الأرض وأغنية ما قبل النّوم

حين شاءت الأرض/ الأمّ أن تهزّ بيمينها سرير أبنائها الكبير وتدعوهم للنوم في أحضانها، لم تنتبه أنهم أبناءُ الوَسَن الدائم، يخلطون الحلم باليقظة والنومَ بالسّقوط إلى أقاصي العزلة.

لم تسمع صوتَ سُباتِهم الأزليّ فوق غيمةٍ واهمة تُمطر من دون سابق إنذار، وتُهدي جسدها الهيوليّ للأرض عند نداءٍ مفاجئ، فيسقط أبناؤها حطام رذاذ لا يروي ظمأها ولا يحرّك ساكنًا في أبدية السّماء.

عندما مدّت يسراها لتلتقط الصرخات التائهة، خانتها ذاكرةُ الجهات، وأفلت من عقاله إله الموت، فجَثَتْ قرب أنين ركامها تحكي قصة ما قبل النوم عن الأرض الخائفة والتنّين.

سمع التنّين همس الأرض/ الأم ورأى جراح ركبتيها، فأطفأ لهب الأعماق بماء ناره المُحيية. أكملت الأرضُ القصة بالغناء: “يلّا تْنام يلّا تْنام أطفالي طْيور المنام…” غفا الطيور في منامهم وطارت الأجنحة وحيدةً إلى المآذن القريبة. أكملت الأرض/ الأمّ الحداء وملأ السماء ريشٌ حزين.

لم تنتبه الأرض الصغيرة أنها أيضًا آيلةٌ للسّقوط، لا استدارة تحميها ولا جيوب لها كالكنغر تخبئ فيها صغارها. ظنّت أنّ انتفاخَها يقيها حربَ المجرّات، ونسيت أنّ قشورَها تبقى قشورًا مهما قستْ صلابتُها، وأنّ جوعَ باطنها الشّرِه عتيقٌ بِعتقِ تكوينها.

لم تتيقّن أنّها “جِرمٌ صغير” لم ينطوِ فيه العالم الأكبر، ظلَّ يحدّق بجماله متباهيًا إلى أنْ أصابتْه عينُه الحاسدة. خرافةٌ تضرب خرافة فيَسيل أبناؤها من شقوقها كنهرٍ عظيم.

لم تبنِ الأرضُ لها بيتًا جديدًا، ولم تمدّْ أرضًا جديدة على سطحها المردوم. تآلفتْ مع المقابر وغناء الموتى هناك. تركت مساحات للشّواهد ولأسماء الرّاقدين. زرعت على حافتها  بذورًا لأطفال سينبتون في الأرض اليباب.

لم تنفض الرّكام عن وجهها، ولم تستعِد يُمْناها من فراغ الزّلزال. لم تغفر لـ “عفراء” خلاصها من الحبل السرّي، لأنها صغيرةٌ جدًا في كفّ القدر.

لم تُيمّم الأرضُ وجهها ناحية البكاء. لم ترَ يدَ الصغيرة تسند السّقف فوق رأسٍ صغير قربها. ولم يخبرها أحد أنّها أمّ شريرة مسكونة بالّلعنات.

وعند المغيب، غطّت الأرض أبناءها في السّرير الكبير، تحسّست الأنفاس تحت الغطاء، وأكملت أغنية ما قبل النّوم: “يلّا تنام، يلّا تنام، أطفالي طيور المنام، روح يا منام لا توعى، إنت كذبة الأحلام…”