ازمات روسيا – اوكرانيا والانتخابات والحدود تُشعل الخلافات

لا مكان فعلياً لما يُسمّى “النأي بالنفس”في لبنان

بيروت – غاصب المختار

  تزاحمت الازمات والتطورات في لبنان خلال شهري فبراير ومارس الماضيين، بحيث رُسِمَتْ لوحة سوريالية كبيرة للمشهد اللبناني لا يمكن او من الصعب رسم لوحة شبيهة لها، إذ من الصعب جمع انعكاسات ازمة كالحرب بين روسيا واوكرانيا مع ازمات داخلية تبدأ بالخلافات حول تعديل قانون الانتخاب، ووراثة تركة الرئيس سعد الحريري الشعبية والسياسية، ونسج التحالفات الانتخابية وتشكيل اللوائح، ولاتنتهي بالخلافات حول خط ترسيم الحدود البحرية مع

لافروف وبو حبيب والازمة المستجدة

فلسطين المحتلة والشروط الاميركية، وحول شروط المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لتحقيق الاصلاحات البنيوية في الاقتصاد والمالية، وامور إجرائية تنبت فجأة كالفطر من دون ان يحسب لها احد حساب سوى من يفتعلها او يثيرها.

    هذا عدا عن اثارة الخلاف مجدداً حول استحداث مراكز الاقتراع الكبرى (ميغا سنتر) ليتمكن الناخبون المقيمون في بيروت وضواحيها القريبة من التصويت خارج مناطق قيد نفوسهم بما يخفف عنهم نفقات الانتقال الى مناطق بعيدة بعدما وصل سعر صفيحة البنزين الى اكثر  من 400 الف ليرة، وبما يُشجعهم على التصويت اكثر.

ازمة الموقف من روسيا

  إقتحمت الازمة المستجدة بين روسيا واوكرانيا  المشهد الخلافي اللبناني مرتين: مرة بعد بيان الخارجية اللبنانية “بإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا”، ومرة بعد تصويت لبنان في الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يدين الغزو ويطالب روسيا بوقف الحرب والانسحاب من اوكرانيا. وهذان الموقفان اثارا حفيظة اصدقاء روسيا من القوى السياسية التي طالبت بأن يكون الموقف اللبناني محايداً في هذه الحرب الروسية – الاوروبية، و الروسية – الاميركية في حقيقتها وجوهرها. لكن يبدو انه لم يعد في لبنان مكان فعلياً  لما يُسمّى النأي بالنفس عن الصراعات الاقليمية والدولية وباتت العبارة ممجوجة ومستهلكة بعدما جرى استخدامها حسب الظرف السياسي وعلاقة هذا الطرف او ذاك مع الخارج، وحسب تأثير الخارج على السلطة اللبنانية، وهوتأثير اميركي – غربي اكثر بكثيرمما هو روسي او مشرقي.

  وهكذا تبرأ اصدقاء موسكو في الحكومة والبرلمان من بيان الخارجية اللبنانية، وانتقدوا لاحقاً موقف لبنان في الجمعية العامة، وأخذ وزير الخارجية عبد الله بو حبيب بصدره سهام الانتقاد من دون تحميل المسوؤلية لأيّ من

هل يلعب السنيوة من وراءظهر الحريري

الرئيسين ميشال عون اونجيب ميقاتي مع انهما كانا وراء طبخ الموقف اللبناني تحت تأثير ضغط اميركي واوروبي واضح، تجلى بزيارات سفراء اميركا والاتحاد الاوروبي الى الرئيسين والى الوزير بوحبيب “لشكرهم على الموقف اللبناني الرسمي المتعاطف والمؤيد لاكروانيا.

 ولكن ذلك اضاف الى الازمة مع روسيا حدة عبر عنها السفير الروسي الكسندر روداكوف بصراحة ما إضطر الرئيس ميشال عون الى ايفاد مستشاره للعلاقات الروسية النائب السابق امل ابو زيد الى موسكو والتقى مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الاوسط وافريقيا ميخائيل بوغدانوف.

      لكن وحسب مصادرمتابعة للموقف، يبدو ان التبرير الرسمي اللبناني لم يُقنع الجانب الروسي كثيرا،  الذي بعث برسائل وتسريبات تُفيد “بأن الثمن سيكون غالياً على لبنان لا سيما في العلاقات الاقتصادية والدعم الذي تقدمه موسكو للبنان لا سيما في مجال الطاقة”. وقد اوضح بيان السفارة الروسية في بيروت الموقف الروسي بقول: “لقد آثار بيان وزارة الخارجية والمغتربين للجمهورية اللبنانية الدهشة لدينا بمخالفتها سياسة النأي بالنفس، واتخاذه طرفا ضد طرف آخر في هذه الاحداث، علما أن روسيا لم توفر جهدًا في المساهمة بنهوض واستقرار لبنان”.

  ومع ذلك، تقول مصادر متابعة للموضوع لـ “الحصاد” ان موسكو تجاوزت بيان الخارجية اللبنانية بسبب الوساطات التي قامت بها بعض القوى السياسية على رأسها حزب الله، لكن تصويت لبنان ضد روسيا كان بالغ العدائية. وتشير المصادر الى ان الرد الروسي سيرتبط بموضوع الاستثمارات النفطية اضافة الى المساعي الروسية المرتبطة بعودة النازحين السوريين الى سوريا وغيرها من القضايا التي كان فيها تعاون مشترك.

 حتى الآن الغضب الروسي لم يُترجم دبلوماسياً وعملياً بطريقة حادة، بل كان الموقف “اننا نتفهم ظروف لبنان والضغوط التي مورست عليه ولن يؤثر موقفه على العلاقات بين البلدين، لكننا لن ننسى من وقف معنا ومن وقف ضدنا”. لكن بعض المصادرنقلت لـ “الحصاد” كلاماً للسفير الروسي مفاده: “كما نتفهم نحن وضع لبنان نتطلع الى أن تُقدّر القيادة اللبنانية أفكارنا والأسباب التي تقف وراء قرارنا بالعملية العسكرية على أوكرانيا، ولا أعتقد أنه سيكون هناك أزمة ديبلوماسية بين البلدين وأبداً لن نقطع العلاقات بيننا وبينكم” .

    لا شك ان هذه الازمة اعادت طرح النقاش العلني وفي الكواليس حول إلتزام لبنان سياسة النأي بالنفس فعلياً، وانقسمت الآراء بين ثلاث وجهات نظر أساسية:

ـ  الأولى عبّرعنها “حزب الله” برفضه إقحام لبنان في مواجهة لا تعنيه مباشرة  ولو تركت انعكاسات اقتصادية ومعيشية عليه كماعلى سائر دول اوروبا، وانّه قد يكون الدولة العربية الوحيدة التي تبرّعت بموقف من هذا القبيل. ويرى اصحاب هذا الرأي انّ الأميركيين هم الذين دفعوا في اتجاه صدور البيان اللبناني الرسمي المندّد بالاجتياح

هوكشتاين وخط الحدود المتعرج.

الروسي لأوكرانيا، بعدما المحوا الى انّ “هذا الموقف ضروري لتسهيل الحصول على مساعدات صندوق النقد الدولي، وتسهيل عملية استثناء لبنان ومصر والاردن وسوريا من عقوبات “قانون قيصر” المفروض على سوريا لإستجرار الكهرباء والغاز من مصر والاردن الى لبنان عبر سوريا.

  ويؤكد هؤلاء انه كان ممكناً ان يتضمن بيان الخارجية اللبنانية “دعوة لوقف الحرب والعودة الى التفاوض والحوار لحل الازمة”، بمعنى ان يقف لبنان على الحياد في حرب هي في الاصل روسية – اميركية. لكن عبارة “يدين الغزو” هي ما سببت مشكلة مع روسيا لا يعرف احد كيف ستنتهي، خاصة ان لبنان ما زال يطلب الدعم الروسي في مجالات كثيرة.

ـ  وجهة النظر الثانية، انتقدت موقف “حزب الله” وحلفائه السلبي من بيان وزارة الخارجية، من منطلق انّه “لا يحق لمن يقحم لبنان في سياسة المحاور ويقاتل في سوريا والعراق واليمن ان يُعطي دروساً في النأي بالنفس”.

ـ اما وجهة النظر الثالثة، التي يمثلها الرئيسان عون وميقاتي والوزير بوحبيب، فتعتبر ان الموقف اللبناني لا يُعدُّ خروجاً عن سياسة النأي بالنفس، إنما يندرج في إطار الالتزام بمبادئ الشرعية الدولية والقانون الدولي التي تشكّل الضمان الأساسي لحماية السلم والانتظام الدوليين وسلامة أراضي الدول الصغيرة من غزوات او اجتياحات الدول الكبرى.

خلاف ترسيم الحدود

 على مقلب آخر، برز مجدداً الخلاف حول خط ترسيم الحدود، بعد الاشكاليات التي احاطت بموقف الجيش الذي يرى وجوب اعتماد الخط 29 وليس الخط 23، بما يؤمن للبنان حقه في “حقل قانا” النفطي كاملاً وحصة في حقل “كاريش” التي استحوذت اسرائيل عليه بالكامل، بما يؤدي الى زيادة مساحة استفادة لبنان من المنطقة الاقتصادية البحرية الخالصة بنحو عشرة الاف كيلومتر مربع.

  لكن جديد الازمة والخلاف حسب المعلومات المُسرّبة كان حول تسليم السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا الرؤساء الثلاثة عون ونبيه بري وميقاتي، عرضاً مكتوباً، ترجمة للعرض الشفهي الذي حمله الوسيط الاميركي في المفاوضات كبير المفاوضين في وزارة الطاقة الأميركية آموس هوكشتاين، بناءً على طلب لبنان، والمطلوب من لبنان الإجابة عليه، قبل أن يحدد الوسيط الأميركي موعداً لزيارة قريبة.

  فالعرض يقترح حصول لبنان على الخط 23 متعرجاً أي مشوّهاً، قبل أن ينحرف صعوداً عند البلوكين 8 و10، فيكونان مع القسم الخارجي من “حقل قانا” من نصيب العدو الإسرائيلي، إضافة إلى عرض آخر يتضمّن قيام شركة “توتال” الفرنسية بالحفر من الجانب اللبناني وشركة “هاليبرتون” من الجانب الآخر بإدارة الحقول المشتركة بين الجانبين، على أن يتم العمل على الحدود برعاية قطرية.

  وبحسب مصادر مطلعة على الموقف الرسمي، فإن رئيس الجمهورية بقبوله التفاوض على الخط 23 اراد “عدم كسر الجرّة” مع الاميركي وتوفيرمساحة اضافية للتفاوض انطلاقا من الخط 23 ومابعده، وليس التوقف فقط عن هذا الخط. لكن بدا ان اسرائيل تسعى لما هو ابعد من مجرد ترسيم الحدود والاتفاق على حل للنزاع، عبر المشاركة مع لبنان في استثمار المكامن المشتركة للنفط والغاز، وهذا ما رأى فيه الكثيرون وبخاصة حزب الله نوعاً من جر لبنان الى التطبيع الاقتصادي مع العدو تمهيداً للتطبيع السياسي او الامني لاحقاً. وهوما ادى الى فرملة الاندفاعة نحو استئناف التفاوض حولترسيم الحدود.

… والانتخابات

اما خلافات الانتخابات النيابية فلها الف حساب داخلي وخارجي، لا سيما بعد قرار الرئيس سعد الحريري عدم خوضها، ما فتح شهية الكثيرين على وراثته اوملء الفراغ كما يقولون ومنهم وابرزهم الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة، الذي ترأس جملة لقاءات واتصالات كثيفة مع شخصيات وجمعيات ولجان أهلية بيروتية ومن خارج بيروت، لدرس موضوع الترشيحات وتشكيل اللوائح. وهو زار باريس في النصف الاول من شهر مارس (آذار) وتردد انه التقى مسؤولاً سعودياً رفيع المستوى اضافة الى مسؤولين فرنسيين معنيين بالشان اللبناني.

   وذكرت المصادر المتابعة ان السنيورة  في آخر اجتماع له  بعدعودته من باريس مع “مجموعة العشرين” التي تشكلت من شخصيات سنية كانت معارضة لتوجهات سعد الحريري في التحالف مع التيار الوطني الحر ومشاركة حزب الله في حكومته، قرر تشكيل لائحة مكتملة في بيروت الثانية من كل مرشحي الطوائف حتى الشيعي منها “لتأمين النسيج الوطني بكل اطيافه، لكن لم يتم البحث في الأسماء بل بالتوجهات والمعايير “حسبما قالت لـ “الحصاد” مصادر شاركت في الاجتماعات.

  لكن المصادر اوضحت انه لم يتمكن من إقناع مندب لبنان السابق في الامم المتحدة السفير نواف سلام بالترشح، الذي اصدر بيانا مطولاً اعلن فيه عدم رغبته بالترشح، وشرح الاسباب وراء قراره كما شرح مشروعه “الاكبر من الانتخابي” .

 ومع اعلان عدد من نواب تيار “المستقبل” الحاليين كالدكتور محمد الحجار و رلى الطبش ولاحقا الدكتورعاصم عريجي وآخرون، التزاماً بقرار الحريري، ضاقت مساحة الحركة امام السنيورة لا سيما في بيروت، وبقيت له فسحة صغيرة في طرابلس والضنية والمنية وعكار شمال لبنان، عبر ما كان يُعرف بـ “صقور المستقبل” كالنائب السابق احمد فتفت والوزير الاسبق اللواء اشرف ريفي وشخصيات اخرى لها حيثية معينة ترغب في الترشح اوترشيح اولادها. لكن الجو السني العام يشي بعدم حماسة للسير بقوة وراء السنيورة برغم دعوات دار الفتوى ورئيسي الحكومة السابقين السنيورة وتمام سلام لعدم مقاطعة الاقتراع.

العدد 127 / نيسان 2022