’المجاهدة‘ جاهدة وهبي في بعلبك للموسم الثاني بنجاح كبير!

بيروت – جاد الحاج

إنها السنة الثانية على التوالي في بعلبك بالنسبة الى جاهدة وهبي. والواقع أن جاهدة استحقت إطلالتها من مدينة الشمس منذ ما لا يقل عن عشرين سنة، لكن الظروف على أنواعها حالت دون ذلك. وكانت مجموعة من الاصدقاء الفنانين تعمل بجد ومثابرة على إقناع لجنة  »مهرجانات بعلبك« باستقبال جاهدة وحدها أو مع موسيقيين يعملون ضمن فريقها الفني. أخيرا أثمرت الجهود وتحقق حلمها بالوقوف امام جمهور  »مهرجانات بعلبك«… مرتين على التوالي!

اشتهرت جاهدة منذ بداياتها بتنوع المواهب والاختصاصات والتركيز الصارم على النوعية العالية في مجالات الغناء والتلحين والعزف. غنت لشعراء بارزين مثل محمود درويش وطلال حيدر وقدمت أغاني اسمهان وأم كلثوم وعبدالوهاب ووديع الصافي وغيرهم في حفلات جوالة داخل لبنان وخارجه.

تحمل جاهدة وهبي ليسانس في علم النفس وشهادة المعهد الوطني العالي للموسيقى في الغناء حيث تابعت دراستها في العزف على العود والغناء الاوبرالي العربي والانشاد السرياني والتجويد القرآني، وحازت ايضا على دبلوم التمثيل المسرحي من الجامعة اللبنانية كما تنوعت

جاهدة وهبي

تجاربها في الكتابة والتلحين والعزف. تقول جاهدة ان كل محاولة هادفة الى ارساء ثقافة وطيدة في العالم العربي تعتبر مساهمة حقيقية في دعوة الناس الى مناخات الحلم والشعر والفن. وهي ترى ان الجهل المنتشر في العالم العربي اليوم مصدره تراكم الحقب العنيفة واستشراء الفوضى في كل شيء. وتؤكد ان الموسيقى تلعب دورا كبيرا في نقل الوجدان المجتمعي من واقعه المتخبط واليائس الى رحابة جمالية من شأنها تخفيف وطأة التعصب والعنصرية الرابضة على صدورنا منذ زمن طويل.

تلفت جاهدة الى ان التحديات التي تواجه الفنانين في بلادنا كثيرة لكنها تؤمن بجدوى الثبات في المواقع الايجابية لئلا تزداد الامور سوءا وينهار ما تبقى من القيم في قلب المجتمع. وتقول هناك مسؤولية ثقافية واعلامية على عاتق الذين يروجون لتتفيه الذوق العام بحجة الاستهلاك السريع والتجارة السهلة من دون اي التفات الى الثقافة والنوعية. لقد جعلوا من الفن سلعة رخيصة الا ان استمرارية الرواد في مجال انتاج وتقديم الاعمال المناسبة لا يجب ان تتراجع او تحبط. انه زمن رديء بلا شك تقول جاهدة، لكن اي عمل يقدم بشفافية وإصالة لا بد ان يترك اثرا، ومن المرجح ان يستمر تماما كما استمرت آثار الكبار التي تميزت بحرفية عالية ومستوى فني متقدم. وليس عبرة ان  »تضرب« اغنية ما لفترة وجيزة لأنها آيلة الى الزوال في اقرب وقت بلا شك.

تختار جاهدة قصائدها، او هي القصائد من يختارها كما تقول. لكنها تُغرم بتلك القصائد الى حد الهوس ولا تُشفى منها حتى تغنيها. أما البحث عن اللحن فتعتبره مرحلة صعبة وممتعة في الوقت عينه لأن التلحين مزيج من مشاعر متضاربة وهي تعامل القصيدة واللغة كحبيب مرغوب وتتعامل معها بحالة حوار وشغف. تعمل كثيرا على ترتيب عباراتها بحثا عن جمالية لحنية تؤدي الى إظهار باطن القصيدة وأبعادها. وتلفت جاهدة وهبي الى انها عثرت على بعض الالحان بشكل غير متوقع وسريع اما بعض القصائد الاخرى فقد اتعبتها وأرّقتها مثل قصيدة  »لا تمضي الى الغابة« و »يا ولدي« لأحلام مستغانمي، إلا انها مسكونة بقصائد الشاعر طلال حيدر كما تقول.

قدمت جاهدة وهبي عددا من الامسيات الشعرية في لبنان والعالم العربي وقد جعلتها تلك الامسيات قريبة من الشعر والشعراء ومندفعة باتجاه العثور على معادلات موسيقية مناسبة. وتقول ان الموسيقى ’هي السهول التي ألجأ إليها لأذرف وجعي وأخاطب نفسي وأحس بكياني وجوهر حياتي. في المسرح ألعب شخصيات متنوعة من وقت الى آخر وأشعر بأن الموسيقى والغناء هما المكان الذي اتنفس فيه هواء نظيفا، فالغناء بات شريك حياتي وزوجي وحبيبي وعاشقي. ‘

في صغرها كانت جاهدة تكتب كثيرا. إلا أن تجربتها الحميمة في هذا المجال بقيت خارج التداول العام. وهي تعمل على النصوص الشعرية المرشحة للغناء مع الشعراء انفسهم، يناقشون التغيير والتوزيع ويتبادلون الآراء، بل ان بعضها يذهب الى شبكات التواصل الاجتماعي فيشارك الجمهور في عملية إبداع اللحن الجديد. وتؤكد جاهدة انها عرّضت مواهبها المختلفة للدراسة: دراسة عليا في التمثيل والاخراج. دراسة الفن المسرحي. دراسة الغناء على أنواعه لمدة عشر سنوات حيث تناولت المدارس الشرقية والعربية والاوبرالية والموشحات والتراتيل والتجويد القرآني. ومع ذلك دلفت الى علم النفس بحثا عن تكامل الدوافع الكامنة فيها وتكثيف العلاقة الإبداعية بينها وبين تلك الدوافع.

نفدت بطاقات حفلها في بعلبك، قبل ثلاثة أسابيع من موعدها. جاءت محملة بعبق الأندلس، تجول بين الموشحات والموسيقات، مع مقطوعات من الفلامنكو، وتحيات لباكو دو لوتشيا، وكذلك المغني الإسباني كامارون، أحد رموز الغناء الإسباني. غنت جاهدة وهبة للشاعر الأندلسي غارثيا لوركا ابن غرناطة، يشاركها عازف العود الشهير عمر بشير وفرقته، والمغني الإسباني ملكيور كامبس، وراقصة الفلامنكو ليا ليناريس. مع فرقة عمر بشير عازفون من لبنان على الآلات الوترية والهوائيات، وكذلك عازف من تونس، وآخر من بلجيكا، إضافة إلى الكورس.

 المهرجان الماضي غنت جاهدة مجموعة قصائد من التراث العربي، في معبد باخوس، وخصيصا لهذه المناسبة، غنت تحية إلى بعلبك، من شعر ميشال طراد، أدخلت عليها مقاطع من قصيدة لشارل قرم، ولحنتها بنفسها. انه عيد للموشحات والتراث الأندلسي والفلامنكو في حفل ارايدته وهبي بهيجا متنوعا، تتنقل فيه بارتجالات صوتها، وارتجالات آلات عمر بشير وفرقته الماهرة، في التاريخ مجيئا وذهابا، في رحلة موسيقية غنائية ملونة المشارب.

كانت جاهدة وهبي قد قدمت العام الماضي، ضمن مهرجانات بعلبك أيضا، حفلا جالت فيه من الطرب إلى الجاز، ولاقى ترحابا كبيرا. وهذه السنة تقول:  »أردت أن أضيء على التراث الإنساني الرفيع في الأندلس في مدينة التراث الإنساني الكبير، بعلبك«.

وتضيف:  »أردت برنامجي مختلفا هذه السنة، في هذه المدينة التي هي رمز للتراث الفني، والتي احتضنت أعمالا فنية كبيرة لها علاقة بالموشحات والفلامنكو.

استمع جمهور المهرجانات لقصائد من أشعار ولادة بنت المستكفي، وابن زهر، وابن عربي، وابن زريق، وكذلك ابن زيدون.  »فسيفساء من الشعر والموسيقى والغناء، مع مواويل، تتداخل جميعها مع الفلامنكو«… هكذا تصف وهبة حفلها. إلى جانب كل هذا حصة كبيرة للراقصة ليناريس، الآتية من بلاد الإيقاع والغجر في جنوب إسبانيا، حاملة عبق الحضارة المتوارث من بهجة الجسد عبر القرون.

وكانت وهبي قد أصدرت مؤخرا ألبوما جديدا مع الموسيقي شربل روحانا، أصبح متوفرا على المنصات الإلكترونية، حمل اسم  »أرض الغجر«، وفي بعلبك ادَت قطعة أو اثنتين من هذا الألبوم.

في اليوم التالي حلت جاهدة ضيفة على الحفل المخصص لعازف العود عمر بشير وفرقته، الذي رافقها في الليلة الفائتة . وفي هذا الحفل الذي انتظره عشاق آلة العود، قدم بشير جولة في موسيقات العالم، من خلال برنامج متنوع عزف فيه من العراق ولبنان وتركيا، وألحانا لاتينية، ومن الهند وإسبانيا، إضافة إلى مقطوعات تأملية مصحوبا بفرقة من سبعة عازفين، وجوقة آلات نفخية، وقدم مقطوعات من ألبومه الأخير. وحصل بشير مؤخرا على جائزة بلاتين من  »يونيفرسال ميوزيك« تقديرا لمبيعات ألبوماته.

 جدير بالذكر أنه خلال هذا الحفل قدمت لها عائلة منير بشير جائزة الراحل الموسيقار الكبير التي تحمل اسم  »منير بشير للإبداع الفني«، وذلك عن  »مجمل إنجازاتها وأعمالها الموسيقية المتفردة إبداعا ورقيا ومسيرتها الفنية الأصيلة«. ويأتي هذا التكريم من قبل مؤسسة  »نهاوند« للاتصال الحضاري بين الشرق والغرب، ومقرها في هولندا، ويرأسها نجل الراحل الكبير الفنان عمر بشير. وقد منحت هذه الجائزة العريقة سابقا لسيدة المقام العراقي فريدة محمد علي، واليوم تمنح  »لمطربة لبنانية وملحنة مبدعة ستؤثر بعطائها الفني في الأجيال القادمة«.

 حلت ا جاهدة ضيفة على حفل عمر بشير، وشاركت معه في أداء وارتجال حر على بعض مقطوعاته الخاصة، في ليلة تجلى فيها عمر بموسيقاه البديعة مع فرقته الآتية من أوروبا، وانضم إليها موسيقيون من لبنان ومغنٍ إسباني، حيث يستذكر الجميع واحدة من أجمل ليالي المهرجان، حين استضافت بعلبك الموسيقار منير بشير في السبعينات، واليوم يستضيف نجله في أمسية تحمل عنوان:  »عود حول العالم«.

العدد 98 – تشرين الثاني 2019