التعليم في قطاع  “غزة “في ظلّ الحصار القائم، ونتائجه، وانعكاساته على الطلبة

بقلم /لطيفة محمد حسيب القاضي

يعتبر التعليم حقاً أساسياً من حقوق الإنسان، ويتمثل ذلك بأنه الحلقة المركزية في تنمية الشخصية الإنسانية بجوانبها كافة؛ لأن التعليم يدعم قدرات الإنسان، ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحرية والتعبير والحق في المساواة، وعدم التمييز وتقدير احترام حقوق الإنسان والحريات.

يعتبر الشباب مورداً بشرياً مهماً يساعد على تقدم الأمم والشعوب والتقدم على سائر الأمم؛ كونهم يشكلون مخزوناً استراتيجياً قادراً على مواجهة كل المصاعب والتحديات، فهم الأقدر في الدفاع عن القضايا العامة والحصول على الحقوق المختلفة والصمود؛ فالشباب هم المورد الوحيد الحقيقي للشعب الفلسطيني. وعلى ضوء ذلك فإنّ أخطر حدثٍ شهدته القضية الفلسطينية هي فرض سياسة الحصار الشامل من قبل الاحتلال الصهيوني على قطاع “غزة “وتحديداً على مؤسسات التربية والتعليم أدى إلى تفاقم المعاناة للطلبة والمدرسين في متابعة المسيرة  التعليمية، بالإضافة إلى تعرقل حرية الحركة وتنقل الأفراد، فكان عدد المدارس في محافظات غزة(   677) مدرسة، منها 530 أساسية، 147 ثانوية في حين بلغ عدد الطلاب في محافظة غزة 465 ألف طالب وطالبة وعدد المعلمين(18226)معلما ومعلمة، فكان الحصار هو العائق العظيم في تطوير هذا القطاع والنهوض به وبناء مدارس جديدة لاستيعاب أعداد الطلاب المتزايد؛ بسبب العجز الكبير في المباني المدرسية، بالإضافة إلى العجز في توفير القرطاسية والكتب المدرسية والمواد المخبرية لتقديم الخدمات التعليمية ، لذلك فإن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة يواجه صعوبات جمة، الأمر الذي أدى إلى سوء الوضع الاقتصادي، فأثقلت هذه العثرات كاهل أبناء قطاع غزة بشكل مباشر، فلم ينل الطالب الفلسطيني حقه الطبيعي في التعليم وهو حق بسيط بدون منازع، وعلى الرغم من الضربات والهجمات المفعمة  التي عملت على انتهاك حقوقهم وأرواحهم  التي  استهدفها العدو الصهيوني، أدت إلى الإطاحة  بأرواح عدد من الطلبة الأبرياء الملتحقين بالقطاع التعليمي.

إن الحصار وإغلاق المعابر، واستهداف الاحتلال المدارس والقطاعات التعليمية ومحاولة عرقلة بناء المدارس التي تعرضت  للتدمير والأضرار، وذلك لعدم دخول مواد البناء الأساسية التي تحتاجها  أدى إلى تعطيل تنفيذ الخطة التطويرية وإلى  عدم القدرة على إعمار مرافق المنشآت التعليمية، ومن خلال ذلك أدى إلى استنكاف المئات من المدرسين عن عملهم وعلى هذا السياق انقسم نظام التعليم في قطاع غزة من فترتين إلى ثلاثة فترات، ودمج الحصص الدراسية وحرمان الطلبة من أنشطة كثيرة كانت ضرورية لهم ومنعهم من ممارسة أنشطة ترفيهية داخل الفناء المدرسي، فكانت مغادرة الطلبة من المدارس في أوقات مبكرة في الصباح  والعودة في أوقات متأخرة في المساء للتغلب على النقص الحاد من المدارس، مما أدى  إلى كثرة الأعباء على مجمل المسيرة التعليمية.

إن فرض الحصار على قطاع غزة أدى إلى نتائج سلبية على الطلبة وتزايد مستمر في عددهم، وهذه الزيادة لم يواكبها أي تطور في النظام التعليمي على مستوى المدارس والجامعات والحرمان من الالتحاق بمقاعدهم الدراسية في تلك المؤسسات التعليمية، والبحث عن مبانٍ ومنشآتٍ مؤقتةٍ؛ لتمكين الطلبة من مواصلة العملية التعليمية .

وهناك العديد من المعلمين والمعلمات ساهموا بشكل إيجابي في العملية التعليمية ومسيرتها للارتقاء بالتعليم .

وقد قالت المعلمة الفلسطينية أسماء مصطفى – وهي تعمل في إحدى مدارس غزة- د: “نحن كشعب فلسطيني دائما عندنا إنجازات عظيمة في ظل الحصار، ولكن ما زال المعلم معطاء ويقود العملية التعليمة بأفضل ما يمكن وذلك من خلال الإبداع اللا محدود له”.

والمعلمة الفلسطينية إيمان البرعي، حيث قامت بمبادرة توظيف شبكة الإنترنت والتطبيقات الحديثة؛ لكسر الحصار من أجل التواصل مع العالم الخارجي وتعليم طالباتها اللغة الإنجليزية .

يضوي الحصار إعاقة الحصول على فرص دعم والتمويل الخارجي التي يعتمد عليها بشكل رئيسي، فقد تجمدت المنح الدراسية و التمويلات اللازمة لإعادة البناء المدارس والمباني التي تعرضت للدمار الشامل من قبل الاحتلال جراء قصف العديد من المباني، واستمرار الحصار والإغلاق الشامل للحدود والمعابر، إلا أن الاحتلال يخيم على أبناء وطلبة قطاع غزة .

ومن جهة أخرى فإن انعكاسات الحصار على الطلبة كان  له تأثير سلبي بشكل كبير على الطلبة، حيث بات الشعب الفلسطيني يعيش في دوامة العنف المغلق؛ بسبب كثافة الضغوطات النفسية والعصبية والحياتية الذي نتج عنه عدم الشعور بالأمان والتوتر والنزاع الأسري والعائلي، وزيادة العدوان وسرعة الانفعال والغضب وانخفاض الروح المعنوية وفقدان الثقة بالآخرين، وخلق ضيقاً نفسياً يعاني منه الأفراد، وخاصة الأطفال، فتجدهم غير قادرين على التركيز، شاردي الذهن غير متفاعلين، الأمر الذي يؤثر على مستوى تحصيلهم الدراسي، وأيضاً أثر

بشكل كبير على كل مجمل الحياة .

وتؤكد عدة دراسات بأن  شريحة كبيرة من الشعب الفلسطيني، يعاني من أمراض نفسية متنوعة بسبب الحروب والحصار؛ لأن الهدف الأساسي من الحصار هو زرع الخوف والرعب بين المواطنين في كافة مناحي الحياة.

أيضا تعرض الطلاب  إلى معاناة شديدة بسبب سياسة الحصار، فانعكس ذلك على طموحاتهم لأنه من حق الطلبة التنقل وتلقي التعليم العالي، فهو يعتبر حقاً مكفولاً بالقانون الدولي لتعزيز الثقافة الإنسانية لديهم.

وظهور ظاهرة الإهدار التربوي الهائل التي تسمى “ظاهرة التسرب من المدارس”؛ أي خروج الطالب من النظام التعليمي وتأثيرها السلبي من الناحية التعليمية، فيحول اهتمام المجتمع من البناء والإعمار والتطور والازدهار إلى مراحل الجهل والتخلف، وحيث يزداد حجم التسرب في المدارس الفلسطينية من سنة إلى أخرى ومن منطقة إلى  أخرى.

إن هذه الأيام الصعبة التي مر بها قطاع غزة، ستظلّ باقية لسنوات طويلة، ومن الصعب جدا التخلص منه.

إنّ سياسة الحصار المفروضة على الشعب الفلسطيني، والتي تبنّتها ومارستها إسرائيل من أجل عزل الأراضي الفلسطينية؛ للقضاء على البنية التحتية للمقاومة، بالترافق مع قيامها بحرمان الإنسان الفلسطيني من أبسط حقوقه الإنسانية؛ كالحرية والاستقلال وأبسط الخدمات الأساسية؛ كالتعليم  يؤدي إلى ضياع قدر كبير من المعرفة والمهارات والقدرات الحياتية والعلمي على الطلبة.

فإن وضع الحصار، حرم الطلبة من التعليم الجيد أو منعهم من تلقي العلم بالطريقة الصحيحة وعلى هذا السياق، فإن أهالي الطلبة يبذلون أقصى جهودهم لمنح أبنائهم التعليم المناسب والمطلوب.

العدد 126 / أذار 2022