اليمن: مفاجأة الهدنة وانقلاب القيادة

تغيير في وجوه السلطة وسعي إقليمي دولي للتوصل إلى التسوية

محمد قواص

قد يكون هناك علاقة ما بين اندلاع الحرب في أوكرانيا وإعلان الهدنة في اليمن وقد لا يكون. المهم أن الحدثَ اليمني لافت في توقيته وفي توافق أطراف الصراع حوله في هذه اللحظة الدراماتيكية الدولية التي تنفخُها معارك أوروبا الشرقية.

وأيا كان مستوى صمودِ هذه الهدنة وما تسجله من خروقات، فإن تبريد الجبهاتِ جاء في لحظة تعب وإجهاد أصابت اليمنيين كما أصابت الدول البعيدة والقريبة المنخرطة بالصراع. والهدنة تواكب مشاورات يمنية يمنية لا يحضرها الحوثيون انتهت إلى قيام مجلس رئاسي جديد نُقلت سلطات الرئاسة إليه. جرى التشاورُ في الرياض برعايةِ مجلس التعاون الخليجي.

اللافت أن المبعوثين الدوليين والعواصم الكبرى من خلفهم مهتمون بانجاح التحولين، السياسي والميداني، والدفعِ باتجاه نقلِ الهدنةِ إلى مستوى الوقفِ النهائي لإطلاق النار. وفي تسهيلِ طهران ما لم يتمَّ تسهيلُه سابقا وفي دعمِها هدنةَ اليمن، ما بإمكانه أن يكون تطورا على علاقة بمفاوضاتِ اللحظة الأخيرة في فيينا حول البرنامج النووي. في الأمرِ

مجلس رئاسي جديد حل مكان الرئيس عبد ربه منصور هادي

أيضا، حسب مراقبين، مصلحةٌ أميركية هدفُها تخفيفُ توترِ علاقاتِ واشنطن مع السعودية والخليج، وربما إقناعُ أهل المنطقة بمحاسنِ الاتفاق في فيينا وفضائلِه في حملِ السلم إلى المنطقة.

مفاجئة الهدنة

توافق مفاجئ حصل في مسقط أجاز التوصل مع جماعة الحوثي إلى هدنة لمدة شهرين في اليمن. كان التحالف العربي قد أعلن قبل ذلك وقفا لإطلاق النار بمناسبة شهر رمضان بما يتناسب أيضا مع رعاية مجلس التعاون الخليجي للمشاورات اليمنية-اليمنية التي انطلقت في 29 مارس الماضي  في الرياض. في الأمر انقلاب ينزع نحو السلم بعد أشهر من التصعيد والعنف على الجبهات في الداخل طاول أهدافا في السعودية والإمارات في الخارج.

لا ينجو هذا التطور من عوامل خارجية تتعلق بمزاج دولي مرتبط بأولويات العواصم الكبرى الخاصة بالحرب في أوكرانيا. العوامل تتعلق أيضا بالتطورات الغامضة  لمفاوضات فيينا حول البرنامج النووي الإيراني، كما بمقاربة خليجية لدفع اليمنيين للاهتداء إلى تسوية يمنية يمنية تحظى بحواضن إقليمية ودولية داعمة.

ولا يمكن للعامل الخارجي وحده أن يدفع باتجاه عملية سياسية وميدانية جريئة لمعالجة الوجع اليمني بدون أن يكون أطراف الصراع قد باتوا، موضوعيا، جاهزين للاستجابة إلى حسابات الخارج والانصياع لأجندات التسوية والتفاهم. والواضح أن جماعة الحوثي التي عرضت وقبلت وقف إطلاق النار، وفرض هدنة إنسانية لانتشال المنكوبين من

الحوثيون وافقوا على الهدنة ولم يوافقوا على المشاورات اليمنية

مأساتهم، تملك معطيات وتعاني من إجهاد يدفعها إلى الترحيب بمبادرة أممية قام بها المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غرندبرغ لم تقبل مثيلاتها قبل أشهر وقبل سنوات.

تعليق الخيار العسكري

بات “الحل السياسي” دستور الجميع في اليمن كما العنوان العريض للدول المنخرطة في الصراع والدول القريبة والبعيدة المعنية بالشأن اليمني. والأرجح أن دعاة “الحل العسكري” لدى كافة الأطراف قد اقتنعوا باستحالة الأمر بعد سبع سنوات على الحرب، وهو أمر ظلت تيارات داخل الشرعية كما لدى جماعة الحوثي تعتبره السبيل الوحيد لحسم الصراع في هذا البلد.

ويظهر من اندفاع واشنطن ولندن وباريس وغيرها كما العواصم العربية والإقليمية إلى الترحيب بهدنة اليمن أن العالم أيضا قد تعب من حرب لن تنتهي إلا بقرار أطرافها المباشرين وغير المباشرين. ويظهر من دعم السعودية ودول الخليج وإيران لهذه الهدنة توفّر ظروف سياسية جديدة لم تكن ناضجة قبل ذلك لإسقاط الورقة اليمنية من حسابات الصراع الجاري بين طهران وعواصم المنطقة.

وعلى الرغم من خطاب إيران السابق الزاعم بأن الأزمة اليمنية بيتية داخلية مفتاح حلّها بيد اليمنيين فقط، فإن أطراف التحالف العربي لدعم الشرعية كما الأمم المتحدة والمبعوثين الدوليين، يدركون زيف هذا الادعاء، ويعرفون انخراط إيران في دعم الحوثيين، ويملكون معطيات عن مدى نفوذ طهران لدى تلك الجماعة ومستوى ما تقدمه لها في السلاح والتدريب والمال والمدد اللوجيستي، خصوصا لجهة تزويدها بأسلحة متطوّرة لاسيما المسيّرات والصواريخ الباليستية.

على أن تحوّلات عسكرية حصلت في الأشهر الأخيرة أضعفت الابتزاز العسكري الذي كان يعوّل عليه الحوثيون من خلال السعي اليائس لإسقاط محافظة مأرب والسيطرة على شبوة والجوار. والواضح أن ما لحق بالجماعة من هزائم وخسائر دفعها للقبول بالهدنة بوحي كامل من طهران، لكن بدون المشاركة بمشاورات الرياض، أي بتجنّب نقاش الحلّ السياسي. وعلى هذا فإن لطهران أسبابا جديدة سهّلت في العاصمة العُمانية ما كان وفد الحوثي هناك قد رفضه مرارا

التطورات اليمنية على علاقة مباشرة بالمداولات في فيينا

وتكرارا “بانتظار  سقوط مأرب” وتبدّل قواعد اللعبة الإيرانية الجارية مع مجموعة دول الـ 4+1 بالإضافة إلى الولايات المتحدة في العاصمة النمساوية.

مفاعيل فيينا

أتت مبادرة الهدنة حينها لتلاقي مواقيت ترتبط بالجلبة في واشنطن وطهران بشأن قرب إعلان الاتفاق المتوخى في فيينا. أتت أيضاً لتواكب الجدل حول احتمال موافقة واشنطن على رفع الحرس الثوري الإيراني عن لوائح الارهاب الأميركية مع ما يحيط الأمر من صخب في واشنطن داخل الكونغرس الأميركي قبل أشهر من الانتخابات النصفية، وما يواكب هذا الاحتمال من توتر شديد عبّرت عنه قمم شرم الشيخ والعقبة والنقب في الأيام الأخيرة.

وقد لا يكون مستبعداً أن يكون الحرس الثوري يخاطب الولايات المتحدة والمجتمعيْن الدولي والعربي من خلال إثبات قدراته على الامساك بمفاتيح السلم والحرب لدى امتداداته في اليمن، كما لدى امتداداته، بالمناسبة، لدى سوريا ولبنان والعراق. ففيما تشيع الأوساط الأميركية بأن قرار اسقاط الصفة الإرهابية عن الحرس الثوري هو أمر لم يقرره الرئيس جو بايدن، فإن للتطور اليمني أهدافا تروم التأثير على خطط البيت الأبيض المنتظرة.

والحال فإن حديث وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان عن أن ضباط الحرس الثوري عرضوا ألا يكون مطلب إخراج “الحرس” من لوائح الإرهاب عائقا يضر بمصالح إيران، يلمّح لواشنطن والرأي العام الدولي بامكانية اسقاط هذا الشرط وتجاوزه. ورغم أن أوساطا داخل الحرس الثوري هاجمت الوزير الإيراني، إلا أن الأمر كشف عن مرونة تبديها طهران للإفراج عن الاتفاق في فيينا، كما أن مرونة طهران في اليمن ترمي لا شك إلى تسهيل فكفكة عقد من شأنها الإفراج عن الاتفاق العتيد.

يبقى أن واشنطن وطهران يتقاسمان الحرج في إخراج اتفاقهما في فيينا في الداخل والخارج. لا خطط أميركية لإعادة الحوثيين إلى لوائح الإرهاب الأميركية. فقط المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم لندركينغ يمنّ على المنطقة بالإقرار بأن

العالم بأجمعه يريد وقف الحرب في اليمن

“الدور الإيراني سلبي في اليمن”. وليس مستبعداً أن يكون تسهيل طهران لهدنة اليمن هو تكتيكي يلاقي سعي واشنطن لإظهار الدعم للرياض ودول الخليج، ومحاولة من قبل الطرفين لإقناع المنطقة بفوائد التفاهمات في فيينا لأمن اليمن والسلام في الخليج.

تقاطعات الخارج والداخل

تقاطعت على ما يبدو مصالح إقليمية ومصالح دولية مع مصالحِ الداخل اليمني من أجل الخروج بالتوافق النادر الذي أدى إلى إرساء الحوثيين وقفا لإطلاق النار وتبادلا للأسرى. وقد رعى مجلس التعاون الخليجي مؤتمرا للتشاور اليمني-اليمني في الرياض بهدف الوصول إلى مسالك السلم ومداخله.

الأمر يجري بعد تصعيدٍ خطير لا سيما ضد المنشآتِ النفطية في السعودية. وعلى الرغم من وجود رابط بين الحدث اليمني وما كان يحدث طوال أشهر في فيينا، وعلى الرغم من حالة المراوحة التي يعاني منها الحوار بين السعودية وإيران بالرعاية العراقية، فإن اللحظة اليمنية تمثل مع ذلك توافق الرياض وطهران على نحو غير معلن ولأسباب تخصّ الطرفين استدعت تبريد النزاع في اليمن.

وعلى الرغم من أجواء التفاؤل التي بثّتها أخبار الهدنة وتشاور اليمنيين، وعلى الرغم من الترحيب الدولي بـ “التقدم الواعد” في صدد السلم في اليمن، إلا أن الطريق نحو التسوية الكبرى ما زال يحتاج إلى تسويات داخلية وخارجية لا تظهر أعراضها بوضوح حتى الآن.

غير أن ما تحققَ مباغتٌ مفاجئ قد يُخفي عزماً على إقفال ملف الحرب وفتحِ ملف السلم والإعمار،  ومع ذلك فإن الخوف يكمنُ دائما في شياطينِ التفاصيل.

موقف الحوثيين

وافق الحوثيون على نحو لافت على الالتزام بالهدنة التي اقترحها المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ. وافق التنظيم على هدنة لطالما تم رفضها في السابق من قبل الوفد الحوثي في مسقط عاصمة سلطنة عمان. ورغم تعرض الهدنة إلى خروقات، بعضها خطير، بدا أن جميع الأطراف حرصت على الاجتماع حول متن الحدث وأغفال ما يمكن أن يعطله.

غير أن الموقف الإيجابي لجماعة الحوثي في موضوع الهدنة لم ينسحب على مسألة التوافق السياسي. فقد رفض الحوثيون المشاركة في جلسات التشاور اليمني اليمني التي رعاها مجلس التعاون الخليجي في الرياض، ثم رفضوا ما نتج عنه من تشكيل مجلس رئاسي وهيئات انتقالية أخرى واعتبروا أن هذا التغيير الذي أنهى مهام الرئيس عبد ربه منصور هادي ونائبه علي محسن الأحمر وجاء بتشكيلة عريضة ليس شرعيا ويمثل إرادات خارجية. وفهم المراقبون من هذه السلبية الحوثية عدم استعداد الجماعة ومن ورائها إيران الدخول في عملية التسوية السياسية.

لكن بعض الآراء الأخرى رأت في موقف الحوثي ما يتوافق تماما مع عقيدة هذا التنظيم المستوحى من عقائد الجمهورية الإسلامية في إيران. ودللوا على ذلك بالسجال الذي اصطنعته الجماعة ضد الزعيم العراقي السيد مقتدى الصدر وفي الانتقادات التي وجهت إليه من قبل الجماعة اليمنية في شأن يفترض أنه شأن عراقي بامتياز

صنعاء- بغداد: السجال

يشكل مقتدى الصدر في العراق تحديا حقيقيا مقلقا للرواية التي تتأسس عليها ديناميات الميليشيات التابعة لإيران في العالم العربي. قرر الرجل، منذ سنين، أن يكون عراقيا منشغلا بشؤون العراق بحيث يندرج سلوكه السياسي، بما في ذلك مباركة أذرعه الميليشياوية أو حلّها والقطع معها وفق حساباته العراقية، والعراقية فقط. ويأخذ “الولائيون” على زعيم التيار الصدري أنه يؤمن بالوطنية (أي الوثنية وفق فتوى أحد خصومه في اليمن) بديلا عن “قضية الأمة”.

حرب أوكرانيا تعيد تموضع اطراف الصراع في اليمن

و “قضية الأمة” هي عقيدة كل تيارات الإسلام السياسي، سنّة وشيعة، سواء روّج لها حسن البنا وغيره قديما أو روح الله الخميني وغيره حديثا. وهي بهذا المعنى تعادي الدولة الوطنية وتعتبرها بدعة تفرّق المؤمنين وضد منطق الدين وشريعته. وفي ما يسلكه المنطق الميليشياوي التابع لإيران، من باكستان وأفغانستان مرورا بالعراق وسوريا ولبنان انتهاء باليمن، ما يتّسق تماما مع مرامي يُفترض أنها في خدمة “قضية الأمة”.

والحال أن العمليات  الأمنية (الاغتيال وإطلاق الصواريخ.. إلخ) التي نُسبت إلى ميليشيات تابعة لإيران في العراق وتلك التي نُسبت إلى حزب الله في لبنان، استهدفت دوما منطق الدولة الوطنية بما هي تهديد لأممية “الدعوة” وقطع لسبل عبورها الحدود والأمم لتكون تحت راية الخليفة-الإمام. ولئن تقبل تلك الميليشيات خوض العملية السياسية والانخراط في الحياة البرلمانية والحكومية، فذلك فقه استثناء يراد منه صيانة سلطة الفقيه وضمان نفوذه متمددا أيا كانت سبل ذلك ووسائله.

جدل الولاية

وما بعث به الحوثيون في اليمن إلى الصدر في العراق يفضح تصدّعا بنيويا داخل “البيت الشيعي” الكبير المفترض أن “الولاية” يراد لها أن تكون متنه وأساسه. يعيب محمد البخيتي عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثي على الصدر أنه بات يؤمن بالدولة الوطنية بما هي نقيض لمنطق الأمة.

يكشف المسؤول الحوثي في تغريدة وجهها للصدر، وهي لا شك رسالة-نصيحة من طهران، بأن “دول العدوان الرباعي بقيادة امريكا مستعدة لوقف العدوان ورفع الحصار وتمكيننا من حكم اليمن شرط التخلي عن الولاية والتحول لحزب سياسي”. وفي ذلك معلومة إذا ما صدقناها، فإن الرجل يفتي بوصفة لإنهاء الحرب في اليمن ويكشف أيضا عن الديناميات الحقيقية لاستمرار تلك الحرب وسرّ العجز الدولي عن إيقافها.

والحال أن حملات دولية، لا سيما داخل الولايات المتحدة، شُنّت ضد الشرعية اليمنية والتحالف العربي الذي يدعمها لتحميلهم وزر تلك الحرب التي لا تنتهي. وُصفت تلك الحرب بــ “العبثية” دون أن تنجح أي وصفات تعاقبَ على

وجلس التعاون الخليجي رعى المشاورات اليمنية اليمنية في الرياض

اقتراحها مبعوثون دوليون وآخرون ممثلون للأمين العام للأمم المتحدة في الاهتداء إلى ترياق لوقفها وإنجاح التسوية السياسية. حتى أن الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي أطلّ على الشرق الأوسط من خلال موقف جديد في اليمن وتعيين مبعوث له إلى هناك، استنتج سريعا تصدّع تحليله وفشل مساعيه.

في المعلومات التي كشف النقاب عنها المسؤول الحوثي، التي سنصدقها جدلا، فإن “دول العدوان” أرادت إنهاء “العدوان” وتسليم السلطة، (من وراء ظهر بقية اليمنيين) للحوثيين، لكن الجماعة أبت ذلك لأنها لا تريد التخلي عن فضيلة “الولاية” وارتكاب إثم التحول إلى حزب سياسي. وفي مطالعة الرجل ما يطرح أسئلة بشأن الكيفية التي بالإمكان انتهاجها لوقف هذه الحرب ومآسيها، طالما أن هدف الحوثي ليس سياسيا مطلبيا ينشد دولة اليمن العادلة وسلام البلد وازدهاره، بل أن هذه الحرب بالذات هي تفصيل صغير خدمة لـ “الولاية”.

لماذا فشلت كل المفاوضات؟

يُسجل للحوثيين أنهم مباشرون واضحون في خطابهم وأهدافهم وعقيدتهم. ومن خلال الطموح الدعوي الولائي المنتمي إلى “قضية الأمة”، بالإمكان استنتاج ما يقف وراء فشل المفاوضات العلنية التي انتجت تفاهمات في استوكهولم والكويت وغيرها، وتلك السرية التي تنشط في مسقط وغيرها. وتُفهم من الأمر أيضا حيثيات العجز الذي أطاح بكافة مبعوثي الأمم المتحدة واحدا تلو آخر. ولئن ما زالت الحرب مستعرة ولغة النار هي الأعلى ويفيض ضررها خارج اليمن، فإنه جدير التساؤل حول طرق التوصل إلى تسوية وسلم باتا ضرورة ورحمة لليمن واليمنيين مع جماعة “ترفض السلطة من أجل الولاية”.

صحيح أن البخيتي يقدم النصح للصدر في دينه، إلا أنه يقدم في تغريدة ملحقة شرحاً، سيكون عصي الفهم على الدبلوماسية الدولية، حول ما يقصده بالولاية. يقول الرجل إن “الولاية أمانا للناس في الدنيا والآخرة ومن تخلى عنها فقد ذلك الامان، لأنه سيجد نفسه في ولاية من لا عهد لهم ولا امان، ومن أوفى بعهده من الله. إن ولاية الله ورسوله والذين آمنوا كما جاء في الآية ٥٥ من سورة المائدة لا تقبل الا بالبراءة من أعدائهم كما جاء في الآية ٥١ من نفس السورة”.

لا شك أبدا بإيمان الحوثيين تماما بذلك. مصير يَمنهم مرتبط عضويا وشرعيا بالولاية التي يديرها وليّ فقيه في طهران. وفق تلك الدقة يُفترض على مهندسي أي حلّ أو أي تسوية أن يرسموا خرائط الطريق التي وجب أن تنهل من فقه وتفسير وإفتاء وتأويل لا علاقة له باليمن والسلطة والصراع بين فرقاء الداخل أو ذلك الذي ترسمه “لعبة الأمم”.

هي رسالة من اليمن أرادت إفهام الصدر تبرّم الوليّ الفقيه في طهران من مسعاه الدولاتي في العراق. وفي الرسالة تكرار ممل لمن يهمه الأمر أن لأمر السلم في اليمن والعراق عنوان واحد.. عنوان المرشد في إيران.

شروط الحلّ

على أية حال فإن لغة العقائد تطيح بها رياح المصالح السياسة وهذا ديدن العلاقات الدولية في العالم. وأمر هذه العقائد يسقط حين تصبح إيران جاهزة للإفراج عن الحل اليمني. والحال أن إيران التي استثمرت كثيرا في الجهد والسياسة والعقيدة والمال والعسكر في ميادين المنطقة، لا سيما في لبنان وسوريا والعراق واليمن لن تسمح بتحولات داخل هذه الدجول لا تكون طهران شريكة في صناعتها. على هذا ممكن أن نفهم أن مصلحة الحوثيين العسكرية تطلبت القبول بالهدنة، التي قالت بعض المعلومات، إنها كانت مطلبهم. وعلى هذا أيضا يمكن أن نفهم دون أن نتفهم عدم انخراط الحوثيين وإيران في عملية سياسية ترعاها دول الخليج دون أن يكون لإيران القول والفعل.

وعلى هذا فإن ما تحقق في الداخل يحتاج إلى دينامية تواصل داخلي، يفترض أن تقوم بها هيئة التشاور والمصالحة التي شكلتها التغييرات الجديدة، لعل في الأمر استدراج للحوثيين أو بعض التيارات داخل الجماعة بالذهاب نحو خيار التسوية والسلم. لكن نجاح المسعى الداخلي يحتاج إلى رعاية دولية وإقليمية تفترض أن تتبدل سياقات السياسة الخارجية الإيرانية ومقاربتها في العلاقة مع المنطقة ودول الجوار.

تشكيل مجلس قيادة رئاسي

في 7 ابريل أصدر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي اليوم (الخميس) إعلانا رئاسيا يقضى بتشكيل “مجلس قيادة رئاسي” ونقل صلاحياته إليه، لاستكمال “تنفيذ مهام المرحلة الانتقالية”.

ونشرت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية (سبأ) التي تديرها الحكومة، نص “الإعلان الرئاسي بنقل السلطة وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي”.

ونص الإعلان على أنه “ينشأ بموجب هذا الإعلان مجلس قيادة رئاسي لاستكمال تنفيذ مهام المرحلة الانتقالية”.

وقال منصور هادي في قراره “أفوّض مجلس القيادة الرئاسي بموجب هذا الإعلان تفويضا لا رجعة فيه بكامل صلاحياتي وفق الدستور والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية”.

ويترأس مجلس القيادة رشاد محمد العليمي، ويضم سبعة أعضاء.

والعليمي هو رجل أمني وسياسي يمني معروف، وكان يعمل مستشارا للرئيس هادي منذ 2014، وتقلد قبلها عددا من المناصب الحكومية منها قيادة وزارة الداخلية، ونائب رئيس الحكومة لشؤون الدفاع والأمن، ومناصب قيادية أمنية وسياسية عدة.

أما الأعضاء السبعة فهم: سلطان علي العرادة (محافظ مأرب)، وطارق محمد صالح (نجل شقيق الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح)، وعبد الرحمن أبو زرعة (قائد قوات العمالقة) وعبد الله العليمي باوزير (مدير مكتب الرئيس هادي)، وعثمان حسين مجلي (زعيم قبلي ووزير سابق)، وعيدروس قاسم الزبيدي (رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال)، وفرج سالمين البحسني (محافظ محافظة حضرموت).

وحدد الإعلان الرئاسي اختصاصات مجلس القيادة الرئاسي وتشمل “إدارة الدولة سياسيا وعسكريا وأمنيا طوال المرحلة الانتقالية”، و”اعتماد سياسة خارجية متوازنة تحقق المصالح الوطنية العليا للدولة وبنائها على أسس الاستقلالية والمصالح المشتركة بما يحفظ سيادة الدولة وأمنها وحدودها”، و”تيسير ممارسة الحكومة لاختصاصاتها بكامل صلاحياتها طوال المرحلة الانتقالية”.

ومنح الإعلان الرئاسي لرئيس مجلس القيادة الرئاسي صلاحيات خاصة تتمثل في “القيادة العليا للقوات المسلحة، وتمثيل الجمهورية في الداخل والخارج، وتعيين محافظي المحافظات ومدراء الأمن وقضاة المحكمة العليا ومحافظ البنك المركزي، بعد التشاور مع رئيس مجلس الوزراء، على أن يتم التوافق على الأسماء مع أعضاء مجلس القيادة الرئاسي”.

كما تضمن الإعلان الرئاسي “تشكيل هيئة التشاور والمصالحة” التي تضم 50 عضوا، وتعمل على “توحيد رؤى وأهداف القوى والمكونات الوطنية المختلفة بما يساهم في استعادة مؤسسات الدولة وترسيخ انتماء اليمن إلى حاضنته العربية”.

كما تضمن الإعلان الرئاسي تشكيل “فريق اقتصادي من الكفاءات الوطنية لدعم الإصلاحات الحكومية وتقديم النصح والمشورة للحكومة والبنك المركزي فيما يخص الإصلاحات العاجلة في المجالات الاقتصادية والتنموية والمالية والنقدية”.

ووفقا للإعلان الرئاسي فقد تم تجديد ولايتي مجلس النواب ومجلس الشورى في مهامها المناطة بهما، وكذلك الحكومة الحالية.

وبحسب الإعلان الرئاسي، فإن مجلس القيادة الرئاسي يتولى التفاوض مع (أنصار الله) الحوثيين “لوقف إطلاق نار دائم في كافة أنحاء الجمهورية والجلوس على طاولة المفاوضات للتوصل إلى حل سياسي نهائي وشامل يتضمن مرحلة انتقالية تنقل اليمن من حالة الحرب إلى حالة السلام”.

وجاء في الإعلان الرئاسي، أن ولاية مجلس القيادة الرئاسي “تنتهي وفقا للحل السياسي الشامل وإقرار السلام الكامل في كافة أنحاء الجمهورية والذي يتضمن تحديد المرحلة الانتقالية ومتطلباتها، أو عند إجراء الانتخابات العامة وفقاً للدستور الجديد وتنصيب رئيس الجمهورية الجديد”.

وكان الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي تولى رئاسة البلاد في 25 فبراير 2012 بعد اجراء انتخابات في البلاد عقب تسليم الرئيس السابق علي عبدالله صالح السلطة وفقا للمبادرة الخليجية بشأن اليمن عقب احتجاجات في 2011.

لا يمكن للعامل الخارجي وحده أن يدفع باتجاه عملية سياسية وميدانية جريئة لمعالجة الوجع اليمني بدون أن يكون أطراف الصراع قد باتوا، موضوعيا، جاهزين للاستجابة إلى حسابات الخارج والانصياع لأجندات التسوية والتفاهم. والواضح أن جماعة الحوثي التي عرضت وقبلت وقف إطلاق النار، وفرض هدنة إنسانية لانتشال المنكوبين من مأساتهم، تملك معطيات وتعاني من إجهاد يدفعها إلى الترحيب بمبادرة أممية قام بها المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غرندبرغ لم تقبل مثيلاتها قبل أشهر وقبل سنوات.

ويظهر من اندفاع واشنطن ولندن وباريس وغيرها كما العواصم العربية والإقليمية إلى الترحيب بهدنة اليمن أن العالم أيضا قد تعب من حرب لن تنتهي إلا بقرار أطرافها المباشرين وغير المباشرين. ويظهر من دعم السعودية ودول الخليج وإيران لهذه الهدنة توفّر ظروف سياسية جديدة لم تكن ناضجة قبل ذلك لإسقاط الورقة اليمنية من حسابات الصراع الجاري بين طهران وعواصم المنطقة.

تحوّلات عسكرية حصلت في الأشهر الأخيرة أضعفت الابتزاز العسكري الذي كان يعوّل عليه الحوثيون من خلال السعي اليائس لإسقاط محافظة مأرب والسيطرة على شبوة والجوار. والواضح أن ما لحق بالجماعة من هزائم وخسائر دفعها للقبول بالهدنة بوحي كامل من طهران، لكن بدون المشاركة بمشاورات الرياض، أي بتجنّب نقاش الحلّ السياسي. وعلى هذا فإن لطهران أسبابا جديدة سهّلت في العاصمة العُمانية ما كان وفد الحوثي هناك قد رفضه مرارا وتكرارا “بانتظار  سقوط مأرب” وتبدّل قواعد اللعبة الإيرانية الجارية مع مجموعة دول الـ 4+1 بالإضافة إلى الولايات المتحدة في العاصمة النمساوية.

حملات دولية، لا سيما داخل الولايات المتحدة، شُنّت ضد الشرعية اليمنية والتحالف العربي الذي يدعمها لتحميلهم وزر تلك الحرب التي لا تنتهي. وُصفت تلك الحرب بــ “العبثية” دون أن تنجح أي وصفات تعاقبَ على اقتراحها مبعوثون دوليون وآخرون ممثلون للأمين العام للأمم المتحدة في الاهتداء إلى ترياق لوقفها وإنجاح التسوية السياسية. حتى أن الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي أطلّ على الشرق الأوسط من خلال موقف جديد في اليمن وتعيين مبعوث له إلى هناك، استنتج سريعا تصدّع تحليله وفشل مساعيه.

العدد 128 / ايار2022