دور السويداء في مستقبل النظام السوري الجديد

مع الاشتباكات  التي حصلت في السويداء وهي مدينة في الجنوب السوري تحولت إلى هدف يتعلق بدروز سوريا ودورهم في المستقبل السوري مع تدخل اسرائيل بقصف مراكز عسكرية في دمشق لتؤكد أنها ستحمي السويداء بينما تمكن النظام السوري من وقف القتال الدائر بين عشائر سنيّة وبين دروز المدينة وسط تدخل محلي وعربي ودولي لمنع تدهور يهدد وحدة سوريا بعد سقوط نظام الاسد. 

ان مدينة السويداء ليست مجرد مدينة سورية بسيطة، بل تُعد نقطة ارتكاز في مشروع جغرافي–سياسي واسع يعرف باسم “ممر داوود”وهو ممر استراتيجي تسعى “إسرائيل” إلى تكوينه، يبدأ من الجولان السوري المحتل، مرورًا بدرعا والسويداء، وصولًا إلى منطقة التنف حيث توجد القاعدة الأميركية. يمتد هذا الممر شرقًا إلى المناطق الكردية التابعة لحليفة واشنطن، ثم يعبر إلى أربيل في العراق ويلامس الحدود التركية. يتراوح طوله مئات الكيلومترات، ليكون حلقة وصل بين إسرائيل والخليج وآسيا الوسطى، مما يفتح لها بوابة جديدة نحو أوروبا.

تتجلى أهمية هذا الممر في قدرته المحتملة على تقليل اعتماد “إسرائيل” على قناة السويس، بالإضافة إلى تهديده لطريق الحرير الصيني. يمكن أن يحوِّل “ممر داوود” إسرائيل إلى حلقة مركزية وجزء من ترتيبات ما بعد التطبيع، حيث تمر البضائع من الخليج إلى الموانئ الإسرائيلية، لتُشحن بعد ذلك إلى أوروبا سواء برًا أو بحرًا.

 وهي تمثل آخر عقدة ديمغرافية وجغرافية قبل الوصول إلى التنف، وتشكل السويداء حزامًا فاصلاً بين الجنوب السوري والمناطق الشرقية، حيث الوجود الأمريكي والكردي.

يكمن التحدي في وجود المكون السني بالقرب من هذا الممر، مما يُعتبر  في اسرائيل بمثابة عامل قلق دائم في العقيدة الأمنية الإسرائيلية،

وهو جزء من مشروع جيوسياسي ضخم، يُراد له أن يُعيد رسم خرائط التجارة والطاقة والنفوذ في المنطقة.

الأهمية الاستراتيجية لمحافظة السويداء.

تقع محافظة السويداء، المعروفة أيضًا باسم “قلعة الجبل”، في أقصى جنوب سوريا، وتُعتبر الآن عقدة إقليمية تثير اهتمام القوى الإقليمية والدولية. فتعزيز الاحتلال الإسرائيلي للجولان السوري والوجود العسكري الأمريكي في التنف يزيد من أهمية هذه المنطقة. ويُعتبر الصراع على النفوذ في السويداء جزءًا من صراع أوسع يسعى لتحديد ملامح المنطقة بعد سنوات من الحرب الأهلية السورية.

كانت السويداء تُعرف بموقفها المحايد خلال الصراع، لكن مع تصاعد التوترات الإقليمية، أصبحت معنية بشكل مباشر فيما يجري من أحداث. المطالب النابعة من المجتمعات المحلية في السويداء ومحاولاتها للحفاظ على هويتها الثقافية والدينية تجعلها مرتبطة بمصير مناطق أخرى في الجنوب السوري، مما يعطيها أهمية استراتيجية في المشهد السوري المتقلب.

تعتبر السويداء منطقة استراتيجية كونها محاطة بأراضٍ ذات أهمية جغرافية، فهي قريبة من الجولان المحتل من جهة ومن الحدود الأردنية من جهة أخرى. هذا الموقع يجعل من السويداء بؤرة صراع داخلي ليصل إلى مستويات إقليمية ودولية تعكس التحولات الجيوسياسية.

تمتلك السويداء تاريخًا طويلًا من المقاومة والتحدي ضد أي شكل من أشكال الهيمنة، مما يجعلها جغرافيا حيوية لمواجهة أي تهديدات إقليمية. تاريخ الثورة السورية في السويداء، الذي تجلى في مواقف سكانها، يُبرز ضرورة المحافظة على الهوية والحرية في وجه التدخلات الخارجية.

بفضل موقعها الاستراتيجي ودورها التاريخي، أصبحت محافظة السويداء “قلعة الجبل الدرزي” نقطة محورية تُعبر عن تداخل المصالح الإقليمية والدولية. في خضم التوترات.

وفي تغطية موسعة للأحداث الجارية في سوريا، سلطت شبكة «سي إن إن» الأمريكية الضوء على تصاعد التوتر في محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية، بعد اندلاع اشتباكات دامية بين مجموعات درزية وقبائل بدوية. هذه الاشتباكات أعقبت تدخل الجيش السوري وقيام إسرائيل بشن غارات جوية، بادعاء حماية الدروز.

وبحسب التقرير الذي نشرته «سي إن إن»، اندلعت اشتباكات عنيفة في مدينة السويداء، حيث تبادل أعضاء من المجموعات الدرزية المسلحين الاشتباك مع قبائل بدوية، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 30 شخصًا وإصابة المئات. في رد فعل سريع، تدخلت القوات السورية لاحتواء الوضع المتأزم، مما زاد من حدة التوتر وجعل إسرائيل تستجيب بشن غارات جوية على مواقع للجيش السوري، مُعلنةً أن هذه العمليات تأتي لحماية الدروز في المنطقة.

كما انضمت قوات إسلامية متحالفة مع الحكومة السورية إلى القتال، مما أثار قلقًا كبيرًا بين المجتمعات الدرزية، التي بدأت تطالب بضرورة توفير حماية دولية لمواجهة التصعيد.

 وقد شنت إسرائيل، التي تعهدت بحماية الدروز في سوريا، ضربات جديدة ضد قوات الحكومة السورية في اتجاه السويداء ودمشق. وقد أكدت تل أبيب عزمها على مواصلة هذه الهجمات لضمان حماية مجموعة الدروز.

وفي بيان للوزارة الخارجية السورية، أُفيد بمقتل عدد من المدنيين وأفراد قوات الأمن جراء هذه الضربات، لكن لم يتم تقديم أرقام دقيقة حول الضحايا. وقد أدانت الوزارة الهجمات الإسرائيلية، ووصفتها بأنها «انتهاك صارخ لسيادة الجمهورية العربية السورية»، و«مثال مستهجن على العدوان المستمر والتدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة».

وفي حديث سابق، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه استهدف «مركبات عسكرية تابعة لقوات النظام السوري في منطقة السويداء جنوب سوريا»، معتبرًا ذلك رسالة للرئيس الانتقالي أحمد الشرع الذي يدير الدولة.

والملاحظ انه ورغم الضغوط التي مارسها المسؤولون الأمريكيون على تل أبيب لوقف الهجمات على الأراضي السورية، فقد خرج وزير دفاع الاحتلال الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، ليؤكد أنه إذا لم تنسحب القوات الحكومية من المنطقة، فسيقوم الجيش بتكثيف هجماته على قوات النظام في السويداء.

ووفقًا لتقرير شبكة «سي إن إن»، يُعتبر الدروز طائفة عربية يبلغ تعدادها نحو مليون نسمة، يعيش معظمهم في سوريا ولبنان وإسرائيل. وتُشكل الطائفة الدرزية أغلبية في محافظة السويداء، التي تمثل معقلًا تاريخيًا وثقافيًا لهم، وقد واجه الدروز خلال العقد الماضي تحديات كبيرة بسبب صراعهم بين قوات النظام السوري والجماعات المتطرفة خلال الحرب الأهلية السورية التي استمرت لمدة عشر سنوات.

 وتكتنز المحافظة معالم تاريخية وآثارًا تعود إلى العصور الحجرية، وتشتهر بلقب “روما الصغيرة” بسبب انتشار الآثار الرومانية والنبطية والبيزنطية واليونانية في مدنها وقراها، مثل “شهبا” و”صلخد”.

وقد شهدت المحافظة احتشاد مئات المحتجين في جنوب سوريا، مطالبين بتنحي الرئيس بشار الأسد، بعد أسبوعين من المظاهرات التي نددت بالوضع المعيشي المتدهور والتي تطورت لاحقًا إلى دعوات للتغيير السياسي.

تتميز السويداء بارتفاعها الذي يبلغ 1020 مترًا فوق سطح البحر، حيث تمتد على مساحة 5550 كيلومترًا مربعًا، بطول 120 كيلومترًا من الشمال إلى الجنوب و66 كيلومترًا من الشرق إلى الغرب. تتكون المحافظة من كتلة مركزية عالية، تتواجد فيها مخاريط بركانية مغطاة بتربة زراعية خصبة.

في التاريخ الحديث، لعبت محافظة السويداء أدوارًا هامة في الأحداث العامة، حيث برز منها سلطان باشا الأطرش الذي قاد الثورة السورية الكبرى ضد الانتداب الفرنسي انطلاقًا من السويداء عام 1925، وخاصة خلال “معركة المزرعة” الشهيرة. تمسك الثوار آنذاك بمبادئ الاستقلال والوحدة الوطنية، وتحول الأطرش إلى رمز وطني جامع حتى وفاته عام 1982. وقد شهدت السويداء أيضًا أحداث عنف دموية خلال الخمسينيات.

تعتبر السويداء جزءًا حيويًا من جغرافيا الجنوب السوري، حيث تمثل قلبًا يتداخل فيه التاريخ والجغرافيا والثقافة، وتظل محافظة فريدة تعكس تعقيدات الواقع السوري المتشابك.

تُعرف محافظة السويداء محليًا بـ”فنزويلا الصغرى”، وذلك بسبب الحملات الكثيرة للهجرة إلى فنزويلا التي شهدتها خلال القرن الماضي، حيث يروي المؤرخون أن نصف سكانها كانوا يحملون الجنسيتين السورية والفنزويلية بحلول منتصف القرن الماضي. يتكون سكان السويداء من أكثر من 95% من الدروز، بينما توجد أقليتان صغيرتان من المسيحيين الأرثوذكس والعرب السنة.

 التعداد السكاني للدروز

على الرغم من عدم وجود إحصاءات دقيقة وشاملة لتعداد الدروز في سوريا، فإنهم يحافظون على وجود تاريخي في مناطق أخرى غير السويداء، مثل مدن جرمانا وصحنايا وأشرفية صحنايا في ريف دمشق، بالإضافة إلى نسبة ضئيلة في بعض قرى إدلب والجولان. تُقدر أعداد الدروز في سوريابين 700 ألف ومليون نسمة، مما يبرز دورهم كمكون رئيسي في النسيج المجتمعي السوري.

تعتبر السويداء بمثابة متحف تاريخي مفتوح للزوار، حيث تحتوي على دلائل واكتشافات أثرية تشير إلى سكن البشر في المنطقة منذ العصور السالفة. تضم السويداء كهوفًا ومغاور كثيرة تدعم هذه الفرضيات، وقد لعبت المنطقة دورًا بارزًا في العهود البيزنطية والرومانية والنبطية والعربية وغيرها. وبفضل تاريخها الغني، تحتفظ السويداء بالكثير من المواقع الأثرية، بما في ذلك المعابد والقصور والأعمدة والكنائس والمسارح والحمامات الرومانية، فضلاً عن البوابات والخزانات وقنوات المياه والجسور.

من بين أهم المواقع التاريخية في المحافظة، نجد شهبا وقنوات وصلخد وعتيل وسليم وبريكة وشقة وداما وعرمان وملح وخزامة وتعلا.

تُبرز محافظة السويداء كمنطقة شديدة التعقيد سياسيًا وهوياتيًا، خاصة في ظل التحولات الجذرية التي يشهدها المشهد السوري بعد سقوط نظام الأسد وتأسيس حكومة انتقالية جديدة.

يعتمد هذا التحليل على مقاربة متعددة الأبعاد تشمل الانقسام الداخلي الحاد في المجتمع الدرزي، والتنافر بين مشاريع الحكم الذاتي والمركزية الدستورية الجديدة، والانهيار الاقتصادي الحالي.

وجدير بالذكر ان الطائفة الدرزية نشأت في القرن الحادي عشر كفرع عقائدي من الإسماعيلية الفاطمية، واتبعت سياسة انغلاق ديني منذ عام 1043، مما ساهم في بناء هوية جماعية قائمة على التمايز العقائدي والانضباط الاجتماعي.

خلال الحقبة العثمانية، تمكن الدروز من الحصول على قدر من الاستقلال الفعلي في جبل العرب، حيث عبروا عن ممانعتهم للسلطة المركزية من خلال ثورات محلية متكررة، تجسدت أبرزها في الثورة السورية الكبرى (1925–1927) التي قادها سلطان الأطرش من السويداء، وامتدت لتشمل معظم البلاد.

هناك علاقات متقلبة بين دروز لبنان والسويداء. ولكن القيادة الدرزية اللبنانية كما يقول السياسي المخضرم وليد جنبلاط تسعى لتكريس الدور الدرزي في النظام السوري الجديد ضمن إطار وحدة سورية شاملة لكل المكونات في كل المناطق.