سنة 2021 إمتدادٌ أصعب وأقسى على اللبنانيين من 2020

بين صراع المحاور الاقليمي والدولي والخلافات الداخلية تتعطل كل الامور

بيروت – غاصب المختار

تراكمت الأزمات اللبنانية المتفجرة سياسياً واقتصادياً ونقدياً وأمنياً ومعيشياً وإجتماعياً وصحياً دفعة واحدة، منذ إندلاع الحراك الشعبي في 17 تشرين الاول ? اكتوبر من العام 2019 وصولاً الى ايامنا هذه، وطارت من جرائها حكومتان، وفشل الرئيس المُكلّف السفير اللبناني في برلين الدكتورمصطفى اديب في مهمة تشكيل حكومة جديدة، تخلف حكومتي الرئيسين سعد الحريري والدكتورحسان دياب، كما تعَثّرَتْ مهمة الرئيس الحريري في تشكيل الحكومة الجديدة بعد تكليفه مجدداً، نتيجة ظروف وأسباب خارجية بمعظمها وداخلية شكلية بنسبةٍ أقل.

هكذا، انعكست الأزمات دفعة واحدة على حياة اللبناني، وبعد العيش الرغيد الذي كان يعيشه، إنقلبت حياته جحيماً لا يُطاق، فَاقَمَهُ تدني قيمة العملة الوطنية (الليرة) وبالتالي القدرة الشرائية للمواطن متوسط الحال،  وإنفجار نيترات

الحراك الشعبي اللبناني مستمر ولو بوتيرة أقل

الامونيوم في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت، الذي دمّر واجهة بيروت الشرقية (الاشرفية والجميزة ومحيطها بقطريزيد عن خمسة كيلومترات). فَشَلَّ الحياة فيها منذ الرابع من شهر آب ? اغسطس.

مؤشرات مقلقة

ومع تفشي جائحة كورونا، وإضطرار السلطات الصحية والامنية الى إتخاذ قرار الإقفال العام او الجزئي اكثر من مرة، تعطلت الحركة الاقتصادية وتضررت بشكل إضافي كبير، بعدما اصيبت بإنتكاسات كبرى منذ العام 2019، فيما سوق العمل يتراجع وتزداد البطالة، ونسبة الفقر ارتفعت من 25 في المئة الى 55 في المئة، وبلغ عدد الفقراء حسب إحصاءات مراكز الدراسات والنواب اللبنانيين مليونين و300 الف شخص، بينهم نحو مليون تحت خط الفقر.  وتراجعت نسبة شريحة الطبقة المتوسطة في المجتمع من 70 في المئة الى 40 في المئة. وإرتفعت أعداد العاطلين عن العمل حالياً إلى نحو 400 ألف عاطل عن العمل، والرقم مرشح الى المزيد من الارتفاع في الاشهر القادمة.

وعلى المستوى المعيشي، ارتفعت كلفة السلة الغذائية والاستهلاكية لأسرة من 5 افراد من نحو 450 الف ليرة شهرياً، الى نحو مليون و200 الف ليرة، أي بنسبة 166 في المئة.

وتراجع مستوى الخدمات العامة من الوزارات والمجالس المحلية (البلديات) بنسبة كبيرة، نتيجة ضعف قدرة الدولة على تلبية الاحتياجات المتعلقة بالبنى التحتية والاتصالات والنقل والطبابة. كل هذا مع الاعباء المترتبة على أزمة النزوح السوري، وتهريب او تحويل او خروج العملة الصعبة الى خارج البلاد، عبر المصارف، والعمال الاجانب لا سيما عاملات الخدمات المنزلية، اللواتي زِدْنَ الاعباء على الأسر المتوسطة الحال فاضطُرَ كثيرٌمنها الى الاستغناء عنهنّ.

وترك إزدياد حالتي الفقر والعوز، آثاراً اجتماعية واقتصادية خطيرة، كتراجع النمو السكاني، وزيادة حالات الطلاق، وتراجع حالات الزواج. وترك ايضاً أزمات معيشية صعبة، كما أدّى الى إرتفاع نِسَبْ جرائم السرقة والقتل عن العام 2019، بحيث ارتفعت جرائم سرقة السيارات بنسبة 117 في المئة، وجرائم السرقة بنسبة 56 في المئة ، وجرائم القتل بنسبة 93 في المئة، وهي مؤشرات خطيرة تدل على حالة المجتمع اللبناني.(إحصاء مركزالدولية للمعلومات).

وزاد الازمات تفاقماً ايضاً توقف الدعم الدولي والعربي للبنان، لأسباب سياسية تتصل بخلافات اللبنانيين انفسهم، وتتصل بالصراع الاقليمي – الدولي الكبير، وإصطفاف القوى السياسية اللبنانية بمعظمها ضمن سياسة المحاور، ولأسباب اقتصادية تتعلق بالدول المانحة، التي اصابتها جائحة كورونا ايضاً بخسائر اقتصادية ومالية.

صراع المحاور بيت القصيد

لكن بيت القصيد في ما يُصيبُ لبنان يرتبط بشكل خاص بصراع المحاور الدولية والاقليمية، فلا سياسة الحياد التي تم اعتمادها شكلياً منذ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2011 نفعت، ولا دعوات البطريرك الماروني بشارة الراعي ومشروعه الذي اعلنه في 11 آب – اغسطس الماضي، تحت عنوان “مذكرة لبنان والحياد الناشط”، وجد سبيله الى التحقيق. وترتكز المذكرة في بعدها الأول على “عدم دخول لبنان قطعياً في أحلافٍ ومحاور وصراعات سياسية وحروب، إقليمياً ودولياً، وامتناع أي دولة إقليمية أو دولية عن التدخّل في شؤونه أو الهيمنة عليه أو اجتياحه أو احتلاله أو استخدام أراضيه لأغراض عسكرية”.

وفي بعدها الثاني، تدعو المذكرة إلى “تعاطف لبنان مع قضايا حقوق الإنسان وحرية الشعوب، ولا سيما العربية منها التي تجمع عليها دولها والأمم المتحدة”. اما البعد الثالث للحياد الناشط  فيرتكز على “تعزيز الدولة اللبنانية لتكون دولة قوية عسكرياً بجيشها ومؤسساتها وقانونها وعدالتها ووحدتها الداخلية وإبداعاتها، لكي تضمن أمنها الداخلي من جهة، وتدافع عن نفسها بوجه أي اعتداءٍ برّي أو بحري أو جوي يأتيها من العدو الإسرائيلي أو من سواه من جهة أخرى”.

صراع المحاور وصل الى التفاصيل اللبنانية لا سيما تشكيل الحكومات، ففشل الرئيس المكلف مصطفى اديب في تشكيل حكومته بعد فرض العقوبات الاميركية على الوزيرين الاسبقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، المحسوبين على فريق حزب الله وحلفائه، وقبلهما صدرت عقوبات بحق عدد من الشخصيات المحسوبة على الفريق ذاته، ونتيجة لهذه العقوبات تصلب هذا الفريق في مطالبه لتشكيل الحكومة فإعتذر الرئيس اديب عن إكمال مهمة التشكيل، وتم بعد مشاورات صعبة ومضنية التوافق على ترشيح الرئيس سعد الحريري لتشكيل حكومة جديدة، فإصطدم بالمعوقات الخارجية ذاتها، لا سيما بعدما اعلنت الادارة الاميركية الراحلة مع رحيل الرئيس دونالد ترامب، رفض توزير اي شخصية مقربة من حزب الله او يقترحها او يوافق عليها الحزب، حتى لو كانت من الشخصيات المستقلة ومن الاختصاصيين. وهذا بإعتراف عدد من مناصري الحريري وفريقه السياسي وحلفائه.

ولا تُخْفى الخلافات الداخلية التقليدية بين القوى السياسية على توزيع الحصص الوزارية كما جرت العادة، لكنها مشكلة “مقدورعليها” كما يقول المثل اللبناني، لمراعاة التوازنات السياسية والطائفية والمناطقية المتحكمة باللعبة السياسية اللبنانية. لكن برزت هذه المرة بشكل نافر اكثرمسألة الخلاف على صلاحيات رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف في تشكيل الحكومة، وهو خلاف اتخذ بالشكل التمسك بالدستور لكنه ضمناً يستبطن عرقلة مقصودة اوتأخيراً مقصوداً لحين إتضاح مسار الاحداث الاقليمية المتوترة، من الخليج الى شرق البحر المتوسط، حيث استعر الخلاف الفرنسي -اليوناني مع تركيا، تارة حول حقوق حقول النفط البحرية، طوراً حول المشكلة الليبية. لكن يبدو ان الخلاف الفرنسي الاميركي مع إيران كان له التأثير الاقوى على  الوضع اللبناني، فعرقل كل شيء.

إمتداد من عام الى عام

هذه الازمات امتدت من العام 2019 الى 2020، وهي مستمرة في العام 2021 على ما يبدو، على الاقل حتى النصف الاول من العام. فكل خبراء الاقتصاد والمال و”الجيو- بوليتيك” يرون ان لا حلَّ للأزمة المالية الاقتصادية إلا بالاصلاحات البنيوية الهيكلية للإقتصاد وللادارة الرسمية في لبنان. وهذه الإصلاحات مفروض من حيث المبدأ ان تقوم بها الدولة، والدولة قوامها الطبقة السياسية المشكو منها، والمُتهمة بانها أوصلت البلاد الى الافلاس والجوع والانهيار، نتيجة الفساد والمحاصصة. وكما كان يقول الرئيس الاسبق للحكومة سليم الحص “الاصلاح بحاجة الى رجال دولة إصلاحيين فمن اين نأتي بهم مع هذه الطبقة السياسية الفاسدة؟”

كما في الاقتصاد كذلك في السياسة والادارة، فطالما ان الطبقة السياسية ذاتها متحكمة بمفاصل الدولة، حكومة ووزارات ومؤسسات عامة وبالقصاء وبالأمن والاعلام، فلا أمل يُرجى. اما الأخطر والأصعب فهو العبث الخارجي بالداخل اللبناني، والشروط التي تُفرض على السياسيين من هذا الفريق او ذاك، وجرّ لبنان رغماً عنه الى سياسة المحاور الاقليمية، إذ تتعامل معظم الدول مع القوى السياسية بمنطق “إذا لم تكن معي فأنت خصمي”. ومع ذلك يُطالبون لبنان بالحياد!

وحسب تقديرات نائب ووزير لبناني سابق مخضرم مقرّب من المحور الخليجي، فإن الصراع الخليجي- الايراني سيشتد اكثر، بعد قمة “العلا” لدول مجلس التعاون الخليجي، التي تحققت فيها المصالحة مع قطر، وستترك هذه المصالحة تردداتها على  لبنان، من حيث التشدد في التعامل مع حلفاء ايران. فقد أشاد البيان الختامي للقمة “بقرارات الدول التي صنفت حزب الله كمنظمة إرهابية، في خطوة مهمة تعكس حرص المجتمع الدولي على أهمية التصدي لكل أشكال الإرهاب وتنظيماته على المستويين الدولي والإقليمي، وحث الدول الصديقة لاتخاذ مثل هذه الخطوات للتصدي للإرهاب وتجفيف منابع تمويله”.

ولكن في البيان الختامي ذاته للقمة، البند 97 الخاص بلبنان، والذي يؤكد “على مواقف مجلس التعاون وقراراته الثابتة بشأن لبنان، وحرصه على أمنه واستقراره ووحدة أراضيه، وعلى انتمائه العربي واستقلال قراره السياسي، والوفاق بين مكونات شعبه الشقيق. معرباً عن أمله في أن يستجيب اللبنانيون لنداء المصلحة العليا، والتعامل الحكيم مع التحديات التي تواجه الدولة اللبنانية، وبما يلبي التطلعات المشروعة للشعب اللبناني”.

هذا البند يناقض ما سبقه من تبنّي توصيف “حزب الله” بالارهابي، ما يعني استمرار الموقف الخليجي من الوضع اللبناني على ما هو عليه، من عدم تعاون مع اي حكومة لبنانية تضم وزراء مقربين من “حزب الله”.

 لذلك فالامر يحتاج الى معجزة لإخراج لبنان من ازماته، وزمن المعجزات السماوية ولّى، وبقيت معجزات الانسان القادر على إجتراح العجائب السياسية والاقتصادية والمالية. فهل تتحقق في لبنان معجزة بشرية العام 2021؟ وعلى  يد من؟ فرنسا اودول الخليج او ادارة الرئيس الاميركي جو بايدن، طالما ان جميع الدول تؤكد حرصها على استقرار لبنان.

العدد 113 / شباط 2021

6