ايقونتان من بلادي

صديقتان كان لي الشرف ان اشاركهما مرحلة من النضال العربي القومي في العراق ،،الزمن الذي كان متفردا في معنى الحب الاخوي النابع من القلب دون زيف او مصالح فردية ،، بل كان حب الوطن والإيمان بحقه ان يكون له مكان تحت الشمس وان يواكب التطور والنماء من اجل شعب عربي موحد على امتداد الأمة العربية ،، شعب يستحق العزة والكرامة والعيش في ظل حرية الفرد ومساواة فاعلة بين افراده نساءً ورجالاً دون احساس بالدونية او التفوق الجنسيّ او الطبقي .

ايقونتان مهما مرت الأعوام وتدافعه الأحداث وبرزت قيادات من مناضلين ومناضلات ، فلن تبهت صورتهما او تأثيرهما عند من عاصرهما وعاش معهما تجربة النضال. القومي العربي .

يسرى سعيد ثابت وهناء الشيباني ،، مناضلتان اتسمت بالذكاء والإحساس النقي لكل من حولهما وما نزال نسترجع ذكرياتنا معهما ،، نتألم حينا ونضحك احيانا وفِي كلتا الحالتين نفتقد وجودهما الفاعل معنا .

يعرف العراقيون ،، يسرى سعيد ثابت ،، المناضلة في حزب البعث الاشتراكي في مرحلة الخمسينات والستينات من القرن الماضي والتي وقفت بكل انفة وكبرياء في محكمة المهداوي ( المحكمة المهزلة التي كانت الأحكام تصدر فيها بتحريض من حملة الحبال بايدي الرعاع وهم يهتفون ،، اعدم ، اعدم ،،حتى قبل ان يُقرأ خطاب الاتهام ) ،، وحين جاءوا بشاهد ليحكي قصة خيالية عن تآمرها في عملية محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم ،، كان ردها على اكثر من نصف ساعة ( هذا خياله واسع وإنشاؤه جيد ) بكلمتين أسقطت كل ادعاءاته والامتهان حجرا ،، حينها كانت يسرى مثالا لكل مناضلة ومناضل في تحمل الام السجن والتعذيب الجسدي والنفسي .

ولان اغلب قياديي حزب البعث كانوا اما محكومين بالإعدام او السجن لأعوام ليست بالقليلة او هاربين خارج القطر ، فقد وقع عبء اعادة التنظيم والتواصل مع الجماهير المؤيدة للحزب على عاتق ( الفرقة النسوية ) وقد برزت ( هناء الشيباني ) ونحن معها مناضلة عنيدة ، ذكية ، مخلصة للوطن والامة العربية ، متطلعة لخدمة الطبقات البسيطة ،، عمالا وفلاحين وكسبة ،، فكنا ندق كل الأبواب ونساهم في الكثير من الفعاليات التي تقربنا اكثر وأكثر من الجماهير الواسعة .

بعد انفصال الوحدة العربية بين سوريا ومصر والتي كانت املا لكل عربي ان تكون نواة وحدة تمتد من المشرق العربي حتى مغربه ،، اصبنا بإحباط وألم حاولنا تجاوزه بالعمل اكثر لاسترداد ما فقدناه ،، الا ان نكسة حزيران أجهزت على الكثير من مقاومة الشباب وآمالهم ،،،، حينها أعلنت هناء الشيباني لنا ،، ان العمل داخل العراق لن يجدي كثيرا ( وليس غير البندقية سبيل للحرية ) ،، وهكذا التحقت بقوى المقاومة في فلسطين ،، قامت بعمليات فدائية جنبا الى جنب مع رفاقها الشباب ،، وهناك في الارض التي بارك الله حولها ( فلسطين ) استشهدت هناء الشيباني وروّت بدمائها أرضا ارادها الله حرة واراد الغاصبون إذلالها

كانت اكبر تظاهرة تخرج في بغداد يوم ان شيعنا جثمان الشهيدة الغالية ( هناء ،، رحمة الله عليها وعلى كل شهيد عربي ) .

وتعاودني الذكريات بوفاة الصديقة العزيزة يسرى سعيد ثابت ويشاء الله ان يكون ذلك في بلد عزيز على قلب كل عربي يُؤْمِن بأمته ،، جزائر المليون شهيد ،،،

دماء المناضلين من اي بلد عربي أين ما كانت فهي النقاء والسلام والامان لاهله

تحية لكما من القلب الذي ما زال يرجو لقاءً يأذن به الله تعالى

العدد 113 / شباط 2021