أسرار النهضة الألمانية

الدكتور ابراهيم الحريري

 »إما أن تكون ألمانيا قوة عالمية أو لا تكون، وحده الذي يملك الشباب يربح المستقبل«.

(أدولف هتلر)

 »ا« المشكلة هي، بطبيعة الحال، أن مجموعات المصالح هذه تطلب جميعها جراء تغييرات، ولكن حماسها للتغيير يختفي بسرعة عندما يؤثر على  »جوهر مصالحها الخاصة«.

(أنجيلا ميركل)

موطن ألبرت أينشتاين وبتهوفن، وكارل ماركس وغوته، وهيسه ومارتن لوثر، ومايكل شوماخر، ومسعود أوزيل، وأدولف هتلر ولودفيغ إيرهارت، وهلموت كول وأنجيلا ميركل ومخترعي الكولونيا وماكينة الطباعة، وأشعة إكس، والثالثة عالميّاً بالحصول على جائزة نوبل (130 جائزة) أكثر دول العالم تسجيلَ براءات الاختراع.

والاقتصاد الرابع عالميّاً والأول أوروبيّاً، المساهم الأكبر بالاتحاد الأوروبي والمساهم الثالث للأمم المتحدة والثالث لاستقطاب المهاجرين، أقدم منتج للسيارات والسرعة مفتوحة بين مدنها، والفائز أربع مرات ببطولة العالم لكرة القدم وعضو في العديد من المؤسسات الدولية، الاتحاد الأوروبي ومجموعة الثمانية، ومجموعة العشرين، حلف شمال الأطلسي، منظمة التعاون والتنمية ومنظمة التجارة العالمية إنها جمهورية ألمانيا الاتحادية.

ماذا نعرف عن ألمانيا؟

ألمانيا بلد يقع في قلب أوروبا الغربية. تحدها الدنمارك وبولندا وتشيكيا والنمسا وسويسرا وفرنسا ولوكسمبورغ وبلجيكا وهولندا وبحر الشمال وبحر البلطيق. تتمتع ألمانيا بموقع إستراتيجي على سهل شمال أوروبا، وعلى طول مدخل بحر البلطيق.

نظام الحكومة جمهورية اتحادية فيدرالية. رئيس الدولة هو الرئيس، ورئيس الحكومة هو المستشار. تتمتع ألمانيا بنظام اقتصادي مختلط يتضمن مجموعة متنوعة من الحرية الخاصة، إلى جانب التخطيط الاقتصادي المركزي والتنظيم الحكومي.

ألمانيا عضو في الاتحاد الأوروبي، أكبر مساهم مالي في ميزانية الاتحاد الأوروبي (حيث تقدم 20 من ميزانيته) وثالث أكبر المساهمين في تمويل الأمم المتحدة (حيث تقدم 8 من ميزانيتها). ألمانيا عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومجموعة الثمانية، ومجموعة العشرين، والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

بمساحة 357021 كيلومتراً مربعاً وعدد سكان يفوق 83 مليوناً، وبنسبة بطالة 3، ومعدل نمو 5، ومعدل ضرائب الشركات 49، ومعدل الفائدة 4.3. الناتج المحلي الإجمالي تجاوز 4117 مليار دولار، ومعدل دخل الفرد تجاوز 49692 دولاراً لتحتل المرتبة الرابعة عالميّاً بالقيمة الاسمية، والرابعة من حيث القوة الشرائية بقيمة تجاوزت 5806 مليارات دولار عام 2019.

حسب المادة 20 من الدستور تعدّ ألمانيا جمهورية، فيدرالية، برلمانية ديمقراطية تمثيلية. يقوم النظام السياسي في ألمانيا على دستور تم وضعة في 1949 يسمى بالقانون الأساسي، تعد من أقوى دول الاتحاد الأوروبي، وأوسعها نفوذاً.

العاصمة برلين وعملتها اليورو. اللغة الألمانية وهي اللغة الرسمية في البلاد، أما أكثر اللغات المستخدمة من قبل المهاجرين في ألمانيا فهي: التركية، والسريانية والكردية والبولندية، واللغات البلقانية، والروسية، والعربية، والعرقيات 81 ألمان، و7 أوروبيون، و5 تركيا والشرق الأوسط، و2 آسيويون، و5 مجموعات أخرى، والدِّين يقسم على 60 مسيحيين (يدفعون ضريبة بين 4-10 للكنيسة لتسميتهم) و7 مسلمين، و33 لا يتبعون ديانة معينة.

من ناحية أخرى هناك أعداد كبيرة من السكان الذين يتحدرون من أسلاف الألمان موجودون في الولايات المتحدة (50 مليوناً)، البرازيل (5 ملايين) وكندا (3 ملايين).

من خلال دراستنا للنهضة الألمانية سنقسم هذه النهضة إلى أربع مراحل:

المرحلة الأولى: 748-1918 مرحلة التأسيس والاتحاد:

الملك شارلمان الكبير (748 – 814) مؤسس مملكة الفرنج وقسمت بعد موته إلى فرنسا الحالية، ومملكة ألمانيا، والتي ضمت المناطق الألمانية وأراضي النمسا وسويسرا وشمال إيطاليا وبوهيميا (تشيكيا) وهنغاريا، وبسبب الضعف انفصلت كل من مناطق سكسونيا وبافاريا وسوابن.

تمثل حركة الإصلاح الديني التي كان لها أعظم الأثر على التطورات السياسية والفكرية اللاحقة في القارة الأوروبية مرحلة فاصلة في التاريخ الألماني والأوروبي. وتعود بداية الإصلاح إلى عام 1517 عندما أقدم الراهب مارتن لوثر على نشر أفكاره المناهضة للسلطة البابوية وتعليقها على أبواب إحدى الكنائس في مدينة فيتنبيرغ شرق ألمانيا معلناً بذلك الحرب على صكوك الغفران. وقد ردَّ بابا الفاتيكان على هذا الهجوم بطرد لوثر من الكنيسة الكاثوليكية واتهامه بالهرطقة ما ساهم في توسيع القاعدة الاجتماعية لحركة الإصلاح الديني.

كما شهدت تلك الفترة تنصيب الملك كارل الخامس من سلالة هابسبورغ الذي انشغل بالحروب والنزاعات مع الدولة العثمانية، ومع فرنسا وبابا الكنيسة الكاثوليكية؛ ما أفسح المجال أمام انتشار حركة الإصلاح الديني لتصبح الكنيسة الإنجيلية (البروتستانتية) بذلك العقيدة السائدة في الكثير من المدن الألمانية.

وأدى انتصار بروسيا على فرنسا ولأول مرة في التاريخ عام 1871 أفضى بالألمان بقيادة المستشار بسمارك إلى الاتفاق معها على إعادة توحيد ألمانيا.

وجاءت شرارة الحرب العالمية الأولى عندما أقدم صربي متطرف على اغتيال ولي العهد النمساوي فرانس فرديناند في الثامن والعشرين من حزيران/يونيو عام 1914 في سراييفو. ورغم النجاحات الأولى للجيش الألماني في المعارك مع قوات الحلفاء، إلا أن طول أمد الحرب حولها إلى حرب خنادق استخدمت فيها مختلف الأسلحة، وبما فيها الأسلحة الكيماوية، وأسفرت عن خسائر فادحة في الأرواح لدى الطرفين.

وقد أدى تلاشي الأمل بتحقيق نصر عسكري سريع في نهاية المطاف إلى تعميق الأزمة السياسية في ألمانيا.

المرحلة الثانية: 1918- 1945 مرحلة النهضة الأولى:

انتهت الحرب العالمية الأولى بعد أن استمرت لمدة أربع سنوات متواصلة، وتحددت مع نهايتها الأطراف الخاسرة. ففي قصر (فرساي) بباريس في 28 يونيو 1919، تم توقيع معاهدة الاستسلام التي أدّت إلى إنهاء وجود (إمبراطورية النمسا والمجر) من خريطة أوروبا، وتحوّلت ألمانيا من إمبراطورية إلى جمهورية، وأصبحت الإمبراطورية العثمانية مجرد تاريخ بعد تقسيم ممتلكاتها بين الدول المنتصرة.

سميت أول ديمقراطية برلمانية ألمانية بجمهورية فايمر نسبة لمدينة فايمر التي شهدت انعقاد الجلسة الأولى للجمعية الوطنية في 6 شباط/فبراير 1919، وذلك بهدف إعداد دستور ديمقراطي جديد. وإذا كان نشوء هذه الجمهورية يرتبط بالنتائج المباشرة للحرب العالمية الأولى، فإن سقوطها بعد أربعة عشر عاماً جاء نتيجة لصعود النازية بقيادة أدولف هتلر.

شكلت وفاة السياسي البارز غوستاف شتريسمان في تشرين الأول/أكتوبر عام 1929 بداية النهاية لجمهورية فايمر.

برز بشكل خاص أدولف هتلر وحزبه الاشتراكي القومي الذي استغل تراجع الثقة بالديمقراطية النيابية للتبشير بفكرة الرجل القوى القادر على حل المشاكل. ورغم أن (حزب الرايخ الاشتراكي) الحزب النازي خسر في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر 1932 أكثر من مليوني صوت مقارنة بالانتخابات السابقة في تموز/يوليو من نفس العام إلا أنه بقي أقوى حزب.

وهو ما مكنّ هتلر في نهاية المطاف من تولي منصب المستشار في 30 كانون الثاني /يناير 1933، وذلك بدعم من قبل بعض القوى اليمينية التي توهمت بأنها ستستطيع استغلال هتلر لمآربها الخاصة.

وبهذا بدأت هذه الحقبة المظلمة في تاريخ ألمانيا، والتي انتهت في أيار / مايو 1945 بسقوط النظام النازي تحت ضربات قوات الحلفاء مخلفاً وراءه عشرات الملايين من الضحايا ودماراً لا يوصف.

المرحلة الثالثة: 1945- 1990 مرحلة النهضة الثانية:

بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، واستسلامها في 8 مايو 1945م كانت الأوضاع الاقتصادية والمالية كارثية نتيجة للأضرار الجسيمة التي ألحقتها الحرب ببنيتها الأساسية وبمرافقها الاقتصادية، ونتيجة للديون والمبالغ الطائلة التي تعهدت ألمانيا بدفعها كتعويضات لدول الحلفاء المنتصرة.

دُمِّر ثلثا البلاد بالكامل خاصة المدن الألمانية الكبرى التي سويت أكثر من نصف مساكنها بالأرض، مدينة كولن لم يبق منها إلا ثلثها، وفي هامبورغ دُمِّر 300 ألف منزل، أما مدينة دريزدن، فإن بعض الدراسات تُقارنها أحياناً بهيروشيما، وفقدت ألمانيا 3.3 مليون عسكري و3.8 ملايين مدني، وبلغ عدد أسرى الحرب الألمان نحو 11 مليون أسير، بقي 6 ملايين منهم في المعسكرات السوفييتية حتى عام 1948، وأرسلت قوات الحلفاء عدة ملايين من الأسرى الآخرين إلى كل من فرنسا وبولونيا وإنكلترا للعمل بالسخرة من أجل إعادة بناء هذه الدول، وإصلاح ما دمرته جيوش النازية.

كان التحدي الأول الذى جابهته ألمانيا المدمرة والمحتلة بعد الحرب هو نقص الرجال (عدد سكان ألمانيا بعد الحرب 27 مليوناً، منهم 20 مليوناً من النساء) وينظر الألمان بفخر كبير للدور الذي قامت به المرأة الألمانية في هذه الفترة الصعبة التي برزت فيها ظاهرة (نساء الأنقاض).. فقد وجدت النساء الألمانيات أنفسهن مع أطفالهن بلا مأوى، ولا مأكل ولا مشرب، لكنهن شمرن عن سواعدهن، وكانت مهمتهن الأولى هي استخراج الحجارة السليمة من بين الأنقاض لإعادة استخدامها مرة أخرى في البناء، وإخلاء الأبنية والشوارع من الأنقاض، ونقلها إلى خارج المدن.

وكذلك العمل في المصانع التي لم تتضرر من القصف، وعاش الألمان ثلاث سنوات بعد الحرب في ظروف تشبه المجاعة مع تقنين الغذاء، وانعدام الرعاية الصحية والطبية بعد حل الصليب الأحمر الألماني ونقص المحروقات للتدفئة في الشتاء القارس، فتضاعفت معدلات الوفيات عما كانت عليه أثناء الحرب نفسها، ورغم ذلك تضافرت جهود النساء مع اللاجئين الوافدين من عدة بلدان في أوروبا الشرقية وتركيا لإزالة آثار الدمار وإعادة بناء ما يمكن بناؤه.

خلال السنوات الأولى التي أعقبت الحرب فقدت العملة الألمانية (المارك) قيمتها ومكانتها كعملة متداولة، وكان التعامل يجري غالباً) بعملات دول الحلفاء المكلفة بإدارة المناطق الأربعة التي قسمت إليها الدولة الألمانية بعد استسلامها عام 1945. وهذه الدول هي: الاتحاد السوفييتي- الولايات المتحدة- بريطانيا- فرنسا.

وفي شهر أيار من عام 1948 قررت الدول الغربية توحيد المناطق الثلاث التي كانت تحت إدارتها لتشكل ما سمي (ألمانيا الغربية).. أما المنطقة التي كانت خاضعة لسيطرة الاتحاد السوفييتي فأصبحت منذ عام 1949 (ألمانيا الشرقية).

وقد أدى اختلاف الظروف والتطورات السياسية في كل من الألمانيتين إلى اختلاف أوضاعهما الاقتصادية.. وفيما لم تفلح ألمانيا الشرقية.. فإن اقتصاد ألمانيا الغربية أصبح وخلال فترة قصيرة لا تتعدى عشر سنوات من أكثر اقتصاديات العالم تطوراً وازدهاراً.

ويرى الخبراء أن العامل الرئيسي الذي أدى إلى تعثر التقدم الاقتصادي في ألمانيا الشرقية كان السياسة الاقتصادية المركزة التي انتهجتها بإيحاء من الاتحاد السوفييتي الذي كان يجد في وجود الفقر والبطالة تربة خصبة لانتشار الشيوعية.. إضافة إلى عوامل أخرى أهمها: إقدام الاتحاد السوفييتي على نقل العديد من المصانع ووسائل الإنتاج الصناعية من ألمانيا الشرقية إلى المناطق السوفييتية ليعوض نفسه عن الخسائر التي لحقت به أثناء الحرب.

إضافة إلى أن رفض الاتحاد السوفياتي الانضمام إلى مشروع (مارشال) حرم ألمانيا الشرقية من المساعدات المالية الأميركية التي تمتعت بها كل دول أوروبا الغربية.

مشروع مارشال هو مشروع اقتصادي وضعه الجنرال جورج مارشال لإعادة إعمار أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، والجنرال جورج مارشال كان رئيس هيئة أركان الجيش الأميركي أثناء الحرب العالمية الثانية، وأصبح بعدها وزير الخارجية الأميركي في كانون الثاني 1947، أعلن مارشال بنفسه هذا المشروع في 5 حزيران 1947 في خطاب أمام جامعة هارفرد، وشكلت حينها هيئة أطلق عليها (منظمة التعاون الاقتصادي الأوروبي) للإشراف على إنفاق 13 مليار دولار أميركي لإعادة إعمار وترميم وتوسيع البنية التحتية، وإعادة بناء وتشغيل الاقتصاد وتطوير المشاريع الصناعية الأوروبية، حصلت ألمانيا الغربية منها على حوالي مليار ونصف دولار، فيما لم تحصل ألمانيا الشرقية على أي شيء.

إضافة إلى تلك المساعدات الأمريكية كان العامل البشري هو العامل الحاسم وبدونه ما كان هناك نهضة، فقد أظهر الألمان في ألمانيا الغربية رغم انكسارهم في الحرب ووجودهم تحت احتلال فعليٍّ رغبة وإصراراً كبيرين على العمل الشاق وفقاً لنظام والتزام صارمين، وسرعان ما استعادت ألمانيا الغربية الكثير من قوتها العاملة المؤهلة من خلال اسرى العائدين لبلادهم، فضلاً عن علماء ألمانيا ومهندسيها وأساتذة الجامعات فيها، وخيرة أبنائها الهاربين من النظام النازي الذين قرروا العودة إلى بلادهم من جديد للمساهمة في عملية إعادة البناء، ولا ننسى دور الكوادر المهاجرة الذين قدموا عام 1955، وقاربوا حوالي 14 مليوناً من إيطاليا وإسبانيا، والبرتغال واليونان، وتركيا والمغرب، وتونس.

ويشير المؤرخون الألمان إلى روح التضحية والعمل الجماعي التي تميَّز بها الألمان في هذه المرحلة، فقد تراجعت التوترات الاجتماعية بين اللاجئين من أصول ألمانية وبين الألمان أنفسهم وانخرط الجميع في بناء الدولة الجديدة، كما ساهمت النقابات في ذلك بعدم المبالغة في مطالبها لزيادة الرواتب وتراجعت المطالب الفئوية أمام تحدي بناء ألمانيا الجديدة.

لقد تمكن الألمان الغربيون خلال خمس سنوات فقط من العمل الدؤوب والشاق من التغلب على تحديات جمة ووضعوا بلادهم المدمرة على طريق الانطلاق الاقتصادي.

ورغم إجبار ألمانيا على دفع تعويضات بلغت قيمتها 1.1 مليار دولار سنويّاً منذ نهاية الحرب الثانية، منها 3.5 مليار مارك ألماني لدولة إسرائيل، حيث كانت آخر دفعة عام 1971، فقد نجح لودفيج إيرهارت (هو صاحب نظرية اقتصاد السوق الاجتماعي) التي عملت المعجزة الاقتصادية الألمانية بعد خروج ألمانيا مدمرة تماماً من الحرب العالمية الثانية، وهو مؤلف كتاب (الرفاهية للجميع) وزير الاقتصاد في حكومة المستشار كونراد أديناور، وقام في فرض سياسة اقتصاد السوق الاجتماعي التي أصبحت (نموذجاً ألمانيّاً) يحتذى به، حيث تمكن من المحافظة على مواد السوق الحرة وآلياتها التي تحدد الأسعار وفقاً للمنافسة والعرض والطلب مع وجود دور للدولة كراع للمصلحة العامة، وللبعد الاجتماعي، وتتدخل لمنع كل أشكال الاحتكار، وقام بتغيير العملة بصورة مفاجئة في 19 مايو 1948؛ بإلغاء عملة (مارك الرايخ) واستبداله بـ (المارك الألماني)، وإلغاء ديون الدولة.

وفقاً لهذا النظام الناجح تحول المجتمع الألماني إلى مجتمع حديث منتج خدمي استهلاكي، وأصبح كل ألماني هو عنصر فاعل في المجتمع مسؤول عن نفسه وتجاه الآخرين، وتتدخل الدولة لمساعدته فقط حين يعجز هو عن مساعدة نفسه.

1955 – ألمانيا الغربية تنضم إلى الناتو، وألمانيا الشرقية تنضم إلى حلف وارسو.

1957 – ألمانيا الغربية تنضم إلى المنظمة الاقتصادية الأوروبية.

1961 – تم بناء جدار برلين.

1989 – قيود السفر المخففة في بلدان الكتلة السوفييتية تؤدي إلى هجرة جماعية للألمان الشرقيين؛ في وقت لاحق، تم هدم جدار برلين.

المرحلة الرابعة: 1990- 2019 مرحلة الوحدة والتقدم:

بسقوط جدار برلين في أغسطس 1989تم إعادة توحيد شطري ألمانيا 3 أكتوبر 1990 م، وكان للمستشار الألماني هلموت كول وقيادته الأثر الكبير بتوحيد الولايات الخمسة من ألمانيا الشرقية، وتشكيل ألمانيا الاتحادية، ومقابل ذلك فقد حصل الاتحاد السوفياتي بقيادة غورباتشوف على أكثر من 63 مليار مارك ألماني، من أجل إسكان القوات السوفييتية المنسحبة من ألمانيا الديمقراطية.

وبفضل اقتصاد ألمانيا الغربية القوي تم دعم الاتحاد ودعم الولايات الشرقية، وكشف ألمان الشرق عن معدنهم الحقيقي، وانخرطوا في العمل للحاق بركب التطور الاقتصادي والصناعي في الشطر الغربي.

1993 – وقعت ألمانيا على معاهدة ماستريخت؛ مما أدى إلى إنشاء الاتحاد الأوروبي.

2002 – يحل اليورو محل المارك الألماني باعتباره العملة الوطنية.

2009 – البرلمان الألماني يوافق على حزمة تحفيز بقيمة 50 مليار يورو لدعم الاقتصاد الذي يعاني من الركود.

2010 – البرلمان الألماني يصوِّت للموافقة على مساهمة ألمانية بقيمة 22.4 مليار يورو لإنقاذ اليونان التي تعاني من الديون.

ما هي أسرار النهضة الألمانية؟

نلخِّص أهم أسباب النهضة الألمانية بما يلي:

أولاً – الاستقرار السياسي والسلطات الخمس والقيادة:

الدستور في ألمانيا، أو ما يسمى بالقانون الأساسي، يحمي حريات الفرد ويضمن كرامته، ويؤكد على معاملة جميع المواطنين بمساواة أمام القانون، بغض النظر عن العرق أو الأصل أو اللغة أو الديانة. علاوة على ذلك، يُخضِع الدستور نفوذ الدولة لسيطرة محكمة من خلال مبدأ تقاسم السلطات، إذ لا يجب على الإطلاق أن يحكم طاغية ألمانيا مرة أخرى.

تم إنشاء دولة فيدرالية ذات ثلاثة مستويات: الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات تتشاطر النفوذ السياسي. وفيما تترك الولايات للحكومة الفيدرالية صلاحيات مركزية، إلا أنها تساهم في صياغة القوانين. لكن في أوجه أخرى، تقوم الولايات بصياغة قوانينها بمفردها. أما المستوى الثالث والأدنى فهو البلديات.

كما تم إقامة عدد من الحواجز في وجه التيارات المتطرفة والمناوئة للديمقراطية، إذ يتيح مبدأ (تحصين الديمقراطية) فرض حظر على الأحزاب المناوئة للدستور. فعلى سبيل المثال، تم حظر (حزب الرايخ الاشتراكي) النازي عام 1952، فيما حُظر الحزب الشيوعي في ألمانيا عام 1956.

إضافة إلى ذلك، لا يمكن لأي حزب أن يدخل البرلمان (البوندستاغ)، حتى يتجاوز حاجز الخمسة في المئة من نسبة أصوات الناخبين. تم إقرار هذه القاعدة من أجل منح الاستقرار للبرلمان.

تشهد ألمانيا تعددية حزبية من أهمها أهم حزبين شعبيين في ألمانيا هما الاتحاد المكون من حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي وحزب الاتحاد المسيحي الاشتراكي، إضافة إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا.

لكن هناك أحزاب وتيارات سياسية أخرى يمكن للناخب اختيارها أثناء الانتخابات، مثل تيار الخضر والليبراليين واليساريين. أما بالنسبة للقضايا المجتمعية، فإن النظام السياسي يتعامل معها من خلال الاتحادات والنقابات والجماعات الضاغطة. ويمكن للمواطن أن يصبح عضواً في أي من هذه المؤسسات.

وينص الدستور أيضاً على استقلالية السلطات الحكومية الثلاث: التشريعية (المجلس التشريعي)، والتنفيذية (مجلس الوزراء)، والقضائية (المحاكم). ويعتمد فصل السلطات أساساً له.

السلطة التنفيذية:

يشكِّل المستشار الاتحادي مع الوزراء الاتحاديين الحكومة الاتحادية، أي: مجلس الوزراء الاتحادي. ويتمتع المستشار الاتحادي داخل الحكومة الاتحادية وأمام الوزراء الاتحاديين بمكانة مستقلة رفيعة. فهو يرأس مجلس الوزراء، وله وحده الحق في تشكيل مجلس الوزراء، فهو يختار الوزراء، ويطرح على الرئيس الاتحادي اقتراحات ملزمة بتعيين الوزراء أو إعفائهم من مناصبهم.

إضافة إلى ذلك يحدد المستشار عدد الوزراء ومجالات اختصاصهم. وتستند قوة منصب المستشار الاتحادي في المقام الأول إلى أنه يملك (صلاحية تحديد توجهات السياسة العامة)، وفقاً للدستور.

السلطة القضائية:

تم تعيين حارس لمبادئ تقاسم السلطات والحقوق الأساسية والديمقراطية، ألا وهو المحكمة الدستورية الاتحادية. تختص هذه المحكمة في النظر بمدى توافق القوانين مع دستور البلاد، وهي بذلك تساعد أي مواطن في الدفاع عن حقوقه وحرياته في وجه الدولة.

لفترة طويلة من الزمن ظلت المحكمة الدستورية الاتحادية في ألمانيا أمراً فريداً من نوعه قلَّده العديد من الدول حول العالم. أحد أمثلة ذلك هي إسبانيا، التي يتضمن دستورها الحالي إقامة محكمة دستورية.

السلطة التشريعية:

تُجرى الانتخابات الاتحادية لمجلس النواب الألماني (البوندستاغ) في العادة كل أربع سنوات.

يمثل مجلس الولايات (البوندسرات) الولايات الست عشرة، ويعبر عن العناصر الفيدرالية المكونة للدولة الاتحادية، كما أنه يتكوَّن من أعضاء ترسلهم حكومات الولايات. ولكل ولاية ثلاثة إلى ستة أصوات تبعاً لعدد سكانها. ومن خلال مجلس الولايات تشارك الولايات في صوغ وتشريع القوانين وإدارة شؤون جمهورية ألمانيا الفيدرالية.

ولا يعد مجلس الولايات هيئة تابعة للولايات، بل هو هيئة فيدرالية تضطلع فقط باختصاصات اتحادية، ورؤساء حكومات الولايات يتولَّون رئاسة هذا المجلس بالتناوب وَفق نظام دوري محدد، ويُنتخب الرئيس لمدة عام واحد.

السلطة الرابعة: الإعلام:

يوجد وسائل إعلام حرة وحكومية ومتعددة، ومنها الصحافة: Frankfurter Allgemeine Zeitung، Sueddeutsche Zeitung، Die Welt، Frankfurter Rundschau، Handelsblatt، Focus، Der Spiegel، Die Zeit، Bild، The Local.

التلفاز: ARD، ZDF، n-tv، Welt، RTL، ProSiebenSat.1، DW-TV، Sky.

راديو: ARD، Deutschlandradio، Deutsche Welle

وكالات الأخبار: Deutsche Presse-Agentur

السلطة الخامسة: شبكات التواصل الاجتماعي:

وأغلب شبكات التواصل الاجتماعي العالمية استخداماً: فيسبوك (65 من السكان)، اليوتيوب (5 من السكان)، بنتريست (14 من السكان)، تويتر (8.29 من السكان)، إنستغرام (6.62 من السكان) وغيرها.

ثانياً – النهضة الزراعية والحيوانية والصيد:

لقطاع الزراعة النصيب الأقل في البلاد، من حيث الحجم، ويعمل به 1.3 من إجمالي السكان، بالنسبة للتنوع الجغرافي للنباتات تنقسم ألمانيا ما بين الأقاليم الأوروبية الأطلسية والأقاليم الأوروبية الوسطى الملتفة حول المملكة البوريالية.

منطقة ألمانيا يمكن أن تنقسم إلى منطقتين بيئيتين: الغابات المختلطة الأورو-متوسطية الجبلية، وسلسلة شمال شرق المحيط الأطلسي البحرية. معظم أنحاء ألمانيا تغطيها الأراضي الصالحة للزراعة (33)، والأراضي الغابية المشجرة (31)، بينما لا تشكل المراعي الدائمة سوى 15.

تهتم الدولة بالثروة الحيوانية وخصوصاً بالغابات السوداء للنحل، والأبقار لإنتاج الحليب والدواجن.

هذا، وتمتد السواحل الألمانية لمسافة 2389 كم؛ مما يوفِّر ثروة بحرية غزيرة ومتنوعة.

ثالثاً – النهضة السياحية والنقل والاتصالات:

يوجد عدد من العوامل التي تجذب سياح العالم إلى ألمانيا، ولعل منها ما يلي:

تعتبر الصناعة السياحية الألمانية أكبر من الهندسة الميكانيكية، هناك العديد من الأسباب الجيدة لزيارة ألمانيا. يختار السياح الأوروبيون رحلات إلى كل المدن الألمانية، وبشكل خاص برلين أو ميونيخ أو هامبورغ؛ بسبب الثقافة المثيرة والمدن النابضة بالحياة.

ينجذب رجال الأعمال من جميع أنحاء العالم إلى ألمانيا كوجهة أولى للمعارض التجارية الدولية والسياحة الطبيعية والعلاجية. أصبح عدد الزوار المتزايد باستمرار عاملاً اقتصاديّاً مهمّاً منذ فترة طويلة.

ويعمل بالقطاع السياحي حوالي ثلاثة ملايين، وتشكِّل حوالي 9 من القوى العاملة ويشكل إيراد حوالي 4 من الناتج المحلي الإجمالي، في عام 2017 احتلت المركز الثامن عالميّاً، وتأتي أكبر نسبة من السياح من هولندا المجاورة لألمانيا (11.2 مليوناً)، تليها سويسرا (6.7 ملايين) والولايات المتحدة الأمريكية (6.2 ملايين)، ويتوقع 121.5 مليوناً بحلول عام 2030. وسيظل معظمهم من الدول الأوروبية. إضافة إلى ذلك يتوقع الخبراء المزيد من السياح من أمريكا الجنوبية وجنوب شرق آسيا.

بعدد يفوق الألفين من المشافي التي تتمتع بسمعة طيبة جدّاً في ميدان العلاج والعناية بالمرضى الوافدين من جميع أنحاء العالم. فحتى رؤساء وقادة الدول يقصدون ألمانيا للخضوع للعلاج على أيدي أشهر وأبرع الأطباء. كما يفضل المرضى من عامة الناس التعامل مع الاختصاصيين الألمان، نظراً لما يتمتع به هذا البلد من أفضل وأحدث النظم الطبية في العالم.

يقوم المجلس الوطني الألماني للسياحة (GNTB) والسكك الحديدية الألمانية ولوفتهانزا بدعم الجمعية الألمانية للمدن الساحرة، والتي تضم المدن التالية، وهي برلين وميونخ وهامبورغ وفرانكفورت ودوسلدورف وكولونيا ودريسدن وهانوفر ولايبزغ وشتوتغارت، هذا وقفز عدد السياح لحوالي 39 مليوناً عام 2018 م. ينفقون حوالي 50 مليار دولار.

تمتاز ألمانيا بنهضة بالمواصلات والنقل، والطرق والسكك الحديدية الداخلية والخارجية والمطارات، بلغ عدد المطارات في ألمانيا 539 مطاراً، وعدد كبير من الموانئ البحرية.

هذا، ويوجد الكثير من شركات طيران تتنافس على الرحلات الداخلية، وتتنافس الشركات العالمية بالرحلات الدولية.

تُولي الحكومة اهتماماً بالسكك الحديدية وخصوصاً السريعة منها، والتي تغطي جميع المدن الألمانية لنقل الركاب والبضائع وتشجع للاستثمار بها، ويبلغ إجمالي السكك أكثر من 44 ألف كم. أما الطرق البرية فهي تربط كل المدن والمناطق والقرى، يبلغ مجموع الطرق البرية السريعة أكثر من 645 ألف كم.

هذا، ولا ننسى النقل النهري والبحري اللذين يلقيا رواجاً وتشجيعاً من الحكومة.

الاتصالات والإنترنت تشكل عصب الحضارة والتكنولوجيا، وتتوافر الهواتف الثابتة والمحمولة وشبكة الإنترنت عالية السرعة، ونجد استخدام كبير لكابلات الألياف البصرية والمحورية، وبأسعار تلائم الجميع، وعدد الهواتف المحمولة يتجاوز تقريباً عدد السكان.

رابعاً – النهضة الصناعية والتعدين والطاقة:

تشكل الصناعة حوالي 21 من الناتج المحلي الإجمالي، ويعمل بها 28 من السكان، وبعدد شركات 45308 شركة صناعية، 48، 4 في المئة هي نسبة التصدير في الصناعة الألمانية. مع العلم أن شركات صناعة السيارات الألمانية تقوم في الخارج بإنتاج ضعفي عدد السيارات الذي تنتجه في داخل البلاد.

صناعات الجيل الأول (الصلب والبتروكيمياويات والغذائية):

ألمانيا هي أكبر منتج للصلب في الاتحاد الأوروبي وسابع أكبر منتج في العالم. كصناعة أساسية، فإن قطاع الصلب له أهمية خاصة بالنسبة لسلاسل التوريد الصناعية، وهو العمود الفقري لاقتصاد ألمانيا، ولا ننسى علاقة هذا القطاع الوثيقة مع القطاعات الصناعية الأخرى في نجاح صناعة السيارات، أو صناعة الآلات على سبيل المثال.

صناعات الجيل الثاني (السيارات والتحويلية والكهربائية):

تعتبر ألمانيا بالنسبة لعالم المركبات السيارة هي بلد المنشأ، وذلك من خلال اختراع أول محرك احتراق داخلي يعمل بالغاز عام 1876، ثم توالت خطوات التطوير لهذا الاختراع، ففي عام 1882 تم تطوير هذا المحرك ليعمل على البنزين.

تشتهر السيارات الألمانية بجمال تصميماتها وأدائها القوي؛ مما جعلها من أكثر المركبات تفضيلاً في مختلف أنحاء العالم.

من اللاعبين العالميين الكبار شركات فولكسفاغن، وقد تمكنت من الاستحواذ على علامات شهيرة، ومنها (أودي)، و(بورشه)، (سكودا)، و(بنتلي)، و(رولز رويس)، و(سيات)، و(بوجاتي)، و(لامبورجيني)، و(دايملر)، و(بي إم دبليو BMW).

صناعات الجيل الثالث (التكنولوجية والطبية والأسلحة والطيران):

تمتلك ألمانيا أكبر سوق لخدمات الرعاية الصحية في أوروبا، وهي مجتمع يعاني من الشيخوخة؛ مما يتطلب منتجات جديدة وأفضل. وتمثل ألمانيا قلب أوروبا النابض في قطاع المستحضرات الصيدلانية والأجهزة الطبية. كما تحتل شركاتها موقعاً رائداً في تطوير وتصنيع وتسويق التقنية الطبية المتطورة.

تمتلك ألمانيا خامس أكبر الصناعات الكهربائيّة والإلكترونيّة في العالم، إذ تصل القيمة السوقيّة السنويّة لهذه الصناعة حوالي 142.7 مليار دولار، وتوظّف هذه الصناعة نحو 29 من كافة موظفي البحث والتطوير الألمانيّ، وتُسجّل كلّ عام أكثر من 12000 براءة اختراع جديدة، وتعدّ الأجهزة المنزلية، ومعدات تكنولوجيا النانو، والإضاءة التجارية، وأنظمة التشغيل الآلي من منتجات هذه الصناعة، كما تتمتع بأكبر سوق في أوروبا في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

ولا ننسى الصناعات الدفاعية الألمانية التي أصبح لها حضور، وإن كانت هذه الشركات خاصة، ولا علاقة للدولة بها وتقوم بتصنيع الدبابات والعربات والطائرات، وأسلحة الدفاع الجوي والمفاعلات النووية والكيميائية، وأبحاث الفضاء، وتقوم بالتنسيق بهذه الصناعة مع الدول الصديقة.

صناعات الجيل الرابع (الذكاء الاصطناعي والنانو تكنولوجي والمعرفة):

ألمانيا من الدول الرائدة بصناعات الجيل الرابع من منتجات الذكاء الاصطناعي والروبوتات، وقد سجلت براءات اختراع كثيرة بهذا المجال، وكذلك بعالم المعرفة والمعلومات، وتتصدر شركة (SAP) وسيمنس شركات التكنولوجيا، وتدعم الحكومة الألمانية هذا القطاع بكل قوة، وتستقطب الهجرة للكوادر العالمية المؤهلة بهذا المجال وتشرع قوانين لتسهيل الهجرة وخصوصاً من الهند.

وتُولي الحكومة مع الاتحاد الأوروبي اهتماماً كبيراً بالطاقة الكهربائية وتخزينها؛ لما لها من تطبيقات جديدة بصناعات الجيل الرابع، وتشجع مراكز البحث على العمل عليها من ضمن برامج أحدها برنامج تطوير البطاريات الكهربائية وتخزينها بجامعة مونستر باسم مشروع (Battery 2030+)، ومدته 10 سنوات بقيمة 700 مليون يورو، يمكن أن تستحوذ أوروبا على سوق للبطاريات الذي يصل إلى 250 مليار يورو سنويّاً بدءاً من عام 2025 فصاعداً.

وألمانيا هي سابع أكبر منتج للطاقة في العالم 2018 (economichelp.org)، وتركز الدولة على الطاقة البديلة ومنتجاتها، ومنها الشمسية والمحركات الكهربائية والهجينة لتوليد وتوفير الطاقة، ووضعت الحكومة هدفاً بتزويد البلد نصف احتياجاته للطاقة من الطاقة المتجددة، أو المستدامة في حلول عام 2050.

خامساً – النهضة التعليمية والرعاية الصحية:

إن (المؤسسة التعليمية) هي أضخم تشكيل في جسم الأمة، فهي تضم نحو ثلث سكان الدولة، أما حجم الإنفاق على هذا القطاع، فيكاد يصل إلى ربع موارد الدولة، و3 من إجمالي الناتج المحلي على البحث العلمي والنظام التعليمي ينبذ التقليدية التي تعطل ملكة التفكير وتشل القدرة على الإبداع.

لا ينبغي أن يكون المطلوب من الدارسين استظهار معلومات لا يلبثون أن ينسوا أكثرها عن قريب، بل تنمية حاسة التعلم، وتطوير القدرة على البحث، وتعليم التفكير، وتنمية الإبداع والابتكار، والتعليم إلزامي لغاية السنة التاسعة الدراسية، ومجاني بجميع مراحله.

ينقسم نظام السلم التعليمي في ألمانيا إلى أربع مراحل هي كالتالي:

المرحلة الابتدائية: ومدتها أربع سنوات، بعدها يبدأ تقسيم الأطفال إلى: (مجتهدين جدّاً- مجتهدين- لا بأس به- متوسط- ضعيف).

المجتهدون جدّاً والمجتهدون يتم إرسالهم إلى الثانوي (gymnasium). والذين لا بأس بهم يتم إرسالهم إلى الإعدادي الثانوي (realschule)، والمتوسطون يتم إرسالهم إلى المدارس الرئيسية أو المهنية (hauptschule)، أما الضعفاء فيتم إرسالهم إلى مدارس حكومية خاصة (sonderschule)، خلال المرحلة ما بين القسم الخامس والقسم الثاني عشر، وهي سنة إتمام الدراسة الثانوية؛ يمكن لأي تلميذ تحسن مستواه أن ينتقل إلى المدرسة الأفضل، والتي تناسب مستواه الجديد، والذي كان في المدرسة الأحسن وضعف مستواه، سينتقل حتماً إلى مستوى أقل، وذلك ضمن نظام تقييم مستمر ومحكم من أسسه الأساسية، والأهم أن لا ينقطع التلميذ عن المدرسة.

المرحلة الجامعية: هي مكمن وسر تقدُّم ألمانيا، تنتشر الجامعات في ألمانيا في كل مدينة صغيرة كيفما كان نوعها، كل زاوية من زوايا أي مدينة خاضعة لبحوث جامعية من حيث الاقتصاد والتقنيات والجغرافية وعلم النفس وعلم الاجتماع.

مميزات التعليم الألماني:

بعد السنوات التسع الإلزامية يوجد خياران لا ثالث لهما، إما أن يكمل دراسته أو يلتحق بمدرسة مهنية، أو أي كيان مهني.

الدولة هي الراعية لكل طفل، فهي تشرف على الترفيه والرياضة والطعام الصحي والاستقرار الأسري، لذلك تتصل المدرسة بالأهل بعد خمس دقائق من تغيب الطالب عن المدرسة، وإذا اكتشفت الدولة أن سبباً من هذه الأسباب فيه خلل تتدخل لإصلاحه، وقد يكون الحل بأخذ الولد من أسرته لأسرة أخرى توفِّر له المطلوب.

الدراسة الجامعية والبحوث العلمية الجامعية حق لكل ألماني.

الجامعات الطبية موجودة في كل المستشفيات، ولها ارتباط وثيق بدُور العجزة، والأخلاق والرحمة تعتبر مادة دراسية ضمن المناهج.

يوجد في ألمانيا 383 مؤسسة للتعليم العالي، منها 103 جامعات، و176 معهداً تخصصيّاً عالياً. ويقارب عدد الدارسين 3 ملايين، وعدد الطلاب الأجانب تتجاوز 20.

توجد في ألمانيا ثلاثة مراكز كبيرة للبحوث العلمية، تابعة للحكومة الفدرالية بنسبة 90، و10 تنفقها الولاية على الأبحاث. تلك المراكز توجد في كارلسروه، ومركز أبحاث يوليش ومركز أبحاث غيستهات، وهي تقوم بالبحوث في مجالات تكنولوجيا أعماق البحار، وتسخير طاقة الاندماج النووي، والطاقة النووية، وفيزياء الجوامد، والطاقة المتجددة.

إضافة إلى ذلك توجد مراكز تتبع الحكومة الفدرالية كاملاً، وتعمل في مجالات رئيسية تطبيقية مثل المصلحة الفدرالية للجيولوجيا والمناجم، والمصلحة الفدرالية لفيزياء الجوامد والمواد الخام، والمصلحة الفدرالية للطيران وطيران الفضاء، والمصلحة الفدرالية للمقاييس، وغيرها.

وإضافة إلى ما تنفقه الحكومة المركزية على البحث العلمي، تقوم الصناعة والقطاع الخاص بمزاولة البحث العلمي التطبيقي. فتوجد معامل للبحوث تابعة للصناعات المختلفة بغرض ابتكار منتجات وتطوير المنتجات، وكلها من القطاع الخاص، وتقوم بابتكارات في مجالات صناعة السيارات، وصناعة الدواء والمخصبات ومواد التنظيف، وصناعة الميكروبروسيسور، وصناعات استغلال الطاقة الشمسية، وصناعة إنتاج الكهرباء من طاقة الرياح وغيرها، كمفاعل 2 للبحوث النووية بمركز أبحاث يوليش.

تنفق الحكومة الفدرالية على البحث العلمي نحو 12 مليار يورو، وتنفق معامل البحوث التابعة للقطاع الخاص في مجالات الصناعات المختلفة نحو 11 مليار يورو سنويّاً. كما يوجد في ألمانيا بالقرب من هامبورغ معجل كبير (ديزي) للإلكترونات لبحوث الجسيمات الأولية، كما تشترك ألمانيا مع الدول الأوروبية الأخرى في مصادم الهادرونات الكبير الموجود تحت الأرض في سويسرا.

وتهتم الدولة بالرعاية الصحية بشكل كبير وبجودة عالية.

سادساً – تشجيع التجارة والاستثمار الخارجيين:

تحتلّ ألمانيا المرتبة الثالثة من بين الدول المُصدّرة لباقي دول العالم، إذ تتجاوز قيمة صادراتها من المنتجات والخدمات 1450 مليار دولار عام 2017 م، وأهم الصادرات: السيارات وقطع الغيار (258 مليار دولار) والآلات الصناعية (246 مليار دولار) والآلات الكهربائية (150 مليار دولار) والأدوية (84 مليار دولار) والآلات الدقيقة (72 مليار دولار) والحديد والصلب (30 مليار دولار) والبلاستيك  (63 مليار دولار) والطائرات (42 مليار دولار) ومواد أخرى (38 مليار دولار) والوقود ومشتقاته (26 مليار دولار).

وتصدر المنتجات الألمانية بشكل أساسي لكل من الولايات المتحدة (126 ملياراً) وفرنسا (118 ملياراً) والصين (97 ملياراً) والمملكة المتحدة (94 ملياراً). وهولندا (91 ملياراً) وإيطاليا (73 ملياراً) والنمسا (70 ملياراً) وبولندا (67 ملياراً) وسويسرا (62 ملياراً) بلجيكا (49 ملياراً).

تحتل ألمانيا المرتبة الثالثة عالميّاً للدول المستوردة، حيث شكّلت وارداتها من المنتجات والخدمات 1173 ملياراً عام 2017م، ومن أهمّ وارداتها: الوقود والوقود المعدني (96 مليار دولار) والآلات الكهربائية (147 مليار دولار) والآلات الصناعية (150 مليار دولار) والآلات الدقيقة (40 مليار دولار) والسيارات وقطع الغيار (124 مليار دولار) والأدوية (54 مليار دولار) وخامات (51 مليار دولار) والمواد الكيميائية العضوية (34 مليار دولار) والبلاستيك (45 مليار دولار) والملابس.

ويتم الاستيراد من الصين (115 ملياراً) وهولندا (95 ملياراً) وفرنسا (73 ملياراً) والولايات المتحدة (71 ملياراً) وإيطاليا (63 ملياراً) وبولندا (58 ملياراً) وسويسرا (53 ملياراً) والتشيك (52 ملياراً). والنمسا (46 ملياراً) وبلجيكا (45 ملياراً).

سبب تقدم ألمانيا ليس الفوسفات، أو الثروات السمكية، أو البترول، أو المعادن أو المقالع أو صناعة السيارات والصناعات الطبية والتكنولوجية، والنظام السياسي، وإن كانت من عوامل النهضة، ولكن المحرك الرئيسي والأساسي هو الاستثمار بالعنصر البشري وتنمية رأس المال البشري، والاستثمار بالتعليم والبحث العلمي، وجعل كل عباد المعمورة يفتخرون باقتناء منتجاتها بعد فخر أهلها بإنتاجها والتغني بجودتها وكفاءتها.

العدد108/ايلول 2020