الموسيقي اللبناني العالمي عبد الرحمن الباشا عازفاً في بيروت

نظم المعهد الوطني العالي للموسيقى، حفلاً موسيقياً للبيانو في بيروت، أحياه العازف والموسيقي اللبناني العالمي عبد الرحمن الباشا، بالتعاون مع مؤسسة أصدقاء الأوركسترا الفلهارمونيّة اللبنانية، ومؤسسة Bechstein الألمانية.

توافد جمهور كبير من محبّي الموسيقى والموسيقيّ العالمي، واحتشدت كنيسة القديس يوسف في بيروت، بنخبة من الشخصيات اللبنانية الثقافية والموسيقية والسياسية والإعلامية والدبلوماسية الذين حضروا لسماع الموسيقي الكبير، حيث قدّم لجمهوره أداءً مبهراً بروح ممتلئة بالموسيقى، وبمهارة أبرع عازفي البيانو في العالم، وهو من قدّم العديد من الحفلات منفردًا أو مع الأوركسترا الوطنية الفرنسية والأوركسترا الفلهارمونيّة

العازف في لحظات انخطاف موسيقي.

الملكيّة وأوركسترا برلين الفلهارمونية وغيرها كثير. أما العزف في بيروت، فتبقى له نكهة خاصة وحنين وجداني بدا جليًّا في أدائه، في ما تمثّل له بيروت من “حلم دائم”، على قوله في حديث خاص على هامش الحفلة. وبتلك النشوة الرّوحية عزف لبيروت التي قال عنها أيضًا “المدينة المطبوعة في قلبي، والتي اكتشفت العالم من خلال نورها”، وهو الذي غادرها فتيًّا للدراسة في المعهد الوطني العالي للموسيقى في باريس منذ حوالي خمسين عامًا.

بالتصفيق والترحاب استقبله جمهوره الذي قارب ال 500 شخص، ثم بدأ برنامجه الموسيقي مع “باخ” Bach أعظم موسيقيي عصره وربما العصور اللاحقة، حتى نهاية العزف وما بينهما من مقطوعات للبيانو. وتضمّن البرنامج العديد من الصّيغ والأنماط الموسيقية المختلفة والمتنوعة والمتناقضة. فتنقل بين موسيقى يوهان سباستيان باخ  في بنائها المفصّل والصّعب والمعقّد(Concerto Italien, Allegro, Andante, Presto) ، إلى موسيقى “شاعر البيانو” “شوبان” F.Chopin العبقرية، ذات النمط المختلف بحمولتها الشاعرية والعاطفية وتدفقها الرقيق والحالم في Trois Nocturnes opus 9، إلى “شوبان” نفسه في مقطوعة “بولونيز” Polonaise الشهيرة ذات الأبعاد الملحمية والبطولية، وما تحمله من دفق موسيقي وانفعالات متواترة.

بهذه الرشاقة الساحرة، انتقل العازف إلى مناخه الموسيقي الحميم، مستعيدًا العالم الطفولي عبر مؤلفاته الخاصةLe monde des enfants (Berceuse, Comptine, Reverie du petit soldat de bois, Devant le sapin de Noel, L’enfantine, L’adolescente )

جانب من الحضور

. والتي نقل معها الحضور، المغرق في الإصغاء، إلى فضاء مختلف من دون قطع خيط الانسيابية الشفاف والمتواصل الذي رافق عزفه منذ اللحظات الأولى.

ومن عبقرية المؤلف الموسيقي الفرنسي “موريس رافيل” M. Ravel، عزف عبد الرحمن الباشا خاتمًا، أعظم مؤلفاته للبيانو وربما أكثرها صعوبة من: “Gaspard de la nuit” (Ondine, Le Gibet, Scarbo) . فخامة الموسيقى وعمق المضمون (المستلهم من “غاسبار الليل” للشاعر الفرنسي مبتكر “قصيدة النثر” ألويزيوس برتران) وبراعة العزف وقوة الأداء والترجمة الموسيقية، شهد لها جمهور الباشا الذي حلّق معه إلى آفاق لا متناهية وأبعاد  مترامية الانفعالات. هذه الأمكنة البعيدة في ما وراء العزف زارها العازف آخذًا معه سامعيه، في مقطوعة Scarbo التي ختم فيها رحلته العزفية المدهشة، في تحدٍّ مقصود لإثبات براعته وتكريس تربّعه على عرش أهم عازفي البيانو في العالم، وذلك في اختياره عزف أصعب قطعة موسيقية كُتبت للبيانو في تاريخ الموسيقى.