محمود السعدني .. الولد الشقي

بين سطورالصحافة .. وتروس السياسة

سطوره على الورق سيول متدفقه،تناديك بالقراءة الى حد الأستغراق،وكلماته في الحوارات والأحاديث شلالات هادره تغريك بالأنصات،والانتباه.فهو كاتب يتفرد بالأسلوب الساخروالجاد معا، كما أنه محدث له باع في فن الرواية والحكي،وألوان عديده في فن الكلام، الجامع بين البسمه العريضه والحكمة البليغه. انه محمود السعدني، الذي لقبه البعض أنه (عبدالله النديم عصره) في الحكي والنشر، فهو صاحب  الأصدارات المتعددة وفي الطليعة منها مجلة(التنكيت والتبكيت)،وشبهه بعض اّخر بأنه(جحا المصري) لتفرد قصصه ونوادره التي لم تفارقه لحظه. مؤلفاته متعددة، بين المقالة الصحفيه والقصة والرواية والمسرحيه. مع الأعتباربأنه قبل ان يكون مؤلفا في كل تلك الألوان من الكتابه،فهو صحفي في المقام الأول،لمعت سطوره في الكثير من الصحف اليومية والأسبوعيه والشهريه في مصر ولبنان والكويت والعراق و الأمارات كما رأس تحرير مجلة (صباح الخير) في مصر،و(الفجر) في الأمارات و (23 يوليو) في لندن .حياته غنية وحافله بالمواقف الحاده والطريفه،وحبه للحياة جعله لا يفرق بين الليل والنهار،فكلاهما في نظره فرصه للألتقاء مع الناس، والنهار له جمهور،والليل له عشاق ،وفرصة لكي يتكلم،فهو (ملك الكلام) بلا منافس ،وحيثما وجدته،فسوف تجده يتكلم ،في جمع يستمع وينصت،وليس لديه فرصه ان يقاطع او حتى ينبس ببنت شفه، ليس أدبا في الحوار، وانما استمتاعا بالحكي والسرد المتواصل بلا انقطاع .روى لى ذات مره الروائى الشهير ( يوسف القعيد ) مندهشا ،بما اكتشف قائلا (محمود السعدني) محدثا أكثر خطوره من كونه كاتبا،تصور اننا كنا مدعوين لمؤتمر في بلد عربي  وكنا في احد الفنادق،وذات ليله كنت في طريقي لغرفتي،ووجدت في احد الردهات تجمع من بعض الزملاء يتوسطهم ( محمود السعدني). كان يتحدث ،وهم من حوله منصتون،وجلست معهم استمع اليه وداعبني النوم،،كما كنت على موعد صباحا مبكرا،قبل برنامج المؤتمر،فقمت الى غرفتي ،وفي الصباح وفي خروجي من غرفتي وجدت نفس الحلقة وقد زادت تلتف حول السعدنى الذي مازال يتحدث.  و توقف قائلا : تصور كان مازال يتكلم !،وبالطبع ضحكت لذلك الاكتشاف المتأخر،فأنا اعلم ذلك من زمن طويل.قال لي ذات مره الدكتور مصطفي الفقي(هل تعلم أن مزحات الفكاهة، والقفاشات الضاحكه الغالبه على شخصية محمود السعدني، تخفي جانيا اّخر في شخصيته، وهو عمق التفكير وسلامة الرؤيا).و هذا صحيح الى حد بعيد، فخفة الظل الطاغية، تصرفك عن تأمل الكثير من أفكاره أو اّرائه وتحليلاته. كان ايضا سريع البديهة متحفزا للدفاع عن مايؤمن به. حدث بعد بيان 30 مارس 1968 ،أن اعلن عن اعادة بناء تنظيم (ألأتحاد الأشتراكي) بالأنتخاب من القاعده للقمة،وجرت عملية الأنتخابات على قدم وساق، وفي الجيزة (دائرة قسم أول) ،كان الصراع محتدما وحادا بين التيارات السياسية،وظهرت مجموعات من الماركسيين ،بشعاراتها الزاعقة،أن الأولى بالفوز هم المناضلون الحقيقيون الذين دخلوا السجون من اجل (الأشتراكيه)،وكان أكثرهم صوتا ماركسي قديم اسمه (محمد عبده)،وظهر في منطقة (سوق الأحد) وامسك بالميكرفون رافعا هذا الشعار(الأشتراكيه لا يبنيها الا من ناضلوا من أجلها وعرفتهم السجون) ،وقام ( محمود السعدني) مقاطعا اياه قائلا (هذه نغمة حنجوريه –أي من الحنجره- لا تخدعنا كما لا تخدعنا نغمة السجون .تقول انكم ناضلتم من اجل الاشتراكيه ودخلتم السجون،فما رأيك ان الذي طبق الأشتراكيه وحققها فعلا لم يدخل السجن يوما واحدا .لذلك ارجو ان تطرح قضية السجون جانبا وننظر للكفاءة،كمعيار.فالكفاءة هي الميزان ،والقدره على التخطيط، بلا أي ادعاء بالفروسية،قد حققت مضمون العدل الأجتماعي ،وليس الذين اطلقوا الشعارات الحنجوريه، وطنطنوا بالمواقف المتطرفه، مع احترامي لتضحياتهم. أتذكر ايضا احدى المقالات الناريه،ضد رئيس مجلس ادارة احدى الشركات الكبري للقطاع العام،وهي شركة (النصر للتصدير والأستيراد) وكان رئيس مجلس ادارتها ( محمد غانم) وهو رجل فاضل بالمعنى الكامل للكلمه ،وللشركه دور كبير في العلاقات المصريه الأفريقيه،وفتح اسواق واسعه للصناعات المصريه .المهم حدث ان نشر (محمود السعدني) مقالا في مجلة (صباح الخير) تحت عنوان (فضيحه بجلاجل) ونشر العنوان على الغلاف ،وجاء في افتتاحية المقال بالبنط الكبير (في الماضي كان اذا رشحت احدى الشخصيات لموقع الوزاره تفقد نصف عقلها لمجرد الترشيح ،واذا تقلدت المنصب بالفعل فان ذلك كفيل أن يفقدها النصف الآخر. نفس الحال اليوم مع القطاع العام الآن يحدث في الترشيح والممارسه . اقرأوا معي ما نشر في هذه المجلة الصادره عن (شركة النصر للأستيراد والتصدير) وسلسلة الأحاديث التي اجريت مع مكتب السكرتاريه لرئيس مجلس الأدارة بمناسبة (عيد ميلاده) . هل من اجل اعياد الميلاد تصرف اموال الشعب! سؤال أوجهه الى السيد المحترم رئيس مجلس الأدارة ؟ أثار ذلك النشر زوبعه شديده، فقد انهالت على المجلة برقيات الأستنكار والأحتجاج من فروع الشركه، وأصدرت النقابة بيانا أن ذلك كان خطأ ليس لرئيس مجلس الأداره شأن به ،فهو في جولة افريقيه من اجل الشركه ،ولذلك كان ينبغي التروي في النشر،والبحث في ظروفه ،وقطع رئيس مجلس الادارة رحلته،وحضر الى القاهره، وقام بتقديم استقالته.كتب احمد بهاء الدين وكان رئيسا لمجلس ادارة روزاليوسف ،وهي الدار التي تصدر عنها (صباح الخير) مقالا قال فيه كتب الولد الشقي محمود السعدني مقالا في العدد الماضي قبل ان يسافر الى بيروت في مهمه صحفيه ،أثار تلك الزوبعه ،وبالتأكيد نحن نكن لشركة النصرتقديرا كبيرا لنجاحاتها التي لا تخفي على احد، ولاشك ان لادارتها فضل كبير في هذا النجاح ،ومن هنا نعبر عن تقديرنا لمكانتها،ولكن من جانب اّخر نطلب من القيادات الناجحة واجبا اّخر وهو اتساع الصدر لكلمات النقد ،فالنقد هو البوصله التي تخدم الحركة. رفض جمال عبدالناصر استقالة رئيس مجلس الادارة محمد غانم،وظل بالشركه،وبالتأكيد قام بمراجعة هذه المجلة في شركته.

مبادرات محمود السعدني

كانت موهبته في الكتابه،بالأضافة الى خفة ظله التي تطل على حروفه،تدفعه للكتابة للمسرح،،فكتب أول مسرحياته لمسرح الكاتب والفنان (عبدالرحمن الخميسي) وكانت مسرحية (عزبة بنايوتي)،ونالت هذه المسرحيه نجاحا كبيرا، وهي تتناول فترة الاحتلال البريطاني لمصر ،ودفعه هذا النجاح بعد ذلك الى تكوين فرقة مسرحيه مع الفنان (محمد رضا) باسم فرقة (ابن البلد) وكان ابطالها محمد رضا وسناء  جميل ،وقد انتهت هذه الفرقة باعتقال محمود السعدني في احداث 15 مايو عام 1971. بعد خروجه من السجن ،تم منعه من الكتابه،فقام بتشكيل فرقة مسرحيه جديده بدعم من شركة (المقاولون العرب)

وقدمت بعض اعماله المسرحيه (الأورنوس)و( النصابين).مع استمرارمنعه من الكتابه في مصرذهب الى لبنان وعمل في جريدة ( السفير) ،ثم انتقل الى ابوظبي حيث عمل رئيسا لتحرير جريده ( الفجر) ثم انتقل الى الكويت للعمل في جريدة ( السياسة) ومنها الى العراق حيث عمل في جريدة الجمهوريه و(ألف باء). بعد ان قام الرئيس الراحل انور السادات بزيارة القدس ،قامت معارضه مصريه وعربيه واسعه لهذه المبارده ،وزاد أوارها بتوقيع اتفاقيات (كامب ديفيد) 1979، فقام محمود السعدني باصدار مجلة ( 23يوليو) في العاصمة البريطانيه،كمجله معارضه للنهج الساداتي في معالجة القضية الوطنيه . بعد رحيل االرئيس السادات،وانتخاب الرئيس حسنى مبارك رئيسا للجمهوريه،عاد الى مصر 1982،وقد استقبله الرئيس الجديد في القصر الجمهوري.وبدأت صفحة جديده في حياة محمود السعدني تلفها عوامل من الاستقرار والاحساس بالأمان، بعد ان دهستها تروس السياسة .نضيف الى مبادرات السعدني المتواصله،وهي اقامة نادي للصحفيين على شاطئ النيل في منطقة الجيزة، وقد تولى جمع التبرعات له سواء في انشائه أو في تنظيمه وترتيب اثاثه ، ويعد هذا النادي مفخرة من حيث الفكرة لخدمة جموع الصحفيين ،أوفي مستوى الخدمة ورقيها ،وقد تركه ،وشهرته واسعه وخدماته جليله ،ويعد نموذجا يحتذى في المبادرات التى تلبى حاجة ،وتقدم خدمة في العمل الأهلي .

تراث محمود السعدني وثرائه

ترك محمود السعدني تراثا فكريا وادبيا زاخرا،تنقل فيه بين ميادين الكتابة المختلفة،ومجالاتها الواسعه، والممتع في الرحلة خلال ربوعها، انها تدغدغ مشاعرك بأسلوبه الساخر،واطلالاته الباسمة خلال تعبيراته الشعبيه الأخاذه ،وحين تجري عيونك على سطوره في كتابه (وداعل للطواجن) تجد فيه عالماغريبا تختلط فيه انواع الأكل، ومشهيات الطعام ،مع مفاهيم السياسة ،وأغوار القناعات والمفاهيم . هي رحلة فكريه ساخنه تنافس سخونة الطعام ، وحراقه مثل لسعة الفلفل الحراق.وان تجولت مع كتاب (ملاعيب الولد الشقي) فسوف تجد كنوزا من ملاعيب ومقالب الولد الشقي خصوصا حين كان عضوا ذات مره في وفد مصر الى مؤتمر الشعوب الآسيويه الافريقيه المنعقد في غانا برئاسة خالد محيي الدين ،وكان ذلك الوفد من أكبر الوفود ،ويضم عددا كبيرا من مشاهير الأدب امثال يحيي حقي واحسان عبدالقدوس ،وسكتير عام المؤتمر هو يوسف السباعي ،وحدثت في هذا المؤتمر ازمة حادة بين الوفد الصيني ويوسف السباعي حين اتهمه رئيس الوفد الصيني انه يخفي بعض اعضاء المؤتمر عن الوفد الصيني،بدليل انه لم يعطهم اسماء ( وفد الجيزة) وبتحرى الأمر اتضح ان بعض اعضاء الوفد الصيني قد مروا على الغرف للتعارف بين اعضاء الوفو والحصل على اسمائهم والتعرع على اشخاصهم ،وحين مروا على غرفة محمود السعدني قال لهم انه يمثل وفد ( الجيزة ) وانه رئيس الوفد، وتصوروا ان الجيزة دوله، ولذلك كان غضبهم من يوسف السباعي ،الذى أخفي عليهم تلك الدولة ،وصحبهم يوسف السياعي في الذهاب لتلك الغرفة والتعرف على من ذكر لهم انه رئيس وفد الجيزة،وبعد اكتشاف الامر اعتذروا ليوسف السباعي ،وقال لهم انه محمود السعدني كاتب ساخر،وله الكثير من المواقف الساخره او الضاحكه. الكتاب متعدد القصص والمفارقات .كتاب أخر تحت اسم (رحلات ابن عطعوط) وبعد شرحه المستفيض لأصل كلمة (عطوطة)،ولماذا أطلق على نفسه هذا الاسم، والفرق بينه وبين الرحَّالة العربي الشهير(ابن بطوطة) يسافر بنا (محمود السعدني) في جولة شائقة وممتعة إلى مختلِف البلاد العربية، فيبدأ من طنجة، ثم يعرِّج على مختلِف مدن المغرب العربي التي زارها في رحلته مثل مراكش ووجدة وتونس الخضراء التي وصفها بجَنة الشمال الأفريقي، ثم وجه نظره  شطرَ ليبيا فأمضى فيها أسبوعًا واحدًا، ومنها إلى شِبه الجزيرة العربية؛ فزار صنعاء وعمان ومسقط ومختلِف المدن العربية في الجانب الآسيوي. كما لم يَفُته أن يتمَّ المسيرةَ بزيارة إسبانيا التي كانت موطنًا لحضارة عربية استمرت ثمانيةَ قرون. وفي كل هذه الرحلات يسرد لنا تفاصيلَ مهمة عن البشر والأماكن والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، رآها بعينه الثاقبة وقدَّمها لنا بلُغةٍ مثيرة وساخرة.ولا يتسع المجال للدخول الى عالم محمود السعدني وكتاباته عن ( القضية) و(الولد الشقي في المنفى) ،و( بلاد تشيل وبلاد تحط)و (حمار من الشرق) و( الطريق الى زمش) وهو من امتع كتبه عن فترة السجن في الواحات ،وكتاب ( أمريكا ياويكا) و( الموكوس في بلاد الفلوس) وكتاب ( مصر من تاني) ،وهو كتاب يغوص في تاريخ مصر، ويقول محمود السعدني في بداية الكتاب ( من الماضي مايمتد في بطن التاريخ عدة مئات من السنين ،ولكن أخطر مأساة في التاريخ ،أن كل خليفه حي هو مصدر الحكمه وينبوع المعرفة ونموذج الكمال ،وهو يظل كذلك تى يموت ،فاذا مات ،فهو منبع الجهل ومصدر الظلم والنموذج الأكبر للفساد والأستبداد .مأساة حقيقيه ،ولكن سببها الخليفة نفسه ،لأن نمط الحكم العربي يجعل من الخليفة أو الوالي أواو السلطان الملك المعصوم ،فلا يسمح لأحد بانتقاده وهو حي يرزق ،ومسموح للجميع بأن يبالغوا في مدحه وفي حصر ماّثره ،وفي تسليط الضوء على ماهبه وأعتراف بعبقريته ،وتدور الأسطوانه على هذا الوجه مادام الخليفة حيا ،فاذا مات الخلفه قلبوا الأسطوانه على الوجه الآخر،ولذلك فكرنا ولله الحمد أن نلقي نظره على على تاريخ مصر من تاني .نظرة رجل الشارع غير المتخصص وعلى غير علاقة رسميه بالتاريخ ،وسنجرد التاريخ من السلطه ومن أبهة الحكم ومن أجهزة المباحث والمخابرات، ومضى السعدني عبر فصول الكتاب عارضا فصول التاريخ بأساوبه ونظراته وأحكامه جامعا بين سردية التاريخ ،واحكام ابن البلد الذي نعم واكتوى بأحداث التاريخ.

وأخيرا

حاولت عبر تلك السطور،أن اغوص في حياة محمود السعدني من خلال كتاباته ورؤاه،وأتمنى ان اكون قد وفقت، وقد حاول من قبلي كثيرون ،وسيحاول من بعدى أيضا كثيرون ،لعل واحدا يكون قادرا على تقديم اطلالة على هذا الكاتب النادر في جمعه بين الكلمة الجادة المستنيره، والكلمة الساخره الضاحكه من فرط بهجتها ،أو الحزينه من عمق ألمها ،وماهي الحياة سوى بسمة ودمعه، وتجري بنا الأقدار، وفي ختام الكلام نجد محمود السعدني ،وهو يقدم ( قصة حياته) فيقول : على هذه الصفحات ستقرأ ما يسميه البعض «قصة حياتي» ولكني أسميها «أخطاء حياتي»… ستقرأ قصص ملوك، وقصص «صياع» وقصص أبطال في ثياب رعاع، وقصص رعاع لهم حركات الأبطال! وبقدر ما كانت هذه الأيام عاصفة، بقد ما كانت لذيذة، وبقدر ما كانت بائسة، بقدر ما كانت عريضة، وعلى الرغم من الظلام الذي اكتنف حياتي، وعلى الرغم من البؤس الذي كان دليلي وخليلي، إلا أنني لست آسفًا على شيء. فلقد كانت تلك الأيام حياتي! ومن عصير تلك الأيام، ومن رحيق تلك الليالي، خرج إلى الوجود ذلك الشيء الذي هو أنا! وسواء قرأت هذه الصفحات ولعنت حياتي، أو قرأتها ورثيت لها، فأنا على أية حال عشتها ولعنتها… ولكني أحببتها كثيرًا!.

1

جلسات السعدني عنوان للبهجة

محمود السعدني مع نجيب محفوظ

2

بوستر في احدى

مناسبات تكريم محمود السعدني

3

جمال عبدالناصر يصافح محمود السعدني