الدنيا ..أقدار لا مهرب منها ولا فكاك


نعم اذا كان قانون الحياة الأبدي يتلخص في كلمتين فقط، نعلمهما جيدا،ونؤمن بهما ايمانا مطلقا،ونسلم بهما الى حد اليقين الثابت وهما(الميلاد والرحيل) الا اننا رغم هذا الايمان وذاك اليقين،نعيش باستمتاع ،ما بين اللحظة الأولى للميلاد،واللحظة ألأخيره، حين تحين ساعة الرحيل،ونحيا عمرا،تجنح بناالحياه فيه الى صياغة احلام كبار،واّمال عراض بل ونحلق بطموحاتنا الى حد نتنافس فيه مع ناطحات السحاب،حتى وان كان كل ذلك لايمكنه ان يخرج بنا عن الحقيقة المؤكده اننا لسنا سوى(ضيوفا عابرين في هذه الدنيا) مهما امتدت بنا حقبة الضيافة ،أو عانقت احلامنا عنان السماء،فانه وفق عرف الزمن، وفلسفة الحياة، وحكمة الوجود ،عمر محدود ومرصود وموعود.
حكايه سأقوم بروايتها،وأشير لها بتواريخ ثابته تكشف لنا عن مفارقات القدر،وأحجام النوايا،وصراع الارادات المحكوم على الدوام،بالأرادة الأكبر،والأعظم لمن حدد لنا في الأساس (لحظة الميلاد وساعة الرحيل).
في الأربعينات من القرن الماضي لمعت في سماء الفن المصري ممثله، كانت صارخة الجمال، طاغية الأنوثه .اسمها الفنى (كاميليا) والأسم الحقيقي (ليليان فيكتور كوهين) يهودية الديانة، اسكندرانية المولد، وهي من مواليد عام 1929 اكتشفها الفنان (احمد سالم) ،وكان أول افلامها فيلم (القناع الأحمر) عام 1947 من تأليف واخراج (يوسف وهبي ،وقامت بعد ذلك ببطولة العديد من الافلام، ومنها افلام مع فريد الاطرش وكمال الشناوي ويحيي شاهين وغيرهم. تنافس الكثيرون على حبها ابتداء من مكتشفها الفنان احمد سالم الى اّخرهم الملك فاروق،وقد نسجت الكثير من القصص حول علاقتهما، وهل كانت مجرد قصة عاطفيه ام ان (الموساد) كان قد جندها لمعرفة اسرار الحكم في مصر. وكانت من جانبها تطمح لكي تكون ممثله عالميه ،ولها حديث صحفي شهير تقول فيه (أنا سمكه كبيره في بحيرة صغيره) وتعنى بالبحيره الصغيره(السينما المصريه). في زحمة اعمالها ونشاطها الفنى، استطاعت ان تجد وقتا مع ارتباط طبى للعلاج في اوروبا من بعض الأعراض المرضية التي تعاني منها، وكانت المشكله عدم وجود مقاعد فارغة في حركة الطيران المزدحمه ،ولذلك كانت في حالة ترقب على قوائم الانتظار. على جانب اّخر كان هناك صحفي شاب اسمه (أنيس منصور) قد حجز مقعدا للسفر الى اوروبا ،وفي اليوم المحدد للسفر. تلقى قبل خروجه من منزله اتصالا تليفونيا، من المنصورة حيث تقيم والدته ،يخبرونه عبر المكالمه ان والدته في حالة صحية حرجة ،وتريد ان تراه .لم يفكر كثيرا (أنيس منصور)حيث خرج فورا الى المطار ليبحث الغاء الحجزأو حتى تأجيله .وسارع المطار من جانبه الى اخطار الفنانه (كاميليا) بوجود مقعد ،ويمكنها الحضور،وتلقفت الفنانه الخبر بسعادة شديده ،وسارعت الى المطار، لكي تستقل الطائرة بعد معاناة الانتظار. وتشاء الاقدار ان تكون تلبية موعد الطائرة ،في حقيقة الأمر تلبية لموعد اّخر، حان وقت الوفاء به ، فقد سقطت الطائرة ،نتيجة خلل في ميكنتها .وكان سقوطها محترقة،وهي مازالت في الاجواء المصريه قرب محافظة (البحيره) يوم 31 افسطس عام 1950.وقد سارعت الصحافة بتغطية الخبر ،وكان من محرريها الصحفي الناشئ ( محمد حسانين هيكل ) وكان محررا لباب الحوادث في جريدة (اخبار اليوم) وقد كتب تحقيقه الصحفي،ووصف فيه حطام الطائرة ،والجثث المحترقه المتناثره، وجثة ،(كاميليا) وكانت أقلها تفحما ،وكان التحقيق ،تحت عنوان (نار احترقت في نار). وهكذا رحلت (كاميليا) وعاش انيس منصور. لماذا .. لأن صفحة كاميليا قد انتهت وحانت ساحة الرحيل .. وبقي انيس منصور لأن ساعته لم تحن بعد ،الا في اكتوبر عام 2011. فنحن في هذه الدنيا ..نعيش اقدارا لا مهرب منها ولا فكاك .