إن لم نُصلح دواخلنا ونرتب عقولنا لا أمل لنا في الحياة

عُقدت في »بيت المستقبل« في بلدة بكفيا بلبنان، ندوة ضمت عددا من المتحدثين بينهم: الرئيس اللبناني السابق أمين الجميل، وزير الداخلية السابق زياد بارود، والنائب خالد قباني، والنائب غسان مخيبر، والمهندس عامر خياط والسيدة ندى عبد الساتر.

وقد أُقيمت هذه الندوة بالتعاون مع مؤسسة كونراد اديناور ومنظمة الشفافية العالمية.

وبما أن الدكتور عامر خياط شغل منصب الأمين العام للمنظمة العربية لمكافحة الفساد، مدة تزيد على العشر سنوات، فقد ارتأت »الحصاد« ان تنشر محاضرة نظرا لاهميتها وضرورة تطبيقها في لبنان والعالم العربي:

في الشفافية والمساءلة ومكافحة الفساد

بقلم: الدكتور عامر خيّاط

إن لم نُصلح دواخلنا ونرتب عقولنا لا أمل لنا في الحياة

يسعدني أيها الأعزاء أن أكون بينكم في هذا اللقاء المميز واشكر«بيت المستقبل« لمبادرته في إقامة ورشة العمل هذه، كما أشكر ايضاً المؤسسات المشاركة في إطلاقها [1]. لقد أصبح الفساد اليوم مصدر العلل في مجتمعاتنا وتشكل محاربته المدخل الرئيس للإصلاح ولإرساء قواعد الحوكمة والانتظام العام بما يضمن العلاقة السوية بين الحاكم والمواطن.

لاشك لدي بأننا هنا في هذا اللقاء نتوافق على ما يشكل الفساد من مخاطر، ونلتقي حول ضرورة مناهضته، كما في تعزيز مفهوم النزاهة والشفافية. كلٌ بطريقته ومن زاوية منظورة للمسار الاجدى للقيام بذلك. لهذا سأحاول في الوقت المتاح لي أن أبحث في مفاعيل واسقاطات الفساد على المحيط العربي من خلال تجربتنا في المنظمة العربية. وابتداءً أقول ليس هنالك فساد عربي يختلف في توصيفه ومدلولاته عن فساد في دول أو مناطق أخرى. الأختلاف هو في مدى استشرائه داخل مجتمع ما، ومدى الحصانة المتوفرة لمناهضته إن بأليات المكافحة والوقاية منه، او بسعة الادراك ووعي الناس لمخاطره بما يؤسس لثقافة رافضة له.

في تعريف الفساد

في التعريف إذن، الفساد هو الاستغلال غير المشروع – او دون وجه حق – لمصدري القوة والتأثير في المجتمع: سلطة المال والسلطة السياسية. هذا التفصيل بالغ الأهمية من حيث أن السائد والشائع في العام ارتباط الفساد حصرا بالصفقات المالية والتجارية والرشوة. واقع الحال فالفساد السياسي بما يشمل من إحتكار السلطة السياسية وحجب تداولها، وعدم الفصل بين السلطات وغياب القضاء المستقل وترهل ادارة الدولة واستغلال النفوذ والتلاعب في صناديق الاقتراع، واستشراء الزبائنية والمحسوبية والعشائرية والطائفية كل ذلك يشكل فساداً ينخر في قماشة الوطن ويهدد سلامة الانتظام العام ويؤدي استمراره الى الوصول الى حالة الدولة الفاشلة.

ولإعطاء هذا التوصيف معنى حسّي، لربما من المناسب أن نذكر بعض الارقام. في الفساد المالي، تشير بعض دراسات الدخل القومي للدول العربية للسنوات 1950 الى نهاية العقد الأخير من القرن الماضي أن واردات هذه الدول بلغت 3000 مليار دولار )3 ترليون( تم انفاقها على الوجه التالي:

1000 مليار دولار على التسليح والانفاق العسكري وتأهيل العدة والعديد

1000 مليار دولار تم انفاقها على مشاريع البنى التحتية والمشاريع الخدماتية بما في ذلك الطرق والجسور ومشاريع الري وإصلاح الأراضي والمستشفيات والتعليم وما الى ذلك

اما الشريحة الاخيرة والبالغة 1000 مليار دولار فقد تم صرفها على شكل عمولات ورشوات تم دفعها لتيسير احالة مقاولات التجهيز والانشاء وترتيب الصفقات لتنفيذ مشاريع الشريحتين السابق ذكرهما.

بمعنى أن ما يقرب من ثلث الدخل القومي الاجمالي لهذه الدول في الفترة مدار البحث، تم صرفه بطريقة غير مشروعة وموصوفة فساداً واستغلالاً.

والحالة الاقرب ليومنا هذا ليست أفضل. إذ تشير الاحصاءات الى أن ما دخل الدول العربية في العقدين ونيف الأخيرين يقارب إجمالي إيرادات النصف الاخير من القرن الماضي أي حوالي 3000 مليار دولار تم إنفاقها بطريقة تماهي الشرائح الثلاث أنفة الذكر. بطبيعة الحال تم تراكم الثروة في هذه الفترة الأقصر زمنا بوتيرة اسرع نتيجة الزيادة الهائلة في انتاج النفط والغاز والارتفاع غير المسبوق في اسعار الطاقة في الاسواق العالمية.

هذا الاجتزاء الفاسد للمال العام ادى الى حرمان عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في هذه الدول من مبالغ طائلة كان لها أن تؤثر إيجاباً في بناء قاعدة صناعية وزراعية وبالتالي في إقامة مجتمعات تعتمد ثقافة العمل والانتاج بمعنى ربط مفهوم العمل بالإنجاز.

هذا الهدر للمداخيل الريعية منذ منتصف القرن الماضي، وفي غياب خطط تنموية تسعى لخلق قاعدة صناعية وزراعية تؤدي لخلق فرص عمل ترافقها سياسة تربوية وتعليمية تؤهل لذلك، ادى اليوم لأن يعيش ما يقرب من ربع سكان هذه المنطقة في أو تحت خط الفقر )2$ يومياً(. بموازاة ذلك نجد ربع القوى العاملة في بلداننا عاطلة عن العمل، خاصة بين فئة الشباب والخريجين. كما تشير تقارير التنمية الإنسانية العربية [1] الى أن اكثر من نصف المراهقين العرب صرحوا عن رغبتهم في الهجرة الى الخارج. يضاف الى ذلك الانتقاص المعطل لدور المرأة، وغياب الديمقراطية والحوكمة، حيث ما تزال بعض الدول العربية تفتقر لسلطات تشريعية منتخبة وعدد منها يمنع تشكيل الأحزاب السياسية، وأخر يُقيد عملها. هنالك دول عربية تفتقر وجود دستور، وفي بعضها الأخر نجد نصوصا دستورية تشرع العصبيات المذهبية والطائفية. ناهيك عن نظم تعليمية متخلفة وبعيدة كلياً عن تمكين الثقافة وتراكمها وتوطين العلم والتقانة في المجتمع. هذه مشاهد تؤكد على الحالة البائسة المخيمة على مجتمعاتنا، وتفسر هذا النزوع للهجرة عند شبابنا والذين هم ثروتنا الاساسية.

الكلام إذن عن »ثراء« الدول العربية هو حديث غير دقيق ويفتقر الى أي سند اقتصادي أو اجتماعي. ثروة الأمم تقاس بخزينها التراثي وتراكم المعرفة وبنهضتها العلمية والصناعية وبمواردها البشرية. أما المال، فهو ما يميز بعض الدول العربية بما تحمله بطون أرضها ولا قيمة له إن لم يوظف في مشاريع إنمائية تطور المواطن والمجتمع.

حالتنا هي »كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول«.

المطلوب اذن وقفة تقويمية لدراسة تجارب الفشل هذه. أولا، لإيقاف الهدر والسرقة في المال العام وثانياً لإختيار نماذج إقتصادية تلائم بيئتنا واحتياجاتنا. علينا أيضا إنهاء النمط الاستهلاكي في اقتصاديات منطقتنا والمرتبط أساسا بمفهوم الريع.

هذا في شأن الفساد المالي. أما في الفساد السياسي فالحالة لا تقل مأساوية.

الأساس في بناء الدولة هو تنظيم العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم. يُبنى هذا العقد على مبدأ أن يتنازل المواطن عن ممارسته السلطة بتوكيله فريقا منتظِما بسلطات منفصلة ومستقلة عن بعضها يعهد اليها الحكم. هذا ما يعني به مفهوم »الشعب مصدر السلطات«.

لقد فشلت الكيانات العربية وفي المشرق العربي تحديداً منذ تركيبها مع بدايات القرن الماضي في بناء الدولة الحديثة. لم يكن ذلك بسبب غياب المعرفة لدى النخب الحاكمة وأغلبها كانت متشبعة ومتأثرة بقيم الحرية والمساواة والاخّوة التي تتلمذت عليها في اروقة المؤسسات التي نشأت على هذه القيم. ما كان ينقصها هو الارادة السياسية للخروج من قيود الماضي، وفك اسرها من الالتزام  الطائفي والعشائري والمناطقي. لم تستطع هذه القيادات والنخب ان تستلهم من التراث دون التزمت به والاعتبار بالنص دون الانكفاء بقيوده. ولم تحاول التصدي للواقع المتخلف بتحرير المجتمع – تجاوزا للاستقلال والسيادة الوطنية – إلى تحرير العقل والضمير والفكر. بناء الدولة لا يتم إلا عن طريق حركة تحريرية. ولا معنى للتحرير في غياب الديمقراطية. غياب هذا المسار عند بداية تأسيس »الكيانات« العربية أدى إلى الفشل في بناء الدولة الحديثة، والذي بدوره أدى إلى قيام مظاهر الإعاقة المقيتة التي تشكو منها بلداننا.

قد يسأل أحدكم ما شأن مكافحة الفساد بكل ذلك؟. جوابي على ذلك أن مكافحة الفساد تتطلب أليات للمحاسبة والمراقبة والمساءلة. وهي الأليات نفسها الضرورية لتحقيق الديمقراطية. هنا تكمن المتلازمة بين مكافحة الفساد والديمقراطية. فإذا كانت غايتنا إحداث تغيير في مجتمعاتنا فلا وسيلة لنا سوى باعتماد التنمية المستدامة والمستقلة. ولا تنمية حقيقية دون محاربة الفساد. ولا يمكن محاربة الفساد دون سقف عال من الحرية والحكم الرشيد.

هذه المقاربة بين هدف إقامة الحكم الرشيد وممارسة أليات المساءلة والمحاسبة والرقابة تتطلب منا جهداً إستثنائياً لشراسة العدو الذي نجابه من جهة، ولإستشراء ثقافة الفساد في مجتمعاتنا من جهة اخرى. إلا أن الوسائل المتاحة لمجابهة هذه الحالة واضحة وميسرة. مكافحة الفساد تتطلب أمرين فقط. اولاً توفير إرادة سياسية صلبة وشجاعة. وثانياً حزمة من القوانين والقواعد الواضحة الرادعة والواقية من الفساد، محصنة بقضاء عادل ومستقل وبأجهزة رقابية مستقلة تتيح المحاسبة والمساءلة المسبقة واللاحقة. سوف أتكلم عن الجزء الثاني تاركا لكم استنساب ما يتوجب عمله بشأن الارادة السياسة فأنتم »كأهل مكةَ أدرى بشعابها«. وسأتخذ من لبنان هذا البلد المضياف والحاضن لنا مثالا.

في القوانين والاجراءات اللازمة لمكافحة الفساد

في اكتوبر من سنة 2003 اصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة »الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد« بتوافق اغلبية أعضائها. ونأى لبنان بنفسه عنها. جابهنا هذا الواقع مع بداية عملنا سنة 2005 وبذلنا جهداً واسعا لتغيير هذا المسار برعاية رئيس المنظمة حينذاك الرئيس سليم الحص.

وفي نهاية الأمر، وافق البرلمان اللبناني على الإنضمام الى »الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد« واقترن ذلك بمصادقة السيد رئيس الجمهورية بتاريخ 16/10/2008 لتصبح هذه الاتفاقية بحكم القانون النافذ. هذا الفعل يعني بأن لبنان أصبح جزأً وشريكاً في هذا الجهد الأممي المعني بمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية وإرساء أليات الرقابة والمسألة والمحاسبة.

وبمبادرة من الصديق النائب غسان مخيبر شُكلت لجنة خبراء واسعة ومتميزة في الاختصاص والممارسة كان لنا شرف المساهمة فيها. عملت هذه اللجنة لما يزيد عن السنة على صياغة مسودات ثلاثة قوانين اوردتها الاتفاقية الدولية هي على التوالي:  القانون الوطني لمكافحة الفساد. قانون حق المواطن للوصول الى المعلومات وأخيرا قانون حماية الشهود والمبلغين. ولدت مسودات هذه القوانين بعد جهد كبير ومناقشات علمية دقيقة ومعمقة لتكوّن في رأيي ناتجاً مميزاً في الشمولية والحياكة القانونية.

ولكن بعد ما يقرب من ثماني سنوات ما تزال هذه المسودات في ادراج المجلس النيابي بانتظار التشريع. وهذه مناسبة لأقول أن التشريع المتأخر هو كالعدالة المتأخرة ينتقص الحقوق ويهدد الانتظام العام. ولكن رب ضارة نافعة، فقد تبين لنا لاحقاً ان لجنة الادارة والعدل حين مناقشتها مسودة قانون مكافحة الفساد المقدمة من لجنة الخبراء أنفة الذكر اجتزأت منها جميع المواد المتعلقة بالفساد في القطاع الخاص وهي بنود وردت أصلا في الاتفاقية الدولية. ذلك بدافع الحفاض على »الخصوصية اللبنانية« في التعامل مع القطاع الخاص والمستثمر الاجنبي. وهو دفع مردود إذ لا خصوصية في مكافحة الفساد ولا تسامح ولا تهاون في إضفاء مظلة حماية للفساد تحت أي اعتبار. أنني ومن هذا المنبر الكريم أدعو البرلمان اللبناني ونحن على أبواب عهد جديد، وضَعّ مكافحة الفساد شعاراً رائداً لهذه المرحلة، الى إعادة النظر في هذا الاجتزاء والعودة الى النصوص الاصلية خدمة ليس فقط للأمانة العلمية ولكن أيضا خدمة لأهداف هذه المرحلة.

في هذا المجال هنالك أيضاً قصور عربي في وضع التشريعات والقواعد الخاصة لاسترداد الاموال المنهوبة والمسلوبة. وهذا فصل بالغ الأهمية أرجو من المشرع اللبناني والعربي الاهتمام به. نعلم عن الإعلام كما عن وسائل كشف المعلومات بوجود أموال طائلة تم تهريبها الى خارج البلاد في تونس خلال حكم الرئيس زين العابدين بن علي، ومصر أبان حكم الرئيس مبارك و ليبيا أيام حكم القذافي وغيرها من دول عربية، أخرها تقرير لجنة خبراء ومصرفيين وقانونيين من دول مختلفة درست الحالة المصرية تحديداً ولأشهر طويلة بحسب قناة لـBBCالعربية. حيث قدر خبراء من البنك الدولي أن حجم الأموال المصرية المهربة خلال حكم مبارك بلغت 134 مليار دولار[1]. من المؤسف الا نجد الارادة السياسية لاستعادة هذه الاموال العامة لا في مصر ولا غيرها من الاقطار العربية المعنية.

 وبالرغم مما ذكرت، وربما بسببه، يجب ألا نضع اللوم كاملا على أصحاب السلطة وأركانها. هنالك قصور في مكافحة الفساد لدى طرف ثالث في هذه المعادلة أعني بهم المثقفين والنخب العربية، على الأقل في استنكافهم عن تكثيف الوعي وزيادة الادراك لدى الشعب. ولا أرى دورا للمثقف وللنخب أسمى وأكثر نبلاً وأعمق تأثيراً في إصلاح المجتمع من هذه المهام.

 في دور المثقف والنخب

بشكل عام، هنالك أربعة شوائب في سلوك »المثقف العربي«. أدت الى إضعاف دوره في مسيرة النهضة والتنوير والتغيير العربية.

أولها، قصور ثقافته عن عنصر التكامل والشمولية في النظرة والموقف. نقصان ناتج من الاقتباس والمعرفة السطحية والانبهار بحضارة الغرب، وعدم إخضاع العلوم المكتسبة والمقتبسة لمعايير وحاجات مجتمعاتنا. كما من مظاهره الادعاء بما ليس له، تغطية على احتمال كشف ما ليس عنده.

ثانياً، نظرته الاستعلائية على غيره، التي تصل أحياناً الى حدّ تسخيف المقابل والاستخفاف به، وسببها الجهل والرغبة الجامحة لتعزيز الذات وتضخيمها إلى حدّ التخمة، جاهلاً أن قوائم المعرفة والثقافة تعتمد على التواضع وسماع الرأي الأخر.

وثالثاً، ضعف حصانته تجاه إغراءات المال والسلطة. وجانب منها الوصولية واللهاث، بكافة الطرق، وراءها، وما يترتب على ذلك من فساد.

وأخيراً وليس أخرا، ضعف التزامه بالثوابت الوطنية والقومية، ناسياً أو متناسياً، أن الالتزام بهذه الثوابت هو من صلب الثقافة وغيابه يؤدي الى غياب الثقافة. كما أن الالتزام بالثوابت الوطنية والقومية يستدعي الى قيادة الشعب من أمام، وفقدانها يؤدي الى الاصطفاف في الخلف، بما يضطره الى الانقياد لا الى القيادة.

أذكر ذلك في رحاب هذا »البيت المستقبلي« الكريم لأقول إننا بحاجة الى إعادة تكوين ثقافتنا، وصولاً الى ميثاق ثقافي ومعرفي يرتبط بمصالح أمتنا وشعوبنا، لا يعتريه قصر النظر والمكاسب الآنية وملذات الحياة المغرية.

الخلاصة

ختاما، يتخيل البعض أن مسيرتنا الصعبة من أجل الاصلاح وبناء المجتمع السليم المؤهل لتحديات مستقبل واعد هي ترف فكري واجتماعي لأضفاء شكلية براقة في البيئة التي نعيش. وهي في الواقع والحقيقة ليست كذلك. هو تحدّ مصيري ولازمة تهدد وجودنا والاجيال القادمة. فإذ نستعيد اليوم أحداث تاريخنا البعيد أو تاريخنا القريب – والامر سيان نجد مساره حافلا بما أضعنا من فرص كثيرة، و بما عقدنا من أمال ضائعة وكم دخلنا في متاهات لوم الاخرين على ما آلت اليه حالنا. واقع الأمر »العيب فينا وبحبايبنا« فإذا لم نقدم على إصلاح دواخلنا وترتيب عقولنا وإبعاد شوائب الالتزام بأصنام الشرذمة الطائفية والعشائرية والالتزام المطلق بسيادة العقل دون سواه في عملنا فلا أمل لنا بالحياة لا بل لا حق لنا في ذلك.

فالكون الذي نحن فيه، تتحرك مكوناته بوتيرة متسارعة كلُ بحسب مصالحه وغاياته. ويخطئ من يظن أو يعتقد أو يأمل من أن الأخرين سينتظروننا لإنهاء لهونا في متاهات تقرير جنس الملائكة للحاق بركاب الحضارة والتقدم.

ما يحصل اليوم من هجرة وتهجير لشعوب منطقتنا، ومن تهديد وتلويح وبفكر اصولي سافر ومعتدٍ قَسّمَ مجتمعاتنا وهدد وحدتنا الوطنية، أوصل بلداننا بين بعضها مُعتلْ واخرُ مُحتلْ. خوفي يوما، ونحن نتطلع في الافق البعيد، ألا نجد من ديارنا سوى أطلال كتلك التي وصفها طرفة بن العبد في شعره »لخولةَ أطلالٌ ببُرقَة ثَهمدِ تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد«.