صلاة الأمين

جاد الحاج

  “من بيروت العاصمة الجريحة هذه الصلاة نحو السماء أياً كانت لغة سامعها   أو بأي اسم نناديه فلعل نظرته التي تلثم الكون بكل مخلوقاته تلتفت قليلاً نحونا.  من زمان ونحن نتحمل أخطاء البشرية بكاملها ناهيك عن خطايانا وضياعنا. من زمان وقبل ان ينتشر البؤس على هذه الأرض رأيناه يهاجمنا أولاً. من هذه المدينة التي تدمرت مرات  وأعيد بناؤها مرات  من جديد، من هذا الشاطئ الذي خرج منه ذات يوم رجل استطاع ان يردي التنين قتيلاً ، كقول الاسطورة، من هنا هذه الصلاة نحو السماء لعل لبنان يستطيع أن يقف على قدميه   وأن يرفع جدرانه وأن يبلسم جراحه وأن يتعلم كيف ينتصر على اليأس وعلى الألم وعلى الإحباط، وأن يعرف كيف ينتصر على شياطينه وعلى وحشية العالم  . من هذا الشاطئ القديم الذي أصبح فجأة هيكلاً لجنون البشر، وهيكلاً لغضبهم وسخطهم، أوجه هذه الصلاة نحو السماء

 آمين.”

تلك هي الصلاة التي توجه بها أمين معلوف الى السماء بعد زيارته الأخيرة   بيروت ومشاهدته كارثة مرفأها. وهو في هذه الصلاة، كعادته يتجنب الإفراط العاطفي ويركز على حقائق ثابتة لا تؤثر فيها متغيرات الزمان. إلا أن صلاة الفائز بجائزة غونكور الذي دخل اخيراً في الاكاديمية الفرنسية الى جانب كبار مبدعيها، تحيلنا الى سؤال طالما خطر في البال إن طرحناه حبراً على ورق او ذكرنا اهميته في احاديثنا الخاصة : اين هم مبدعو لبنان المنتشرون في المغارب والمشارق والذين تركوا آثاراً لافتة في الثقافات الكبرى؟  أين هم؟ ولماذا لا يتبادلون الآراء ويبحثون فيما بينهم عن اساليب فعالة من شأنها ان تحرك العواصم العالمية والمؤسسات الثقافية باتجاه مد يد العون الى لبنان وهو في حال من السقوط والهوان منذ انهيار مؤسساته وتبدد ثرواته المصرفية واختناق اقتصاده واستفحال هجرة ابنائه الذين بدأوا في الآونة الاخيرة يركبون اي زورق مطاطي نحو المجهول؟

يحمل اسماء لبنانية فريق طليعي من الكتّاب والموسيقيين والعاملين في مجالات السينما والمسرح وقد انتشروا في مهاجرنا ومغتربات أهلنا قديماً وحديثاً.   يتصدرون المنابر الادبية والابداعية ويحصلون على جوائز بالغة الاهمية ويصفهم النقاد المحترمون في الصحف المحترمة بأفضل الاوصاف، وليس غريباً ان تكون لهم علاقات فعالة ومؤثرة في المنابر الثقافية التي تعكس اضواءها على التدابير والمواقف السياسية والاقتصادية حول العالم.

بالفرنسية تكلم أمين معلوف مصلياً وقد كانت فرنسا الدولة الاولى التي هرعت لمساعدة لبنان على تخطي مأساة المرفأ وتجاوز ما يعانيه من قحل اقتصادي ومالي، ناهيك بالهلع الأمني القائم حالياً. إلا أن المقاربة الفرنسية   اشترطت تشكيل حكومة فاعلة بوزراء تقنيين يتولون  مهماتهم على أساس المعرفة والاختصاص   . . . لكن تلك الامنية لم تتحقق حتى كتابة هذه السطور.

مع ذلك تجدر الاشارة الى مجموعة لا يستهان بها من المبدعين اللبنانيين المنتشرين في العالم ولا شك انهم يعانون ما يشعر به المواطن اللبناني اليوم من هوان وجوع وحيرة مخيفة حيال مستقبلهم ومستقبله أولاده .

في الماضي  كان الأهل يتبعون أولادهم المسافرين للتخصص في الخارج او للعمل الى المطارات والمرافئ حيث لا يتوقف تلويحهم بالمناديل البليلة حتى تختفي السفينة وراء الأفق او  الطائرةخلف الغيوم، أما اليوم فترى الاهل يفرحون لأن أولادهم حصلوا على منحة او وظيفة في الخارج واستطاعوا الإفلات من واقع بلا أفق ولا أمل ولا عمل!

العدد 120 / ايلول 2021