الصين كقوة عظمى في عام 2050 والاقطار العربية

في مقالنا لشهر شباط الماضي بحثنا في مشاهد مستقبل الصين في عام 2050 وانتهينا إلى أن النمو المضطرد في الفاعلية الداخلية للصين بانعكاساتها الإيجابية على فاعليتها الخارجية قد يفضي إلى اقتران هذا المستقبل بأحد ثلاثة مشاهد، هي: اما قيادة النظام الدولي قيد التشكل حاليا، أو المشاركة في تشكيل هذا النظام، او قيادة عالم الجنوب. وقد ذهبنا إلى ترجيح المشهد الآول استنادا إلى ثمة مؤشرات داخلية صينية متفاعلة مع أخرى دولية.

 وتطرح هذه الاحتمالية المرجحة السؤال الاتي، كيف يحتمل ان تتعامل الصين مع الأقطار العربية، في عام 2050 عندما تصبح قوة دولية عظمى وعنده ايضا؟

ابتداء، قد يتساءل البعض لماذا تم اختيار هذا العام بالذات؟ وللإجابة نقول: إن هذا العام سيشهد مرور أكثر من قرن على تأسيس جمهورية الصين الشعبية والذي كان قد تم في عام 1949, وأن القيادة الصينية، التزمت، بعد وفاة مؤسس هذه الجمهورية، ماوتسي تونغ في عام 1976 وبعد البدء بعملية الإصلاح والتحديث الداخلي، بتحقيق المستقبل المرغوب فيه والمتمثل في جعل الصين الدولة القائدة للنظام الدولي متعدد الأقطاب مدخلا لإعادة احياء الإمبراطورية الصينية القديمة (1360-1840م). وقد تم تثبيت عام 2050 تاريخا لذلك.

وللإجابة على السؤال اعلاه، نقول ابتداء أن الصين في تعاملها مع الأقطار العربية ستستمر، وعلى الأرجح، متأثرة بالتوجه العام الذي تميزت به سياستها الخارجية بعد منتصف السبعينيات من القرن الماضي، أي التوجه البراغماتي. وبالمقابل سيستمر التعامل العربي مع الصين متأثرا، وعلى الأرجح أيضا، بمخرجات معطيات مشهد مركب قوامه ديمومة التردي وبداية التغيير العربي.

ولان موضوعنا ينحصر في تناول احتمالات السلوك الصيني حيال العرب في اقطارهم المتعددة، نفترض أن الصين ستتعامل مع الدول العربية خلال الزمان الممتد إلى عام 2050, تعاملا ينطلق من الفرص التي تفضي اليها معطيات مشهد ديمومة التردي، والقيود التي تفرضها معطيات مشهد بداية التغيير. لذا نرى أن السياسة الخارجية الصينية حيال العرب ستكون حصيلة لتأثير معطيات هذا المشهد المركب، وكالآتي على الأرجح:

أولا، ستعمد الصين إلى تطوير علاقاتها مع الدول العربية كافة. بيد أن هذا النزوع العام لا يلغي أن الصين ستعمد إلى إيلاء علاقتها مع بعض الدول العربية أهمية تعلو على سواها. فمن ناحية ستكون الدول النفطية العربية في المقدمة تأمينا لمصالح اقتصادية صينيه مهمة، وخصوصا النفطية منها. هذا جراء استمرار حاجة الصين العالية للنفط العربي تأمينا لمتطلبات ديمومة نموها الاقتصادي، وكذلك لجل الاسواق العربية الواسعة،

 واما من الناحية الثانية، من المرجح أن تعمد الصين إلى تطوير علاقتها ايضا مع الدول العربية الآخرئ ذات التأثير السياسي في حصيلة التفاعلات العربية- العربية دعما لتكريس عموم وجودها في الوطن العربي. وتدعم هذا النزوع مبادرة الحزام والطريق الصينية، التي تُعد مشروعا صينيا إستراتيجيا لتعميق الاعتماد الاقتصادي والعسكري والسياسي المتبادل بينها والدول، التي تشملها هذه المبادرة. لذا، من المحتمل أن تستمر العلاقات العربية-الصينية في تطورها المستمر، كما ونوعا، وعلى شتى الصعد. ولنتذكر أن هذا التطور، كان قد افضى في عام 2019, إلى أن تشكل الدول العربية، على الصعيد الاقتصادي مثلا، سابع شريك تجاري للصين وبحجم تبادل تجاري مرتفع بلغ 146 مليار دولار وبزيادة نسبتها 9% على اساس سنوي.

وتجدر الإشارة إلى ان الصين في تعاملها مع الدول العربية ستأخذ بأداة التفاوض الثنائي بديلا عن ذلك الجماعي. ومرد ذلك ادراكها، كسواها من القوى الكبرى، أن هذا النمط من التعامل هو الذي يجعل العرب في مركز تفاوضي ضعيف تتيح مخرجاته لها القدرة على تحقيق ما تصبو إليه، وبأقل الاثمان المقبولة.

ثانيا، وجراء التطور الإيجابي المستقبلي، الذي يحتمل أن تشهده العلاقات العربية-الصينية، من المرجح أن تتبنى الصين سياسة الحياد الرسمي المعلن حيال الأزمات و/ والصراعات العربية-العربية، هذا حفاضا على علاقاتها الثنائية مع  اطراف هذه الأزمات و/او الصراعات جميعها

ثالثا، أما بالنسبة للازمات والصراعات، التي تندلع بين دولة، أو مجموعة دول، عربية ودولة إقليمية ترتبط مع الصين بعلاقات واسعة كإيران مثلا، فمن المحتمل أن تتحدد السياسة الصينية حيال كلا الطرفين على وفق نوعية إدراكها لمدى أهمية كل من الأطراف المعنية بالنسبة لها. فعندما تكون هذه الأهمية على مستوى مماثل أو متقارب، عندها من المرجح أن تذهب الصين إلى تبني سياسة الحياد الرسمي المعلن مع بذل الجهد، المنفرد و/أو المشترك، للحد من تصاعد هذه الأزمات أو الصراعات سبيلا لتسويتها لاحقا، انطلاقا من أن هذه السياسة تفضي إلى دعم العلاقات المتبادلة مع أطراف هذه الآرمات والصراعات، بعنصر مضاف. ولكن عندما تولي الصين أهمية أعلى لصالح الطرف العربي في صراعاته، فإنها، وباحتمال عال، ستعمد إلى تبني سياسة أكثر ميلا ودعما له مع الإبقاء على انفتاحها على الطرف الإقليمي مستمرا.

بيد أن الصين، وقدر تعلق الآمر بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ستذهب إلى دعم الجهود الدولية لتسويته سلميا. ومما يساعد على ذلك، متغيران مهمان: أولهما، اتجاه العرب إلى تسوية هذا الصراع على وفق معادلة الدولتين. وثانيهما نزوع الصين إلى توظيف مخرجات علاقاتها المتطورة مع اسرائيل سبيلا لاحتواء التدهور المحتمل في علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، الذي سيكون، في عام 2050, قد تصاعد ربما إلى مستوى الحرب الباردة. وللفوائد الناجمة عن علاقتها متعددة المضامين مع اسرائيل، من المرجح أن تشهد العلاقات الصينية- الإسرائيلية نموا مضطردا. ومما يساعد على ذلك ليس فقط سياسة التعاون مع الجميع التي تنتهجها الصين منذ عام 1977 , وإنما أيضا إدراك الصين أن هذا النمو لا يفضي إلى مخرجات يمكن أن تؤثر سلبا في علاقاتها مع العرب. فالصين استمرت ترى أن تطور علاقاتها مع اسرائيل لا يتقاطع مع تطور علاقتها مع العرب.

رابعا، أما في حالة اندلاع أزمة بين دولة، أو مجموعة دول، عربية وبين قوة دولية كبرى، تتبادل الصين واياها علاقة التعاون، فمن المحتمل أن تعمد الصين إلى التدخل كطرف ثالث محايد لتسويتها مستفيدة من علاقاتها الوطيدة مع كلا الطرفين. فإذا لم تستطع ذلك، فإنها قد تأخذ بسياسة الحياد المعلن تأمينا لمصالحها معهما. بيد أن الآمر سيختلف في حالة الآزمة بين دولة، أو مجموعة دول، عربية وبين قوة دولية كبرى ترتبط مع الصين بعلاقة صراع. ففي هذه الحالة، من المحتمل إنها ستكون بجانب الطرف العربي. ومما سيدفعها إلى ذلك ليس نزوعها إلى رفد تطور علاقاتها مع الطرف العربي بمدخل مهم مضاف فحسب، وإنما أيضا تطلعها إلى دعم مصداقيتها الدولية، ولاسيما لدى دول عالم الجنوب، باعتبارها القوة الدولية الكبرى، التي لم تتوان عن الوقوف بجانب هذه الدول في نضالها من اجل التحرر، والاستقلالية، والنهوض الحضاري، ومنذ عهد ماوتسي تونغ.

خامسا، من المحتمل أن تنطوي طبيعة علاقات التعاون و/أو الصراع بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية على تأثير مختلف نوعيا في طبيعة العلاقات العربية- الصينية. فالعلاقات الصينية-الأمريكية عندما تتسم بخاصية التعاون، فإنها ستتيح للصين فرصة مضافة لتطوير علاقاتها مع العرب، سيما وإن التعاون الصيني -الأمريكي قد يلغي الضغط الأمريكي على الدول العربية الصديقة للولايات المتحدة للحد من علاقاتها مع الصين. والعكس كذلك صحيح أيضا. فالعلاقات الصينية-الأمريكية عندما تقترن بخاصية الصراع، فإنها قد تدفع بالولايات المتحدة إلى استثمار علاقاتها الوطيدة مع الدول العربية من أجل أن تتبنى ذات السياسة الأمريكية حيال الصين، حتى وإن انطوى ذلك على ايقاع ضرر في المصالح العربية. ونرى أن معطيات مشهد التردي العربي، لا يتيح للدول العربية الصديقة للولايات المتحدة مقاومة الضغوط الأمريكية عليها، وهو الآمر الذي قد يفضي إلى توتر علاقة هذا الدول مع الصين.

بيد أن العلاقة التعاون و/أو الصراع بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية عندما تتزامن مع علاقة متوترة بين إحدى الدول العربية والولايات المتحدة الأمريكية، فإن الصين، وتبعا لطبيعة علاقتها مع هذه الدولة العربية، قد تعمد إلى الآخذ بإحدى هاتين السياستين:

 فأما الوقوف مع هذه الدولة العربية. وهذا يشترط أن تكون علاقة الصين مع هذه الدولة قد أضحت على درجة عالية من العمق والشمول والمردودات العالية، وبمخرجات تشجع الصين على تبني سياسة قد تفضي إلى رفد التوتر في علاقتها مع الولايات المتحدة بعنصر مضاف. ولا نفترض أن الصين سوف تعمد إلى الآخذ بمثل هذه السياسة، حتى لو كانت لها علاقات وطيدة ومتشعبة مع هذه الدولة العربية أو تلك. فالصين تولي علاقاتها مع الولايات المتحدة أولوية خاصة، حتى لو أنها استطاعت في عام 2030 تحقيق نزوعها التحول الى مرتبة القوة الاقتصادية الأولى في العالم.

وأما السياسة الثانية، فهي تكمن في إرضاء كل من الطرفين العربي والأمريكي، وذلك مثلا عبر امتناع الصين عن التصويت على ثمة قرار تدعو الولايات المتحدة إلى اتخاذه من قبل مجلس الآمن الدولي بالضد من الدولة العربية ذات العلاقة المتوترة معها. ولنتذكر بهذا الصدد ممارسات التصويت الصيني ازاء قرارات مجلس الآمن الدولي حيال العراق قبل الاحتلال عام 2003. ونحن نرجح هذه السياسة، فهي, إضافة إلى أنها تتماهى مع كيفية إدارتها لسياستها الخارجية منذ عام 1977 المتمثلة في تغليب التعاون على الصراع, هي تفضي إلى إرضاء هذه الدولة العربية جراء عدم وقوفها مع الطرف الأمريكي ضدها، كذلك إرضاء الطرف الأمريكي عبر تبني سلوك الامتناع عن التصويت داخل مجلس الآمن الدولي ضد القرار، الذي تدعو إليه الولايات المتحدة. وتجدر الإشارة إلى أن الامتناع عن التصويت في مجلس الآمن الدولي لا يحول دون اتخاذ القرار المرغوب فيه، هذا على العكس من مخرجات استخدام حق الفيتو الذي تتمتع به كافة الدول دائمة العضوية في هذا المجلس

سادسا، في عام 2030 ربما تكون الصين قد استطاعت تجاوز الولايات المتحدة الأمريكية اقتصاديا، وهو الآمر الذي يجعلها أقرب الى قمة الهرم الدولي، التي تسعى إليها. إن التحول إلى قوة اقتصادية عظمى،  قد يجعل الصين تتعامل مع العالم انطلاقا من سياسات الترغيب والترهيب، وهو الآمر الذي سينسحب بالضرورة أيضا على أنماط سلوكها حيال العرب.

 ومما سيساعد على ذلك مدخلان أساسيان: الآول، أن علاقات تبادل المصالح العربية-الصينية ستكون في عام 2050 قد تطورت على نحو أعمق واشمل، ومن ثم صارت الاعتمادية المتبادلة أوطد مما كانت قبل هذا العام. إن هذه الاعتمادية ستدفع الصين إلى تبني أفعال الترغيب خدمة لمصالح منشودة أساسا. بيد أن هذه السياسة لا تحول دون اللجوء أيضا إلى أفعال الترهيب، عند الضرورة. ونرى أن مخرجات معطيات مشهد التردي العربي عندما تتغلب على تلك ذات العلاقة بمشهد التغيير العربي، فإن المعطيات الاولى لا تجعل الدول العربية قادرة على مقاومة افعال الترهيب الصينية.

أما المدخل الثاني، فهو أن الصراع الأمريكي-الصيني سيكون قد تصاعد إلى مستوى الحرب الباردة الجديدة. وتفيد تجربة الحرب الباردة الأمريكية -السوفيتية السابقة أن الصراع على المناطق الحيوية في العالم كان أحد خصائصها، ومنها الوطن العربي. وكما تحمل العرب، مثل سواهم، كلفة الصراع الامريكي- السوفيتي، كذلك من المرجح أن يتكرر الشيء ذاته جراء الصراع الأمريكي-الصيني.

وانطلاقا من التقاطع بين تبني الصين لسياسة خارجية واعية لأهدافها المنشودة ومدركة لأدواتها وبين أداء سياسي خارجي عربي يعبر عن مخرجات مشهد يتأرجح بين معطيات التردي وبداية التغيير بمخرجاته السلبية والايجابية، من المرجح أن تكون مخرجات العلاقات العربية- الصينية في عام 2050 لصالح الصين اكثر من الصالح العربي.

 ————————

*أستاذ العلوم السياسية/ السياسة الدولية ودراسات المستقبلات

ورئيس وحدة استشراف المستقبلات في المعهد العالمي للتجديد العربي