إنتخابات العراق و مشهد ديمومة التردي الحضاري

إ.د. مازن الرمضاني*

في يوم العاشر من شهر تشرين الآول/أوكتوبر 2021 تكون أنتخابات العراق قد تمت فعلآ وبمخرجات قد لا تختلف كثيرا عن تلك التي أقترنت بها الإنتخابات العراقية السابقة.  فجميعها لم تكن بمعزل عن تاثيرثوابت معطيات واقعه الداخلي والخارجي والمستمر منذ عام 2003. لذا, هذا المقال يعمد إلى البرهنة على فرضية  مفادها أن مستقبل العراق حتى عام 2025, تاريخ الآنتخابات القادمة, سيكون إمتدادأ إتجاهيا لتاثير معطيات واقعه الراهن, وهوالإمتداد الذي يتجسد في مشهد ديمومة التردي الحضاري. وللبرهنة علي هذه الفرضية سيتم الإنطلاق, ولوبإختصار, من  مخرجات معطيات تقترن بثلاثة مستويات من التحليل: عراقية, وإقليمية, وآمريكية.

  1. المعطيات العراقية

منذ عام 2003 والجسد العراقي يعاني من إختلالات هيكلية متعددة ومتنوعة. ومن بينها مثلا إختلالات سياسية واقتصادية وآمنية مهمة. ولآن إحتواء مثل هذه الإختلالات كان يتطلب توافرثمة شروط, ولاسيما رؤية إستراتيجية واعية, وإرادة مدركة, وفترة زمانية طويلة نسبيأ .وهذا كان غائبأ. لذا من المرجح أن يفضى إستمرار أنتفاء هذه الشروط الى بقاء هذه الإختلالات ممتدة الى زمان لاحق, وكالآتي:

1.1 الإختلالات السياسية

دأب صناع للقرار الامريكي على الإعتراف بانتفاء الرؤية المسبقة لكيفية إدارة العراق بعد إحتلاله. وبهذا الصدد تقول مثلا السفيرة بربارا بودي: “… لم تكن هناك خطة لإدارة العراق”. وقد كان بديهيا أن يفضي ما تقدم إلى إتخاذ قرارات أمريكية خاطئة. وقد إعترف بها بول بريمر, الحاكم المدني الآمريكي في العراق, قائلآ : ” إن إدارة الولايات المتحدة للشأن العراقي كانت في حالة فوضى وإن آخطاء كثيرة قد آرتكبت.”  وتفيد مخرجات هذه القرارات الخاطئة إنها انطوت على تاثيربالغ السلبية في نوعية تطور العراق بعد عام 2003. فهي لم تؤد بالحصيلة الى هدم ركائزدولة عمرها الحديث 82عامأ (2003-1921) , وتأسيس نظام سياسي قوامه ركائز غير ديمقراطية وحضارية تتنافى ومستلزمات بناء وإدارة دولة معاصرة في القرن الحادي والعشرين.

إن استمرار الحكومات العراقية, بعد ما سمي  بتسليم السيادة للعراقيين في عام 2005, على الانطلاق من ذات الركائز التي استعان بها المحتل الآمريكي, ادى الى أن يضحى العراق أنموذجأ لفشل غير مسبوق في تاريخه المعاصر. ويتجسد هذا الفشل في أن العراق لم يعد مثلا  دولة هدف وانما دولة سلطة, ولا دولة مواطنة ومؤسسات وانما دولة مكونات طائفية وعرقية يتكرس فيها التناقض وبالتالي الصراع المذهبي وينتشر فيها التهميش والترهيب الطائفي, هذا فضلا عن أنه صار دولة تنتشر فيها ثقافة الفساد والإفساد المالي والإداري والسياسي, ناهيك عن الآخذ بسياسة الإدارة بالآزمة سبيلا للتغطية عن العجز والفشل الداخلي والتبعية الخارجية.

2.1 الإختلالات الاقتصادية

تفيد نوعية الدمار الناجم عن العمليات العسكرية الآمريكية وسواها داخل العراق أن بها إريد تدمير بنيته التحتية للحيلولة دون نهوضه اقتصاديأ. فمثل هذا النهوض وتحقيق دولة التنمية في العراق لم يكن آصلا هدفأ أمريكيأ. ذلك خشية من أن يتحول العراق الى عملاق اقتصادي في الوطن العربي والشرق الآوسط, سيما وإنه يتوافر على الشروط الموضوعية والذاتية لمثل هذه العملقة.

وعلى الرغم من إناطة ما سمي في وقته بعمليات إعادة إعمار العراق بالشركات الآمريكية الكبرى مثل شركة بكتل, إلا أن الواقع التنموي العراقي بعد 18 عامأ من الإحتلال, وتوافر الآموال الطائلة, لم يصل حتى إلى ما كان عليه الحال خلال فترة الحصار 2003-1991. لذلك من المحتمل ان يبقى الاقتصاد العراقي حتى عام 2025, وما بعده أيضأ, مشلولا ومنهكأ. ولا يرد ذلك فقط الى تنوع الإختلالات الهيكلية الاقتصادية التي استمر العراق يعاني منها بعد 2003, ومنها مثلا توقف عملية التنمية, إستشراء ظاهرة الفساد, تفاقم ظاهرة البطالة, تدهورالقطاعين الصناعي والزراعي, تخلف القطاعات التحويلية والانتاجية والخدمية…الخ , وصعوبة إيجاد الحلول الجذرية لها خلال زمان قصير نسبيأ.

إن الذي ادى إلى ما تقدم آيضأ هو عدم توافرصناع القرار في العراق على رؤية اقتصادية واضحة الآهداف والآولويات, أو لم يسمح لهم بها. ولغيابها تحول العراق الى دولة مستوردة لكل شىء تقريبا. وهذا ينطبق حتى على الآمن الغذائي, الذي كان العراق قبل عام 2003 يتوافر على شبه اكتفاء ذاتي فيه. وجراء ذلك صار العراق من اكثر دول العالم استيرادأ للغذاء وإعتمادا على سواه, وعرضة للإبتزازالخارجي.

3.1 الإختلالات الآمنية

لقد عمدت سلطة الإحتلال حتى تاريخ إنسحاب قواتها العسكرية من العراق نهاية عام  2011 الى محاولة إحكام السيطرة عليه خصوصا بعد تفاقم المقاومة العراقية لها عبر تبني تلك الإستراتيجية , التي اعتادت دول الإحتلال عبر الزمان على إستخدامها, هي إستراتيجية فرق تسد. ومن أجل ذلك عمدت الى تكريس إختلالات هيكلية أمنية في النسيج الاجتماعي العراقي عبرتوظيف أليات المحاصصة المذهبية والإثنية وأثارة الفتن والصراعات بين مكونات المجتمع العراقي.

إن تفاعل هذه الآليات مع مخرجات حل المؤسستين العسكرية والآمنية العراقية, وعدم توافر الارادة على إستبدالهما بمؤسسات حرفية لضمان الآمن الداخلي والخارجي للعراق, افضى , داخليأ, الى بناء بيئة داعمة للتردي الآمني وإستمراره. ومن هنا برزت ظاهرة المليشيات الطائفية, وإنتشرت عصابات الجريمة المنظمة وغير المنظمة وبالتالي تحول العراق الى دولة الفوضى وغياب القانون.

ولم يتغير الواقع الامني المتدهور في العراق بعد الانسحاب العسكري الامريكي من العراق. فالإشكالية الآمنية إستمرت مؤثرة دون أن تستطيع الإجراءات الحكومية الحد منها في الآقل. هذا لآن صانع القرار الآمني في العراق أتخذ من مضامين أنماط السلوك الآمريكي حيال العراقيين عموما أنموذجأ لآنماط سلوكه اللاحق دون أن يتعلم منها ما يساعد على الحد منها.

وبإلاضافة الى ذلك, استمرت الإشكالية الآمنية في العراق تجد دعمأ لها جراء مخرجات عدم أتخاذ إجراءات حكومية جذرية لتحقيق مصالحة وطنية حقيقية, تتماثل مع أنموذج جنوب افريقيا مثلآ.  وقد أدى هذا الواقع الى أن تتكرس قناعة لدى شرائح أجتماعية واسعة, مفادها أن إبقاء أزمات العراق, ومنها أزمة عدم الاندماج الوطني, دونما حل جذري, إنما يراد بها تأمين أحتكار أحزاب أسلاموية للسلطة السياسية. ومن هنا, أكد ,الآمريكي الذي كان من دعاة الحرب على العراق, كينيث. م. بولك:” أن عدم توافر القيادة العراقية على القدرة والإرادة لحل المشاكل التي تؤجج الإنقسام السياسي في العراق, يدعم إستمرارمشاكله.”

وفي ضوء تاثير مخرجات مجمل الإختلالات الهيكلية آعلاه وسواها في الجسد العراقي, غني عن القول إن إحتوائها,حتى وأن توافرت الرؤية والإرادة ,يحتاج  الى زمان طويل نسبيأ .

2.المعطيات الإقليمية

تفيد خبرة التفاعلات الإقليمية أن نوعية إدراك الدول لمعطيات الواقع الداخلي لسواها ينطوي على تاثير بالغ الآهمية في انماط سلوكها حيالها. فهذه الآنماط حيال الدول الإقليمية المستقرة وذات القدرة على الفعل تختلف عن غيرها حيال الدول غير المستقرة والضعيفة.

ومنذ إحتلاله, آضحى العراق دولة فاشلة داخليأ, وضعيفة التاثير خارجيأ. وإنطلاقأ من هذه الحقيقة تعاملت الدول الإقليمية الآكثر تاثيرأ معه خلال السنوات اللاحقة لعام 2003. ولآ يُرجح, أن تتغير أنماط السلوك السياسي الخارجي لهذه الدول حيال العراق طالما إستمرضعيف الفاعلية الداخلية ومن ثم الخارجية.ودول الجوار العراقي الآكثر إهمية, هي:

 1.2 المملكة العربية السعودية

 

منذ إحتلاله , والعراق يُعد آحدى الساحات الإقليمية التي استمرت محط تنافس أستراتيجي بين مشروعين متناقضين من حيث الهدف, هما المشروعين السعودي والايراني. فبينما يرمي الآول إلى ضمان أمن الخليج العربي كجزء لا يتجزأ من الآمن القومي العربي, يسعى الثاني الى تأمين إيران كقوة إقليمية مؤثرة وقادرة على مد هيمنتها الى الخليج العربي والبحر الابيض المتوسط

وجراء هذا التناقض, آدركت المملكة العربية السعودية أن مخرجات إحتلال العراق والإنسحاب العسكري الآمريكي منه نهاية عام 2011,  وتسليمه إلى إيران, فضلا عن الطموح النووي الإيراني قد رفد الخلل القائم في ميزان القوى بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران ,لصالح الآخيرة, بعناصر مضافة. ومن هنا عمدت خلال السنوات السابقة الى تبني ثمة إجراءات داخلية وخارجية للحد من تفاقم هذا الخلل.

وقد كان العراق جزءأ من الإجراءات الخارجية. فإضافة الى توجه جل دول مجلس التعاون الخليجي إلى إعادة وتفعيل علاقاتها وتفاعلاتها الدبلوماسية وغيرها معه, كانت علاقاتها الوطيدة مع الولايات المتحدة الامريكية سبيلا مضافأ تم توظيفه للحد من حدة التماهي العراقي الرسمى مع ايران.

وحتى في حالة تطور العلاقة السعودية- الإيرانية إيجابأ في الزمان اللاحق ,يفترض هذا المشهد أن الحد من تعاظم النفوذ الايراني في العراق سيبقى من بين أولويات السياسة الخارجية الاقليمية السعودية. ومرد ذلك مدخلان: آولهما, حرص المملكة العربية السعودية أن لا يفضي النفوذ الإيراني المتزايد في العراق إلى تهديد هويته العربية بعنصر مضاف, خصوصأ وإن عملية جعل العراق فارسيأ لم تهدأ منذ عام 2003 , لا سيما في محافظاته الجنوبية والوسطى. وثانيهما, أن وجود دولة ذات حكومة طائفية في العراق وموالية لآيران, على الحدود الشمالية للمملكة العربية السعودية, يشكل تهديدأ أمنيأ جادأ. ولا يكمن هذا التهديد في إمكانية اختراق مليشيات طائفية إيرانية التوجه والتبعية لهذه الحدود فحسب, وإنما آيضأ في إمكانية تاثر بعض مكونات المجتمع السعودي, ولاسيما في المنطقة الشرقية السعودية, بالحالة الطائفية السائدة في العراق والاقتداء بها. ولنتذكر أن من بين الإدوات المهمة, التي تستعين بها السياسة الخارجية الإيرانية حيال الخليج العربي والمشرق العربي, أداة توظيف المذهب والخلايا النائمة سبيلا لتحقيق آهداف المشروع القومي الإيراني.

2.2 إيران

في ضوء الفرضية الآساسية لهذا المشهد, ستعمد إيران إلى توظيف معطياته لصالحها. لذلك ستتحرك على ثلاثة مستويات آساسية:

فأما عن المستوى الآول, فهو يكمن في السعي إلى تكريس مكاسبها المتحققة, وتطوير نفوذها في العراق عبر أليات متعددة, منها الإستفادة من آثر المصالح المشتركة والوطيدة بينها ومعظم النخب السياسية الحاكمة, وجلها من القوى الحليفة .وأما عن المستوى الثاني, فمفاده أن إيران ستعمل على ضبط تطور العلاقات العراقية –العربية على وفق تطور طبيعة علاقاتها مع الدول العربية, تعاونأ او صراعأ, هذا تأمينأ لانسياق العراق وراء سياساتها الإقليمية. وأما عن المستوى الثالث, فهو يعبر عن نزوع إيران الى تجنب أي صراع مع الولايات المتحدة الآمريكية, تأمينا لمصالحها المتحققة في العراق والدول العربية الآخرى, وتطلعها إلى إعادة علاقتها معها وتطويرها.

إن نجاح ايران في توظيف معطيات مشهد ديمومة التردي الداخلي لصالحها, سيؤسس لتلك المعطيات التي ستجعل علاقة العراق بها علاقة تبعية بإمتياز.

3.2 تركيا

تفيد إتجاهات السياسة الخارجية التركية حيال العراق إنها تطلعت إلى بناء علاقة وطيدة واياه سبيلآ لتحقيق مصالح اقتصادية, تكمن في ديمومة الارتقاء بميزان التبادل التجاري بين البلدين لصالحها, وكذلك لمصالح سياسية تتمحور حول تبني الآقلية التركمانية في العراق, فضلآ عن الحيلولة دون أن يكون أقليم كردستان دولة مستقلة, هذا لآن مثل هذه الدولة قد لا تدفع باكراد تركيا الى مجرد المطالبة بحق تقرير المصير, وإنما ايضأ إلى القيام بأفعال قد تهدد الوحدة الكيانية التركية.

ومن هنا يفترض هذا المشهد أن لتركيا مصلحة في عدم تحول العراق الى دولة غارقة في الفوضى والصراع الطائفي ولهذا ستعمد الى توظيف علاقاتها الوطيدة نسبيأ مع المكونات الاجتماعية العراقية

بيد أن هذا المشهد بفترض ايضأ أن تركيا ستعمل جاهدة دون أن تفضي مخرجاته الى أن يتحول العراق الى دولة تابعة لإيران.فمثل هذا التحول من شأنه إعلاء المكانة الإقليمية لايران على حساب المكانة الإقليمية لتركيا ومصالحها العليا. ولنتذكر أن العراق كان أحد الساحات الآساسية للصراع بين العثمانين والفرس في سابق الزمان, ولازال كذلك كامنأ في الآقل.

4.2 إسرائيل

على الرغم من أن إسرائيل ليست من بين دول الجوار الجغرافي المباشر للعراق, بيد إنها كلاعب إقليمي يرتبط بالولايات المتحدة الامريكية بعلاقة خاصة, تبقى معنية بالشأن العراقي حاضرأ ومستقبلآ, مثلما كان الحال في الماضي , هذا سبيلا لضمان مصلحة اسرائيلية مهمة, هي أن لا يعود العراق مرة اخرى, ومثلما كان قبل 2003 ,ليشكل تهديدأ أمنيأ جادأ للآمن الاسرائيلي. لذا يرجح أن يفضي مشهد ديمومة  التردي الداخلي الى مخرجات تؤمن تحقيق هذه المصلحة.

كذلك يتيح هذا المشهد فرصة مهمة لإسرائيل لتوظيف علاقتها مع الولايات المتحدة الآمريكية من أجل ترتيب تلك الظروف في العراق التي تساعد على أن يبدأ عرب العراق بالتحول من حالة العداء لها إلى حالة القبول بها, هذا سبيلآ ايضأ لتطوير الوجود الإسرائيلي في العراق من طبيعته الراهنة وغير المعلنة إلى أخرى معلنة. وقد سبق لفهمي هويدي أن تناول هذا الوجود قائلآ” …إ ن هذا الوجود كالفيل في الغرفة. فالجميع يدرك وجوده, إلا آنهم لا يستطيعون رؤيته.” وغني عن القول أن الاعتراف العربي بإسرائيل وتبادل العلاقة العلنية وإياهم يعد من بين أهم أولويات السياسة الخارجية الإسرائلية حيال العرب.

 كذلك تتيح معطيات هذا المشهد لإسرائيل الإستمرار في إبقاء العراق دولة غارقة في الفوضى والصراع الداخلي, سيما وأن العراق الضعيف وغير الفاعل يلغي, ولفترة طويلة قادمة, عودة العراق الفاعل والمؤثر إقليميأ. ومن هنا يعد محتملا أن تتبنى إسرائيل إليات سرية لتكريس المعطيات السلبية لواقعه.

  1. المعطيات الامريكية

إن المكانة الدولية التي تحظى بها الولايات المتحدة الامريكية حاليأ, لا تعني إنها, كسواها  من القوى العظمى عبر التاريخ , لن تتردد عن تكريس هذه المكانة عبر مستويين مهميين: اولهما, الحد من تاثير الإختلالات الهيكلية لجسدها القومي على فاعلية حركة سياستها الخارجية. وثانيهما, توظيف الفرص الخارجية الداعمة لدور دولي فاعل ومؤثر.

ومن بين هذه الفرص العلاقة الامريكية- العراقية بعد عام 2003. فهذه العلاقة, التي انتقلت جذريأ من خاصية الصراع شبه الدائم خلال اعوام 2003-1968 الى خاصية التعاون المنساق بعد عام 2003, تجد فيها الولايات المتحدة الآمريكية فرصة مهمة داعمة لديمومة تربعها على قمة الهرم الدولي. ومما يساعد على ذلك نوعية الإدراك الآمريكي لدلالات الآهمية الجيوإستراتيجية والاقتصادية للعراق.

ويفترض هذا المشهد أن مخرجات ديمومة التردى في العراق سيسهل على  الولايات المتحدة الآمريكية توظيفها لصالحها, سيما وأن مضامين إتفاقية الإطارالإستراتيجي النافذ منذ عام 2005 بين الدولتين قد جعلت العراق في وضع يدفع به إلى الآخذ بإنماط من السلوك حيال الولايات المتحدة الآمريكية تشكل مجازأ آضلاع مثلث منغلق:

فأما عن الضلع الآول, فمفاده تلك المساعدات التي يحصل عليها العراق جراء هذه الاتفاقية, والتي لنوعية أهميتها لاتسهل انفكاكه من علاقته مع الولايات المتحدة الآمريكية.وأما عن الضلع الثاني, فهو يؤشر تجنب العراق إستعداء هذه الدولة العظمى وتحديها, إدراكأ منه لعدم قدرته على تحمل آكلاف مثل هذا السلوك. وأما عن الضلع الثالث, فهو يعد بمثابة النتيجة لما تقدم, أي حرص العراق على إدامة علاقة التعاون مع الولايات المتحدة الآمريكية والإرتقاء بها.

إن العلاقة الوطيدة بين العراق وايران قد تفضي الى نوع من التوتر في العلاقة العراقية- الامريكية, إلا إن إحتمال تحول العلاقة الآمريكية-الإيرانية من الصراع الى التعاون, سينطوي على دعم مضاف للعلاقة العراقية-الآمريكية.

وعلى الرغم من أن الإفتراض المركزي لمشهد ديمومة التردي الداخلي يفيد أن الواقع العراقي حتى عام 2025 سيقترن بمعطيات لا تساعد مخرجاتها على إحداث التغيير الحضاري في هذا الواقع, وبالتالي إستمرار بقاء العراق خارج عملية صناعة التاريخ. بيد أن هذا المشهد لا يلغي أمران: أولهما, إستمرار مؤسسات المجتمع المدني, وكذلك الرأي العام المتنور في المطالبة بالتغييرالشامل والجذري في الواقع العراقي, إنطلاقأ من أن الشعب العراقي هو صاحب المصلحة الحقيقية في مستقبل مشرق أمن ومرفه. وثانيهما, إحتمالية تماهي صناع للقرار العراقي مع  هذه المطالب,ولكن عبرإستجابات ستعمد الى تغليب المظهرعلى الجوهر قوامها إتخاذ قرارات تفتقر آصلا إلى إرادة التنفيذ, و/أوتبني آفعال لا ترتقي إلى مضامين هذه المطالب.

*استاذ العلوم السياسية/ السياسة الدولية وإستشراف المستقبلات