مئة عام على ولادة توفيق الباشا

عشرون على غياب الراوي الساحر

الرواة سحرة ، لا يخشون الأوقات اللاحقة لأنها في رواياتهم . توفيق الباشا ، ساحر لأنه راو موسيقي ، يروي اللحظات بالموسيقى ، بلا خشية . لأنه يعي أن الراوية غير ميالة إلى الخلف . لا يروي في الموسيقى وحدها ، لأن الباشا راوٍ في كل لحظة بكل أنواع الأداء . يروي بإدراك خرافي ، من قدرته على الإستجابات حتى في أحلك الظروف . ساحر هو الرواي حين يرى في شروط نجاح الفهم الموسيقي الإنطلاق من نقطة مركزية . نقطته المركزية هي الشرق، من الموشح المحدث الأداء إلى الفانتازيا . لن يخطئ في قياس الأسباب ، لا ردود الفعل . لأن الأخيرة تبقى تخضع لتقلبات المزاج المتوافقة واللامتوافقة . المزاج جزء من الطبيعة العفوية . ثمة طبائع عفوية ، لا طبيعة واحدة ، في شخصية توفيق الباشا، ما يتطلب امتلاك فهم مسرحي في أشغاله الموسيقية. انه يضع مؤلفاته في مدار الأداء . ثم، أن موضوعاتهتوفيق الباشا المطورة شديدة الإسترشاد بمعايره . أولاها الأناقة . توفيق الباشا ذو الاناقة الأشبه بالنشاط العلاجي ، لا يخفض معدلات الأناقة لا لدوافع خفية ، حيث أن الأناقة يقين من يقينيات سوف تؤدي إلى جوهر الموضوع . ذلك أن الاناقة واحدة من وحدات إنجاز الثقة في الذات وفي المؤلف الموسيقي. فولار لن يختفي بانقضاء الأوقات . فولارات للصيف ، فولارات للشتاء . “بوشات” لن تضل الطريق إلى إنجاز جزء الأناقة الآخر . المقدمة الغنائية للدنيا هيك ، الكوميديا الشعبية ، اغتبطت بأناقة توفيق الباشا وهو يؤلفها بالمرح التدريجي . هذا المرح ، هذا التدرج ، التدريج ، جزء من الاناقة . نظاراتان طبيتان مربعتان لا تبعدان عن العينين لكي لا تكشف العينين ما فيهما . سوف ينقضي الوقت في رصد الإشارات الأنيقة في مشيه في شوارع القاهرة ذات عام ، حين وجدت نفسي على استعداد للإنتظار حتى يتحوج ما أراد تحوجه من بوتيكات القاهرة الفخمة . لو أنني أردت إنجاز الأمر بدونه لضللت الطريق . ولكنها الصلة الصامتة . الصلة الصامتة بالأشياء ، الصلة الصامتة بالأشخاص ، الشخصيات، الموسيقى . هذا جزء من اجزائه الطيبة . جزء من اجزائه الشاقة . ثمة شيء يتدافع من أعماقه دوماً . ثمة ، تدافع روحي . ثمة تدافع نطقي تتخلله فراغات بين كلمة وكلمة في أحيان وبين جملة وجملة في أحيان .

يلعب الفهم دوره في تقييم المعايير . الباشا معياري من ادراكه المعاني الأعمق للأشياء . قوة حجته في اجزاء اللغة . لأن اللغة لدى الباشا المستربعاني الجسد لا تقوم على تعاطي الفوريات ، حين تقوم على الإنتقالات ، من الضرورة إلى الإستمرار والتقدم والتطور والتقويم والإتجاهية. لطالما قادته اتجاهيته إلى أكثر ما يحتاج جمهوره أن يعرفه . شخصية كمسرحية لا تتوقف عن التطور ولا عن إعلاء الدهشة في اللغة المؤلفة من الحدث والإيماءة واللهجة والحركة .مسرحي في الموسيقى موسيقي في المسرح . ذلك أنه اشتغل في المجالين . مسز كوك الأميركية لم تبذل قصارى الجهد لكي تبعده عن ذاته . لم تسعى إلى ارضاء نزوة عابرة . لذا وجد في الشراكة معها ما يبدو له أهمية.لذا،اشتغلا “الإنشادية النبوية” ، مؤشر على ما يدور في مشروعه الروائي . الرواة سحرة . واحد من سحرة الشرق ، من تألق سحر الرواية فيه من سكينة منبعثة من داخله . سكينة تقود إلى الإنغماس بكل شيء بالثقة . ثقة قادت أعماله المركبة على القناعة والتتابع جنباً إلى جنب بعيداً من البيانات . لا معلم له ، ولو علمه معلمون ما قاده إلى جمالات تأخذ بالألباب . لا زكي ناصيف ولا الكسي كوغل الروسي الأبيض ولا روبيار . معلمه خاله خليل مكنية . الموسيقي والرسام، من قاد الأخوين إلى وحي اللحظات الأولى في الرسم والموسيقى . أمين إلى الموسيقى وتوفيق إلى الرسم . كلام لا علاقة له بوجه التقريب . هكذا ، كلام توفيق الباشا . ولكن ثمة ما حدث . ثمة ما تعقب الأخوين حتى منح الواحد منهما ما بين الجيد الأتلعوالده ، أحمد الباشا  لشخصيتين بدا العالم الثقافي مختلفاً مذ التزم كل بجانبه . حدث شيء ولو انكره بعضهم . لا تواطؤ . ثمة ما قاد . قياد ارتياد حرير في الرسم والموسيقى . انغماس في الأمرين حقاً . إنغماس لا افراط من رجلي مهمة واحدة في اختصاصين طوعيين . اختصاصا مادة لا ماديات . ظهر كل متلق باحساسه ما جعل الرجلين توأمين ولو أنهما ولدا في زمنين مختلفين . بالأيام الأخيرة ، وقفت مشاعر الباشا على ما هو منوط بالإهتمام .مؤلفاته ورسوم أمين . قالها لي بإيماءة احتفالية . إذ أنه لم يتوقف عن الإختباء في أعماله ولا في المضي بها قدماً . لن يخفي اثر الباشا لا رجل ولا ناقد ولا علامة . توفيق علامة في الموسيقى . ميزولوغ. لا على التعلميات ولا على مواد الكراسات ، على ما تركته الموسيقى في نفسه . وما تركته الحياة في موسيقاه . لا أحسب في هذا المجال أن الإتيان على ذكر الأعمال وحدها من دون رؤاها ، طراز حديث على ترتيبات بأعلى الأقدار . البيوغرافيا ظالمة ، مظلمة. ولد . بعدها ، عَلِم . ثم ، علَّم . ثم ، انتج . هذه معلومات تقود إلى خيبات الأمل من عدم الرغبة بالقراءة العميقة . سعي إلى تأجيل ما يقدم وعوداً لا عناوين . لأن الوعود في العناوين . لا علاقة للأخيرة بالضمائر الإبداعية . انها خداعة . بالأخص من من لا يمتلك الشجاعة الكافية للقفز فوق هذا النوع من الإتلاف . البيوغرافيا إتلاف. لا تحدث ولا تواصل الحديث . شيء من غوغل . شيء من حوار مع جثة من كسالى الوقت ومن يتعذر عليهم أن يقرأوا الأمور على نحوها . عبور إلى إذاعة الشرق الأدنى ، الإذاعة اللبنانية . لا علاقة للأمر بصندوقه السحري . ذلك أن الباشا صوفي ، لا يمكنه الوجود إلا في مواضع لا يراها الكثيرون . لأنها مواضع العمق . العائلي ، رفع وجهه نحو السماء الشتائية الضاربة إلى القتام وروى على صوت كحات الوالدة في حجرة غربت شمسها وهي لا تبتعد سوى بوصات عن ثلج لم يتراكم على الروح . الوالدة في موضع وهو في موضع . إنهما في موضع واحد . لم يطرف وهي تهمي على وجهه بأوجاعها. رد على ام كلثوم بمقالات ، حين شرعت بالقول ان البشارف والتحاميل تركية . لم يتوقف ابداً عن تصحيح الأوضاع . لأن الباشا لا يتعلق بالصدف . لأنها يجدها قبوراً مفتوحة . ساجل الست بعد أن بلغ صوتها مداه ، بعيداً من كسر الخواطر . هذا شأن لا يسكت عليه ، ولو انتمت السيدة إلى عالم الكبار . كبير يدفع الكبيرة إلى تلقي الأمر بالجدية والروح الطيبة . حين وجد في مهرجانات بعلبك في دورتها الأولى وجد على الموسيقى والمسرح . ممارسات لاستخدام النوت الموسيقية والنصوص المساعدة في دراسة الأشكال المسرحية الغنائية واسعة النطاق . عودة إلى مارون النقاش وابي خليل القباني مع الرئيس كميل شمعون والسيدة زلفا زوجته . يا بنيشنكم يا بنيشكم، قال . إلا أن اللوحات والمباني في عام المهرجان الأول ، لم تتمتع بالعام التالي بالفنانين المميزين. خمسة كبار في مهرجانات بعلبك . الأخوان رحباني ، زكي ناصيف ، توفيق الباشا . أربعة . ينقص واحداً .جيء بتوفيق سكر ما اكد توافق المجموعة و مجموعة الخمسة الكبار في الإتحاد السوفياتي . تم وجود

شراكة الموسيقى والفن التشكيلي بين توفيق وأمين الباشا/ أندلسيات

الأخير مع التطور الفوري لأعمال الأربعة . لا يتهم الواسع النطاق ذهنياً احداً في عدم وجود من وجد في الدورة الأولى في الدورة الأخرى . دافئ لسان . حدثني زكي ناصيف قال ، أن وراء عزل الثلاثي رجوع الأخوين رحباني إلى الرئيس شمعون . نحن فقط ، قالا له . أو نمضي. قال ناصيف أكثر .

لا يجد توفيق الباشا مثالية في السرديات . حتى ولو وجد لها الخلفيات الملائمة . ما حدث حدث . نقطة على سطر الكلام . محب السيد درويش والموسيقى الكلاسيكية الغربية والشرق أقصوية ، انتج من الأنواع المختلفة ما يراه العالم علاوة في الفنون . سعيد بسمفونية بيروت ، واحدة من نماذجه البارزة في تحقيق خصائص عوامل علاقة البيروتي ببيروت . سعيد بأن تلعبها الأوركسترا البلجيكية . سعيد بأدواره في المعهد العالي للموسيقى في نقابة الموسيقيين ونقابة الفنانين المحترفين . منهجه في حل المشاكل من خلال الإلحاح . سعيد بحياة منقوشة على الأحجار والأرواح والأشجار . سعيد بالمشاعر الوطنية . سعيد بقوميّته ، حتى أنه رفض توظيف أحد الأقرباء في الإذاعة لأنه شيوعي . سعيد بقيادة الأوركسترا لفيروز . ولكنه الأسعد بامتداد حياته إلى الثمانين . اليوم ، يدرك العالم انه مضى على مضيه إلى وادي النوم عشرين عاماً . وأنها ذكرى ولادته المائة ، بقي خلالها قادراً على الإحتمال ، بحيث دفع من لم يقدر مقداره على استجماع الأطراف في شجاعة تأتت من الرجل الشجاع نفسه: توفيق الباشا .