نهاية العالم وساعة القيامة

الدكتور إبراهيم الحريري

بعد دوام طويل بمكتبه بالطابق 101 اخذه المصعد الأسرع بالعالم خلال دقيقتين لموقف السيارات ليستقل سيارته التسلا الكهربائية ذاتية القيادة ليركب بالمقعد الخلفي وليوجهها بالأوامر الصوتية لتتوجه للبيت بعد يوم طويل من العمل ويقوم بمكالمة لمدير مكتب الشركة باليابان الذي يكلمه باللغة الياباتية الصرفة المترجمة فوريا وبدقة عالية لاعتمادها على الذكاء الأصطناعي وليتولى السائق الآلي المرتبط بالاقمار الصناعية والانترنت قيادة السيارت بأحدث التكنولوجيا وبدقة متناهية للوجهة المطلوبة وبخروجه من المكتب يتولى نظام ادارة المباني الذكي باطفاء الأنوار وتشغيل نظام الحماية والأمن بشكل تلقائي ونفس النظام يقوم عند اقترابه من البيت بتشغيل الأنوار ونظام الكهرباء والماء والغاز ونظام التكييف على درجة الحرارة المضبوطة مسبقا الذي بوصوله يكون كل شي قد تم على اكمل وجه من حيث الإضاءة والتكييف والمراقبة والانترنت والتلفزة حسب الطلب لبرامج منتقاه ومشترك بها مسبقا وكل ذلك يتم بخصم بنوك الشركات المقدمة للخدمة من حسابه وقراءة عدادات الخدمات عن بعد دون تدخل صاحبنا بأي شي لأن الأمر مجرب ومدروس وثقة.

هذه هي الحياة العصرية الحديثة التي يعيشها اغلبنا وتتبارى الشركات العابرة للقارات بل ما يسمى بالدول المتحضرة إذا احببتم كما تحب أن تسمي نفسها لتقديم هذه الخدمات لساكنيها ببساطة متناهية ودقة كبيرة حتى اصبحنا نضبط ساعاتنا البيولوجية على هذه التقنيات التي غزت كل مناحي حياتنا وحتى غرف نومنا وكل هذه التقنيات تعتمد على الكهرباء والاتصالات والانترنت والتي اصبحت روتينية باعتمادها على الطاقة والامواج الكهرومغناطيسية. ولتأمين استمرارنا بنفس مستوى التقنية والرفاهية المفرطة لابد من المحافظة على استمرار هذه الأمواج بترددهاو طولها وشدتها وعدم المساس بها لان أي اضطراب بهذه الامواج سوف يفقدنا طعم حياتنا المرفهة وخدماتها التي لا توصف ليجعلنا نستفيق على كابوس ليس فيه نوع من أنواع التكنولوجيا وعودتنا إلى عهد أجدادنا بأبراج مظلمة وأدوات مواصلات خردة لا تعمل ووسائل اتصال لم نتعود عليها بعصرنا وهي الاتصال وجها لوجه وأدوات تعتمد على المواد الحجرية والمعدنية الصرفة ومن هنا يدق ناقوس الخطر الذي هو قاب قوسين او أدنى.

الأمواج الكهرمغناطيسية هي المحرك اليوم لحياتنا بكل ما فيها من جميل وسمين وأي اضطراب لأي سبب بها سوف تفقد البشرية كل الجمال والتحضر المفرط الذي اعتاده كثيرنا بل بعبارة اخرى اذا صح التعبير لا يعرف كثيرنا غيره لدرجة أن اعتمادنا المفرط على التكنولوجيا حوّل حياتنا إلى أوامر لا تحتمل التفكير بل تحتمل التنفيذ فقط والحصول على النتيجة بسرعة البرق دون تفكيرنا كيف تمت هذه العملية أو تلك، وهذا واقعنا شاء من شاء وهم كثر وأبى من أبى وهم قلة.

لذلك مصير البشرية مرهون باستقرار واستمرار الأمواج الكهرومغناطيسية وتردداتها وهو ما يميز كوكبنا الجميل وأي اضطراب بهذه الأمواج سيحول حياتنا إلى جحيم وكل العقلاء والعلماء يتمنون أن لا نصل لهذه النقطة ولكن الأمنيات والفلسفة والتفلسف شي والواقع والعلم شي اخر فهل سنصل لهذه النقطة وهو ما يحاول أن تجيبنا عليه ساعة القيامة Doomsday Clock وهو المصطلح الذي اعتمده العلماء واكثرهم من الحاصلين على جائزة نوبل لنهاية وفناء عالمنا جزئيا أو كليا وهي تقدر بدقائق تفصلنا عن منتصف الليل واليكم قصتها.

بعد هيروشيما وناغازاكي، قال ألبرت أينشتاين، »كل شيء قد تغير، ما عدا الطريقة التي نفكر بها«.

بعد الحرب العالمية الثانية، وتحديدا في عام 1947، وقد قام علماء الفيزياء الذين عملوا على هذه القنابل الأولى بإنشاء نشرة العلماء الذريين وساعة يوم القيامة)Bulletin Of the atomic Scientists( في شيكاغو, »ساعة القيامة«هي أداة رمزية يشير عدها العكسي إلى انتهاء العالم.، وواصل خلفاؤهم مهمة تحذير العالم من أخطار الحرب النووية وقامت مجموعة من العلماء ببحث الدلالات والمؤشرات حول اقتراب العالم من كارثة كفيلة بتدميره.

و اليكم التواريخ المهمة لإعادة ضبط الساعة:

7 دقائق سنة 1947م | بدأ ضبط الساعة.

دقيقتين سنة 1953 م | عندما صنعت الولايات المتحدة القنبلة الهيدروجينية ,

12 دقيقة سنة 1963 م | بالاتفاقية الامريكية السوفياتية لحظر التجارب النورية.

7 دقائق سنة 1968 م | بسبب الاحتلال الامريكي لفيتنام والحرب الهندية الباكستانية والحرب العربية الاسرائيلية وصراعات اخرى حول العالم.

9 دقائق سنة 1974 | القنبلة الذرية الاسيوية الهندية.

4 دقائق سنة 1981 | اقتناع الرئيس رولاند ريغان بعد جيمي كارتر بأن السبيل الوحيد لانهاء الحرب الباردة هي ربح الحرب النووية ,

3 دقائق سنة 1984 م | بتوتر العلاقات الأميركية-السوفيتية.

17 دقيقة سنة 1991 م | عند انتهاء الحرب الباردة،

3 دقائق سنة 2015 م | مع تعثر المفاوضات الأمريكية الروسية لتخفيض التسلح ومشكلة التغيير المناخي والاحتباس الحراري وبتهديد كوريا الشمالية.

دقيقتين و30 ثانية سنة 2017 | بتسلم الرئيس ترامب والخطر الكوري الشمالي أُعيد الضبط على م.

العوامل المؤثرة بضبط ساعة القيامة:

يتأثر ضبط الساعة بكل من سباق التسلح الذري ,تغير المناخ , الأمن البيولوجي , انتشار الأوبئة ,الذكاء الاصطناعي, الحروب التكنولوجية.

سباق التسلح الذري:

و هذا السباق لن ينتهي بين الدول بسبب التوترات والصراعات وتضارب المصالح والتنافس الا بالتزام الدول بالاتفاقات الدولية الناظمة لذلك.

تغير المناخ:

منذ تطور الصناعة المتزايد في الــ150 عاما المنصرمة، استخرجت وحرقت مليارات الأطنان من الوقود الأحفوري لتوليد الطاقة.

أطلقت هذه المواد الأحفورية غازات تحبس الحرارة، مثل ثاني أوكسيد الكربون وتمكنت كميات هذه الغازات من رفع حرارة الكوكب إلى 1.2 درجة مئوية، مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية؛ ما يشكل تهديدا مناخيا مباشرا ينذر بنهاية العالم.

الأمن البيولوجي:

كان يُعوَّل على الحفاظ على الأمن البيولوجي بموجب الاتفاق الذي وُقع عام 1975، الذي يحظر إنتاج الأسلحة البيولوجية أو تخزينها أو استعمالها.

ولكن ما استحدث من المعارف العلمية والخبرة التقنية التي أخذت تظهر في علوم الحياة في السنوات الأخيرة زاد المخاوف في ما يتعلق بالأمن البيولوجي.

انتشار الأوبئة:

في عام 1918، الذي هاجم فيه فيروس الإنفلونزا القاتل أكثر من ثلث سكان العالم، وخلال أشهر قتل أكثر من 50 مليون شخص، أي 3 أضعاف ضحايا الحرب العالمية الأولى، وكان ذلك بشكل أسرع من أي مرض آخر في التاريخ المسجل.

بعد هذا الوباء وظهور الإيبولا وزيكا، بات انتشار الأوبئة أشدّ وأكثر توقعا لكن أقل احتمالا لتجنبه! ويُعتقد أن الاختراقات في الهندسة الوراثية، ستسهل على الإرهابيين تخطيطهم لهجمات على نطاق واسع.

الذكاء الأصطناعي AI :

يحذر الكثير من العلماء ورواد التقنية من أمثال ستيفن هوكينج وبل غيتس وإلون موسك من التطور المتسارع وغير المدروسة للذكاء الإصطناعي الذي قد يؤدي لفناء البشرية حسب تصورهم.

بحسب أحد أقوال هوكينج في مؤتمر روح العصر2015م لندن »ستتغلب أجهزة الكمبيوتر على البشر باستخدام الذكاء الاصطناعي في مرحلة ما خلال السنوات الـ100 المقبلة«.

يقول إلون موسك مؤسس شركة »تيسلا« لإنتاج السيارات الكهربائية : « لا يقل الذكاء الاصطناعي خطورة وتهديدا للبشرية عن الأسلحة النووية ويستحضر الشيطان«.

قال الفيلسوف السويدي »نيك بوستروم« العامل في جامعة أوكسفورد، إن الذكاء الاصطناعي قد يؤدي في المستقبل المنظور إلى فناء البشرية.

كما أكد العديد من العلماء أن قدرات الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2022، ستعادل 10 من قدرات الإنسان العقلية، وبحلول عام 2040 ستعادل 50، أما في العام 2075 فستصل إلى 90 منها، وهذا ما يفسر قلق بوستروم من أن تستخدم تلك »الآلات« قدراتها ضد مخترعيها، أي أن ينقلب السحر على الساحر.

الحروب التكنولوجية:

نَطَّلعُ اليوم على حروب تكنولوجية من نوع اّخر مثل الحرب البيئية التي ينتج عنها زلازل وأمطار وعواصف وتسونامي مفتعلة. فالامواج الكهرمغناطيسية عملة ذات وجهين فقد كانت ابحاثها الجامعية عام 1950م للأهداف السلمية مثل الاجهزة الطبية المذهلة لكنها تحولت هذه التقنية للاستخدام العسكري بعد دعمها من قبل البنتاجون ومشروع برنامج الشفق النشيط عالي التردد High Frequency Active Auroral Research Program )HAARP(. وقد بدأ العمل في محطة هارب بالقطب الشمالي)منطقة جاكونا ذ ولاية الاسكا( عام 1993 وتم الانتهاء من الأعمال الحالية لأداة البحث الأيونوسفيري)IRI( عام 2007 وكان المقاول يهذا العمل شركة بريطانية تدعى)بي إيه إي سيستمز( للتكنولوجيات المتقدمة.

و تملك الأمواج الكهرمغناطيسية قدرة هائلة على تعطيل كل وسائل الاتصال والمواصلات ومحطات توليد الطاقة والتحكم بها لانها الاساس الذي قامت عليه تكنولوجيا هذا العصر. وقد أدركت الدول المتقدمة انك اذا ملكت هذه الطاقة فأنت قادر على السيطرة على العالم, لذلك كل الدول تحوي مراكز ابحاث تصب بتطوير هذه الطاقة والسيطرة عليها.

و نختم على غير العادة بالتفاؤل فتفاءلوا بالخير تجدوه ومن شعر أبي القاسم الشابي:

سَأعيشُ رَغْمَ الدَّاءِ والأَعداءِ كالنَّسْر فوقَ القِمَّةِ الشَّمَّـاءِ

أرْنُو إلى الشَّمْسِ المُضِيئةِ هازِئا بالسُّحْبِ والأَمطار والأَنـواءِ

لا أرْمقُ الظِّلَّ الكئيبَ ولا أرَى مَا في قَـرارِ الهُوَّةِ السَّوداءِ

وأَسيرُ في دُنيا المَشَاعرِ حالِما غَرِدا وتلكَ سَعادةُ الشعَراءِ