التوجّه الوثائقي المعرفي يبرز قوة الصحافي الحقيقية

بيروت  رنا خير الدين

تعيش الساحة الإعلامية اليوم وسط بلبلة الأحداث من جهة، وتزاحم النزاعات من جهة أخرى، ما يحتّم على الصحافي أن يقوم بدور بالغ الأهمية أكثر من السابق والتيقظ في إيصال الرسالة بواقعها ووثائقها ومصدرها والوقت الملائم لنشرها، كما على عاتقه اليوم أكثر من الأمس أن يحذر الوقوع في فخ التشرذم والإنقسام لصالح أي جهة كانت، بالإضافة إلى كل ما سبق يجب أن تبقى أولوية القومية العربية للإعلامي العربي في مقدّمة اولوياته، يترجمه اليوم عدد ضئيل من الإعلاميين اللبنانيين والعرب.

ما ذنب الاطفال العرب من اللعب الاممية
ما ذنب الاطفال العرب من اللعب الاممية

يترجم الإعلامي سامي كليب كل هذه الصفات المذكورة أعلاه ضمن برنامجه الذي يعرض على قناة »الميادين« »لعبة الامم«،  ويركّز على الهدف المنوط إيصاله للمجتمع، بعرض الوثائق المعلومات، ووجهات النظر المتفارقة، »لعبة الأمم« يتابع الشؤون السياسية في المنطقة، وكما يشير اسمه أن كل مشكلة في أي بلد عربي هي من ضمن لعب أممية إقليمية أو دولية. شغل سامي كليب منصب رئيس تحرير في إذاعة »مونت كارلو« وإذاعة فرنسا الدولية ، ثم أصبح المستشار الرئاسي للهولدينغ الإعلامي الفرنسي الموجّه للعالم العربي، الذي كان يضم »إذاعة مونت كارلو الدولية وراديو فرنسا الدولي وتلفزيون فرنسا 24«، كما شغل منصب مدير مكتب صحيفة السفير اللبنانية في باريس، وكتب في عدد من الصحف العربية والأجنبية وبين العربية  الرأي. حصل على ماجستير في تحليل الخطاب السياسي من جامعة السوربون الثالثة في فرنسا ثم تابع الدراسات العليا في قسم الإعلام هناك. لمع نجمه من خلال برنامج »زيارة خاصة« الذي عُرض على قناة الجزيرة أنذاك. تمكّن كتاب سامي كليب »الأسد بين الرحيل والتدمير الممنهج«  من تحقيق نسبة مبيعات قياسية في لبنان والعالم العربي، وكان له حصة في المكتبات العالمية، باختصار يقوم الكتاب على سرد الحرب السورية في سنواتها الثلاث الأولى بالوثائق السرية، وهنا تكمن أهميته في تقديم الاستشهاد من الكتب والمقالات والدراسات للأحداث.

يرى كليب أن الصحافييين ليسوا أبواقاً كما يزعم البعض، بل عملهم الحقيقي هو تقديم حجم من المعلومات للمشاهد، لا أطرافاً في اللعبة، ولا ناشطين سياسيين بل إعلاميين فقطـ ويؤكد ان نجاح الصحافي وقوته تكمن بثقافته ومصداقيته وحشرية المعرفة عنده، فدون خصال الصدق والأمانة لا يندرج ضمن العمل الصحافي، كما يشير إلى أن مهنة الصحافة هي مهنة شرف، والولاء لها واجب الصحافي، لا أن يتخلى عنها مقابل المجد والمال.

تعرفنا عن كثب على الإعلامي المقاوم المعروف بمصداقيته، ولكم تفاصيل اللقاء.

»الحصاد«: يتوق الجمهور للتعرف على الإعلامي الممزوج بروح المقاومة والثبات المهني، لماذا انت بعيد عن المقابلات الشخصية؟

»سامي كليب«: لا أعتبر أن الإعلامي نجم، بل لديه رسالة إعلامية وهي إيصال صوت الآخرين، حين أستضيف ضيفا يكون هو النجم، أما دوري فهو يقوم على طرح الأسئلة والحصول على الإجابات وتقديمها إلى الجمهور، برأيي أن  الصحافي الذي يقوم دائماً بمقابلات شخصية ويتحدث عن نفسه قد خرج من مهنته الأساسية، مع العلم أن بوجود التلفزيون سمح للناس أن ترى الإعلامي كثيراً، لكني لا أرى أن الصحافي خارق للعادة، بل انسان يقدم وظيفته بشرف، بحجم كبير من الأخلاق.

لست ضد المقابلات الشخصية من فترة لأخرى بهدف تعريف الناس بمهنة الإعلام ورسالتها، والإضاءة على الوجه الآخر للصحافي الذي لا يختلف كثيراً عن ما يراه الجمهور. بمعنى آخر أنا أكره »البهرجات الإعلامية«.

كتاب »الاسد بين الرحيل والتدمير الممنهج« حصد نسبة مبيعات هائلة عربيا وعالميا
كتاب »الاسد بين الرحيل والتدمير الممنهج« حصد نسبة مبيعات هائلة عربيا وعالميا

»الحصاد«:  اشتهرت عبر برنامج »زيارة خاصة« على قناة الجزيرة، ماذا أضافت هذه التجربة لسيرتك؟

»سامي كليب«: »زيارة خاصة« كان عبارة عن رحلات أسبوعية إلى دول متنوعة بالتقاليد ومختلفة بالثقافات، كل يوم في مكان، ثمة غنى معرفي كبير فيه، قمت بإعداد 800 سيرة خاصة بأشخاص أو بلد معين على قناة الجزيرة، إلى جانب الغنى المعرفي افادني هذا البرنامج بالثقافة الهائلة عبر دراسة كل بلد أو شخص أقوم بإعداد حلقة حوله، عبر قراءة الكتب والتقارير. كما أن الجزيرة تمنح من حرية كبيرة في العمل ما ساعدني في هذا الحقل.

»الحصاد«: لم تركت »الجزيرة«؟

»سامي كليب«: لم أكن موظفاً في الجزيرة وقد صرّحت بذلك مسبقاً، كنت أنتج البرامج وأقوم ببعيها للجزيرة، لكن عندما بدأ ما سمي بالربيع العربي قررت الجزيرة وقف بث البرامج لفترة، وبعد عودتها لبث البرامج على الشاشة كانت قد اتخذت الجزيرة طرفاً سياسياً في الحرب الدائرة في الدول العربية، هي مع »الإخوان« في مصر، وهي طرف في اليمن وسورية ومعظم الدول التي جرت فيها حروب، وفي فترة وقف البرامج على »الجزيرة« أسسنا قناة »الميادين« أنذاك.

»الحصاد«:  »لعبة الأمم« الذي يعرض على قناة الميادين له نكهة وشغف مميزان، ما سرّه؟

»سامي كليب«:  أردت بـ»لعبة الأمم« الخروج من إطار البرامج السياسية الحوارية المألوفة والجدلية التي لا تقدم أي شيء، فاعتبرت أن كل مشكلة في دولنا العربية هي جزء من لعبة أممية دولية إقليمية، ويجب البحث بجوهرها، أي البحث بالمعلومات والوثائق، وعبر استقبال ضيوف متخصصين في الشأن الذي نتحدث عنه، بالإضافة إلى التوازن بشكل كبير بين أطراف المشكلة، مع عرض آراء جميع الخيارات. باختصار هو برنامج معرفي معلوماتي تحليلي، لذلك الناس تحبه، فهو يقرّب المشاكل الكبرى من اذهانهم، كافة شرائح المجتمع تتابعها، كما هو عملية شرح للمشكلة، والتعرف على تركيبة بلد معين وحقيقة المشاكل فيه حتى يصبح لدى المشاهد كمّ من المعلومات عنه، ليفهم أبعاده. وأشدد اننا نحن الصحافيين لسنا أبواقاً ، بل نقدّم حجما من المعلومات للمشاهد، لسنا طرفاً، لسنا ناشطين سياسيين بل إعلاميين فقط.

»الحصاد«: تعاونت مع الكاتب والصحافي اللبناني فيصل جلول في »الرسائل الدمشقية« الذي سيطرح قريباً في الأسواق، أخبرنا عن هذا التعاون؟

»سامي كليب«: فيصل صديق قديم، عشنا فترة طويلة في فرنسا، وكنا في باريس وفكرنا لماذا المثقفون العرب منسحبون من كل ما يحصل في الوطن العربي ومن الأزمات، فرأينا دولة كسورية معروفة باسمها »قلب العروبة النابض«، بغض النظر عن الاطراف المتنازعة، تسألنا أين العرب المثقفون منها؟! فخطرت بذهننا أن يكتب كل مثقف أو كاتب أو شاعر سورية كما يراها عدد منهم، تجتمع في كتاب واحد »الرسائل الدمشقية«  يركّز على سورية كحضارة تاريخ، كعمق عربي ثقافي. فلابد من إشارة أن دمشق أقدم مدينة عربية وعالمياً.

»الحصاد«: لماذا هي »رسائل دمشقية«، أهي للتغني بمجد دمشق أم حسرة عليها؟

الرسائل الدمشقية نتاج لحضارة دمشق
الرسائل الدمشقية نتاج لحضارة دمشق

»سامي كليب«: هي تذكير، بأن هذه الدولة التي تدمّر حالياً، وتُقتل فيها الحضارة، والبشر والانسان، هي دولة عريقة ذات مجد، ولكي نقول للسوريين أننا نحن كعرب نتحسّس معاناتكم وآلامكم. وإن أكثر ما يؤذي الانسان هو عند فقد عزيز عليه لا يجد من يواسيه، اوعندما يدمّر بيته ولا يجد من يساعده، العزلة صعبة جداً، لذا بـ»رسائل دمشقية« نقول لكل الشعب السوري أننا معك، والعرب يحبون سورية، والذي لا يعرف سورية نخبره عنها، بعيداً عن الأطراف السياسية. هو كتاب للترويج لسورية حضارةً لا  للترويج لأي طرف متنازع.

»الحصاد«: برأيك، أين تكمن القوة الحقيقية لدى الصحافي، بثبات موقفه أم بدرجة مصداقيته ونقده البناء؟

»سامي كليب«: المثقف أولاً بالقراءة، لديه حشرية المعرفة، نزيه بتفكيره لأن هذه المهنة مهنة شرف، لا أن يبيع شرف المهنة من أجل المال والمجد، الأمر الأخير  أن يتحلّى بالموضوعية، محايدا بالقضايا السياسية، ضد الظلم مع  المظلوم، أما اذا كان غير ذلك ليكون ناشطاً سياسياً لا إعلامياً.   ليس دور الإعلامي أن يحاكم، ليس هناك طرف يملك كل الحقيقة وكل الحق، دور الإعلامي يقوم على الشرح.

»الحصاد«: ما موقفك من ترشيح رئيس تيار المستقبل سعد الحريري بترشيح العماد ميشال عون؟

»سامي كليب«: منذ استقلال لبنان حتى اليوم، لم يُنتخب أي رئيس لبناني بإرادة اللبنانيين، فلبنان بيدق على لعبة شطرنج واسعة، بالمقابل لا يوجد طرف في لبنان انتصر على الآخر، لم يستطع حتى الآن أي طرف من الأطراف الداخلية أن يفرض قراره السياسي على الآخر، بل نعود إلى التسويات الداخلية اللبنانية، وهو عين المنطق، وأتصور أن كل الأطراف ضعُفت وهي بحاجة إلى الذهاب نحو التسويات. لكن هل هذا الترشيح معزول عن التوافق الإقليمي؟ بالمقابل، أشدد ان لبنان بأطرافه ومذاهبه كلها صعب التقسيم بينها، أي لا يمكن للمسلمين أن يعيشوا بدون المسيحيين والعكس صحيح. هناك »مافيا« في البلد تسيطر على السلطة، وتقوم بما يسمى »الميثاقية« لكنها بالأصح »تكاذب«، تاريخياً وحاضراً هي مسيطرة على البلاد لا تتمتع بأخلاق السياسة، وكل فترة هذه »المافيا« تقوم بالتبعية لدولة إقليمية أو أخرى دولية، تارةً إسرائيل تعين لنا رئيساً، تارةً سورية تعين رئيساً للبنان، وأخرى أميركا. مع هذا كلّه انا أشجع أي خطوة نحو الاتفاق لانتخاب رئيس، ومع التفاهم بين الحريري وعون فهو جيد للبلد.

»الحصاد«: أعلنت عدة مرات، ترشيحك عضوة الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية  ستريدا جعجع لرئاسة الجمهورية، لماذا؟

»سامي كليب«: نعم، أولاً لتأتي إمرأة وتحتل هذا المنصب وهي سيدة قادرة وعندها مؤهلات، ثانياً لأن تاريخها غير حافل دموياً ومأسوياً، وعلى الصعيد الشخصي أن أكّن لها كل مشاعر الحب والتقدير رغم أننا نختلف سياسياً.

»الحصاد«:  الدعوة البريطانية _الأميركية نحو الذهاب للتفاوض ووقف اطلاق النار في اليمن دون أية شروط فشلت في اليمن، في الوقت عينه جماعة »أنصار الله« اعتبرت أن كل المشاورات في ظل العدوان على اليمن هي مضيعة للوقت. ما سبيل النجاة اليوم لحل يحفظ حياة اليمنيين ويضمن فك الحصار والحظر الجوي عن أرضهم؟

»سامي كليب«: للمملكة العربية السعودية علاقات متينة وصداقات واسعة مع اليمن ترجمها التاريخ حتى اليوم، فقد كانت تساعد مالياً القبائل الكبيرة في اليمن، وكان لها تأثير كبير على قبيلة حاشد، فما حصل اليوم في اليمن زرع حقدا كبيرا بين اليمن والسعودية، وهي عملية فاشلة كان يمكن الاستغناء عنها، حتى لو كان السعودي يعتبر أنه يحارب إيران في اليمن فمن يُقتل في اليمن ليس إيرانياً، والذي يُقصف في الأراضي السعودية هو سعودي، ليست إيران من تُدمّر، فالحل اليوم هو بالتسوية اليمنية – اليمنية برعاية عربية، ومصالحة وتسوية سياسية سعودية ذ يمنية حقيقية، وعلى السعودية الاعتراف أن ما حصل في السنوات القليلة الماضية لم يؤد سوى إلى الخسائر، خسارة على الصعيدين، لا يمكن لليمن العيش بدون السعودية ولا يمكن للسعودية التعامل مع اليمنيين كأعداء. وأنا أعتقد أن السعودية جرّت إلى فخ اليمن، وتُركت والدليل العملية الاخيرة حين كانت أميركا اول من تملّص من السعودية. فكل الدول العربية تُجرّ جرّاّ نحو الأفخاخ والاقتتال الداخلي. وحرب السعودية لم تؤد إلى أي نتيجة، فالحوثيون مازالوا هناك وعلي عبد صالح ما زال موجوداً.

سامي كليب
سامي كليب

»الحصاد«: غالبية القوى العراقية ترى في تحرير الموصل معركة وطنية لا بد منها للتحرر من سطوة أبو بكر البغدادي، لكن البعض الآخر لا يراها الا من منظور طائفي مذهبي، وبعد التقدم البارز للقوى الأمنية العراقية من اليوم الأول من المعركة، يبقى السؤال: ماذا بعد تحرير الموصل؟

»سامي كليب«: بتقديري أن العراق للأسف، من الموصل وغير الموصل، شرّع ابوابه لكل الدول، ولم يعد العراقيون يسيطرون على بلادهم، نحن نشهد صراعاً إقليمياً دولياً دموياً بلحم ودم العرب، ما يحصل في الموصل هو مثال على ما يحصل في دول اخرى، أو في مناطق أخرى. أولاً جزء منه نزاع إقليمي والآخر دولي. وأتصور أن كل هذه »الهمروجة« التي اخُترعت في البداية واسمها القاعدة، ثم تحوّل جزء منها للنصرة وداعش – التي نعيش ويلاتها اليوم ذ جزء منها صناعة خارجية، تم تصديرها إلى بلادنا للتقسيم ولهدف معين ولإعادة قولبة هذه المنطقة، فالدخول للموصل كذبة وتحريرها كذبة أكبر، فمن الذي ادخل داعش ورسّخها في الموصل؟ ولما الآن حان وقت تحرير الموصل؟ أتمنى من العراقيين والسوريين أن يفهموا يوماً ما  أن كل دول العالم تتلاعب بمصيرهم.  مليون ونصف مليون عراقي قُتلوا في الاجتياح الأميركي البريطاني، ماذا كانت النتيجة؟ كان اجتياح العراق مبنيا على كذبتين، أسلحة الدمار الشامل أولاً، وتعاون صدام حسين ثانياً ورغم اعتراف بريطانيا وأميركا بأن أسباب اجتياح العراق أكاذيب، حتى الآن لم يحاسب أي أحد، وما زال العراق يتفتت يوماً بعد يوم. واليوم اخترعوا كذبة جديدة وهي الفتنة السنية الشيعية في الوطن العربي، والكثيرون غرقوا فيها حتى الآن، وأعتبر أن خلاص الموصل وخلاص أي دولة عربية يكمن أولاً في العودة إلى التفاهم الشيعي السني، ويشعر الطرفان أنهما سقطا في فخ، ولا بد من ان يعيش العرب مع بعضهم البعض، ولا بدّ من التسويات العربية ذ العربية، والتفاهمات العربية ذ العربية، فلا بد أن ندرك كعرب أن كل دول العالم فككتنا وسرقت ثرواتنا، لذلك أعتبر أن الموصل جزء بسيط من معركة كبيرة تحصل في المنطقة. وأنا ضد التقسيم الديمغرافي لأنه يزيد التفتت بين الشعب العراقي.

»الحصاد«: عمدت في الفترة الأخيرة الى مهاجمة الروس والإضاءة على العلاقات الروسية – الإسرائيلية المتينة، مع العلم أن روسيا تؤمن الجو السوري وتقوم بضرب معاقل الإرهاب بدءاً من معركة تدمر إلى معركة حلب. لماذا هذا الهجوم؟

»سامي كليب«: هي حقائق، لا أستطيع أن أقول أن بوتين جاء لينصر العرب، بل لديه مصلحة وهي اليوم البقاء على علاقة ممتازة مع إسرائيل، وأنا في المقال شرحت علاقة بوتين مع اليهود، لا يعني أني أقول أنه سيكون مع اليهود ضد العرب، لكنني قدّمت وقائع. وهذا هو عمل الإعلامي الصحيح أن يعرض بالوثائق المعلومات.