديكتاتور، معبودِنا، ثم نستيقظ لوهلة وحيدة. ندفع آلاف القتلى ودماراً بلا حدود، لنستبدل ديكتاتوراً بديكتاتور. 

نحن ثوار الدائرة 

نعود الى نقطة البدء 

ولا نربح سوى التعب. 

بحر 

البحر من النافذة الصغيرة، قريب، أكثر قرباً، ظننته لوحة حتى لفحني هواء الملح فانتبهت. 

نطل على البحر، غالباً من مقهى، من مطعم. 

لا طاولة للمتأمل، وحيداً بلا ورق، مثل يتيم ضيعته مراكب الأهل. 

كتابة 

يقتطف ثأره من كتاب قديم، غير آبه، 

ويدفع خصمه عند الحافة فيهويان. 

لا هدأة قبل الكلام أو استعارة الكلام. 

تنفر الحروف مثل رماح أو رصاص، حروف مستعارة من تراث. 

أكان صاحب المخطوط يتوقع فتيلاً لمتفجرة، حين كان يكتب في ضوء قنديل شاحب؟ 

نافذة الخالة 

منتصف الليل والماء في الحفرة والقمر على الماء 

هدوء 

ووقع خطواتي في الطريق إلى القرية المجاورة، حيث بيت الخالة. 

أول طيش الشباب وعثرات الحصى واهتزاز القلب من أصوات بنات آوى، من صرصار الحقل وقد استفاق فجأة على صبح موهوم. 

منتصف الليل أول التمرد والقمر الشاهد 

الحب الموعود هناك أطلَّ عليه من نافذة الخالة. 

تلال 

الجدران من حجر الكدان 

لتقيَنا هجمة الصيف 

ونأنس برطوبتها البيضاء. 

هذي أرضنا الكلسية 

للتين والزيتون، وصلاة تتبدل لغات وطقوساً. 

تتغير ألوان البيارق 

ونبقى فوق تلال تطل على البحر، 

نرى مراكب حملت أحباباً لم يعودوا 

وأضواء غامضة 

نفسرها بأرواح عائدة أو بأساطيل أعداء. 

والزمن فوق تلالنا يعبر مثل غيم، 

ليحملنا، فرداً فرداً، في مواعيد مفاجئة. 

أسرعوا 

الشمس على وشك الغياب فأسرعوا، قبل أن يبتلعكم الليل بلا أمل. 

لأن النهار الأخير يفقد أنواره الأخيرة في أفق البحر أو عند قمم الجبال، أسرعوا لأن شمس الغد مختلفة، فهي ضجرت من تعميم الضياء على غير المستحقين. 

كيف لضوء أن يجد معناه في غور بئر أو غور عينين أو غور خيال؟ 

مثل هذا الضوء يستحق التلاشي. 

أسرعوا الى كهوفكم لاجئين الى الأبد، لأن الجموع الفتية، من أول الشرق الى آخر الغرب، تحمل عالياً شعلة لغتها وتوزع أنوارها بالعدل. 

داخل السور وخارجه 

هذا الغبش من ضباب أو دخان. يستوي أن تغرق أو تذوب. 

أستهدي بأضلاع البوابة الحديد لألجأ داخل السور وأهنأ في حدود أليفة. وقد أتسلق السور ملاحظاً المدى هناك، حركة مثل قرني وعل، مثل طفل طافر في البراري، مثل كلب يقعي أو يتعجل محركاً ذيله من خشية أو فرح. 

لا بد من موسيقى توضح هذا الضباب. لا النور يسعف ولا الظلام يعفي من لعبة غامضة. 

واقفاً خلف السور أراهم في المدى الواسع وأندم لولوجي أضلاع البوابة. لو أنني بقيت هناك، راسماً مدناً بألف باب لألف امرأة. 

يا أمي خارج السور وأنا الضائع ابنك الوحيد. 

معجزة تتكرر 

يكتبون بلا أفق فيبتكرون أفقهم الداخلي. 

وحين ترتج الأرض يقيمون من الكلمات أرضاً، 

من عمق التاريخ ومن رجاء ما سيأتي. 

الكتّاب العرب في المشرق جزر في الماء أو صخور تعصى على الزلزال. هم الأمل الباقي لإنساننا الباقي. 

لو كانوا في مكان آخر لغادروه. 

لو كتبوا بلغة أخرى لاستبدلوها. 

انهم معجزة تتكرر. 

عواصف 

العواصف الأولى تأخرت. يكفي ما في نفوسنا، نحن الذين نتصادم في حيز ضيق، أما المدى كله، فلعواصف الطبيعة، انحناء الأشجار واختباء الطير ودفء الحب في أمكنة حميمة. 

في العواصف الأولى نتلهى بمتطلبات الإنسان البدائي، الدفء والغذاء. هنيئاً لذلك البدائي، نقول، نحن المرشحين للتشرد. 

وهم المنفى 

حتى البحر لا يذيب أسماءنا. 

الأسماء حصوات لا يحركها الموج حين يضرب الشاطئ ويتراجع. 

لا هجرة للحصى. 

سيبقى اسمك وشماً في الروح ووجهك طالعاً من مهد اللغة، ولن تسعد في المنفى سعادة الذوبان.