يقول الإمام عليّ في بيت شعر منسوب إليه: ” دواؤك فيك وما تبصر، وداؤكَ منك وما تشعُر” ، من هنا تظهر فلسفة الطبّ الطبيعي كما يراها الدكتور محمد العمري، وهو شابٌ في مقتبل العمر من مدينة طرابلس لبنان، نال شهادة الدكتوراه في الطب الطبيعي عن كتابه الطب الطبيعي وعلم الماكروبيوتك، وهو مؤسس أكاديميّة “بيت السلام”.
عن رحلته بين علم النفس والماكروبيوتك، وعن الطب الطبيعي بين العلم والدجل، كان للحصاد معه هذا اللقاء.
من الداء إلى الاستغناء
يحكي العمري، عن تجربته مع مرض الربو واضطراره لأخذ كميات كبيرة من الأدويّة، منذ كان في السادسة عشر، مما سبب له عوارض جانبيّة كثيرة، جسمانيّة وحتى نفسيّة، الأمر الذي جعل زيارة الطبيب تجربة مُرّة، ففي كل مرّة وصفة لأدوية جديدة، حتى قرّر فجأة ترك الدواء من دون
سبب.
دخل مجال العمل في العطارة: “ومن هناك بدأت البحث عن بدائل للعلاج، عملت لأربع سنوات في العطارة، اجتهدت ذاتيًا في التعرف على أنواع الأعشاب وفوائدها من خلال القراءة والبحث، وكذلك غيّرت من نوعية طعامي، مبتعدًا عن الأطعمة المقليّة اخترت غذائي بعناية، وبحمد الله شفيت ومن حينها للآن لم أستعن بأي دواء.”.
وبذلك فُتح له ذلك باب الطب الطبيعي، ويعدّ طب الأعشاب جزءا منه.
يقول: “الطب الطبيعي هو مجموعة من الممارسات الصحية والعلاجية الواسعة المجال، يدخل ضمنها العلاج بالأعشاب، العلاج بالتأمل، العلاج البدني والعلاج بالطعام والقائمة تطول. والعلاج النفسي كذلك”.
بيت السلام؛ بين الفكرة والتنفيذ
بدأت فكرة أكاديمية بيت السلام أثناء مشاركته في حضور محاضرة علميّة عن الصحة النفسية وإدارة الضغوطات، وكان شغوفا منذ الصغر بإلقاء المحاضرات وتثقيف الناس، وبهذا:
” حولت الفكرة إلى أكاديمية، الهدف الأساسي منها هو تحويل العلم الأكاديمي إلى تدريبي ومواجهة الأمور المغلوطة. وتقديم العلوم الطبية الطبيعية لافتقاد لبنان لها. واليوم نحن الوحيدون الذين نقدم الطب الطبيعي أو علم للماكروبيوتك كأكاديمية متخصصة، وبدورنا ننقل هذا العلم من خلال أكاديميتنا عبر الورش التدريبية والمحاضرات التثقيفيّة”.
تقدّم الأكاديميّة ندوات وورش تعليميّة عن العديد من الموضوعات المتصلة بالصحة مثل الفيتامينات، الطب الطبيعي، علم النفس، إضافة إلى محاضرات توعوية عن التحرش الجنسي بالأطفال، الصحة النفسية وإدارة الضغوطات، وكل ما يختص بالصحة وبالعلوم الإنسانية.
علم النفس والطب الطبيعي
وعن رحلته بين علم النفس والطب الطبيعي، يقول: ” لم يكن دخول اختصاص علم النفس خيارًا مقصودا، فقد كنت أنوي دراسة طبّ الأعصاب ولأسباب كثيرة منها ظروف البلد الصعبة آنذاك، لم أتمكن من الالتحاق بالاختصاص. فدرستُ علم النفس في الجامعة اللبنانيّة بالتوازي مع دراسة الطب الطبيعي من خلال ندوات ومحاضرات دوريّة، واكتشفت العلاقة التكامليّة بين الاختصاصيين، فالطب الطبيعي يولي اهتمامًا كبيرًا للجانب النفسي، وجمع الصحة النفسية بالصحة الجسدية أمر لا بدّ منه في العلاج”.
إلا أن كثيرا ما يختلط الأمر على المجتمع، فالطب الطبيعي الذي يتحدث عنه الدكتور ليس هو الطب العربي فقط الذي نعرفه في مجتمعاتنا العربية، مع ما يداخل الكثير من مدّعي العلاج به من دجل، بل يجمع بين عدة أنواع من المدارس الطبيّة التي تتخذ من الطبيعة معلمًا لها، منها الطب الشرقي والأسيوي، ويشرح: ليس كلّ عطّار هو عارف وخبير، وليس كلّ عشّاب بيده العلاج اليقين، لذلك لا نحبذ التشجيع على زيارة طبيب يدّعي المعرفة بالأعشاب. الطب الطبيعي هو الطريق الحقيقي لأنه يعمل على كل ما يخصّ الإنسان من الطعام حتى النفس، ويقدم العلاج الأعشاب والعلاج بالتأمل، وغيرها من العلاجات الرياضية، ويدخل من ضمن ممارساته العلاج بالتدليك. يُضيف: “هناك من ينصّب نفسه حكيمًا بمجرد أن قرأ كتابا في الطب النبوي، فعلى الصعيد الشخصي درست الطب الطبيعي كاختصاص على يدّ أطباء مهرة قاموا بتغيير مسارهم، أذكر منهم: الدكتور يوسف البدر وهو حائز على دكتوراه بالعلوم الطبية، ولديه أكثر من دبلوم في الطب الصيني، وهو رئيس منظمة الشرق الأوسط للماكروبيوتك، كذلك الدكتور حسان جعفر، وغيرهم من أطباء وصيادلة تلقينا عنهم هذا العلم”.
نال الدكتور العمري، شهادة الدكتوراه الشرفية في الطب الطبيعي من مركز البحوث المغربي بالعودة لكلية الصحة. بعد مناقشة كتابه البحثي “الطب الطبيعي وعلم الماكروبيوتك” الذي قدم فيه حلولا عصريّة وبأسلوب سردي سهل التطبيق.
ثورة وثروة علمية جديدة
يرى العمري، أن الطب الطبيعي هو ثروة وثورة علميّة، ويعلّل ذلك: “ثروة لأن الطب الطبيعي يغنينا عن الأدوية، عن المستشفيات مع ما يواجه الناس اليوم من تحديات بسبب كلفة الطبابة العالية، وتعمُد إذلال الناس من خلال المتاجرة بصحتهم، وثورة لأن الهدف أن يتغيّر الإنسان من الداخل، بدءا من طريقة تناوله الطعام حتى كيفية إدارته لانفعالاته، هي ثورة داخليّة محلها القلب وهو سيد القرار، فعندما يتغيّر الإنسان من الداخل، تبدأ الأعضاء الفزيولوجية بالعمل بشكل جيد، لأنه يمنحها المغذيات الكافية، وهذا ينعكس على سلوكه الخارجيّ.
من الفرد إلى العائلة إلى الوطن، يقول أحد الفلاسفة: أنا كنت ذكيًا لأني أردت تغيير العالم، والآن أنا حكيم لأنني أريد أن أغيّر نفسي”.
يعود نظام الماكروبيوتيك إلى ثلاثينيات القرن الماضي، طرحه للعلن فيلسوف ياباني، ومن اليابان انتشر في كل العالم، يشجع العمري على هذا
النظام الذي يراه جزءا لا يتجزأ من العلاج الطبيعي، وعلى الرغم ما طال الماكروبيوتك من انتقادات، إلا أن العمري يرى أن الماكروبيوتك ليس وليد العصر بل يعود إلى عهد الفراعنة مع اختلاف التسميات، ويشرح: “الماكروبيوتك أثبت جدارته على مر العصور، هو أسلوب أكل الفراعنة والأنبياء، والأولياء والعصور السابقة، فعندما نرى هياكل عظميّة لإنسان الفراعنة نلاحظ صحة أسنانهم، كانوا يمتلئون بالصحة، وكان هناك بركة كبيرة بأعمارهم، ونحن اليوم نتفاجأ بنتاجاتهم الفكريّة على قصر حيواتهم، الماكروبيوتيك هو العودة إلى الغذاء الطبيعي، المتناسب مع نفس وبيئة الإنسان، ففكرة الماكروبيوتيك أن الإنسان يأكل مما يليه، مع تناول الحبوب الكاملة، والابتعاد عن الأطعمة المشبوهة كاللحوم واستبدال الحليب بمنتجات بديلة، مع الاستناد لمقولة الإمام علي: “لا طعام على طعام”، وهي قاعدة أساسية في علم التغذية العلاجية. فالماكروبيوتك يعمل على الجسم ككل.”.
أجسامنا لم تعد صحيّة كالسابق
يفيد الدكتور العمري، أن نظام الماكروبيوتيك لا يمنع اللحوم بل يشجع على التقليل منها ما أمكن، ويحفّز على تناول الأسماك، ويلفت أنه بالإمكان تعويض الكثير من الفوائد الصحية بالبدائل المتوفرة، “فالبروتين نحصل عليه من فول الصويا، ومن بذور دوار الشمس والأسماك، والأعشاب البحرية التي نستعملها تحوي على كثير من البروتينات. ولا تحوّل الدم إلى حمضي بل إلى قلوي مما يجعله بيئة غير مناسبة لتكاثر البكتيريا والأمراض.”
ويلفت: “كان النبي يعيش على نظام الماكروبيوتيك، “لقد مات وكان في نفسه رغيفٌ من شعير”، كانوا يأكلون الشعير والقمح وقليل من اللحم، ومعظم طعامهم من الحنطة والبقوليات المتوفرة، وهناك أحاديث تثبت أنهم كانوا يوقدون النار كل شهرين مرة، وكانوا يشربون حليب الإبل أو حليب الماعز ..”
في المقابل تشجع اليوم الشركات الغربية على الاستهلاك الغير واعي من خلال التسويق للمأكولات بما يتناسب وأربحاها، وقد أدت الدعاية دورًا مهما في تغيير الذوق المجتمعي، فأصبح أكل العدس والأُرز تقشُف، ويتساءل: كيف يكون تقشُفا وقد بنى الفراعنة حضارات، واليوم نقف متحيرين أمام أهراماتهم وهياكلهم المحنطة؟!”.
أجسامنا لم تعد صحية كالسابق، من الجوّ النفسي حتى الطعام، فالإفراط في تناول الأطعمة المقليّة واللحومات يؤدي إلى التسمم الغائي، ويحوّل الدم لى بيئة ممتازة لتكاثر الأمراض.
دواؤك فيك وما تُبصر
وعن طالبي الخدمه ومن يقصده لطلب النصح والعلاج بالطب الطبيعي، يفيد: نحن لا نقدم التعافي، بل نعلم الإنسان كيف يعافي نفسه، وفق نظام هو من يقوده. ويستدرك: بالطبع أنا لست ضد الطبّ الحديث، بل هناك أطباء يُشهد لهم بالتفاني في عملهم، ولكنني ضدّ الوصفات الدوائية التي يبتغي من ورائها الأطباء والصيادلة الربح الشخصي.
ويذكر: “نقدم النصح والتوجيه على أساس الفحوصات المخبرية الطبيّة، ويمكن تشخيص بعض الأمراض بالفراسة من خلال ظهور بعض الأعراض الجسمانية التي تظهر في العينين أو لون الأظافر أو شحوب الوجه وغيرها.. من أساليب العلاج المعتمدة؛ التخفيف من جرعات الدواء بالتدريج، حتى لا تظهر لدينا أعراض انسحابية. إعطاء جرعات من المتممات الغذائية، وإجراء تعديلات على نظام الطعام.
نؤمن في أكاديميتنا بأن الجسم البشري معدٌ لكي يعالج نفسه بنفسه، والعلاجات الكيميائية تزيد لوعته ولا تُشافيه، فهل يعالج الشر بالشر (يتساءل)، وهل تُطفَأُ النار النار؟! فهل الأضرار الكيميائية الناتجة عن التلوث تطفئها الأضرار الكيميائية من الداخل، إنما هي تدفع بالمشاكل وتعالج العارض من خلال أدوية وممارسات علاجية، في المقابل يقوم الطب الطبيعي والتحليل النفسي بمعالجة الجذور.
ويضيف: قليل من التدبر ينجح المرء باختيار نمط صحي مفيد ومعافى، مع الابتعاد عن مسببات المرض.
عن الكتاب
بعدما لمس اهتمام الناس لمعرفة المزيد عن فلسفة هذا العلم، قام الدكتور عمري، بطباعة كتابه “الطب الطبيعي وعلم الماكروبيوتك” على نفقته الخاصة، وسيكون له توقيع خلال شهر آذار/ مارس الحالي، وعنه يقول: “حاولت جمع هذه العلوم في كتاب وتبسيطها للمتلقي”، يقع الكتاب في ٢٩٠ صفحة، ويتناول موضوعات مختلفة، ويتكون من ثلاثة أقسام، في القسم الأول يتحدث عن الطب الطبيعي، القسم الثاني اقتباسات من علم طب الأعشاب، والقسم الثالث الماكروبيوتك.
يقول: “رسالتي هي العودة للطعام المغذي؛ نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع “.
ومن الوصفات العشبيّة التي تحدثت عنها في كتابي، كبديل عن السيجارة، سيجارة مؤلفة من الأعشاب، لا تحتوي على النيكوتين، تتكون من عشبة المريمية المطحونة يضاف لها إكليل الجبل المطحون، بغرامات بسيطة يعدّلها المرء كما يريد، فالمريمية تحتوي على نوع من الزيت الذي يعمل على تطهير الحلق، وهي مفيدة جدا للنفس والمعدة والدورة الشهرية وتخفيف الأوجاع، وهي مرخية للأعصاب، ويمكن إضافة أعشاب أخرى، أما إكليل الجبل يرفع التركيز.
ويذكر: وضعت الوصفة في الكتاب، ليستفيد منها الناس، وكدلالة على أنني لا أسعى لجني الربح والمتاجرة، هدفي أن يعي المجتمع ما يحوقه من مخاطر.
وعلى الرغم من غياب الدعم المادي، واعتماد مشروعه على الجهد الشخصي، وجهد فريق من المتطوعين المهتمين بهذا العلم، إلا أنه يبدو متفائلا بأن ما يقدمه سينال أذنا صاغية ولو بعد حين واهتمامًا لدى كثيرين. ويعود بالخير عليه وعلى من معه ..
ويختم: انطلاقا من إيماني بأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، أؤمن بأن رسالة الماكروبيوتك يجب أن تصل بحقيقتها إلى كلّ العالم.