نوبل

سهير آل إبراهيم

أثار حصول الشابة العراقية نادية مراد على جائزة نوبل للسلام )بالمشاركة مع شخص آخر( ضجة بين العراقيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، و تضاربت الآراء حول هذا الامر بشكل كبير.

لست بصدد الحديث عن نيل نادية للجائزة، فقد تحدث الكثيرون عن هذا الامر و بإسهاب، و انقسم المتحدثون ما بين مؤيد له و محتف به، و معارض له وجهة نظره الخاصة. لكني هنا أود الحديث عن فرح البعض بالجائزة و تفاخرهم بها، رغم ان الطريق اليها كانت بدايته مرّة قاسية، بداية يصعب تخيلها على مَن لم يتعرض للوحشية التي تعرضت لها نادية و غيرها من النساء اللواتي انتُهكت انسانيتهن و اجسادهن في أسواق نخاسة توقف الزمن عندها منذ قرون طويلة، فبلغت القرن الواحد و العشرين كما هي، لم يغيرها الزمان و لم تهذبها الانسانية، أسواق نخاسة أقيمت على ارض تُسمى وطن! حقيقة أثار ذلك الفرح في ذهني الكثير من التساؤلات.

مُنحت الجائزة  لصوت نادية و لشجاعتها في التحدث عن بشاعة ما تعرضت له و المجاهرة به، فهي امرأة من مجتمعنا الذي يعتبر المرأة مذنبة حتى و إن كانت ضحية. تحدت نادية الأعراف التعسفية التي تعتبر المرأة المُغتصبة سلعةً معطوبة لا يصلح استخدامها إلا من قِبَل مغتصبها، إن تكرّم عليها و رضي أن )يستُرَ عارها( الذي كان هو المسبب له، او الشريك فيه!

أرادت نادية لصوتها أن يكون مسموعا، عبرت عن حاجتها أن يعلم أكبر عدد من الناس ما تعرضت له من ظلم و عنف و امتهان لكرامتها و إنسانيتها و جسدها، إذ ربما يكون لكلماتها صدىً في قلوب عامرة بالرحمة و عقول تؤمن بحق الانسان في أن تُحترم كرامته و انسانيته و جسده. و لا أستبعد صعوبة العثور على من يرد اليها اعتبارها في وطنها، لذلك لجأت الى مجتمعات تُنصف المرأة و تتبع في الحكم أزاءها موازين الحق و العدل.

أعود الى الفرحين بالجائزة، او لأقل بعضهم، و اتساءل: من هي نادية بنظرهم؟ هل هي إنسانة كانت ضحية لموروث بشع تناقلته المجتمعات المتخلفة عبر الأزمان؟ و إن كان الأمر كذلك فهل يمكن إعتبار ذلك الفرح و الاحتفاء بالجائزة بداية لإنصاف المرأة، فلا تكون كبش الفداء في

حصول الشابة العراقية نادية مراد على جائزة نوبل للسلام

حالة وقوع النزاعات بين مختلف الأطراف؟ فالمرأة لا تزال تدفع ثمن ذنوب بعض رجال العشائر و جرائمهم و اخطائهم، حين تكون هي الكفارة عن تلك الذنوب تحت مسمى الفصلية. لا يغيب عني بالتأكيد ان النساء اللواتي يتم تبادلهن لأجل حل النزاعات العشائرية، يتم تزويجهن الى رجال من العشيرة الاخرى، و لكن ذلك الزواج برأيي لا يختلف في جوهره كثيراً عن الاغتصاب الذي تعرضت له نادية!

الكلمة العليا في مجتمعاتنا، و ربما الوحيدة، للذكر، و ليست المرأة في الكثير من الاحيان سوى )وسيلة( من وسائل الراحة. سمعت شابا يتحدث عن ألمه و معاناته بسبب رفض أهل الفتاة التي يحب لطلبه الزواج منها. قال انه متمسك بها لانه متأكد تماما من شرفها، فقد )حاول( معها كثيرا و لكنها لم ترضخ لمطالبه! لم أسأله في حينها ماذا كان يقصد بكلمة حاول، و ما الذي الح على طلبه منها، فلا حاجة لتوجيه سؤال جوابه معروف سلفاً. لا أستطيع وصف مشاعر الخيبة التي احسست بها في حينها، فهذا شاب يحب فتاة، و عندما بادلته الحب قرر ان يُخضعها لاختبار جودة، فهو رغم المشاعر التي كان يحملها لتلك الفتاة، و التي وصفها بانها مشاعر حب، لكنه كان يتعامل مع تلك الانسانة كسلعة، فكان يحاول تجربتها للتأكد من سلامتها و انها غير قابلة للعطب، حينها تراءت امامي صور النساء قديما في أسواق النخاسين، و كيف كن يخضعن للفحص و الإختبار. ماذا لو استجابت تلك الفتاة لمحاولاته، ماذا لو كانت تحبه و فسرت محاولاته على انها تعبير عن مشاعر الحب لديه، و ارادت ان تعبر عن مشاعرها بنفس الطريقة؟ أظن ان التكهن بالإجابة ليس صعبا؛ إن تمنعت و لم تتجاوب معه تكون قد تجاوزت الاختبار بنجاح، و لكنها لو استجابت لمطالبه كان سيتركها بلا شك، لانها عندئذ ستكون سلعة غير صالحة للاقتناء، و في كلا الحالتين هو الرابح، برأيه طبعا و وفقا لثقافة مجتمعنا، أما المرأة فلا تكون خاسرة فقط، و إنما هي الخاطئة الوحيدة، لأن مجتمعنا يحاسب المرأة دوما، و المرأة فقط، على الخطايا التي يشاركها الرجل بها.

اعادت نادية و جائزتها الى ذهني كل الأخبار التي سمعتها و قرأتها عن النساء ضحايا جرائم غسل العار، فتلك جرائم تجلب الفخر لمرتكبها، و تترك من ألحق العار بالضحية حرا طليقا يُلحق العار بأخريات كما يشاء! يا ترى هل سيناصر الفرحون بجائزة نادية كل امرأة تقع ضحية كذب رجل و خداعه؟ هل ستجد تلك المرأة من ينصفها و يقتص ممن غرر بها و أساء اليها؟ هل ستتمكن من اللجوء للقضاء بدون الخوف من ان ينتهك المجتمع كرامتها  و إنسانيتها، كما انتهكما ذكرٌ مخادع؟ هل ستتمكن من التحدث عن وقوعها ضحية ذكر جبان بدون الخوف من أن تُقتل غسلا لعار أوقعها به إنعدام الرجولة و الضمير الحي لأحدهم؟ علما إن بعض مدعي نصرة المرأة و حقوقها في بلادنا في الوقت الحاضر، هم اخطر عليها من اولئك الذين  يتفاخرون بكثرة غزواتهم و انتصاراتهم  الذكورية في عالم النساء!

هل يمكننا اعتبار هذا الفرح و التهليل بالجائزة التي نالتها نادية مراد بداية لترسيخ العدالة في التعامل مع المرأة، فلا تدان في حال تعرضها للقهر و العنف او الخداع و الاحتيال؟ هل ستكون تلك الجائزة بداية النهاية لعهود طويلة من معاملة المرأة كسلعة ينتقيها الرجل كما ينتقي ابسط مقتنياته، و يرميها كما يرمي أي سلعة انتفت حاجته اليها؟ هل يمكن التفاؤل بذلك الاحتفاء بالجائزة و اعتباره بداية لتسلل النور الى عتمة بعض موروثاتنا؟ هل يمكننا الشعور بالأمل أن المجتمع سوف ينصف المرأة عندما تكون ضحية فيتعامل معها على ذلك الأساس و يقتص ممن اجرم بحقها أو اساء اليها؟

الامر ليس مستحيلا، و لكني أعتقد انه صعب التحقيق. قد تكون صعوبته مثل صعوبة تحقيق احتمال ان اوي الى فراشي مساءً، و أستيقظ صباحا لأجد نفسي على سطح القمر! الا اني لا أذعن الى اليأس ابداً، و قد قيل ان رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، لكني أقول فيما يتعلق بتحقيق العدالة في التعامل مع المرأة في مجتمعنا ان رحلة ملايين الاميال تبدأ بخطوة صغيرة، لا يتجاوز طولها طول قدم طفل رضيع.

يبدو اننا شعوب متعطشة الى الشعور بالفخر، ربما بسبب الهوان الذي نعيش فيه، و تعاظم خيبات الأمل و مشاعر الاحباط التي اصبحت تشكل رؤيتنا للحياة. نادية عراقية استحقت جائزة نوبل للسلام و من حقها أن تفخر بها كل الفخر، فقد نالتها بشجاعتها و ايمانها بقضيتها. الا اني أجد صعوبة في اعتبار تلك الجائزة عراقية، لأن ما تعرضت له نادية يشكل صفحة سوداء في تاريخ العراق المعاصر، و ما تلك الجائزة الا تكريماً اجنبياً ليس للعراق أي دور إيجابي فيه. اتمنى ان يأتي اليوم الذي تكون فيه عوامل فخرنا )صنع محلي(، فلا نلهث وراء اسباب فخر تأتينا مُعلبة جاهزة الصنع من الخارج.

العدد 87 – تشرين الثاني 2018