أطلس المشاعر

سهير آل ابراهيم

عرف الباحثون، ومنذ مدة طويلة، تأثير عواطف الإنسان على جسده؛ على سبيل المثال تسارع ضربات القلب عند الشعور بالخوف، أو تَعرُّق الكفين عند الشعور بالتوتر، وغيرها من المظاهر التي تبدو على جسد الانسان والتي ترتبط بعواطفه.

قام فريق من الباحثين من ثلاث جامعات فنلندية بإجراء مجموعة تجارب، الهدف منها هو معرفة العلاقة بين عواطف الإنسان وما ينتابه من مشاعر وبين إحساسه الجسدي بتلك العواطف، ولإيجاد التشابه او الاختلاف في ذلك بين مجاميع البشر المختلفة. استخدم اولئك الباحثون طريقة فريدة عُرفت بطريقة تحديد الفرد لطبوغرافية عواطفه. وقد نُشرت نتائج تلك التجارب عام 2013.

يختلف تأثير العواطف المتباينة على جسم الإنسان، فليست كل العواطف تزيد من ضربات القلب مثلا، ولا كلها تؤدي إلى احمرار الوجه كما يحصل للبعض عند الشعور بالإحراج أو الخجل، أو الشعور بالغثيان الذي تسببه العواطف التي تثيرها بعض المواقف، وغير ذلك الكثير.

أُجريت خمس تجارب على سبعمائة متطوع، حيث تراوح عدد المشاركين في كل تجربة ما بين 36 إلى 302 شخص، والتجارب ببساطة تضمنت تعريض كل متطوع إلى فعاليات ذات تأثيرات عاطفية تثير مشاعر مختلفة، قد تؤدي إلى تنشيط اجزاء محددة من الجسم وزيادة الشعور فيها، أو العكس من ذلك. تنوعت تلك الفعاليات ما بين سماع كلمات لها تأثيرات عاطفية معينة، أو مشاهدة افلام، إلى الاستماع إلى حكايات وقصص قصيرة، ورؤية تعابير وجه مختلفة، وغير ذلك من المؤثرات. وقد أُعطي كل متطوع مُخططين لجسم إنسان على شاشة كمبيوتر، وعليه ان يؤشر او يحدد على أي من المخططين، المناطق من جسمه التي تتأثر بكل واحدة من تلك الفعاليات.

حدد الباحثون اللون الأصفر للتعبير عن أقوى المشاعر، يليه اللون الأحمر، ثم الأسود والأزرق الغامق، واخيرا الأزرق الفاتح للتعبير عن برودة المشاعر والملل وما شابههما. كما حددوا لهم ستة مشاعر أساسية، أو بسيطة، وسبعة مشاعر غير أساسية او معقدة، للاختيار منها عند التأشير على المخطط، بالاضافة لوجود خيار الشعور المحايد، حين لا يتأثر الشخص سلبا أو إيجابا بما يُعرضُ عليه من فعاليات. المشاعر الستة الأساسية هي: الغضب، الخوف، الإشمئزاز، السعادة، الحزن والمفاجأة. أما المشاعر المعقدة فكانت مشاعر القلق، الحب، الإكتئاب، الفخر، الازدراء، العار والحسد.

بالرغم من معرفة الإنسان بما يشعر في اغلب الاحيان، كإحساسه بالغضب أو الفرح وغيرها، إِلا ان الميكانيكية التي تعمل بها تلك العواطف، وكيفية توزيع تأثيرها على الجسم لم تكن معروفة أو واضحة، وهذا هو السبب الرئيسي الذي دفع الباحثين لإجراء تلك التجارب.

بدراسة المخططات الناتجة عن التجارب، ظهرت مشاعر السعادة باللونين الأصفر والأحمر على كل المخطط الذي يمثل جسم الانسان، مع التركيز على منطقتي الرأس والصدر. وكان الحب هو الأقوى بين كل المشاعر الأخرى، حيث ظهر الرأس باللون الأصفر، وكذلك الصدر وأعلى الفخذين، عكس مشاعر السعادة التي غطت الأرجل بكاملها، وهذا يعني اننا لا نشعر الحب بأرجلنا!

غطت مشاعر الكآبة الجسد بأكمله، مع ظهور الرأس والأطراف بدرجات مختلفة من اللون الأزرق، الا أن المعدة ظهرت بلون محايد. وقد يظن البعض ان الحزن والكآبة متماثلان، ولكن المخططات الناتجة عن تلك التجارب بينت أنهما يؤثران على مناطق مختلفة من الجسم؛ فقد ظهر الحزن باللون الأحمر في منطقة الرأس والصدر، وباللون الأزرق الغامق في الايدي والأرجل.

مشاعر القلق والعار تحتل الجسد بكامله، حيث ظهر الرأس والصدر في المخططات بألوان دافئة، وظهرت الأرجل بدرجات مختلفة من اللون الأزرق. ومن مثير ما أظهرته تلك النتائج ان مشاعر المفاجأة والحسد لا تختلف عن مشاعر العار من حيث تأثيرها على الجسم؛ حيث ظهرت باللون الأحمر في منطقتي الرأس والصدر، وبالأزرق الغامق في منطقة الأرجل! وقد ظهر تماثل كبير، إلى حد التطابق، بين مشاعر الحسد والازدراء، مع ظهور مشاعر الإزدراء بشكل أوضح في الرأس ومنطقة أسفل الفخذ!

ظهرت مشاعر الخوف وكذلك التقزز بألوان دافئة وساخنة في منطقة الرأس والمعدة، مع ظهور أوضح لمشاعر الخوف في منطقة الصدر، بينما ظهرت مشاعر التقزز بشكل أقوى في الفم والمعدة. أما مشاعر الفخر فكانت خارطة ظهورها على الجسد مشابهة إلى حد كبير لخرائط السعادة والحب والغضب، حيث غطى اللون الاصفر منطقة الرأس والصدر بالكامل!

لاحظ الباحثون من خلال دراسة خرائط المشاعر الناتجة عن التجارب الخمسة، ان المشاعر الايجابية، كالحب والسعادة والاعتزاز بالنفس، تشكل مجموعة واحدة بفعل التقارب الكبير بين خرائطها، بينما شكلت المشاعر السلبية أربعة مجاميع؛ الغضب والخوف في مجموعة، واخرى للقلق والعار، وثالثة للحزن والكآبة، واخيرا مجموعة تضم الخرائط المتشابهة لمشاعر الازدراء والاشمئزاز والحسد! وقد بقيت المشاعر المحايدة متميزة عن كل ما عداها من مشاعر اخرى.

بينت الكثير من الدراسات السابقة، ان مشاعر الانسان تساعده على التعامل مع الظروف الخارجية المحيطة به، عن طريق تحفيز الجسم وتهيئته للقيام برد فعل مناسب. تلك الدراسات تفترض ان الجسد يستجيب للمؤثرات الخارجية، وتلك الاستجابة تحفز المشاعر العاطفية التي تؤثر على تصرف الانسان وتعامله مع الحدث، لكن لم يتضح لحد الان إن كانت تلك المتغيرات الجسدية المرتبطة بمختلف العواطف، دقيقة بما يكفي لتشكل الأساس لمختلف المشاعر العاطفية.

أظهرت خرائط المشاعر تلك تشابها بين متطوعين من أصول مختلفة، اذ كان بينهم أناس من فنلندا وتايوان، فبرغم الاختلافات الكبيرة بين خلفياتهم الثقافية الا ان خرائط المشاعر لهم جاءت متشابهة تقريبا! وقد أشار الباحثون إلى عبارات تستخدم من قبل مختلف الشعوب، تعبر عن ارتباط المشاعر بالجسد؛ مثل وصف أمر شديد الحزن بأنه )يكسر القلب(، او وصف الهلع بانه )يُجمّد الأطراف(، وغيرها التي تصف ثقل جسد من يشعر بالحزن، او خفته في حالة الفرح.

من المؤمل ان تكون للنتائج التي أسفر عنها هذا البحث فوائدا جمة في مجال الطب النفسي، حيث يعتقد الباحثون انها ستساعد، وربما تُغني اساليب معالجة الاضطرابات العاطفية.