الحصاد 100

الكاتبة اعتدال صادق شومان

في زمن انكفاء الكلمة والأفكار والقيم وعهد الصحافة الورقيّة الى انقضاء، وصار العالم يعيش على حدّ الواقع الافتراضي. ونحن على هذه الحال في مسار هذه التحولات بين إقفال مؤسسة إعلامية وأفول أخرى نودّع معها شغفنا  »الورقي« لا محالة، وإذ يوافي المعترك الإعلامي والثقافي مجلة  »الحصاد« الاغترابية بمنازلة خطرة كان من نصيبها أنها حصدت النجاح في تقديم النموذج الأرقى والصورة والمادة البصرية بتفصيلاتها الجميلة، جاعلة من  »قضايا الوطن العربي والعالم محطّ اهتمامها   ماضياً ـ حاضراً ومستقبلاً« ضمّت مواكبها بين جيل مخضرم بالمعرفة وجيل فتيّ يحقق وعوداّ ومفاجآت. وإذ تحتفل اليوم  »بحصادها« المئة ثبت بالدليل الملموس أنها تتوالد وتنمو وتستمر.. وأن القلم لم يجفّ حبره لصالح الشاشة الزرقاء وأن التآلف بينهما الورقية والرقمية ممكن.. والحصاد هي الدليل الوافي.

الشاعرة والكاتبة أسماء الشارقي

رأيي أن مجلة الحصاد تفردت عن غيرها من المجلات الصادرة في الوطن العربي يتناولها ذات المنحى الفكري الموضوعي التي تلامس الواقع الراهن وتحاول من خلال طرحها تقريب وجهات النظر بين مختلف شرائح المجتمعات، وهي من هذه الزاوية تمنح القارئ فرصة الانفتاح على الآخر: شاعرا كان، كاتبا، مهتما بالشأن العام.  ومن جهتي ككاتبة وشاعرة تونسية سعدت بنشر بعض من نصوصي والحوارات التي أنجزتها على صفحات مجلة  »الحصاد«.. على أمل أن يبقى حرفي وفيا لزخم منجزكم القيّم.

الروائية والصحافيّة ضحى عبدالرؤوف المل

 »مغامرة من صميم الأدب«

 ترصد الحصاد المقامات الأدبية من خلال التوغل في أعماق الاعمال الفكرية والادبية، فتزرع في مسيرة القارىء معها المعرفة التي تثمر في فصولها الكثير من الموضوعات المحملة بالمستويات المختلفة. مما يجعل النفاذ الى الأفكار مغامرة من صميم الادب، للكشف عن كل ما خفي من دراسات أو لقاءات أو تحليلات غنية الرؤى، اذ تكتسي بالنظريات الفواحة والمستحدثة، فيغدو خريفها استشراقا نتذوق فيه عصارة الشاعرية والمفاهيم التراثية وتنوع الثقافات التي تترجم الماضي والحاضر الشبيه بشجرة تطرح ثمارها الناضجة على صفحات الحصاد التي تسعي في صعودها الى الاستجابة التعبيرية. لتظهر ثقافيا في كل مرة وفق معايير الفكر الادبي ومدلولاته في مفردة الحصاد، فيجمع القارىء من غلالها المتزايدة الكثير من المعرفة القادرة ان تجعله يتبوأ عرش الجمال من منظور الأدب الغني بالبيان، وبالفلسفات التحليلية والحوارات المتجددة مع وجوه نشتاقها ونتساءل عنها ونتشوق اكثر فاكثر الى التغلغل في مفهومها الشعري أو عوالم معطياتها التي جعلتها من اعلام الشعر أو الرواية أو الكتابة بشكل عام. في عددها هذا تضعنا زمنيا على صفحاتها، فتجمعنا في باقات من ورود لا تفصل بينها الا بالتشكل الثقافي وبصورته الخصبة وتياراته المختلفة. ولما كانت المجلة متفاعلة في اعدادها مع الحداثة وتطوراتها. والثقافة وهمومها وتجاذباتها برز حنين اقلامها لانشاء جسور التلاقي الفكري بين الكتاب، لتحقيق الرؤية المشبعة بالاستكشاف اللامحدود. وحرصا منها على تحقيق الحصاد لفاعليته في ميادين شتى فلسفية أو شعرية أو اجتماعية باحثة عن الابداع والابتكار. واخلاصا منها للمعطيات الثقافية كلها كسرت الحواجز للالتزام بقناعاتها الأدبية أولا ولحاجة الساحة العربية واللبنانية ثانية إلى حصاد ترمم به المجاعات التي تعاني منها العقول بمعظمها بل وتكثر من المخزون الأنساني الذي تكمل به مسيرتها ما بعد المئة. فهل من مسيرة في عوالم الحصاد غير محفوفة بالمغامرات أو بالمخاطر؟ وهل الضوء المعرفي في الاعداد القادمة سينير صفحاتها بما هو معهود منها دائما؟ في عددها هذا اتمنى لها استكمال مسيرتها رغم كل التقهقر الذي اصاب خط الدرب الثقافي العربي في الآونة الأخيرة حيث شهدنا على تغيرات في المعطيات التي ما تزحزحت عنها مجلة  »الحصاد«، بل ثابرت على منهجها الذي بدأت به اولى صفحاتها محافظة على مستويات التطور من خلال الاصطياد الادبي، ومحو التصحر الثقافي بشفافية، وبنظرة ثاقبة، وبجرأة فنية، وتفاؤل جعلت من مسيرتها كالزارع لحقل من قمح في كل سنبلة مائة حبة . لهذا اقول تباركت الكلمة التي انجبت  »الحصاد« وتبارك الزرع الذي اخضر وازهر وانتشر أريجه في العالم.

العدد 100 –كانون الثاني 2020