الحب لا يحتاج إخلاصاً

العاطفة مسألة مبهمة في حياتنا.. فمعظمنا لا يعرف تماماً لماذا يحب ولماذا يكره في موضوع المشاعر غير الخاضعة لحدث او عقل او تحليل… قد نكره عدواً لما فعله بنا أو شخصية تاريخية لجبروتها وظلمها، كما قد نحب بطلاً لانجازه وتفوقه… لكن العاطفة في ما بيننا، وفي العلاقات الثنائية بالأخص وفي معظم الاحيان، يصعب تفسيرها…

لماذا أحببت فلاناً او فلانة؟ شيء ما يبقى غير مفهوم… تماماً كالإيمان فهو قد لا يقنعنا أحياناً بتحليلاتنا »الدنيوية له«، لكنه حاضر قوي في ذاتنا…

لذلك، لا أعرف تحديد قيمة للإخلاص… فالإخلاص ليس عاطفة تلقائية.. وقد لا يكون نتيجة منطقية لعلاقة معينة…

الإخلاص قرار… التزام إجباري.. خطأ وخطيئة بحق من »نخلص« له، اكثر منه إنصافاً.. فما نفع أن يبقى حبيبي إلى جانبي لأنه »قرر« ذلك.. لأنه ملزم بذلك.. لأنه مخلص.. وهو في داخله يحارب مشاعر معاكسة! أليس من الأفضل أن يبقى لأنه لا يقدر على غير ذلك.. لا يسعد بغير ذلك.. أو لأنه مكتفٍ بي ولا حاجة له لامتحان إخلاصه! مؤلم الإحساس بأن الآخر »على خلق« لكن في داخله قد يشتهي أخرى، ولولا الإلتزام أو الدين أو الناس لكان ارتمى في أحضانها… وكأن الإخلاص هو عذابه بالتخلي عمّن يرغب، بدل أن يكون حبه للبقاء بقرب من اختار.

على الإخلاص أن يكون متعة.. إكتفاء.. لا التزاماً وحرماناً وامتناعاً… فمعظمنا يتمنى أن يكون في موقع الرغبة والاشتهاء عند الآخر، على أن يكون ذاك  الاخير محكوماً به أو بإرادته للالتزام به.

لا أطمح إلى رجل مخلص… ولا الى »إرادة حديدية« في الالتزام بي… بل أريدك مخلصاً لرغباتك الدفينة الحقيقية فقط…

أريد أن أكون رغبتك التي تحكم إرادتك والتزاماتك… أحلم أن لا ترى عيناك أنثى غيري في الدنيا، أن تراني المرأة الوحيدة… أما الباقيات فمخلوقات لا تثيرك منهن واحدة… فأنت متخم، والمتخم لا تغريه أشهى الاطباق.. أكره »الامتحانات« معي، وأتمنى أن تظل راسباً مهزوماً في حبي، لا بطلاً ناجحاً في »التزام تاريخي مستقبلي أزلي بارد« فيما قلبك يتلوّع على نيران أخرى..

الإخلاص هو حب بالقوّة… والحب لا ينجح بالقوة… الحب غير قابل للضغط أو التنظيم… هو حالة متطرفة، تفقد قيمتها يوم نخضعها لفلسفات المشاعر الاخرى… كالاخلاص والتضحية والالتزام… الحب كلمة تحمل أصلاً وتلقائياً وضمناً كل هذه المعاني… ويوم نحتاج إلى إضافتها أو تفعيلها أو فرضها أو إنعاشها أو تأكيدها… علينا أن نبحث عن حبٍ آخر…

ريما كركي