بيروت رنا خير الدين
سرها في الكلام كبير، ممتلئة بالأمل والشغف، اجتمعت بها خصال التميز والفرادة، في الكتابة في زمن باتت الكتابة والقراءة تئنّ أوجاعها على هامش الأيام. وللعاطفة، للألم، للحنين، للأمومة، للرحيل، وللذات ملقى في نفس الكاتبة رولا فارس. تصف أفكارها بالمزيج من النسج العاطفي الخيالي ومحاكاة الواقع وتمرد الأنا عند المرأة. فارس في أوراق محرمة تعمّدت السير عبر أربعة خطوط سردية، وهي الغربة بأوجاعها والمغترب وضياع الهوية، معرفة الذات والغوص في دهاليزها ودروبها الشائكة.
هذا الكم من الشغف وحب الوطن برزا في كتب فارس بشدة، وجعل منها كاتبة عربية لبنانية أصيلة ووفية لبلدها، يخالجها الشعور حسرةً عليه تارةً وحنيناً له تارة أخرى، مزيج من العاطفة والمشاعر يسطو على قلمها، فلا يسعك عند قراءة أسطرها إلا أن تتخيل وتعيش حالتها لقربها منك. وتركز فارس أيضاً على موضوعات المعنية بوضع المرأة، فعلى حد قولها تعتبر أن المرأة في مجتمعاتنا العربية تتقاسم الصباحات مع التهميش والجهل، تدخر الألم في القلب وتتقوقع داخل رحم التقاليد والعادات البالية، فمجتمعنا يعاني من شلل نصفي، والثروة الحقيقية اليوم في اي مجتمع لتحقيق التقدم والتنمية هي الثروة البشرية المتمثلة بالرجل والمرأة على حد سواء.

ونعرض المقابلة المميزة مع الكاتبة رولا فارس:
»الحصاد«: »أوراق محرمة« لاقى نجاحاً كبيراً، ما هو سرّه؟
»رولا فارس«: لا سر في اوراق محرمة بل بساطة متناهية وربما هذا سبب نجاحها، حيث صيغت بأسلوب بسيط، ولكنه يحمل معاني معقدة كمعرفة الذات والهوية والموت.
»الحصاد«: ما هي الكتابة بالنسبة لرولا فارس.
»رولا فارس«: الكتابة باختصار هي المدفأة التي أحتاجها حين أشعر بالبرد، حين أكتب أشعر وكأن الكلمات تستوطنني وتتسرب في خلايا الروح تعبر معي وبي عبر الممكن والمستحيل دون قيود. أحاول التعبير عن المشاعر والأحاسيس والتجارب الانسانية بألفاظ ومعانٍ تسمح للقارئ بالتفاعل، ولذلك ربما تندرج كتاباتي تحت عنوان الكتابة الفنية أو الابداعية. والجدير بالذكر أن الكتابة يمكن تقسيمها إلى قسمين إبداعي ككتابة الروايات والشعر والكتابة الوظيفية ككتابة التقارير الرسمية.
»الحصاد«: كيف تمزجين أفكارك، ومن أين تستوحيها؟
»رولا فارس«: أفكاري هي مزيج من النسج العاطفي الخيالي ومحاكاة الواقع وتمرد الانا عند المرأة. في أوراق محرمة تعمدت السير عبر أربعة خطوط سردية، وهي الغربة بأوجاعها والمغترب وضياع الهوية، الوطن والحقوق المهدورة .المرأة ووهم الحب. معرفة الذات والغوص في دهاليزها ودروبها الشائكة. وحدها الكتابة لا تعترف بجغرافيا الحروف تأتي من حيث تشاء ومتى تشاء، ولكنني أستوحي من كل قضية انسانية، من وجع أو قهر، ويستفزني جدا الظلم والجهل المستشري في مجتمعاتنا العربية.
»الحصاد«: برأيك، هل الوضع الثقافي يلاقي الدعم الكافي في لبنان؟
»رولا فارس«: لبنان منذ فجر التاريخ هو مركز ثقافي مهم على الرغم من كل الظروف التي المت به، إلا أن نشاطه الثقافي ظل منارة يحتذى بها في محيطنا العربي. من المؤسسات الثقافية الرسمية إلى المراكز الثقافية التابعة للسفارات الأجنبية إلى الفنون الجميلة والتشكيلية، المسرح والموسيقى والمتاحف وغيرها، ولكن هذا لا يعني أننا لسنا بحاجة إلى رسم سياسات ثقافية، وهذا من واجب وزارة الثقافة حيث أنها تقوم ببعض المحاولات الخجول وربما هذا يعود الى أن دعم الصناعة الثقافية والمثقفين والفنانين ورعاية البحوث والإدارات المعنية بالشأن الثقافي يحتاج إلى ميزانية ضخمة تليق بالإبداع اللبناني، بالإضافة إلى الحاجة الماسة للاستقرار الأمني ذ السياسي، وللأسف هذا عنصر مهم نفتقده اليوم في عالمنا العربي المشرذم.
»الحصاد«: من هي رولا فارس؟
»رولا فارس«: مولودةٌ سنة 1978 في بيروت، لبنان. أحملُ الجنسيّتينِ اللّبنانيّة والباراغوانيّة. حائزة على شهادتينِ: الأولى في الحقوق من جامعة Faculdade Dinamica das Cataratas في مدينة Foz do Iguascu البرازيليّة. والثّانية في العلوم السّياسيّة والإداريّة من الجامعة اللّبنانيّة في الحدَث. بالإضافة الى شهاداتٍ في مهارات عِلْم القيادة والذّكاء العاطفيّ، بعد دوراتٍ تدريبيّة أجرتها الجامعة الأميركيّة في بيروت. لا أزال أتابع تحصيلي العلميّ في مرحلة الماجستير بحقل العلاقات الدّولية. متزوجة ولي أربعة أولاد.
»الحصاد«: عشت بعيدة عن لبنان، كيف تصفينه؟

»رولا فارس«: لبنان له حرارة الحب وفي ترابه رائحة المطر تتضوع بها الرئة، فراشاته تستيقظ على صباح فيروزي أنيق. ولكن.. شعبه يشرب قهوة لامبالاة، يقف على ابواب السفارات لا الوزارات، يترنّح على أرصفة الفتنة وينتظر معجزة. سمموا الماء والهواء والغذاء والنفوس وما زالت هتافاتنا عقيمة، حناجرنا موتى الا من التبعية. لبنان غصن مغلف بالبكاء يشتهي ثورة يقايض بها حقه بالضحكات.لبنان وجعي الدائم.
»الحصاد«: إلى أي مدى تتطغى العاطفة على كتابتك؟ وفي أي تصنيف تقع؟
»رولا فارس«: قد تكون مشكلتي الوحيدة هي عاطفتي… احاول السيطرة عليها لكنها تغلبني في الكثير من المواقف ومنها الكتابة، احاول ان اتعلم كيفية التحكم في لجم المشاعر كي أترك مساحة للعقل والمنطق خصوصاً في كتابة الرواية وهذا ما احاول الوصول اليه في روايتي الثانية، حيث اعتمدت منهجاً متسلسلاً للأفكار وو ضعت الهدف المراد الوصول اليه اي رسمت حدوداً لتحليق افكاري.
»الحصاد«: أي نوع من الكتابة تعتمدين في نصوصك؟
»رولا فارس«: اقدر ان الكتابة مسؤولية امام نفسي وامام الاخرين ولكنني بصراحة في داخلي انسانة متمردة احاول قدر المستطاع ان اتحايل على المعاني لأن الجرأة ليست مطلقة ولكنها ضرورية. وفي مجال الكتابة الأدبية لا بد من مراعاة الشروط الجمالية للنص. الجرأة عندي تستمد حيويتها من مقولة »ما تتخبى ورا اصبعك« انتقاد واقع سياسي او جنسي او ديني او تعبير بصراحة عن طابوهات معينة انا لا اعتبرها جرأة بقدر ما هي واقع وحق في التعبير وواجب.الجرأة ليست هدفا ولكنها مسألة واقعية في بعض النصوص كي يكتمل العمل وتصل الفكرة. المهم ان لا يكون اقحاما لمجرد الاقحام دون جدوى.
»الحصاد«: هل للرموز دور في كتاباتك، ولماذا؟
»رولا فارس«: في تجربتي الاولى اعتمدت الواقعية الى حد بعيد ولكن في بعض الأحيان اعتمدت بعض الرموز التي كانت ترمي الى دلالات معينة كالامل والتحدي والصراع النفسي.
»الحصاد«: كيف ترين دور المرأة اليوم؟ ولأي مدى لها مساحة في كتابتك؟
»رولا فارس«: المرأة في مجتمعاتنا العربية تتقاسم الصباحات مع التهميش والجهل، تدخر الألم في القلب وتتقوقع داخل رحم التقاليد والعادات البالية. ولذلك أعتبر ان مجتمعنا يعاني من شلل نصفي. الثروة الحقيقية اليوم في اي مجتمع لتحقيق التقدم والتنمية هي الثروة البشرية المتمثلة بالرجل والمرأة.
»الحصاد«: لديك ميول شعرية، هل هناك مشروع ديوان؟
»رولا فارس«: اتذوّق الشعر وربما لدي بعض المحاولات التي تندرج في خانة الخواطر وليس الشعر ربما انشر بعضا من خربشاتي لا أدري.
من كتابات رولا فارس
» عند باب الزمن…
كتسبيح الحيارى من خلف الجدار يطل…
تسكنه بقايا امرأة… في السراب تبحث عن جنون يخلع صمتها المزيف.
تركت حقيبة الذكريات، مزقت ثوبها المرقط عشقا.
ابتلعت السكاكين ودفنت أوجاعها عند باب الزمن.
تقاسمت والعمر الضجر…
وهبت قلبها للريح ومضت…
زرعت وردة عند باب الزمن…
حين تزهر ستضيء بالحب وجوها تصنعت يوما وجه القمر…
وحتما ستقف عند باب الزمن وتشفق على قلوب ما عرفت الحب إلا فتن«.
» كما تشاء…
ارسم تفاصيل السؤال كما تشاء…
وأمام موجه المتكسر دع جنون الجواب يغادر حيث تشاء.
تباهى وسط دهاليز العنجهية وراقص جوف الفراغ.
تبرأ من ترميم المرايا…
ارتد الذهول وخيوط الامبالاة…
تآمر مع الوقت والزمن وعناقيد الابتسام….
أعد وليمة أخرى تليق بغبار الخداع….
عندما يهوى القمر وينطفئ الحلم في كهوف الليل
لا تبالِ جليد اليأس بل اعتنق غربة الأنا«.
ـ رولا فارس: لبنان وجعي الدائم
ـ غلاف »اوراق محرّمة«