ترامب يمتطي صهوة الأنتخابات وعلينا ان نتعلم ان المحن هي صانعة الاوطان
نجح ترامب، واكتسح بانتخابه شخصيا كل التوقعات ،ثم تم انتخاب حزبه،فالأنتخابات لم تكن رئاسيه فقط،وانما امتدت الى المجالس النيابيه(مجلسي النواب والشيوخ)،وأصبح الباب امامه مفتوحا لمحاولة السيطره على مقاليد الحكم، مما يشكل مفاجأة كبري، لكل المحللين والمتابعين،على السواء لخطوات السياسة الأمريكيه، واسئلة كثيرة تبحث عن اجابات لمعرفة اسرار هذا اللغز،وتوابعه.هل الشعبويه اصبحت حقيقة واقعه،تزكي جمهورها. هل على النخبوية ان تلملم رسالتها وأن تتوارى ؟ ام ان عوامل اخرى احاطت بالعملية الأنتخابيه كان من شأنها ان تطيح بسيدة القانون المدعي العام السابق السيده كامالا هاريس،في مواجهة سلاطة اللسان ،والسخريه والتعبيرات غير المحسوبه في الخطابه؟. لقد نشطت استطلاعات الرأي للبحث وراء ذلك الحدث ،في محاولة للأجابة حول الدوافع والمبررات، وكانت البنود الأولى تتعلق بمن اعطوه ثقتهم من خلال اصواتهم، وكان الاكتشاف الأول هو شبهة تغلب العامل العنصري، فقد تبين ان الرجال
البيض،وهم يمثلون أغلبيه ساحقه،كانت أكبر في نسبتها التي تبلغ 60% في المائه من الناخبين في هذه الانتخابات، يضاف الى ذلك نسبة الرجال المنتخبين من اصول لاتينيه لتضيف نسبة اخري قدرها 19% في المائه عما حصل عليه من اصواتهم في انتخابات 2020 ،ثم ان المنافسة له هذه المره ملونه وانثي ،وسبق لترامب ان اجتاز انتخابات قبل ذلك ،واطاح فيها بالسيده هلاري كلينتون ، وكانت وجها معروفا،ونشطا ،وقد نجحت جماهيريا ،ولكن المجمع الأنتخابي كانت له وجهة نظر أخري، وقد حصل ترامب، على 55% في المائه من الأصوات الرجال من أصول لاتينيه بينما فازت هاريس بنسبة 43% في المائه من الأصوات ،في نفس الوقت الذي زادت فيه نسبة تأييد النساء لترامب من الأصول اللاتينيه بنسبة 38%في المائه. الانتخابات
عملية معقده، وحساباتها مختلفة تماما،ولا يمكن اجمالها فقط في الدعاية،او المال، او العنصريه ،فهي خليط من مؤثرات كثيره تحيط بالناخب نفسه صبيحة يوم الانتخاب. يضاف الى ذلك حجم المعاناه من قضايا تمس حياة الفرد بشكل مباشر،وتمثل ضغوطا تدفعه الى اي من المرشحين، المهم ان الفائز في الانتخابات في نهاية الأمر كان دونالد ترامب،وعلينا ان نتذكر بعض التصريحات التي صدرت عنه في محاولة للتعرف على اتجاهاته في الحكم.
تصريحات دونالد ترامب
ادلى المرشح دونالد ترامب بالكثير من التصريحات حول قضايا التعليم والصحه ،والقضايا الاجتماعيه ومعالجة الهجرة الغيرقانويه وماتحدثه من ارباكات،ولم ينس ان يرد بسخريته المعتاده على تصريح للسيده هاريس حين قالت (ساعالج هذه القضايا الملحه في اليوم التالي لأنتخابي،وقد رد قائلا ( ان اليوم التالي لك كان منذ اربع سنوات وانت في الحكم فلماذا لم تعالجيها).تناول في تصريحاته قضية
المعاداة للساميه في الجامعات ،وقال ستفقد هذه الجامعات الاعتمادات والاعفاء الضريبي ان لم يضعوا حدا للمعادين للساميه وسأخطر مديري الجامعات بذلك وانهم لابد ان يضعوا حدا لذلك،كما قال سنرحل كل من يتعاطف مع االمجاهدين الاجانب وداعموا حماس وسنمنع توطين اللاجئين للقادمين من الأماكن التي تفشى فيها الارهاب مثل
غزة،ووجه رساله لليهود الامريكيين،وقال انه من خلال اصواتكم سأدافع عنكم ،كما تناول ايضا في تصريحاته قضايا التعليم والاجهاض والصحه ،وقضايا متعددة تهم الناخب الأمريكي والمجتمع الأمريكي بصفة عامه. لكن كان اخطر تصريحاته تلك التي تناول فيها الذي يعرف الأن باسم (الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي) بعد ان كان معروفا باسم (الصراع العربي-الاسرائيلي).
قال (ان اسرائيل صغيرة ،وعلى ذلك لابد ان تتسع). وهو تصريح ان خرج من حيز الدعاية الانتخابيه والحرص على تعزيز الأصوات المؤيدة له ،فذلك امر يمكن فهمه ،ولكن ان خرج الى محاولة التنفيذ فسوف يثير كما هو متوقع الكثيرمن المشاكل والأزمات،التي من شأنها ان توتر الاوضاع الى حد بعيد.
في فترة دونالد ترامب الرئاسيه السابقه طرح مشروع مايسمي (صفقة القرن)وكان احد بنوده ان تصبح (القدس) عاصمة لأسرائيل ،وان يكون (المسجد الأقصي) تحت السيدة الاسرائيليه،كما قام ايضا بالأشراف على صك اتفاقيات جديده باسم (اتفاقيات ابراهام) بين دول عربيه قامت بالأعتراف بدولة اسرائيل ،في الوقت الذي مازالت اسرائيل ترفض فيه اي مبادرات للسلام وفق قاعدة ( الأرض مقابل السلام) وترفض حاليا عقد صفقة تبادل الأسرى وانهاء الحرب في غزة،رغم الوساطات الامريكيه ( الشكليه بطبيعة الامر) والقطريه والمصريه ،وقرارات مجلس الأمن
نتنياهو تاريخ من التعصب
كان عصر الجيل السابق لنتنياهو وبن غفير، وبقية النخبة الحاكمه الآن في اسرائيل يحلم باسرائيل العظيمه،ويعتبرونها وجه اوروبا في المنطقه، التي يمكن ان تكون رائده في النموذج السياسي، الذي يحكم بالديموقراطيه،والتقدم العلمي والتقنى،ويتفاعل مع دول المنطقه في التنميه بالأمكانات والطاقات الكبيرة، الغنيه بالثروات الطبيعيه في المنطقة، ثم جاء هذا الجيل الحاكم ،وحلمه ليس الدوله العظيمه ،ولكن الدوله العنصرية المتسعه بالأغتصاب،وتحت تهديد السلاح،واستخدام العنف كما هو معروف يولد بالضرورة، و يفرض بالتبعيه، قيام حركات المقاومة للاحتلال،وليس هناك قوة يمكنها ان تكسر ارادة امه في المقاومة.لقد وقع الزعيم الفلسطيني الراحل(ياسر عرفات) اتفاقية السلام مع اسرائيل ،رغم معارضة بعض فصائل المقاومة ،بل وبعض القيادات سواء السياسية او الفكريه في منظمة التحريرالفلسطينيه،أومن خارجها ،ومع ذلك مضى في مشروعه ،وفي المقابل كان (اسحاق رابين) رئيس الوزراء الاسرائيلي من وقع مع عرفات ،وتولى نفس الشخص (بنيامين نتنياهو) اثارة الحملات ضد اسحاق رابين حتى تم اغتياله ،ثم قامت
اسرائيل ايضا باغتيال ياسر عرفات، اي ان اسرائيل هي من ترفض ان ترفع راية السلام في المنطقه، والتعايش في رحابه، فهل يمكن اذكاء نزعة التوسع الأسرائيلي على حقوق اصحاب الأرض المقيمين فيها اّباءا عن جدود، وهل يمكن ان تستقر دعاوي السلام ،مادامت شرارة التوسع سوف تندلع .لقد جاء ترامب ليرفع راية انهاء الحروب،فهل يمكن ان يستقيم ذلك مع سياسة التوسع . هل يمكن ان نعيد على الاسماع صيحة الأمين العام للأمم المتحده الحالي حين قال (ان السابع من اكتوبرعام 1923 لم يحدث من فراغ).
ترامب وموازينه
ترامب رجل الاعمال والصفقات،وليس رجل الدبلوماسيه والفكروالاستراتيجيات ،وهو ينظر حتى الى حلفائمه من الاوروبيين ،بانهم عبء مكلف على الولايات المتحده ،وان الناتو ايضا يستنزف امريكا
وانه يتطلع الى صداقة روسيا،والتفاهم معها ،ويري ان الصين هي خصمه ،فهي المنازع على مقعد المنافسه مع الدوله الأعظم،ولذلك فان سياساته ليست بالضروره وفق تعهداته الانتخابيه،وهو بالتأكيد يطمع في الاعتراف السعودي باسرائيل،ليكمل دائرة جهوده في ترسيخ الوجود الاسرائيلي ،وقد اعلنت السعوديه اشتراطها قيام دولة فلسطين،كما ان دائرة الاعتراف بفلسطين قد اتسعت بعد السابع من اكتوبر 2024 ،كما ان القضية نفسها اعيد طرحها على مستوى الراي العام العالمي،في نفس الوقت الذي يعارض فيه نتنياهو مبدأ قيام الدولة الفلسطينيه،ولذلك من المتوقع ان يكون نتنياهو هو اول ضحايا ترامب،حتى يرضي العالم العربي والكثير من دول العالم،حتى وان لم يكن جادا في قيام دوله
فلسطينيه،وانما يراوغ في ذلك، ورأس نتنياهو هي سنده في المراوغه. ثم علينا ان نتذكر رونالد ريجان الرئيس الاسبق للولايات المتحده ،حين جاء الى الحكم قال في تصريح شهير علينا ان نكف على طلب (امريكا المحبوبه)،وان نعمل على وجود (امريكا المحترمه) ،وكانت لهجة فيها من حيث الشكل ،التهديد ،ولذلك ارسل جنوده المارينز الى لبنان 1983 في اطار قوة متعددة الجنسيات،وقيل انها لحفظ السلام خلال الحرب الاهليه،ثم هوجمت تلك القوات بما اسفر عن مقتل 241من القوات الامريكيه و58 من القوات الفرنسيه وستة من المدنيين والمهاجمين،وسرعان ماتم سحب تلك القوات. وهذا يعني انه لم تكن هناك قناعة بمهمة تلك القوات،وانها بالفعل تستهدف السلام ،لا الضغط على جانب لصالح جانب اّخر.يضاف الى ذلك في رصد موازين ترامب ،انه في دورته الأولى برئاسة الجمهوريه ،كان في حاجة الى تعزيز فرصته في دورة جديده،من خلال سياسات ترضى قواعد ومراكز القوى الانتخابيه في الولايات المتحده،اما الآن فان يده حره من تلك القيود،وذلك لا يعني انه سيصطف الى جانب قوى التحررالعالميه،فالوجود الاسرائيلي هام وملح، لتطابق المصالح المشتركه في المنطقه
دون ما تهديد لتلك المصالح،من خلال تزايد عوامل التوتر،بما يمكن ان يؤدي الى تصعيد يضر بتلك المصالح ان لم يدمرها في نهاية الأمر.لقد تعهد ترامب بانهاء الحروب،وبالطبع ليس على حساب المصالح التي يراها تخدم الولايات المتحده وتخدم اسرائيل،دون شطط ومخاطر تؤثر على استقرارها .
وفي عهد ترامب ينتظر ان نري العودة إلى (سياسة خارجية تضع مصالح أمريكا في المقام الأول)وهو تحول حادت عنه إدارة بايدن،والتي أكدت على التحالفات الدولية،وقادت الدعم لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، وان القتال على ارض فلسطين كان بدعم من حلف الناتو سياسيا واقتصاديا وعسكريا.
القضية لفلسطينيه ..الى اين ؟
ليس هناك شعب قاسي،وعاني ،مثل شعب فلسطين ،وليس هناك شعب سفك من الدماء مثل ما تعرض له شعب فلسطين أووقع بين شقى الرحي بين استعمارين مزدوجين (استعمار احتلالي بريطاني،واّخر استعمار استيطاني صهيوني) مثل ماحدث مع شعب فلسطين ،وبذلك اصبح الطريق مفتوحا على مصراعيه امام اكبر محنه صادفها شعب اعزل ،الا من ايمانه بوطنه، ولذلك تعاظمت المحنه،واكتوى الشعب بالكثير من الآلآم .اتذكرمقوله للراحل الدكتور (عصام السرطاوي) وهو احد الكبار الفلسطينيين ،وتم اغتياله في باريس نتيجة للصراع الفلسطيني – الفلسطيني ،وقالها في مركز الدراسات العربيه في لندن في ندوة في اوائل الثمانينات،وذلك بعد ان هاجمت اسرائيل لبنان في استهداف مدبر لضرب الفلسطينيين ،وقد تم ترحيلهم بعد ذلك الى تونس . كان المناخ السياسي مشحونا، و قد بلغ التأثر حده لدى جمهور الحاضرين بقدر كبير من الحزن والأسي ،فوقف عصام السرطاوي صائحا وقائلا ( كفكفوا دموعكم ايها السادة ،وجففوا ماّقيكم ،فلسنا في حاجة الى دموعكم ،ولا حتى مشاعركم، ان فلسطين سوف تتحرر،والذي سيحررها هو الدم الفلسطيني،وليس غيره ) . كانت الكلمات بقدر ماهي قاسيه على المشاعر العربيه بقدر ماهي صادقه ،وها نحن نرى بأعيننا ونسمع باّذننا ،مايجري على الأرض الفلسطينيه من فواجع ،تقشعر من هولها الأبدان ،والى الحد ان العالم كله على اتساعه قد هالته تلك الأباده الجماعيه التي يتعرض لها المدنيون العزل من اي سلاح ،الا من رحمة الله، وشعوره بأحقيته في العيش على ارضه ،ورفضه المطلق للتهجير. لم يتعرض لمثل تلك المحنه ،وان كانت بشكل اّخر،وهو الا شعب الجزائر، فقد استولت فرنسا على ارضه ،واعتبرتها امتدادا لأرضها ،ولذلك فرضت اللغة الفرنسية كلغة رسميه ،واعتبرتها قطعة منها،وثار الشعب من اجل قوميته وديانته ولغته التي تشكل تراثه وثقافته ،ودفع الشعب الثمن في قتاله منذ عام 1830 حتى عام 1962 حيث نال استقلاله. اي حوالي 132 سنه من الكفاح والقتال، واستشد في سبيل هذا الاستقلال اكثر من مليون ونصف جزائري ،وقد قاتلوا في الجبال وفي السهول ،وعلى الأرض ،ودخلوا في حرب المدن والشوارع ،وظهرت بينهم بطولات من الرجال والنساء والشباب ،وراح الكثير من الأطفال ضحايا في القصف بالطائرات والمدافع . ومع ذلك فالفلسطينيون قضيتهم اصعب وامر واكثر تعقيدا،فالجزائريون لم يجر تهجيرهم او محاولة تهجيرهم، لكن الفلسطينيون يراد لهم الرحيل واستبدالهم بالصهاينه . القضية اكثر مرارة ووحشية ،ولذلك فان الارادة هي السلاح الاقوى ،والوحده هي السلاح الأنجز،وطول النفس مدعاة للانتصار. ولكل ذلك فشعب فلسطين هو الرمز لقوة الانسان وصلابته، وصدق القائد الخالد ياسر عرفات حين قال ان شعب فلسطين هو (شعب الجبارين). له السلامه وله ايضا الانتصار.