آلاء القطراوي شاعرة وكاتبة فلسطينية، حاصلة على الدكتوراه في الأدب والنقد من الجامعة الإسلامية بغزة. هي صوتٌ فلسطينيٌ يغرد وسط آلام غزة من تحت الركام. حفرت تميزها بأدواتها الإبداعية لتتواشج بينها وبين القارئ روابط حب خفية، تحيك بينهما خيوطاً شعريةًتخترق القلب في صمت.
الشاعرة آلاء القطراوي فقدتْ فلذاتِ أكبادِها الأربعةَ بين أنيابِ الاحتلالِ.. حاصرهم في المنزل، ثم منعهم من النجاة، وبعد أسبوعٍ دكَّ منزلَهم فوق رؤوسهم. وما زالوا تحتَ الركامِ، شهداءَ الحربِ والإبادةِ الجماعيةِ التي لا تُغلقُ صفحاتُها على غزةَ.
كان لمجلة الحصاد هذا اللقاء
الحصاد:من الجلي أن “الأنا” التي تنعكس في النصوص الشعرية والتأملات تمثل جزءًا من شخصية الكاتب. من خلال التساؤلات والحقائق، يتم إيصال رسالة للقارئ. وعلى الرغم من ذلك، يمكن للشاعر عندما يكتب عن تجربة الآخرين أن يوصلها بطريقة مميزة تعبر عنه وعن رؤيته الخاصة لتلك التجربة. هل يمكن للـ”أنا” أن تنعكس في النصوص مع الكون وتجلياته؟
آلاء القطراوي:نحن حين نتحدث عن ال(أنا) فإننا نتحدث عن طاقةٍ هائلةٍ ومرايا متعددة في الروح وأستذكر هنا البيت المشهور لسيدي علي بن أبي طالب رضى الله عنه ” وتحسبُ أنّك جرمٌ صغيرٌ … روفيكَ انطوى العالمُ الأكبرُ” نعم في هذه الأنا ينطوي العالم الأكبر، تنطوي الكثير من التساؤلات والحقائق والبحث وسبر غور المحيط، مَن استطاع فعلاً أن يتواصل بشكل جيد مع ذاته، فإنّه يستطيع أن يتواصل بشكل رائع مع الكون وتجلياته .
الحصاد:أنتِ تستخدمين اللغة البسيطة في بنية نصّك لتشكيل صورة للواقع والثقافات وتجسيدها بطريقة مثيرة، لتحمل العديد من الجماليات، وتجعل الشعر أكثر قربًا للقارئ لتوصيل رسائل اجتماعية وسياسية وأفكار معقدة بطريقة سهلة وبسيطة، وتسليط الضوء عليها. ما هي الجماليات التي في إمكان اللغة البسيطة أن تحملها إلى الشعر في الوقت الحالي؟
آلاء القطراوي:اليوم نحن لا نحتاج إلى كلمات معجمية داخل النصوص ، إننّا نحتاج إلى صور شعرية فريدة.القدرة على تركيب صورة شعرية مختلفة يستطيع أن يتذوقها المتلقي بكل أريحية، هو الأهم، وأتمنى أن أكون قد نجحت في هذا الأمر .
الحصاد:على أيّ أسسٍ يحاول الشاعر، أو الكاتب بشكلٍ عام، بناء عالمه من خلال الارتكاز على مفهوم اللحظة ومفهومها، لئن أردنا الحديث عن الانتقال من مستوى “متى” إلى مستوى “ماذا”؟
آلاء القطراوي:سؤال جميل، ينتقل من ظاهرية الزمان إلى سر الحدث و واقعه ، كيف يرسم الشاعر تلك اللحظة العالقة في ذهنه داخل لاوعيه، هذه نقطة مهمة جداً، لأنّها رافد أساسي من روافد رسم الصورة الشعرية والنص فيما بعد، إنّها تستطيع أن تستنطق حواسه وانفعالاته ورؤيته وتستطيع في الوقت نفسه أن تُسقط جميع أقنعته، كلّما كان الشاعر حقيقياً وصادقاً مع نفسه حين يرسم كل لحظة في باله، كلّما كان أقرب من الاتساع والعمق ، وكلّما لمسنا أثراً يتجاوز الوقت القرائي المحدود للقصيدة .
الحصاد:ما العوامل التي تحدد عناوين كتبنا ككتّاب من وجهة نظرك؟ وما الأسباب التي تجعل العديد من الكتّاب الجدد يقعوا في فخ اختيار العنوان؟
آلاء القطراوي:يجب أن يجد الشاعر العنوان الذي يشبهه ، والذي يقرأ قلبه وأحاسيسه، وألا يلتفت لخدعة،وأن يكون هو ، كلّما استطاع أن يكون نفسه، كلّما استطاع أن يقترب أكثر من المتلقي ، وذلك لا يمنع أن يكون الشاعر مشتغلاً على عناوينه، فهذا أمر نحتاجه كشعراء. نحن نرسم عتبة النص ومدخلها بالنسبة للمتلقي، فذلك يساعد المتلقي على الدخول إلى النص بحماس وشغف .
الحصاد:لقد فزتِ، وأنتِ نجمة برنامج «أمير الشعراء»، بجائزة البابطين للإبداع الشعري في دورتها الثامنة عشرة في مجال الشعر ونقده، عن فئتين مختلفتين ضمن أجندة الجائزة التي أُقيمت في دولة الكويت. حدثيني عن شعورك وقت الفوز؟
آلاء القطراوي:شعور رائع، يفوق قدرتي على التعبير ، تلك الفتاة الحالمة التي تعيش في غزّة رغم مرارة ما يحدث لنا في ذلك الوقت من إبادة جماعية وحشية إلا أننا نستطيع أن نصافح النور عبر هذه الجوائز، وأن نرسم صبحاً مختلفاً في سمائنا ، هذه جائزة جداً مهمة وهي من الجوائز التي تمنح للشعر في عالمنا العربي، وأن أحصل عليها في مقتبل شبابي هي علامة جيدة جداً لمستقبل أتمنى أن يكون مليئاً بالشعر والألق وفلسطين أيضاً التي أحملها في قلبي أينما ذهبت، فهي ملهمة الشعر والجمال والإرادة منذ اللحظة الأولى
الحصاد:ما هو جديدك في المستقبل القريب؟
آلاء القطراوي:سوف أصدر قريبًا كتبًا نقدية .
الحصاد:في العلاقة مع الكلمات، يبدو أنها تصبح لها معنى آخر بالنسبة إليكِ، فعلى الجهة الأخرى من الأشياء يتغير معناها. هل هذا ما يهبه لنا الشعر؟
آلاء القطراوي:يجب أن يُشكّل الشاعر علاقَتَهُ الخاصّة مع الكلمات، يجب أن تُشكّله ذاكرته الخاصّة، وروحه الأثيرة التي لا يستأنس إلا بها، بالتأكيد الشعر يجعل للكلمات روحاً خاصّة نشعل بها جذوّة نصوصنا، ونربط بها كل هذه العوالم المتسعة في أرواحنا ، لذلك الشعر هو جزء منا ، قطعة من أرواحنا ، أو ربما هو الروح بذاتها على اتساعها واختناقها في الوقت نفسه
الحصاد:الأدب يمر بتحديات كثيرة اليوم في نقل الأفكار والرسائل وعلى الرغم من ذلك إلا أن الأدب لا يزال يحتفظ بقيمته وأهميته في تشكيل الوعي. نودّ أن نتعرّف على رؤيتك لفكرة وظيفة الأدب، وأين أصبح الأدب اليوم؟
آلاء القطراوي:للأدب وظيفة جداً مهمة، إنّه يستطيع أن يقدّم لنا المشاكل الذاتية والمجتمعية بطريقة أكثر عمقاً ، وبالتالي يساعدنا على محاولة التفكير بالحلول، فقد يكون الأدب أباً وقد يكون أماً وقد يكون وطناً وقد يكون حبيباً ، إنّ للأدب وظيفة عالمية ، وإن وظيفة الأدب لا تنتهي ، لازال الأدب يؤدي وظيفته الإنسانية على صعيد كل الأبعاد، وإن لم يدركه الجيل الحالي ، سيدركه الجيل اللاحق، كما نحن ندرك في يومنا هذا جمالية المعلقات في العصر الجاهلي
الحصاد:يقول فان غوخ: “الشعر يحيط بنا في كلّ مكان، ولكن للأسف وضعه على الورق ليس بسهولة النظر إليه”. هل يعتبر الشعر هو النوع الأدبي الأكثر احتياجًا للعزلة والابتعاد عن العالم؟
آلاء القطراوي:بالنسبة لي أنا أحتاج الإلهام لأكتب ، وهذه الحالة تحتاج إلى موقف عميق ، إلى تأوه لقطة في الذاكرة ، إلى احتدام في اللاوعي ، إلى لحظة صراع داخلي ، فقد صدق فان غوغ الكتابة ليس بسهولة القراءة
الحصاد:كتبتِ قصيدة:
صورة ثابتة منذ سبعين عاماً …هنا نجمةٌ سئلت في الغيابِ
عن الحبّ والشوق والميجنا…وعن نقشِ حنائها في الخميلةِ
كيف يعتّقُ أحلامنا…سلامٌ على وَلَه البرتقال`
وعن هذه القصيدة تقولين: حين مات مصور مقدسي، بقيت الصور التي التقطها في الكاميرا، جاء شاعرٌ واستنطقها، لأن رحلة الحياة تبدأ مع الفلسطيني بعد موته تماماً ..لقد قلت :أتمنى أن أكون قدمت فلسطين كما يليق”….؟
آلاء القطراوي:نعم لفلسطين حق علينا ، فهي ليست مجرد وطن ، إنها حالة شعرية عميقة في الروح، حالة من الإرادة والصبر والشموخ العالي، إنها تكسر كل حواجز الخوف في داخلي، لأنها تستحق التضحية والمغامرة والتحدي والإصرار، هذا الوطن الذي منحنا مسمّى لاجئين منحنا أيضاً عبق الزيتون ، ورائحة الرسول صلى الله عليه وسلم وقد عرج من مسجدنا الأقصى ، وسحر التاريخ وعبق الحضارات وتوليفة الديانات المختلفة، لذلك يستحق أن ننزف من دمائنا له ، بلدٌ دعا له النبي محمد صلى الله عليه وسلم واستودع الخير في أهل بيت المقدس وأكنافه ، فهنيئا لنا
الحصاد:الشاعرة الفلسطينية آلاء القطراوي، لقد فزتِ بجائزة أفضل ديوان بفئة الشباب عن إصدارك الشعري «ساقية تحاول الغناء»، الذي صدر عن أكاديمية الشعر التابعة للجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية في أبوظبي، بعد مشاركتك في الموسم السابع من برنامج «أمير الشعراء». سلطتِ من خلال قصائدك ومشاركتك في هذا البرنامج الضوء على القضية الفلسطينية، وكنتِ أول شاعرة من مدينة غزة الفلسطينية تشارك في هذه المسابقة. حدثيني عن هذا الإصدار؟
آلاء القطراوي:نعم كنت أول شاعرة تشارك من غزة في أهم برنامج عربي للشعر ، وهذ أمر يجعلني أشعر بالفخر كوني قادمة من مدينة محاصرة منذ سنوات ، فكل الامتنان لأكاديمية أبو ظبي للشعر على دعمها المتواصل منذ أمير الشعراء وإلى أن حصل ديواني الذي أصدروه لي على جائزة البابطين فئة الشعراء الشباب ، ممتنة لهم جدا على هذا الدعم والحرص على الصوت الشعري العربي وخاصة من فئة الشباب ، ولذلك على كل شاعر أن يتمسك بحلمه وأن يحارب
من أجله ، فأحلامنا تستحق.