تعثّر “هدنة رمضان” أسقط مساعي التهدئة
بيروت- غاصب المختار
بعدما كان إنهاء الشغور في رئاسة الجمهورية هو همّ الموفدين والوسطاء العرب والغربيين وشغلهم الشاغل في لبنان، تحولت مهامهم الى مساعٍ على خطين متوازيين: خط حثّ القوى السياسية اللبنانية على التوافق لإنتخاب رئيس للجمهورية، وخط تهدئة جبهة الجنوب بعد التصعيد المستمر فيها منذ شهر تشرين اول / اوكتوبر الماضي، والمخاوف العربية والغربية من تحولها الى حرب اوسع.
تشابكت مبادرات اللجنة الخماسية العربية – الغربية مع مبادرة الموفد الاميركي آموس هوكشتاين والموفدين الاوروبيين الذين زاروا لبنان الشهر الماضي. وتقاطعت مساعيهم الرئاسية مع مساعي “تكتل الاعتدال الوطني” النيابي الذي قدم مبادرة جديدة لتحريك الجمود في ملف رئاسة
الجمهورية وطاف بها على مختلف الكتل النيابية، محاولاً فصل الاستحقاق الرئاسي عن الاستحقاقات الكبرى المتمثلة بالحرب الدائرة على غزة وارتدادها في جبهة الجنوب اللبناني، وقوبلت المبادرة بترحيب معظم الكتل مع بعض الملاحظات على آلية تنفيذها وعلى بعض مضمونها.
لكن الموفدين الاميركي والاوروبيين دمجوا في اقتراحاتهم بين إتمام الاستحقاق الرئاسي وبين تهدئة الجنوب، وبحسب معلومات موثوقة لـ “الحصاد” فإنّ هوكشتاين حمل في جعبته مشروعاً للحل قديماً جديداً، ينسجم مع مضمون ورقة الحلّ الفرنسيّة، ولكن من دون أن يتبنّاها، حيث انّه في جوهره لم يخرج عن مشروع الحلّ السابق الذي طرحه في زيارته السابقة، ويقوم “على الحاجة والضرورة القصوى في هذه المرحلة لإزالة اسباب التصعيد في جبهة الجنوب لمصلحة كل الاطراف، والشروع فوراً بإجراءات (ترتيبات) تطمئن السكان على جانبي الحدود، مرتكزها الأساس التطبيق الكامل للقرار 1701”. بما يعني إبعاد عناصر حزب الله عن الحدود وإناطة مسؤولية الأمن في منطقة جنوب نهر الليطاني الى قوات اليونيفيل والجيش اللبناني بالتعاون والتنسيق مع هذه القوات، وإخلاء المنطقة من ايّ مراكز عسكرية ومظاهر مسلحة خارج اطار الجيش، وإعادة إحياء الاجتماعات الثلاثية في الناقورة والشروع عاجلاً في مفاوضات لحسم النقاط الخلافية.وكل ذلك تمهيداً لطمأنة المستوطنين في شمال فلسطين المحتلة للعودة الى منازلهم.
تحفظ لبناني
وتشير المصادر الى أنّه إلى جانب تحفّظ لبنان على طلب تطبيق اجراءات تثبيت الامن والاستقرار في الجانب اللبناني حصراً، دون أن تقابلها في الجانب الاسرائيلي أي إجراءات مماثلة على الاقل والتزامات جدّية بتطبيق كلي للقرار 1701 ووقف الاعتداءات على لبنان والخروقات لأجوائه البرية والبحرية والجوية، فإنّ من التقوا هوكشتاين لم يلمسوا تطوراً في مشروع الحلّ الاميركي، لناحية حسم الامور التي يعتبرها لبنان الركيزة الأساس لأي حل، أي حسم مصير الجزء الشمالي من بلدة الغجر ومزارع شبعا وتلال كفر شوبا، لجهة الإنسحاب الاسرائيلي الكامل منها. التي أبقاها المشروع الاميركي معلّقة الى مرحلة لاحقة. فيما اسرائيل تحاول دفع الامور الى حرب، بينما المقاومة لم تخرج عن قواعد الاشتباك وتتجنّب ذلك برغم الاستهداف المتتالي من قِبل اسرائيل للمدنيين.
وتفيد المعلومات ايضاً أنّ الموفد الأميركي “تراجع عن شرط إنسحاب قوات حزب الله الى شمال نهر الليطاني” كما تطلب اسرائيل، ولم يذكر هذا الأمر في لقاءاته، بحيث صار كل مطلبه حصول وقف لإطلاق النار، بضمانات من الفريقين، على أن يصار في مرحلة لاحقة إلى البحث في حلّ النقاط الحدودية الست العالقة ضمن إطار اللجنة الثلاثية غير المباشرة برعاية قزة “اليونيفيل” الدولية، بالتوازي مع البحث عن صيغة معالجة للنقطة B1 المهمة استراتيحياً بالنسبة للإسرائيلي.
الفصل بين حربين
وبالنتيجة، يُفهم أنّ جلّ ما يريده هوكشتاين فوراً هو فرض وقف لإطلاق النار في الجنوب لفصل لبنان عن حرب غزة، على أن يصار في مرحلة لاحقة الى البحث في ملف الحدود البرية مقابل إعادة إعمار الجنوب. لكن الرئيس نبيه بري ابلغه ان لبنان يلتزم بالقرار 1701 شرط ان يكون من الجانبين.
ولكن المصادر اعتبرت أن الأهم مما قاله هوكشتاين في الكواليس هو البيان (المكتوب) الذي تلاه من عين التينة ويحمل تهديداً واضحاً حينَ قال “إن الهدنة في غزة لا تعني بالضرورة هدنة في الجنوب، وأنه في حالة نشوب حرب عبر الحدود الجنوبية للبنان فإنها لن تكون قابلة للاحتواء، بمعنى أن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على منعها”. كما ربط هوكشتاين في لقاء سريع في مطار بيروت مع وزير الطاقة والمياه وليد فياض بين مساعدة لبنان في استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الاردن الذي وعدت به الادراة الاميركية منذ سنتين تقريباً، وبين وقف المواجهات في جبهة الجنوب، في ضغط واضح ومباشر على لبنان.
تعثر الهدنة… والتهدئة
وأفادت المعلومات ان هوكشتاين أكد في معرض حديثه في بيروت مع مضيفيه بأن الحرب في غزة اخذت تشكل عبئا على الادارة الاميركية. وتحدث عن امور قد تساعد على التوصل الى هدنة في غزة في شهر رمضان. ولم يخفِ ضرورة تمدد هذه الهدنة الى جنوب لبنان. لكن بدا ان هدنة رمضان تعثرت (حتى كتابة هذه السطور في الثاني من ايام رمضان) نتيجة تصلب الكيان الاسرائيلي، فتعثرت بالتالي محاولات تهدئة جبهة الجنوب، وعاد هوكشتاين الى واشنطن على امل استئناف مفاوضات الهدنة.
بعد ذلك تصاعدت المواجهات العسكرية في الجنوب، وانتقلت الى منطقة البقاع حيث نفذ طيران العدو غارات مطلع اذار/ مارس الماضي،على مناطق بعلبك مستهدفاً اهدافا ادّعى انها لحزب الله، الذي رد بتوسيع نطاق قصفه قواعد وثكنات عسكرية ومرابض مدفعية اسرائيلية في الجولان المحتل بمئات الصواريخ، بالتزامن مع استمرار التهديدات الاسرائيلية بعملية عسكرية واسعة في الجنوب تم وضع خطتها والتدريب عليها في شهر شباط/سبتمبر.
مبادرة رئاسية وتحفظات
وعلى خط الاستحقاق الرئاسي، اشارت المصادر المتابعة المطلعة على اجواء اللقاء بين هوكشتاين والرئيس نبيه بري، الى أنّ الملف الرئاسي لم يغب عن هذه محادثات، حيث اكّد الوسيط الاميركي على الحاجة الملحّة لحسم سريع لهذا الملف، بما يؤدي الى انتخاب رئيس للجمهورية يواكب تطورات المرحلة المقبلة.
وعلى خطٍ موازٍ،اجمعت غالبية الكتل النيابية على اعتبار مبادرة “تكتل الاعتدال” إيجابية من حيث انها اعادت الى الاستحقاق الرئاسي “رونقه” اللبناني الداخلي تحاشياً للإملاءات والشروط الخارجية، لاسيما وان العديد من الوفود الغربية التي زارت لبنان حثّت القوى السياسية اللبنانية على المسارعة إلى انتخاب رئيس الجمهورية نظراً لدوره المرتقب في التسويات التي يجري الحديث عنها في المنطقة، والتي تجري المفاوضات حولها حالياً بالحديد والنار، وهوما اثار مخاوف الكثيرمن القوى السياسية من فرض الخارج رئيساً للبنان ينصاع لمصالح الخارج اكثرمن مصالح لبنان وشعبه. لذلك تشدَّدَ البعض، وطرح البعض الآخر هواجس واسئلة علّه يحصل على ضمانات وتطمينات بأن لا تكون اي تسوية على حسابه في الداخل اللبناني.
اما في ما خصّ تفاصيل لقاءات نواب كتلة الاعتدال مع الكتل النيابية، فكان البارز فيها اللقاء مع الرئيس بري ورئيس كتلة حزب الله النيابية محمد رعد ونواب المعارضة. وحيث ظهرت اعتراضات من ثنائي”حركة امل وحزب الله” على الآلية المقترحة لعقد اللقاء التشاوري النيابي الذي يسبق جلسة انتخاب الرئيس، إذ اصرّ الرئيس بري على ان تكون الدعوة من الامانية العامة لمجلس النواب لا من النواب وان يرأس الجلسة هو اونائبه الياس بو صعب، وهوما رفضته قوى المعارضة، فتعثرت مبادرة “كتلة الاعتدال” مجدداّ.
وسبب اعتراض برّي كان حول رفضه جعل جلسات انتخاب الرئيس مفتوحة بلا زمن محدد، لأن ذلك يعني شلّ عمل مجلس النواب التشريعي. وأكّد بري امام زواره من صحافيين ونواب، “انّه إذا تعذّر التفاهم على هوية الرئيس المقبل في سياق اي حوار أو تشاور مفترض، فهو مستعد لعقد جلسة انتخابية بدورات متتالية أولى وثانية وثالثة ورابعة، ولكن في حال لم نتمكن خلالها من انتخاب رئيس فمن واجبي ان اقفل محضر الجلسة ثم
احدّد موعداً لجلسة أخرى في وقت قريب. وينبّه بري إلى انّ الإبقاء على الجلسة مفتوحة من شأنه ان يشكّل مخاطرة كبيرة لأنّه يعطّل الدور التشريعي للمجلس النيابي، في حين انّه أصبح المؤسسة الدستورية الوحيدة التي لا تزال منتظمة”.
اما عضو التكتل النائب سجيع عطية فقال لـ “الحصاد”: ان جولة الكتلة على القوى السياسية كانت بالاجمال إيجابية وموفقة، وان التكتل سبق واعلن ان الدعوة للجلسة التشاورية تكون من المجلس النيابي، اما باقي التفاصيل الشكلية فلا نعتبر انها تشكل عائقاً طالما يمكن مناقشتها والاتفاق عليها. كما اوضح ان نواب المعارضة وافقوا على مضمون المبادرة، فيما طرح حزب “الكتائب” وكتل اخرى ضرورة توفير ضمانات بعدم تراجع اي كتلة عن موقفها بعد الجلسة التشاورية، لكننا نعتقد ان احداً لا يملك مثل هذه الضمانة، والامر بحاجة لنقاش اضافي.
اضاف: يمكن اختصار الجو العام لحراك التكتل بأنه “ممتاز” بسبب تحريك المياه الراكدة والاطلاع على مواقف الكتل وهواجسها، على ان نناقشمع الجميع لاحقاً مايمكن وصفه “الضوابط” والتفاهمات حول شكليات المبادرة.
اماعضو التكتل احمد الخير فقال لـ “الحصاد”: ان حزب الله لم يتوقف كثيراً عند التفاصيل الشكلية للمبادرة ولو ان النائب رعد طرح بعض الاسئلة لكنه رعد كان وشفافاً في طرح الهواجس والاسئلة لا سيما حول ما يتعلق بشخص الرئيس العتيد، ونحن قدمنا اجوبة صريحة وواضحة وشفافة، معتبرين ان المبادرة هي نقطة التقاء بين مختلف القوى السياسية ونحن بإنتظار جواب كتلة الوفاء للمقاومة لنقوم بجولة ثانية نشرح فيها كل التفاصيل الاجرائية والشكلية للمبادرة.
اي رئيس يريد؟
وفُهِم من اوساط مطلعة على جو حزب الله، “انه خاض تجربتين مع رئيسين للجمهورية: واحدة مشجعة وإيجابية مع الرئيس العماد اميل لحود، وأخرى سلبية وغير مشجعة مع الرئيس ميشال سليمان، لذلك هو حريص على اختيار رئيس للجمهورية لا يطعن المقاومة في ظهرها”.
في الخلاصة، ما يمكن استنتاجه من جولة “تكتل الاعتدال” هو انّها أفضت إلى تثبيت حقيقة معروفة، وليس تغييرها، وهي انّ اللحظة المؤاتية لانتخاب الرئيس لم تنضج بعد، في انتظار تلاقي المسار الداخلي مع المسار الخارجي في التوقيت المناسب.