رحل الشاعر اللبناني أنور سلمان عام 2016 تاركًا إرثًا مهمًّا من الدواوين والقصائد ويعدّ سلمان من شعراء العصر الحديث وقد لمع في سماء الإبداع منذ مجموعته الأولى بعنوان “إليها” التي صدرت عام 1959.
تحمل قصائد أنور سلمان مواضيع غنية بدرجة عالية من الجماليّة، تناول فيها الحب والمرأة والوطن… وكان صوتًا مختلفًا بتجربته الخاصة إذ استخدم لغة قريبة من القارئ والسامع، وقد غنّت ماجدة الرومي من قصائده منها أغنية “عيناك ليال صيفية” كذلك غنّى وائل كفوري أغنية “الحب فنون” من كلماته أيضًا.

تقديرًا له، نال سلمان جوائز عدة منها جائزة أجمل أغنية عربية في مهرجان قرطاج 1994 ومهرجان الرواد العرب 1997 وغيرها…
بعد رحيل والده، أراد نشأت سلمان الموسيقيّ والملحّن ورئيس مؤسسة أنور سلمان، أن يخلّد اسم والده في ذاكرة المبدعين وأن يقدّم للمستحقّين في الثقافة العربية التفاتة وتقديرًا للإبداع إيمانًا منه بالدور الثقافي الذي يحدثه تكريم المبدع والالتفات إلى التجارب المتميّزة.
وفي نسختها الثانية، اختارت مؤسسة أنور سلمان من ضمن “جائزة أنور سلمان للإبداع العربي”، الشاعرة الأردنية الدكتورة في الأدب الحديث في الجامعة الأردنية مها العتوم، والشاعر العماني حسن المطروشي مناصفة وقد اعتمدت لجنة التحكيم المؤلفة من الشاعر شوقي بزيع، البروفيسور زهيدة درويش جبّور، البروفيسور محمود شريح ، والناقد والكاتب سليمان بختي، معايير مهمة ونوّهت بتميّز الفائزين وخصوصيّة تجربة كلّ منهما في التعبير عن الوجود وروح العصر وشعرية واللغة…
وكرّمت مؤسسة أنور سلمان الثقافية الفائزين في جائزة أنور سلمان للإبداع في احتفال أدارته الشاعرة والإعلامية لوركا سبيتي وقد أقيم في قاعة في الجامعة الاميركية في بيروت في مبنى زها حديد -مؤسسة عصام فارس وسط حضور نوعي من المثقفين اللبنانيين والعرب وفي هذه المناسبة تمّ إطلاق كتاب “الديوان الأخير.. قصائد غير منشورة” للشاعر الراحل خليل حاوي وبحضور عائلته.
وسبق لهذه المؤسسة التي اختارت الإبداع مشعلًا لها تيمّنًا بالشاعر اللبناني الراحل أنور سلمان، أن منحت في دورتها الأولى الشاعر الفلسطيني غسان زقطان والمؤلف الموسيقي الشاعر غدي الرحباني والمؤلف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني.
وجائزة أنور سلمان تؤكّد حضور بيروت النوعي بعد الانفجار الذي حلّ بها على الصعيد الإبداعي
حيث أطلقت المؤسسة جائزة طالبية أيضًا تمنحها سنويًا الجامعة لتحفيز الطاقات الإبداعية الناشئة.

وجاء في بيان، أن اللجنة التحكيمية للجائزة بأنها قررت منح الشاعرة العتوم والشاعر المطروشي جائزة أنور سلمان للإبداع في مجال الشعر العربي وقد تمّت عملية الترشيح من قبل مؤسسات أكاديمية وهيئات ومنتديات ثقافية ودور نشر من مختلف الدول العربية وحسب شروط عملية الترشيح.
في كلمة لها، ألقت الدكتورة حسن عبود كلمة دائرة اللغة العربية ولغات الشرق الأدنى في الجامعة الأميركية في بيروت معبرة عن أهمية ربط الأعمال الإبداعية بالأهداف الإنسانية وتشجيعها في عالم يحتاج إلى إعلاء قيمة اللغة العربية وسط هذا العالم الرقمي المتسارع في عالم العودة إلى الصورة وتراجع الفكرة وتحدّثت عن تهديد اللغة الأم والتحديات الثقافية ودور الجامعة الأكاديمي المتصل بالمتخيل الثقافي العام وبالإبداع وبجيل الشباب وغاية التعلم والتعليم بناء الشخصية الوطنية المتلائمة مع الشخصية العالمية من خلال إثراء الشخصية الأدبية. وتحدثت عن معاناة الناس في الوباء العالمي وتهجير الشعوب وانفجار مرفأ بيروت في هذه اللحظة الفكرية والثقافية تزهر الأرواح وتنقشع الغيوم.
أما نشأت سلمان رئيس مؤسسة أنور سلمان فقد قدّر أهمية صمود المؤسسات الثقافية بالرغم من كل الظروف التي مرّ بها لبنان إيمانًا من المؤسسة بدور بيروت كمركز إشعاع وحضاري للمنطقة وعبّر عن تقديره لهذا التعاون مع الجامعة الأميركية في بيروت خصوصًا بأنها أطلقت الجائزة الطالبية “جائزة أنور سلمان للأدب” إلى جانب هذه الجائزة. وتعاون عائلة خليل حاوي لجمع القصائد الأخيرة وإطلاقها في الحفل مع دار نلسن وأثنى على اللجنة التحكيمية وبارك للفائزين.
وفي كلمة للشاعر اللبناني شوقي بزيع قال:
” لقائنا اليوم لا لنحتفي بشاعرين عربيين متميّزين مُستحِقّين لجائزة أنور سلمان للإبداع فحسب بل لنحتفي في الوقت ذاته بقيامة بيروت عنقاء المُدن ولؤلؤة العواصم والجنّة المتلالئة على فوّهات البراكين ولقاؤنا اليوم هو لنشهد بالفم الملآن على أن هذه القاعة على ضيق رقعتها هي التي تمنح لبنان بهائه ومعناه وصورته في مرايا الوعود .. لا تلك القاعات الفارغة والخاوية من المعنى التي يتبارى القتلة فوق منبرها للتنصّل من دم المسيح اللبناني ويمتحن فيها اللصوص أهلية أبنائهم لسرقة المستقبل بعد أن تكفّل الآباء بسرقة الحاضر والماضي. ولقائنا اليوم هو لنؤكد من جديد بأن لبنان ليس مفلساً كما يزعمون حتى ولو أفرغوا خزائنه وجيوب بنيه من الأموال وجنى الأعمار ومحاصيل المرارات وهو لن يعرف طريقه إلى الإفلاس لأن احتياطيه الحقيقي لا تُمثّله السبائك المُرقمة في أقبية مصرفه المركزي بل تمثّله حدوس بناته وبنيه الذين انتفضوا على هيكل فساده المتأصل ويمثله أكثر من أي شيء آخر ذهبُ الاستعارات الذي يلمعُ في مُخيّلات شعرائه ومبدعيه “.
وعرض بزيع لسبب ني الجائزة متحدثًا عن المستوى المتميز للشاعرين عن مجمل نتاجهما الشعري وشدد على القواسم المشتركة بين الشاعرين.
ومن بينها الفرادة والجِدة والجمع الحاذق بين الينابيع الأصيلة للشعرية العربية وبين روح العصر وتحدياته وأسئلته المعقدة تعلن في الوقت ذاته أن الشاعرة الأردنية مها العتوم استحقت جائزتها لما يتسم به شعرها من حساسية عالية إزاء اللغة والحياة والأشياء ومن وعيٍ بكيانها الأنثوي جارح الشفافية وباحثٍ عن فضاءات أرحب وأكثر بهاء لمكابدات الذات الأنثوية المجروحة حيث العلاقة مع الرجل تخرج من الدائرة النمطية للعداء والتناحر الى دائرة الوئام والسكينة والتكامل الانساني. كما أن شعرها يوائم بين الشفافية والعمق معتمداً على ليونة الأوزان وسلاسة التقفيات وعلى الضربات المباغتة للصور والاستعارات. وهو يبدو من بعض نواحيه أقرب الى الهدهدة الأمومية لأحزان العالم وعذاباته من جهة وللانتشاء بمسراته وتشكّلاته الجمالية من جهة أخرى .
أما الشاعر العُماني حسن المطروشي فقد استحق جائزته لما تمتاز به تجربته من غنائية مكثفة تتخفف من الانشاء والشرح والاطناب اللغوي , وتبتعد عن الخطابة والضجيج والتحريض الايديولوجي وإغواء المنبر لتنهل بالمقابل من معين الحياة نفسها بكل ما يكتنفها من مباهج وعثرات ومفارقات. ورغم أن الكثير من قصائده مستلة من أرض الخسارات ومن الترجيعات الشجية للموت والفقدان إلا أن حزن المعنى في بعض قصائده ما يلبث أن يخلي مكانه لفرح الشكل ونشوة الكشف التعبيري .
وحيث تنبثق تجربة المطروشي من التاريخ المحلي ,ومن الروح السلالية للعمانيين غائصة في الذاكرة الجمعية للمكان وأهله فهي تبدو في مواقع كثيرة نوعاً من السيرة الذاتية والبورتريهات الاستعادية لوجوه الشاعر في مراحله الزمنية المختلفة . إضافة الى ما تتمتع به هذه التجربة من رشاقة تعبيرية وتنوع إيقاعي ومزاوجة ناجحة بين ما تُظهره الحواس وما تبطنه الحدوس”
ثم تلا بزيع أبيات من قصيدة “إلى أين تأخذني أيها الشعر” مهداة للشعراء العرب الراحلين.
وألقى أمين سر مؤسسة أنور سلمان الثقافية ورئيس دار نلسن للنشر الكاتب والناقد سليمان بختي كلمة مشتركة عن مؤسسة أنور سلمان الثقافية ودار نلسن متحدثاً عن الإصدار الأخير للشاعر خليل حاوي معلناً عن مبادرة قريباً لمؤسسة أنور سلمان بإطلاق جائزة الرواد .
وقال: “هذا الوقت يشير الى الكلمة، الى الشعر كأرقى رموز الفن. نحتفي ونحتفل ونواصل المسير. نحتفي بالشعر بقضية الشعر من الجامعة الأميركية في بيروت نبع حركات الحداثة والتنوير في الشرق، ولم تزل نار المعرفة على التلة. ومن بيروت مدينة البدايات والبحر والإنفتاح. ومن لبنان ودوره الأثير في النهضة العربية الحديثة.
نهنئ الشاعرة الأردينة د. مهى العتوم والشاعر العماني الدكتور حسن المطروشي بالفوز بالجائزة في دورتها الثانية. وأقول،” انتم في وطنكم، لا الاول ولا الثاني، فبلاد العرب اوطاني”.
وألقى الشاعران مها العتوم وحسن المطروشي كلمة شكر وتقدير في هذه المناسبة.
الصور
1 صورة الجائزة (2).
2 صورة الجائزة.