الشاعر والإعلامي اللبناني حسن م. عبد الله

سناء بزيع

الشاعر والإعلامي اللبناني حسن م. عبد الله واحد من الشعراء الذين إختاروا الكتابة دفاعا عن الحياة كما يقول. نشأ في جنوب لبنان في وسط شعري عائلي، وإنتقل إلى بيروت في مطلع الثمانينات كصحافي، بعد أن برز إسمه ككاتب نصوص شعرية لفتت الى إمكانات معرفية. عاش الحرب الأهلية وكتب أول نص شعري حقيقي، كما يقول حين نجا من الإعدام على يد الميليشيات. وعلى مشارف إنتهاء الحرب في لبنان إنتقل إلى باريس حيث درس »فلسفة الخطاب والتواصل« في جامعة السوربون وإنصبت أبحاثه الجامعية على الحرب والإعلام في لبنان. عمل في عدد من المؤسسات الإعلامية العربية والدولية. عاد إلى لبنان في منتصف التسعينات، وكان له تجربة في مدينة دبي، وقد نشر عددا من قصائده في صحف مثل »النهار« و»السفير« و»الحياة« وغيرها. كتب بكثافة لكنه إختار العام 2003 لينشر أول دوان له، وهو يعتبر أن للكتابة دورها في قراءة الحياة. هنا حوار سريع مع الشاعر:

صدر لك » صور الوله« عام 2013 و»مولانا الغرام« منذ فترة ليست ببعيدة .. علمنا أن ديوانك الثالث سيصدر قريبا، فما الجديد لديك في هذه المجموعة؟

 أنا أكتب بكثافة وأنشر ما أكتبه في بطء وحذر. بمعنى أنني لا أستعجل النشر إلا إذا كنت متيقنا من أن ما سأطرحه على القارئ هو قصيدة تمس عقله أولا ووجدانه ثانيا وتحرك فيه الإحساس بالحياة بكل المفاصل النارية الكامنة فيها. الكتاب الثالث في طريقه إلى المطبعة بعدما تيقنت من أن لدي النص الذي يحمل في داخله تحريضا على التفكير في الوجود والدين والمجتمع والعلاقات الإجتماعية واللغة، وكل ما يمس حياة الإنسان. أعتقد أنني خضت تجربة مريرة مع عواصف الحياة نفسها واردت التعبير عن رؤيتي وتحليلي بواسطة النص الشعري، ولأطرح على الآخر مقاربة خاصة للمسائل الحيوية في هذا العمر السريع.

 لماذا تكتب؟

الكتابة بالنسبة لي هي للدفاع عن نفسي في وج ضراوة الحياة، ومحاولة لتفسير الوجود المحيط بنا. النص الشعري بالنسبة لي طريقة ساحرة وغير مقيدة للتعبير. وهذه منحة أحاول أن أحسن إستغلالها. اللغة أداة خطرة إذا لم نتمكن من السيطرة عليها فإنها تصبح سلاحا فتاكا.

الشاعر والإعلامي اللبناني حسن م. عبد الله

  ديوانك مولانا الغرام طغت عليها النصوص في الحب خصوصا في جزئه الأخير، ما سمة الديوان الجديد؟

العقل والألم والموت والجسد البشري والطبيعة والكون والآخر، كل ذلك سيحضر في الديوان. التجارب والأحداث التي عشتها خلال السنوات الماضية ستنعكس داخل النص، بمعنى يمكنك أن تتوقعي سيرة ذاتية متقطعة في نصوص يجمع بينها نفس يصعد ويهبط كما لو أنه سر ينكشف ويستتر.

 ما هي الرسالة من وراء كل ذلك؟

لا رسالة، إنها عملية كشف للنفس وإعترافات باللغة التي ترقى إلى مستوى السّوط. أنا أسائل نفسي ومجتمعي وبلدي والكون. في التفاصيل الصغيرة ثمة إيقاع يحاول أن يقول شيئا مختلفا عن السائد. بإختصار أحاول أن أقدم تجربة جديدة في كيفية قراءة وكتابة هذه الحياة عبر اللغة والصورة الشعرية.

 أنت تعمل في المجال الإعلامي، فهل نتوقع أسلوب الصحافي في إكتشاف العالم؟

لا ليس بالتحديد، ولكن مهنتي كصحافي تلعب دورا في مقاربة ما يحيط بي وما أراه وأحتك به. الأرجح أن إشتغالي على الصورة والحقائق في النص الشعري نابع من ملاحظتي الدقيقة وإستغراقي في إكتشاف مفاصل الحياة وأبوابها الخلفية.

 إذا لم تكن رسالة فما الهدف من الكتابة؟

الرسالات محصورة بالدعوة إلى حياة أفضل. أنا أحاول إكتشاف الحياة، تفكيكها عبر النص الذي أكتبه.هذه مهنتي التي لا تتوقف. أريد أن يصبح الألم في متناول الفهم، والحب ليس أبلها والموت أقل ضراوة. أحاول أن اقدم جملة تسمح برؤية ما هو خلف الأبواب كالغربة والظلم والإضطهاد والحرب والتطرف…ألخ.

 هل وصلت إلى صياغة قصيدتك التي تريد؟

إطلاقا. هذا بحث مضني عن النص. النص لا يتوقف عند حدود معينة. أنا لا أحترم اي كاتب يقول :هذا هو الشعر، وهذا هو النص. الكتابة فعل تفاعلي متغير لا تتوقف آلياته إلا بالموت.

مقاطع من شعره:

جوقة داخلية

لا أذكر من حياتي

 سوى الحرب

 قلت لكِ ألف مرة

 إنني لم أكن طفلا

 ولا مراهقا

 ولا شابا

 ولدتُ مسلحا

 وهرمت بعدما شاهدت رفاقي يموتون

 عندما مات أبي

 لم أعدْ مضطرا للإلتفات إلى الماضي

 وقلتُ لكِ أيضا

 إنني أحتفظ بأغراضه التي أحبّها

 ولا رغبة لي بهوايات حزينة أخرى

.حياتي التي تريدينها

 أخذها من قبلكِ زناة الحياة

 بعضها دهسته عجلات القطارات

 بعضها الآخر غرق بين بحر طرابلس وبحر قبرص

 العسكري البشع صادر بعضها قبل أن يجلد تاريخي.

كل ما قلته لكِ عن أسفاري إلى باريس ولندن وبراغ والمدن الساحرة

 كان محض خيال.

كيف يمكنُ لكِ أن تسألي مَنْ مثلي عن حياته؟

 وهل يمكن لي أن أجيبكِ وأنا الذي أعدمني رفاق دربي؟

 ألمْ تتابعي كيف أغتصبوا عيني الجميلتين

 ومزّقوا قميصي ثم أوقفوني إلى الحائط ؟

 وأية حياة ترتجينها من كائن مثلي لم يعد يُرى؟

 لم أعدْ بائناً للأسف متُّ في الحرب.

قسوة

 حب يكسر الظهر

 لكن الشجرة واقفة

 لا تنتبه لعصافير

 تفقد صبرها

 تتحسس رائحة حطام.

معارك

 أسلح كلماتي بأجنحة حديدية

 لتجتاز أرض المعركة

 فتحط بالمواساة فوق رؤوس القتلى

 قبل أن تفتتها الوحدة.

أنا ساعي رسائل الأمهات

 اللواتي يبسن من الوحشة.

العدد 87 – تشرين الثاني 2018