إنقطاع خيط السبحة العربيّة في ميادين التطبيع

بروفسور نسيم الخوري

توجه أنور السادات الرئيس المصري في 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 1977، وبحضور ياسر عرفات رئيس منظّمة التحرير الفلسطينية الى مجلس الشعب المصري بالقول بأنّه على استعداد للذهاب الى  »إسرائيل«. هذا الإقتراح المحرّم لم يراود سوى الأمير فيصل عام 1919 والملك عبدالله عام 1949 أي بعد ثلاثة عقود ليتمّ اغتياله، في 20 تموز/يونيو على عتبة المسجد الأقصى الشريف في القدس العتيقة. تفتح اليوم، الأبواب والقلوب على التطبيع المدهش.

تجاوز السادات يومذاك، ردّة الفعل الباردة على خطابه من قبل مناحيم بيغن فطار بعد 8 أيّام الى دمشق، ليشرح للرئيس السوري فكرته التي رفضت من دمشق. انشطر العرب حول اقتراح الزيارة بين دول معتدلة وأخرى رافضة شلّتها المظاهرات الشعبيّة في  العراق ولبنان وسوريا وليبيا والجزائر واليمن، الى سائر الفصائل الفلسطينية. وتابع السادات قفزه فوق المحرّم مقرّباً موعد الزيارة الى 19 نوفمبر 1977 التي أسمّيها بعد 43 سنة: الفتق الأول في يباس الجسد العربي .  حطّ الريّس في  »اسرائيل« ضيفاً يلتمس  »السلام العادل والدائم« عبر 5 نقاط:

1- انهاء اسرائيل لاحتلال الأراضي التي ضمّتها في حرب حزيران 1967.

2- ضمان حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وإقامة دولته الخاصة به.

3- حق كل دول المنطقة بالعيش بسلام داخل حدودها الآمنة والمضمونة.

4- إنهاء النزاعات في المنطقة.

5- التطبيع الكامل للعلاقات بين اسرائيل ودول المنطقة أخيراً.

 وبقيت الأمور تنمو حتّى 17/9/1978 تاريخ توقيع سلام كامب دايفيد، واغتيال الريّس في ال1981.

ترتفع اليوم الهبّة على التطبيع مع  »إسرائيل« عبر :

1- إرتخاء السلطة الفلسطينية التي لا تتجاوز وعودها المنفوخة من القيادة الموحّدة أو الشعبية بيت الشعر القائل:

 إذا كان ربّ البيت بالدفّ ضارباً

فما شيمة أهل البيت سوى الرقص.

2- التطبيع الحاصل مؤخّراً مع البحرين وأبو ظبي ودبي والسودان والمغرب إلى حدود جعلت نبرات الأصوات ومجرى الحبر خافتةً ناعمة حيال الدول المطبّعة أو على طريق التطبيع.

3- استناداً إلى القمة العربية في الرياض الممهّدة  لمبادرة السلام العربية التي كان طرحها الملك عبدالله بن عبد العزيز على قمّة بيروت العربية في 27و28/3/2002، وكان وليّاً للعهد آنذاك. حضر القمّة آنذاك أبو عمّار بالصوت والصورة بعدما كان الثلاثي المصري والأردني والإماراتي  في أجواء النقر على باب  »اسرائيل« .

حلّت عقدة السبحات في مسارات التطبيع إذن، ليصبح السؤآل الأكبر : أين تقع فلسطين اليوم والدول العربيّة الأخرى بعدما دأبت  » إسرائيل« سياسيّاً ودبلوماسيّاً وإعلاميّاً، خلال ولايتي الرئيس باراك حسين أوباما الإصرار على حسين تدليلاً بأنّنا أتيناكم بمسلم إلى البيت الأبيض وأخفق.  صار بإمكاننا أن نأتيكم  بإسرائيلي حاكماً مطلقاً لمصلحة الدولة اليهودية، فكان ترامب من أصول مهاجرة  يتجاوز الطموحات والإنتظارات الإسرائيلية، حتّى نتائج الإنتخابات المهدّدة بالخراب الكبير بعد 6 يناير 2021  . هو الرئيس  المتأبّط،  »إسرائيل قبل أميركا  وفلسطين والعرب والعالم  أجمع. نقل سفارة أميركا إلى القدس العاصمة العتيدة لـ »دولة إسرائيل« وينقره صهره اليهودي جاريد كوشنير زوج إبنته إيفانكا بسبّابته على الدوام، للإسراع بتحقيق  »صفقة العصر«.  وكي لا ننتظر جديداً ولو ضئيلاً في المستقبل سواء وصل خلف المكتب البيضاوي بايدن أو تشبّث به ترامب أو انقلبت الدنيا هناك، فلنقرّ أنّني لم ألمس فرقاً بين قمّة بيروت بنقاطها السبع ونقاط السادات الخمس إلاّ بنقطتين:

1- إعتبار الرئيس اللبناني إميل لحود كرئيس للدورة  تطبيع العلاقات بالانسحاب الإسرائيلي إلى حدود 4 حزيران 1967 غير كافٍ إذ يجب إقترانها بحلٍّ عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين وفقاً للقرار الصادر194 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة.

2- دعوة المجتمع الدولي ومنظماته الى دعم هذه المبادرة تبعاً للنقطة الأولى.

أمّا ما تبقّى من تفاصيل وخطب، فتطابق في المبادرتين أو النصّين، يسمح لأساتذة الجامعات والباحثين الكشف عن تشقّقات الفتق الأوّل وتداعياته.

مهلاً!

هل للعرب قوة عودة الزمن إلى الوراء؟

عرف العرب منذ 40 سنة 6 حروب مع اسرائيل، أبرزها كان وصول العدو الإسرائيلي إلى ثلاثة عواصم أساسيّة القاهرة وبيروت ثمّ بغداد . سقطت مصطلحات العدو الغاصب والغاشم وفلسطين المحتلّة وظهرت  »إسرائيل« دولةً بشحمها ولحمها وتطلّعاتها في السنتهم ونصوصهم واقعاً طبيعيّاً. منذ 1993  و »إسرائيل« تصدّر الكوادر للأردن مقابل اليد العاملة، ويتوه الفلسطينيون في أنفاق أوسلو منذ 13 /9/ 1993 ثمّ أدخلوا في 28 /9/ 1995 في اتفاق طابا الذي أعاد اليهم 30بالمئة من الضفة الغربية أي ما مساحته 5 كلم مربع أي 7 مدن و450 قرية بشكل جزر وأوعية غير متصلة متقاتلة محاطة بمئات المستوطنات من دون القدس الشرقية وها صفقة العصر بصيغة قبّعة العرب.

ماذا بقي؟

مزدوجان نحصر« إسرائيل«بينهما في الكتابة، تعني عدم الإعتراف، لكن المياه تكرج منذ حبر شيمون بيريز(1994) بالدعوة إلى نزع السلاح وقلب الصحراء ونهضة السياحة والمواصلات. قناة تقوم بين البحرين الأحمر والميت وميناء مشترك عربي/ »اسرائيلي«، وتحلية مياه المتوسط تظهر بن غوريون متبسّماً  راضياً في رفاته إلى  مؤتمرات اقتصادية عربيّة آتية حول عوائد النفط العربي.

لكن! أننسى الشعوب غير الموقّعة على السلام، الباقي في التسويات المتحركة، وصوت الشعب باقٍ في حنجرة الله.

كاتب وأستاذ مشرف في المعهد العالي للدكتوراه

العدد 112 / كانون الثاني 2021