البكاء على كتف القراء

غادة السمان

اعرف ان لدى القراء ما يكفي ويزيد من الأحزان والهموم في أزمنة عدوانية، واحاول دائما كتابة الايجابي والمبهج قدر الإمكان في عالم عربي لا يفرح القلب بمعظم ما يدور فيه. ولكنني لا أملك اليوم إلا الانتحاب على كتف القارئ لغياب رئيس تحرير هذه المجلة حافظ محفوظ أخي الصديق الشاعر ابن مرجعيون في جنوب لبنان. وكنا زميلين في مجلة »الحوادث«، هو مدير التحرير وانا كاتبة الصفحة الأخيرة )الموسوسة( من الأخطاء المطبعية وكان يقوم بتصحيحها بنفسه إكراما لي!

حين جاءني صوت الاستاذة ابتسام اوجي رئيسة مجلس ادارة مجلة »الحصاد« ابتهجت بسماعه لما أحمله لها من المودة والتقدير ولعلها التقطت موجة الوداد فاعتذرت سلفا لأنها ستنقل لي خبرا محزنا هو غياب حافظ محفوظ أخي وصديقي ورئيس التحرير. لم ابك على كتفها فقد أدمنت من زمان البكاء على كتف القارئ. ها هو الرجل الطيب )الآدمي( يغيب وحينما اتصل بي ابنه بسام محفوظ لينقل لي النبأ ثانية وهو يعرف مدى صداقتنا الأخوية قررت البكاء على كتف القارئ لا على كتفه… وعزيته بالوالد وذكّرته كم كان فخورا به وهو النائب الناجح في المجلس البلدي لـ»إيلينغ« ثم انه اول من جعله جَدّا قبل واحدة من ابنتيه… فيكي وماريا…

عملت مع حافظ حوالي عقدين من الزمن في مجلة »الحوادث« اللندنية وكان مديراً للتحرير ولم تنقطع صلتنا بعدما توقفت المجلة من الصدور… وكم سعدت بنجاح مجلة »الحصاد« وتألقها في الزمن الذي كانت فيه بعض الصحف العريقة الورقية تتوقف عن الصدور أو تذوي متحولة إلى الكترونية فقط… واتمنى ان تحمل الاستاذة ابتسام العبء كله بعد غياب حافظ وتظل مجلة »الحصاد« مزدهرة ومشوقة وأنيقة تضم أكثر الاقلام خبرة وابداعا ونجاحا.

يقول الأمير هاري حفيد الملكة اليزابيث »لو كنت ادري انني أكلم أمي للمرة الأخيرة )حين اتصلتْ به من باريس قبل مصرعها بساعات( لقلت لها أشياء أخرى…

وهذا ما يقوله في نفسه كل من فقد عزيزا دون ان يتوقع ذلك وتلك غصة نعيشها جميعا: لماذا لم نقل؟ في مخابرتنا الهاتفية الأخيرة اتصل بي حافظ في باريس كي اترجم له من الانكليزية الى العربية ما جاء في التقرير الطبي بعد فحص دقيق له…

وعلى الرغم من انني لست طبيبة لم ارتح لما جاء في التقرير. وأضاف حافظ: اذا كنت بحالة صحية سيئة لا اريد اطلاع ابني على ذلك كي لا أقلقه.

وكذبت عليه… وقلت له ان النتائج جيدة وعليه اطلاع بسام عليها…  وكانت تلك اخر كلماتنا معا…

لماذا لم اقل له كم هو إنسان نظيف وشجاع في مواجهة المرض و)آدمي( في زمن استعادت فيه هذه الكلمة قيمتها الانسانية؟ فأنا لم اسمعه مرة يشي بصديق أو عدو أو ينتقده، ولم يحمل فمه إلا الطيب عن الآخرين ولم يكتب مرة كلمة جارحة في حق أي أديب أو صحافي حتى لو كان يستحق ذلك.

اعتقد ان أسف الأمير هاري لما لم يقله لأمه هو جرحنا جميعا… فنحن لا نعرف انها المخابرة الأخيرة…

وداعاً يا حافظ الذي انتقى أجمل الأقلام لمجلة »الحصاد« والذي رحل فجأة ككل جميل ونقي في حياتنا أو معظمه ومعذرة من القارئ… على ذرف الدموع على كتفه…

باريس ـ غادة السمان

5/4/2018