بين فوائده الصحية والتخلّص من العادات السيئة المتحكّمة
هدت السنوات الأخيرة الماضية انتشار مصطلح الصيام المتقطّع كثيراً حتى بات شائعاً في مجالي التغذية والصحة. وانتشرت في هذا الصدد الكتب التثقيفية والأفلام الوثائقية والإعلانات التي تعرض كيفية ممارسته بأفضل الطرق بحسب الفئة العمرية، والوزن والقدرة على التحمّل ومؤشر كتلة الجسم. فما هو الصيام المتقطع؟ وهل هو بديل صحيّ عن الحميات الغذائية الصعبة؟
في البدء، الصيام المتقطّع هو عبارة عن تغذية مقيّدة بالوقت، يتضمّن فترة محدّدة من الساعات للصيام تقابلها بضع ساعات لتناول الأطعمة. وتكمن أهميته في الهدف المنوط به تحقيقه، إن كان خسارة الوزن والحصول على جسم رشيق أو تطوير العادات الصحيّة والتخلّص من الشراهة على تناول الأطعمة بشكل عشوائيّ.
يتشابه الصيام المتقطع إلى حدٍّ كبير مع صيام شهر رمضان الفضيل، يبقى الفارق بينهما هو عدم قدرة الصائم (في رمضان) تناول المشروبات والماء الأمر المسموح خلال ساعات الصيام المتقطّع. وفي هذا التقرير سنقدّم مقاربة بين النوعين.
النهج الأكثر شيوعاً للصيام المتقطّع هو عملية 8/16، أي الصوم 16 ساعة من اليوم وتوزيع الوجبات على الساعات الثماني المتبقية. وتتعدّد الأطعمة التي يمكن الحصول عليها، وضمان توفّر كافّة العناصر الغذائية فيها؛ كالبروتين الموجود في الدجاح واللحوم والأسماك وبعض الحبوب، الألياف من الخضار وبعض الدهون الصحية كالأفوكادو وزيت الزيتون والقليل من النشويّات كالأرز والبطاطا. هذه العناصر هي مصادر أساسيّة لبناء أنسجة الجسم والعضلات والخلايا والحفاظ عليها، إذ تؤكد الدراسات أن الصيام لمدة تتراوح بين 10 وحتى 16 ساعة يمكن أن يعمل على تحويل كل الدهون في الجسم إلى طاقة.
وتندرج فوائد الصوم المتقطّع على الصحة، وفقاً للشكل التالي:
- تعزيز صحة الدماغ والذاكرة، وتقليل الإصابة بداء الزهايمر.
- تحسين صحة القلب والأداء البدني، والوقاية من أمراض السكري والقلب.
- تحسين حساسيّة الجسم للأنسولين ما يساعد على تقليل فرص الإصابة بمقاومة الأنسولين.
- ضبط مستوى ضغط الدم.
- تقليل مستوى الالتهابات في الجسم.
- تخفيف الشعور بالتوتر والضغط النفسي.
- يساهم في احتمال إطالة العمر، لأنه يسمح بالتخلّص من الخلايا القديمة.
- يساعد في إيجاد نمط حياة مستدام.
- خسارة الوزن وزيادة الكتلة العضليّة.
يمكن ملاحظة نتائج الصيام المتقطّع بعد 10 أيّام من الالتزام به، وقد يستغرق الأمر بين أسبوعين إلى عشرة أسابيع قبل فقدان الوزن بشكل ملحوظ، إذ تكون خسارة الوزن بمعدل نصف كيلوغرام بالأسبوع الواحد.
رغم أن نظام الصيام المتقطّع سهل وليست له أضرار عند اتّباعه بطريقة صحيحة، لكن يوجد بعض الأعمار والفئات التي لا يناسبها وتحتاج لإشراف طبيّ قبل اتباعه، كالأطفال والمراهقين تحت سن 18 عاماً، الأشخاص فوق 55 و60 عاماً، مرضى السكري والحوامل والمرضعات.
تصف أخصائيّة التغذية ماريبال حرب، أن الصوم المتقطّع يعمل عن طريق إطالة الفترة التي يستهلك بها الجسم الطاقة منذ آخر وجبة يتمّ تناولها، بذلك يحرق الدهون المتوزعة في كافة أنحاء الجسم. وقد أثبت فعاليته في عدة نواحٍ ترتبط بالصحة والبنيّة الجسمية. وتشير قائلة: “لا بدّ عند البدء
بالصوم المتقطّع تطبيقه بالطريقة الصحيحة تحت إشراف أخصائي تغذية يضع الدليل المناسب لكل شخص بحسب إمكانيته وطبيعة حياته وروتينه اليومي”.
الالتزام بالصيام المتقطّع يتطلّب خطّة محدّدة تسهّل الاستمرار به، قد تبدو فكرة الصيام مخيفة في البدء لكنها سهلة وغير معقدة، عبر عدة خطوات:
- البدء ببطء: يمكن البدء بالصيام 12 ساعة و12 ساعة للوجبات، ثم زيادتها في الأسابيع اللاحقة.
- شرب الماء ضروريّ: من المهم الحصول على كميات الماء المناسبة خلال الصيام، 9 أكواب للنساء و13 للرجال.
- الانضباط والالتزام: شهر رمضان هو فرصة مناسبة لتحضير الجسم لاتباع خطة الصيام المتقطّع كأسلوب حياة مستدامة.
- المشروبات: من الجيد أن من يتّبع نظام الصيام المتقطّع بإمكانه الحصول على القهوة والشاي دون إضافة السكر، ما يضمن الحفاظ على الطاقة خلال النهار وساعات العمل.
- ممارسة عادات صحيّة: لضمان نظام صحي متكامل لا بدّ من الحصول على القسط الكافي من النوم، والابتعاد عن الأطعمة الجاهزة والتركيز على الخضار والفواكه في الوجبات، إضافةً إلى الحرص على تناول الفيتامينات والمكمّلات الغذائيّة اللازمة.
- ممارسة الرياضة: بعض الأشخاص قد لا يرغبون بممارسة الرياضات الصعبة، لذلك يمكنهم تخصيص 30 دقيقة مشي يومياً، أو ممارسة تمارين التمدّد التي تساعد في شدّ الجسم والحفاظ على الكتلة العضلية.
قد يصاحب نظام الصيام المتقطّع بعض الأعراض المزعجة كالتعب الشديد، الحموضة وارتجاع المريء، الصداع، الإمساك، قلة التركيز، اضطراب النوم ونزول شديد في الوزن. وتجدر الإشارة إلى أنه لا بدّ من استشارة الطبيب المختص بحال الشعور بهذه العوارض وإجراء الفحوص الضرورية.
تتمثل نقطة التشابه بين الصيام المتقطّع وصوم شهر رمضان هي ساعات الامتناع عن تناول الأطعمة من جهة، ولكونهما يعملان على التخلص من
السموم بالجسم، ما إن ترافقا مع التغذية الملائمة.
كما يمكن الاستفادة من قدوم شهر رمضان لممارسة الصيام المتقطّع، وأهم ميزة صحية لذلك، هي أن الجسم بعد عدة ساعات يستنفد السكر ويبدأ بحرق الدهون، وهذا يؤدي إلى خسارة حقيقية في الوزن مباشرة.
من أهم الإجراءات التي يجب الالتزام بها خلال ممارسة الصيام المتقطع في رمضان، هي:
- وجبة الفطور: التقليل من السكريّات والدهون غير الصحية والعصائر المحلاة، والاستعاضة عنها بالماء والشاي والقهوة، والفواكه والخضار، والحبوب الكاملة، والدهون الصحية، والبروتينات.
- وجبة السحور: من المفروض أن تكون وجبة خفيفة، لكنها غنية بالمعادن، وذلك يساعد على التكيّف مع الصيام خلال ساعات النهار. يمكن الحصول على سندويشة من الجبنة وقطعة الخبز إلى جانبها بعض المكسّرات النيئة، مع كوب من الماء.
ولا بد من الإشارة إلى أن المشروب الأخضر يمكن اعتماده في رمضان إلى جانب الصوم لآثاره الكبيرة على توازن السكر في الدم وصحة الأمعاء ومحاربة العطش. ويتكوّن هذا المشروب كما تدلّ تسميته على أنواع الخضار الموجودة في المنزل منها الكرفس، الخس، البقدونس مع شرائح الزنجبيل والليمون، ويمكن تناولها بين ساعات الفطور والسحور كبديل عن المشروبات الغازيّة والعصائر المليئة بالسكر المصنّع.
شهر رمضان هو أنسب وقت لاتباع الصيام المتقطّع، كل ما عليك فعله أن تجد الخطة المثاليّة بالنسبة إليك واعتمادها لتحقيق أهدافك.
كما يعدّ الصيام والصيام المتقطّع فرصة استثنائية للتخلص من العادات السيئة التي لها آثار سلبية على صحة العقل والقلب والروتين اليومي، واستبدالها بعادات جديدة جيدة تساعد في بناء نمط حياة مستدام وصحيّ.