عودة الحريري في ذكرى والده تزيد المشهد السياسي إرباكاً

التدويل وتطبيق القرارات الدولية “والتحرير” وقود المعارك الانتخابية

بيروت – غاصب المختار

   أصبحت عناوين المعارك الانتخابية في لبنان واضحة سياسياً، لكنها غير واضحة بعد إجرائياً وعلى صعيد التحالفات وتشكيل اللوائح بعد قرار الرئيس سعد الحريري تعليق العمل في الحياة السياسية وعدم خوض الانتخابات النيابية المقررة في 15 ايار”مايو” المقبل. وبدا من الإتصالات الاولى التي جرت خلال شهر شباط “فبراير” بين معظم الاطراف السياسية ان بلبلة واسعة تسود هذه الأطراف بسبب محاولات الكثير منهم “الاستحواذ” على “ترِكة”

مخزومي في الرياض البحث عن بديل.

الحريري الشعبية والإنتخابية. لكن وحده حزب “القوات اللبنانية” كان المبادر الى تسمية العديد من مرشحيه في بعض الدوائر، فيما يبلور “حليفه” الانتخابي وليد جنبلاط خياراته باكراً ايضاً.

  تُظهر المؤشرات ان المعركة الانتخابية ستكون طاحنة بين القوى المسيحية في دوائر كثيرة من بيروت الى الشمال والجبل والبقاع.لا سيما في الدوائر ذات الاغلبية المسيحية كما في بعبدا والمتن والشمال الثالثة (البترون –الكورة- زغرتا وبشرّي). وربمافي دائرة عكار برغم وجود الثقل السني فيها. وستشكل الانتخابات رافعة لبعض القوى والشخصيات السياسية و تراجعاً لآخرين.

شعارات “التحرير” الانتخابية

  لكن لوحِظ ان شعارات معركة الانتخابات في معظم الدوائر تتمحور حول “تحريرلبنان من الاحتلال الايراني وهيمنة حزب الله وسلاحه على الدولة”. وبات كل المرشحين من خصوم الحزب يرفعون هذه الشعارات لإستقطاب الناخبين من المسيحيين والسنة والدروز.

  وزادت الورقة الخليجية التي حملها وزير خارجية الكويت الى لبنان وتضمنت عشرة بنود “لإستعادة الثقة بلبنان”، التأزم وبالتالي الاصطفافات، لأنها تتعلق ببنود خلافية كبيرة قائمة منذ العام 2005 بخاصة في ما يتعلق بالقرارات الدولية التي تطال سلاح المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي والتي ما زالت تداعياتها قائمة حتى اليوم، وهي وقود المعركة الانتخابية بين معسكرين: الاول حزب الله وحلفاؤه تحت شعارات “تحرير لبنان من الهيمنة الاميركية على قراره السياسي وتوجهاته الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية”، والثاني معسكر المعارضين للحزب وتوجهاته ولما

المفتي دريان حاضن الحريري  والطائفة من بعده.

يسمونه “سيطرة ايران على لبنان”. والهدف الكبير المرسوم من قبلهم هو عقد مؤتمر دولي للبنان يطالب بحياد البلد عن كل الصراعات في المنطقة وحصر السلاح بيد القوى الشرعية اللبنانية، وتطبيق القرارات الدولية بهذا الخصوص. وهو الامر الذي عاد واكد عليه البطريرك الماروني بشارة الراعي الشهر الماضي في اكثرمن مناسبة.

   أولى الخطوات التي رسمها هذا الفريق لتحقيق مطلبه كان عبر الانتخابات النيابية، حيث يحشد هؤلاء وبكثافة لسحب الاكثرية النيابية من حزب الله وحلفائه. ووفق “الخطة الموضوعة” فإن الهدف الموضوع اقليمياً ودولياً قد يوحِّد الاحزاب المعارضة للحزب مع قوى التغيير المدنية الطامحة الى حجز مقاعد لها في مجلس النواب،

  لكن مصدراً نيابياً في كتلة تيار المستقبل يؤكد لـ “الحصاد”، ان محاولات رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع لوراثة الحريري او استقطاب جزء من جمهوره باءت بالفشل، “لأن لدى الشارع السني مخزون تاريخي رافض لجعجع، وقد قام هو عبر مواقفه الاخيرة بتحريك هذا المخزون، كما ان بهاء الحريري لم يستطع برغم كل محاولاته، استقطاب الجمهور السني الواسع”. وقال لـ “الحصاد”: القوات اللبنانية خط احمر ممنوع التحالف معها.

  اما وقد عاد الحريري إلى بيروت ساعات قليلة لإحياء ذكرى والده، فهو فضل الصمت المطبق ووصفه احد اركانه بانه الصمت الابلغ من الكلام، واكتفى بوقفة امام الضريح، لكنه فور وصوله اجتمع مع نواب كتلة المستقبل وابلغهم حسب ما قال احد النواب لـ “الحصاد”: انه ما زال عند قراره بعدم خوض الأنتخابات لا شخصياً ولا على مستوى تيار المستقبل. وهو قال لهم: انا لا اقول لكم ترشحوا او لا تترشحوا، وكل واحد يُقدّر ظروفه وظروف منطقته، لكن لا يمكن ان يترشح احد بأسم تيار المستقبل ومن يترشح فعلى مسؤوليته الشخصية. وهذا الموقف ليس للنقاش.

  لكن الحريري قال ايضا لنوابه: امامنا اربع سنوات صعبة والبلد يمر وسيمر بأزمات، وانا لا ادعو إلى مقاطعة الانتخابات او الى المشاركة فيها، واترك للناس ان تقرر خياراتها وتتحمل المسؤولية.

 ونقل المصدر عن الحريري دعوته أعضاء الكتلة للاستمرار بحضور جلسات مجلس النواب وممارسة دورهم التشريعي، والمشاركة بمناقشة مشروع الموازنة العامة التي ستعرض للمناقشة، مشددا على رفض أي محاولة للتمديد للمجلس النيابي بالاستقالة منه فوراً.

على هذا، قرر عدد من نواب المستقبل عدم الترشح للإنتخابات لا سيما في بيروت والبقاع الغربي والشمال، بعدما لمسوا على الأرض تحرك بهاء الحريري وبعض مجموعات المجتمع المدني وشخصيات سنية اخرى، وبدء فتح المكاتب الانتخابية وصرف المساعدات المالية والعينية والمحروقات في القرى البعيدة.

إنتخابات بلا الحريري!

  وبرغم ذلك،لا تتصوراكثر القوى السياسية حصول انتخابات بلا وجود سعد الحريري وتيار المستقبل في اللعبة البرلمانية والسياسية “المشوّقة” والمعقدة في لبنان. مسؤولو التيار مربكون وغير متحمسين للترشح من دون وجود الحريري ولا العصب السني الذي يمثله، وبعضهم خائف من خوض الانتخابات بوجه لوائح قوية شعبياً ومتمولة مالياً كما في بيروت الثانية والثالثة، وفي الشمال لاسيما طرابلس، وفي البقاع الغربي حيث يكثرخصوم “الحريرية السياسية”.

  وبرأي بعض المتابعين، ان الحريري تقصد فتح الخلاف مع “القوات اللبنانية” على مصراعيه لمنع حشد الاصوات السنية المؤيدة له لمصلحة لوائح “القوات”، وهوما ظهر في مواقف اركان وقيادات ونواب تيار المستقبل واغلب جمهوره. وربطوا ذلك بما وصفوه وقوف السعودية وراء قرار الحريري بعدم خوض الانتخابا ت وتعليق العمل في الحياة السياسية ودعم لوائح “القوات”. بمعنى ان هؤلاء يرون ان الحريري تقصّد تحدي القرار السعودي بدعم مرشحي القوات اللبنانية والاطراف السنية الاخرى الخارجة من تحت عباءة تيار المستقبل او المعارضة له. لذلك كان طلب  الحريري من مناصريه عدم المشاركة في الانتخابات لا ترشيحاً ولا تصويتاً.”وليقلع الباقون شوكهم بايديهم”، حيث قال احد المقربين من الحريري رداً على دفعه الى الإعتكاف عبارة “رح تندموا”.

   المشكلة الاكبر ان لا بديل للحريري في الساحة السنية الواسعة وفي الدوائر الانتخابية ذات الاغلبية السنية، سوى زعامات مناطقية لا امتدادت لها في مناطق اخرى كتيار المستقبل. كما في طرابلس المدينة عبر الرئيس نجيب ميقاتي والنائب فيصل كرامي، وفي صيدا الى حد ما بوجود النائب اسامة سعد والدكتورعبد الرحمن البزري الذي يشكل حالة شعبية. وفي منطقة البقاع الغربي حيث التواجد الاكبر للنائب عبد الرحيم مراد الذي سيرشح ابنه الوزير الاسبق حسن مراد، اضافة الى التواجد السياسي لحركة “الجماعةالاسلامية” ولـ “جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية” المسماة

الحريري وعمه وعمته امام ضريح والده ليقلعوا شوكهم بايدهم.

“جمعية الاحباش”، ما يعني ترك هذه الدوائر لتجاذب القوى السياسية الاخرى، ولتأثير المال الانتخابي والتأثير السياسي الخارجي الغربي والعربي لا سيما الخليجي.

البحث عن بدائل

  من هنا جاء البحث في مراكز القرار السنية عن بدائل معقولة للحريري ولديها قوة تمثيلية او رافعة ومرجعية تغطيها لمنع تشرذم واستفراد الساحة السنية، فبادرمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان مع بعض رؤساء الحكومة السابقين الى الاتصال بعدد من النواب والشخصيات السنية البارزة، بهدف تشكيل نوع من تجمع سياسي – نيابي للطائفة السنية يتحوّل لاحقاً الى تجمع وطني كبير، من اجل استنهاض الشارع وتكريس وجود الطائفة في المعادلة السياسية والوطنية.

 وقالت مصادر نيابية متابعة لحرك دار الفتوى لـ “الحصاد”: ان هذا التجمع الواسع للطائفة،  يهدف الى منع اي طرف بمفرده من وراثة الطائفة او شرذمتها، وان الرئيس الحريري هو في صورة الاتصالات الجارية لكن هذه الاتصالات  لم تصل الى حد إتخاذ القرار النهائي في شكل هذا التجمع، خاصة ان الحريري قد حسم موقفه فوق ضريح ابيه بالصمت وترك الجميع يتخبطون في مشكلاتهم.

 وتضيف اوساط الدار: ان المفتي دريان ابلغ كل النواب والشخصيات التي تزوره بكثرة للحصول على غطاء سني شرعي كبير انه لا يقول ترشحوا او لا تترشحوا، ولن يتدخل في خيارات الناس، لكنه فقط دعا الى عدم مقاطعة الانتخابات والى حفظ وحدة صف الطائفة.

لمن الساحة؟   

في المقلب الآخر، كان بارزا ان مَن علّقوا على اعتكاف الحريري، لم يعربوا عن حزنهم فحسب، بل حذروا من ان هذا الانكفاء سيفتح الساحة السنية على مزيد من التوغّل الايراني والتركي والقطري وعلى التطرف الاسلامي في لبنان.

  فهل هذه القراءة في مكانها؟ تسأل بعض المصادر السياسية التي تُجيب: هل كان الحريري يشكل فعلا، بسياسات “ربط النزاع” مع حزب الله وخيار التسويات الدائم اللذين اعتمدهما – ولم ينفهما في رسالة اعتكافه بل اقرّ بأنه دفع ثمنهما – سداً منيعاً في وجه السطوة الايرانية على لبنان حتى يُعتبر انسحابه اليوم عاملاً يزيد هيمنة طهران على البلاد؟ ففي اقصى الاحوال، “قد” ينجح الحزب، في الانتخابات المقبلة في اضافة بعض الشخصيات لا اكثر الى “اللقاء التشاوري” الذي نشأ في الساحة السنية بتوجه مخالف للحريري ومقرب من الحزب. وقد ينجح آخرون في الساحة السنية في اضافة نائب او اثنين على مقاعدهم لكن ماذا يغير كل هذا في الوضع العام اللبناني؟

 اما مسألة سقوط الاعتدال وتشريع ابواب الشارع السني امام التطرف، فبدورها غير صائبة، ذلك ان سنّة لبنان اصلا، قبل الحريري، يرفضون خيار التطرف الديني والاسلامي ويرفعون شعار الإعتدال والوسطية، إلّا في بعض المناطق المحددة الشديدة الفقر والبؤس حيث تُسجّل بعض الحالات الفرديّة، وقد اثبتت التجربة ان التنظيمات الارهابية لم تتمكن سوى من هذه المناطق، بما يؤكد ان السبب الاساس هو الفقر الذي توسعت رقعته في شكل مخيف خلال السنوات الاخيرة وليس ميول طائفة محددة في حد ذاتها .

  و ثمة من يسأل: بعد قرار رؤساء الحكومة السابقين تمام سلام وفؤاد السنيورة وسعد الحريري وربما نجيب ميقاتي بعدم خوض الانتخابات، هل من قرار سعودي بتغيير الوجوه السنية التقليدية التي لم تواكب ولم تنفذ بشدة توجهات المملكة حيال حزب الله، بوجوه اخرى اكثر تشدداً؟ وهل تشكل دعوة نائب بيروت فؤاد مخزومي الى الرياض عشية وصول الحريري الى بيروت لإحياء ذكرى استشهاد والده وتخصيصه بإجراءات إستقبال استثنائية رسالة الى المعنيين الباحثين عن بديل للحريري؟

العدد 126 / أذار 2022