نعيم تلحوق

  كل اعتداء على طبيعة الاشياء، هو انتهاك صارخ للحرية… لست أدرك حول أية مساحة ندور، نحن عالم غريب الأطوار، نمتاز بقلة الوفاء، وقمة الطمع، نريد كل شيء دون أن نعطي أي شيء… كل مَن لا يعيّر نفسه بأخطائه، يكون خارج سلطة الفكر، نحن ننمو ونتطور، لكننا نجانب أن نعترف بالزمن… هناك لغة اسمها الاعتراف… لا نحن نريد أن نعترف أننا نكبر، ولا السلطة تريد أن تعترف بأنها تشيخ ، لأنها أدمنت اللعب في أوكار الليل… والمثقف العربي يشرح ساعات عن الديمقراطية وحرية المعتقد، وحقوق الانسان، ثلاث ساعات عل ريق بطنه، لكنه يقفل على زوجته باب البيت بعد خروجه لإلقاء محاضرته… أليس عاراً أن نتكلم بما لسنا فيه… نجانب العار فينا لنحيله على المجتمع أو السلطة السياسية، لكننا لا نحترم معرفتنا أو بما نعتقد أصلاً… الكتاب نقرأه للمتعة، لا لغذاء الروح، فأي ربيع عربي سيحل علينا… بالطبع سيكون هجيناً لأننا سمحنا للذي يقرأ أن يدخل على الذي يخاف الكتاب نحن أمة تخاف إعمال العقل… أية ثورات تقوم دون خطة، دون منهج، دون برنامج للتغيير… أنظروا الآن ماذا يجري، العالم العربي أصبح رُمّةً للّعب بأخطر سلاح إنساني الدين والدم… والمثقف أناط بنفسه أن يكون شاهد زور على اللعبة، فأخذ ينظّر للمذاهب وللقتل الرخيص بدمٍ بارد…ألم يحن الوقت لنعترف بما نحن عليه وفيه؟؟؟

حكاية الوقت !

بوابة السماء ـ في الصين

صديقي الفنزويلي، وهو من أتراب أميركا الجنوبية، عاشق لشافيز وسيون بوليفر، قضى أكثر من ثلاثين ساعة في الطريق من فنزويللا الى الصين، في رحلة تدريبية شاقة كنت فيها ممثلاً للبنان في برنامج تطويري للدول النامية، تحت اسم إدارة صناعة الثقافة بدعوة من الحكومة الصينية.

صديقي ألفونسيو نجا من تعب الرحلة الآتية من أقاصي غرب المعمورة الى أقصى شرقها، حين أخذ يعدّ المسافة الزمنية لرحلته، فبعد عشر ساعات ونصف سفر من مطار كاراكاس الى مطار شارل ديغول في باريس، توقف لمدة عشر ساعات ونصف إضافية منتظراً الطائرة من باريس الى بكين، ليركب الطائرة المتجهة الى بكين إحدى عشر ساعة إضافية، فيكون المجموع هو اثنان وثلاثون ساعة، عشرون منها في الهواء وعشر منها استراحة على أرض مطار شارل ديغول الدولي.

فور وصوله الى الفندق بعد ساعتين ونصف، أجرى اتصالاً هاتفياً بأهله في فنزويللا ليطمئنهم بوصوله، وبعد لأي ونأي باللغة الإسبانيولية، احمرّ وجه صاحبي واخضرّ وتوقف عن الكلام بعدما أقفل الخط، واتجه صوبي ليقول لي:

«أنا في المستقبل وهم في الماضي»… إنهم يقرأون صحف البارحة…

ظنَّ صاحبي أن البارحة مضى معه في الرحلة المتجهة الى المكان المشتهى، لكنه بلحظة أدرك أنه كان يتكلم مع البارحة..

ثلاث عشرة ساعة بين الشرق والغرب، ونحن لم نزل نؤسس للعلاقة مع الماضي، ولم تتبدّ لنا فكرة الزمن الذي لا يعرف إلاّ الاستئثار بلعبة الهجوم نحو المستقبل دون النظر الى الماضي.

هو في المستقبل وكان «يتلفن» للبارحة…

وحين تلقّى «إيمايلاً» على هاتفه النقال من شقيقته هناك قلت له: جاءتك رسالة من الماضي في نفس اللحظة…

قال لي: كيف يحدث كل ذلك في وقتٍ واحد؟

لغة الحداثة تختلف عن لغة التحديث، نحن الآن نستعمل أدوات الفكرة باستهلاكها دون النظر الى عقلها وروحها وزمنها..

هل مَن يجرؤ على القول إننا لم نزل في الماضي، ونحن نخاطبه دون أن ندري أننا مصنوعون للغد المجهول لا الأمس المعلوم…

مَن هي الحقيقة ومَن هو الوهم ؟ ذات تبحث عن عُريها ، الحجاب يبحث عن كشف ، والكشف عن كشف آخر ..

الذاكرة هي نحن أم هم ؟ الحاضر أم الماضي أم الغد ؟ لا يوجد شيء اسمه الماضي يا أصدقائي ، الماضي هو الغد !!

مَن هو المستقبل ومَن هو الماضي؟؟ أميركا أو الصين، أخبرونا يا جماعة السوبر حداثة؟.

شآام

شآاام الأرض والانسان ،

صورة الشام القديمة ـ ساحة المرجة
صورة الشام القديمة ـ ساحة المرجة

شآاام الحرف والرحمان ،

لا وِلْدَ لي أُهديكِ ولا مال ،

ولا عُمْرَ يشفعْ به حال ،

جسدي يقظةُ ترابٍ تحرِّكُهُ

حواسٌ لا يفضي لها بالُ ،

صوتي تهدَّج في الأمصارِ ينكرهُ

ضجيجُ الوقت ، والأحزانُ والعارُ ،

وذوقي بعد الهوى صار أُحجيةً ،

فما عدتُ أدري أأنتِ النورُ أمِ النارُ ؟؟

شآاام الورد والأحلام تسألني ،

شآام البحر والشطآن تعرفني ،

أغفا خوفُكَ أم ناءت بك الدارُ ؟

رددتُ لم يبقَ سوى وجهٍ يعاتبني ،

يرصدُ الهواءَ أنَّى جاءتِ الأفكارُ …

لماذا تلومينني يا شآاام مغفرةً ،

وجرحي يَسمو والدمارُ دثارُ ..

أشمُّ ياسمين روحكِ مكرمةً ،

وعناقي يمضي خلفه الأقمارُ ،

ما كان السؤال عنكِ معرفةً ،

فأنتِ الجوابُ وإنَّ العلمَ غدَّارُ ،

كيف أرحلُ عن لظاكِ هنيهةً ،

وياسمينُكِ وعدٌ وسرُّكِ الأفكارُ …

مولود الخوف الكبير

لست أدري في أي مكانٍ سأكون غداً…

لكن الذي أعرفه أني بينكم الآن، أسمع شيئاً عني أخشى منه، ولا أرتاب أبداً بلحظة صدق فيه… وحسبي أني مولود الخوف الكبير الذي يدعى الفضاء… زرع بي قلق دائم استعصاني، فهجعت به الى سرٍّ أمضي اليه هو البحث عن أنا، عن نفسي، عن شخصٍ آخر في داخلي… لا يعرف القلق والخوف والتطيُّر… أهجس كثيراً بتعبي، وأنأى عن المصادفات، رغم أني وليدُ صدفة عاثرة… تأخر أبي عن موعد سفره الى المهجر بضعة أيام فولوَلتْ أمي على هذه الفضيحة، آه لو لم يتأخر موعد الطائرة لنجوت من هذا الولد العاق…

هكذا صرّحت أمي قبيل سقوطي العسير… كنت ألهو بفكرة بين أصابعي، خيوط لزجة تصنع عبقرية الكوكب الذي يمنح عرينا… لست أدري ما الذي جعلني أتغاضى عن موقفي المهم من رحم الأرض… أحسست أني لم ألقَ الدفء اللازم في كنفٍ يستدعي السقوط ؟!!

  هل نحن نفسّر وعينا الآن، المشكلة لم تزل صدفة عاثرة… لست أدري لكني أخشى لائماً لحروفٍ وهي ترشح بالحزن، والسعادة هي أنتم…أخاف الموت رغم أني لا أعتقده، والحياة بكم ترفل بجمالاتها… أحذر الشرّ لأني أدرك أن بحراً من الظنون لا يساوي قطرةً من يقينكم وخيركم وحبّكم وإيمانكم…

    أنا أحدث طراز لرجل في العالم… استمتع بالمتنبّي، وموسيقى بتهوفن، أراقص الأساطير، وألاعب والت ديزني، أحمل جبران وشكسبير بين أضلعي، وأرسم مع دانتي رحلتي الى الجحيم، أداوي جراح الخنساء، وأسامر المعرّي وفريد الدين العطار. أزهو بلعنة الحلاج، وعقل إبن عربي، وألعب على جهاز الكومبيوتر كإبنٍ ضال شرد عن قطعة خشبية لتجميع صورٍ متآلفة تلاصق الحياة، رغم أني عقوق بالمتعة، أبقي الصورة مقطوعة كي أبحث عن موطيء قدم لصورة أبهى وأجمل يطالها خيالي.. أفتّش ب «الغوغل» عني كل صباح، على جهازٍ عنكبوتي فسّره لي الجاحظ في كتاب الحيوان… فلا أدرك من أنا ولماذا هذا الكوكب العجيب ؟؟

ورغم كل هذا وذاك، أبقى شريد أسئلة قلقة لا تعرف نهاية، ولا تقف عند مكان…

هذا أنا بالمطلق… لكني في التفاصيل، أدرك أني كل واحد منكم، لأن هارموناتي البليدة لا تتسع لمساحة حاقدة… فقد شاءت أن تعّرف نفسها بحب ووعي، وأمل، وحرية، لأبصر أكثر نفسي والذين هم حولي…

   أنا الآن، لست ناجي نعمان، لكني أطمح أن أكونه… لست ميشال كعدي لكني أرغب أن أكون قلمه المحب… لست مها بيرقدار الخال، لكني أشتهي قدرتها على تطويع الزمن بين بنانها، لتعيد للحروف ألوانها الباسقة… لست مطانيوس الحلبي، لكني أحب لطافته ودماثته ووداعة روحه… لست لطيفة الحاج قديح، لكني أرغب أن أكون رياض قلبها الأوسع من الحبر… لست عصام خير الله، لكني أسعى أن أكون إحدى منحوتاته أو ألوانه الجميلة… كل ذلك لأني لم أطلب شيئاً من أمي وأبي مذ وُلدت أو من أي أحد آخر أشياء تخصّني… ما سوى زوجتي التي طلبت اليها أن تتحملني ما تبقّى من العمر، وهذا يكفي كي ألغي مبدأ الخسارة من الحسبان …

لذا، سأكون واحدكم وأقول أحبّكم.. وشكراً لكم جميعاً…