كل لوحة تروي حكاية… ولكل إنسان لون وقصة

الفنانة التشكيلية ميشلين نهرا لـ”الحصاد”:

في رحاب عالم الفنّ والرسم المليء بالحكايات والأفكار والتجليّات، يبرز دوماً فئة متميزة، تجعلك رغماً عنك، تقف عند أعمالها ولوحاتها وتتسأل مع نفسك: “ما هذا الإبداع”؟ وقد يحمل السؤال صيغة التعجّب أو الاستغراب وفي كلاّ الحالتين، يكون الفنان قد نجح في جذبك نحو عالمه عبر ريشته، وهذا ما سيحلّ عند وقوفك أمام لوحات الفنانة اللبنانية ميشلين نهرا، التي لا تسعى لجذب الانتباه أو تحريك ما في ساكنك، بل هي تترجم داخلها بطريقتها، وهي من الأسماء التي تعبّر عن الإنسان، الوطن، الذاكرة، الهوية والثقافة، بأسلوبها الفنّي الفريد دون تكلّف أو صعوبة.

جوانب المجتمع اللبناني وأحداثه اليومية على امتداد متلاصق مع لوحاتها

تجد، في لوحاتها، الكثير من الكلام بصمت، والعديد من الأفكار بصخب الألوان، فهي تحب الألوان ولا تدرجها في فئات محددة بل تطلق لها العنان بحرية على أطراف اللوحات، واللون بالنسبة لميشلين يتحاور، يتقاطع، ويتدرّج ليخدم رسالة لوحتها، وتعتمد على مزج الألوان الباردة والدافئة ما يخلق تبايناً حيوياً يلفت النظر ويوجّه المشاعر.

تجيد الوصف جيداً، حين تكون الريشة أداتها لذلك، كما تتفوّق في التعبير حين توجد اللوحة، وتنتج أعمالاً تمثّل مشهديّة فنية تحكي الواقع، والحال وصباحات الأيام.

موهبتها، هي الشرارة الأولى، أو بداية الطريق لكنها لا تكتفِ لتصنع فناناً بالنسبة لنهرا، بينما الإبداع هو ما يحوّل الموهبة إلى رسالة ورؤية خاصة لا تشبه سواها. الفنان الحقيقي لا يسعى لإدهاشك لكنه يدهشك بإبداعه، فذلك الإبداع، كما الحال عند نهرا، هو روح وجوهر الفنّ الذي يمنح الفنان بصمة لا تُنسى.

“الجميع بمقدرته تعلّم الرسم لكن قلّة فقط هم من يملكون روح الفنان”

شغف البدايات

بدأت حكايتها مع شغف الرسم حين كانت صغيرة، 13 عشر سنة، آنذاك رسمت بلا قواعد، اتبعت حدسها وعبّرت عن الواقع بطريقة فطرية، إلى أن اكتشفت موهبتها وثقلتها بالتقنية حتى أصبحت الريشة امتداداً لروحها ومساحتها الخاصة.

حيث تقول: “منذ صغري أحببت الأعمال اليدوية، الألوان والرسم، تأثرت كثيراً بالرسوم المتحركة، فبرأيي، كلّ ما يُصنع باليد هو نتاج مهارة بشرية مباشرة، تجمع الإبداع والدقّة، وتعكس روح الصانع وعنايته بالتفاصيل. هذا ما يتميز به الرسم، أن الأعمال لها طابع فريد لا يتشابه مع أي عمل آخر اذ تحمل أثر اللمسة الشخصية وتقدّر قيمتها الإنسانية والجهد

الفنانة التشكيلية ميشلين نهرا

اليدوي الخالص”.

شغف الرسم لديها، ليس مجرد حب للفنّ بل هو طريقة للتعبير، ولرؤية العالم بعين مختلفة أكثر حساسية، أكثر صدقاً. اذ تعبّر قائلة: “الجميع قادر على تعلّم تقنيات الرسم لكن قلّة من يستحقون لقب فنان”.

البورتريه والكاريكاتير… ابتكار جذاب

تركّز أعمالها ولوحاتها على رسم البوتريه بطريقة تهكمية ساخرة، أي تعتمد أسلوب المضحك المبكي حين تنقل مشكلة أو حدث من الواقع، وتنوي بذلك تسليط الضوء على جوانبه، فيبرز بوضوح دفاعها عن احترام الذات البشرية باختلاف جنسها، لونها شكلها وصفاتها، ترفض التنمّر والحكم المسبق بين الأشخاص، تولّي للذاكرة والحنين والإنسان أهمية كبيرة في أعمالها، ولا تنس الوطن وثقافاته المختلفة بدءاً من الحرب إلى الاغتراب وصولاً إلى معالم المجتمع اللبناني وتنوعه. هذا وقد سبق أن حظيت لوحتها الشهيرة لطائرة تابعة لشركة الطيران الشرق الأوسط لها لسان ممدود أثناء تحليقها ومتابعة مسارها الجوي رغم القصف الإسرائيلي على لبنان وهي لوحة تعبيرية، لاقت ضجة واسعة على مواقع السوشيل ميديا حيث أنها صوّرت الواقع كما هو بشكل ساخر وقريب للمتلقي.

بالعودة إلى السياق الأساسي، رسم البوتريه لدى نهرا هو التقاط الروح خلف الملامح، لا تكتف في إعادة تصوير الوجه بل تغوص في أعماق الشخصية التي تود ابرازها. الدقة في التفاصيل، لفت الانتباه إلى تعبيرات الوجه الدقيقة، وتجسيد العاطفة والمزاج من خلال الظلال والخطوط.

اللافت، في لوحات نهرا، ليس البوتريه فحسب، إنما ذلك المزيج بين البوتريه والكاريكاتير، حيث يتجانسان فيما بينهما ليجمعا بين الدقّة والسخرية، الواقع والخيال. وتقول عن ذلك: “يضفي الكاريكاتير روحاً مرحة ومبالغة ذكيّة في تفاصيل

إسقاطات تجريدية تعبيرية متعددة الوجوه

معينة من تعابير الوجه ليكشف جانباً خفيّاً من الشخصية، اذ يصنع البوتريه مع الكاريكاتير حكاية مرسومة تحفظ الملامح وتضيف نبضاً ساخراً يلامس المتلقي بعفوية ودهشة”.

وعن سؤالها كيف تؤثر الحالة اللبنانية على أعمالها، تقول: “في الرسومات التي تدور حول الأحداث أو المجتمع اللبناني أتقصّد على إظهار العلامات اللبنانية كالأرزة أو الطربوش، فهي تشكّل ذاكرة بصرية جماعية للبنانيين، كلّ لوحة تروي حكاية هذا المجتمع المتنوع المليء بالصوت والصورة والحلم”.

لغة اللاشكل… إحساس يُرى ولا يقال

بالحديث عن الأسلوب والتقنية تظهر بقوة مهارة نهرا في استخدام الفنّ التجريدي المعاصر لا يعتمد على الشكل التقليدي بل يتجاوز الإطار المألوف ليجسّد الفكرة قبل الصورة. تتداخل في تقنيتها، تصاميم الخطوط الحرة، وألوان متباينة تنساب بانسجام غير متوقع وكأنها رحلة داخلية نحو العمق والمعنى.

وتقول عن ذلك: “أعتمد من خلال  الأسلوب التجريدي على التحرر من الشكل التقليدي، فأنا أرسمك كما أنا أراك لا كما أنت، وبمقدرتي رسمك كما أنت، لكن تبقى الصورة هنا بلا رسالة أو لغز، لذلك أعتمد على التعبير عن الجوهر من خلال الشكل، اذ يصبح الوجه رمزاً للمشاعر أو لذكرى، وأعتمد المرونة اللونية والخطية اذ يكونا غير مقيدين ما يتيح التعبير أكثر عن الانفعالات، كما أركّز على إثارة الفضول والتأويل لزيادة التفاعل بين العمل والمتلقي”.

“أتعمّد التعبير عن الجوهر من خلال الشكل اذ يصبح الوجه رمزاً للمشاعر أو للذكرى”

أبعد من اللوحة… ما الرسالة؟

تشتهر نهرا باستخدام عبارة “ماذا في ذلك؟” وترفقها مع غالبية لوحاتها، وهي عبارة تلفت انتباه المتلقي لهدف اللوحة الذي يتخطّى حدود الخطوط والشكل، وفيها تدافع عن حرية الأشخاص في التعامل مع أنفسهم، أجسامهم، ملابسهم دون التعرض للانتقاد، كما أنها مدافعة من الصفوف الأولى عن الفروقات الإنسانية الاجتماعية والاقتصادية بين الناس، وتقول عن ذلك: “لكلّ إنسان لون وظلّ وقصة. الفروقات في العرق والثقافة والمستوى الاقتصادي ليست حواجز بل

الإبداع هو الصفة الأساسية لصناعة روح الفنان

جسوراً تعبر بنا إلى فهم أوعى للإنسانية وهو بالتالي بكلّ بساطة ما أحاول إيطاله عبر مواضيع لوحاتي في توجيه رسالتي الإنسانية والفنية. اذا استطعنا احترام الاختلاف بيننا كأفراد نكون قد حققنا أعلى سمات الإنسانية والاعتراف أن العدالة لا تكتمل إلا حين يجد كلّ فرد مكانه في لوحة المجتمع، مهما اختلفت ألوانه وظروفه”.

ولتحقيق ذلك، أي ضمان وصول الرسالة للمتلقي، تعتني نهرا جيداً باستخدام الألوان، وتستخدم اللون الأزرق كلون أساسي للوحات، ثم توجّه عين المشاهد من خلال توظيف الخطوط أفقية كانت أم عامودية نحو العنصر الأساسي، وتلعب الرمزيّة عنصراً مهماً في توجيه الرسالة أي ادخال مكوّنات ثقافية أو نفسية عتد التنفيذ.

الفنانة ميشلين نهرا في أسطر

فنانة لبنانية معروفة بلوحاتها الفنية المميزة التي تجمع بين التصوير والتجريد. تشتهر نهرا بمزجها بين الجنون والجمال في فنّها التصويري الغريب، الذي يعكس فوضى حياتنا العصرية.

يتضمّن فنّها الحيوي ضربات فرشاة جريئة وديناميكية، تعكس إحساساً بالحركة والحيوية. يتميز فنّ ميشلين نهرا بالألوان والحريّة والعفوية، مع تقنية شخصية.

لوحتها الشهيرة التي رسمتها خلال الحرب على لبنان

دفعها اهتمامها بلوحاتها البديهية، كمحبّة للفن، إلى دراسة الفن، وتخرجت من الجامعة اللبنانية للفنون الجميلة.

شاركت في العديد من المعارض الفنية الجماعية في لبنان، وشاركت في مزاد في نيويورك.

أقامت أول معرض فردي لها في بيروت عام ٢٠٢٢.

يُعتبر فنّها هبة كرّست نفسها لها بالكامل.